اسمي الله الحسنى الرقيب والشهيد + غض البصر
زكي اليوبي
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ -مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
عباد الله: إن الله سبحانه لا شريك له في جميع صفاته ولا مضاهي له في أسمائه وتقديراته، فهو "الشهيد" المطلع على كل شيء الذي لا يخفى عليه شيء، قال الله تعالى: {وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} [سورة النساء: من الآية 79]، وهو "الرقيب" للمبصَرات ببصره الذي لا يغيب عنه شيء، ورقيب للمسموعات بسمعه الذي وسع كل شيء، ورقيب على جميع المخلوقات بعلمه المحيط بكل شيء، قال تعالى: {وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ رَّقِيبٗا} [سورة الأحزاب: آية 52]
أيها المسلمون: إن شعور العبد بأن الله عز وجل شهيد ورقيب عليه يعتبر من أعلى أعمال القلوب، إذ ذاك تعبد لله تعالى باسمه الرقيب وتعبد له باسمه الشهيد، فمتى أدرك العبد أن حركاته الظاهرة والباطنة قد أحاط الله بها، أوجب له ذلك حراسة باطنه عن كل فكر وهاجس يبغضه، وحفظ ظاهره عن كل قول أو فعل يسخط الله، قال تعالى: {وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ} [سورة البقرة: آية 235]، وجاء في الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه فيما يرويه النبي عليه الصلاة والسلام عن الله تبارك وتعالى أنه يقول: "وعِزَّتِي لا أجمعُ على عَبدي خَوفيْنِ وأَمنيْنِ، إذا خافَني في الدُّنيا أمَّنْتُه يومَ القيامةِ، وإذا أمِنَني في الدُّنيا أَخَفْتُه في الآخِرةِ" صحيح الترغيب (3376 )
فتأمل هذه النصوص وما في معناها يحرك في العبد مراقبة الله تعالى في كل أعماله، وجميع أحواله، إذ المراقبة ثمرة من ثمرات علم العبد بأن الله سبحانه رقيب عليه ناظر إليه، سامع لقوله، مطلع على أعماله كلها. والمراقبة منزلة عالية، وحقيقتها دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الله عز وجل عليه، فاستمرارية استحضار هذا العلم واليقين هي المراقبة، وهي مراقبة لله تعالى عند أوامره ليفعلها على أفضل وجه، ومراقبة له عند نهيه ليجتنبه ويجتنب ما يقرب إليه، وهذه المراقبة تحتاج من العبد إلى حضور القلب، واجتناب الغفلة ودوام الذكر، وهذا يثمر سرور القلب، وانشراح الصدر، وقرة العين بالقرب من الله تبارك وتعالى وهو نعيم معجل يناله العبد في الدنيا قبل الآخرة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ووفقنا لاتباع سنة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام، وجعلني الله وإياكم من المتّقين الذين يستمِعون القول فيتّبعون أحسنه، وَأَسْتَغْفِر اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ، وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أما بعد: عباد الله: اتقوا الله حق التقوى وراقبوه في السر والعلانية: قال الله تعالى: {وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} [سورة البقرة: آية 281].
عباد الله-:
قال الله تعالى: {قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ} [سورة النور: من الآية 30] في هذه الآية أمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يغضوا أبصارهم عما حرم عليهم النظر إليه لغير حاجة شرعية، من النظر إلى النساء الأجنبيات سواء كان في الشوارع والطرقات، أو في الأفلام والمسلسلات، وغير ذلك، فلا يحل النظر إلا إلى ما أباح الله تعالى النظر إليه، فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد، فليصرف بصره عنه فوراً، جاء في حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري. أخرجه مسلم (2159)، وقال تعالى: {إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا} [سورة الإسراء: من الآية: 36] إن الإنسان مسؤول عما استعمَل فيه سمعه وبصره وفؤاده، فإذا استعمَلها في الخير نال الثواب، وإذا استعملها في الشر نال العقاب.
وجاء في الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أضَرَّ علَى الرِّجالِ مِنَ النِّساءِ" أخرجه البخاري (5096)، ومسلم (2740)، ففي هذا الحديثُ تَحذيرٌ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِلأُمَّة مِن فِتنةِ النِّساءِ، وأنَّها أكثرُ الفتنِ ضَررًا على الرِّجالِ، فَينبغي للمؤمنِ الحذر في هذا الأمر والاعتصامُ بِاللهِ، والرَّغبةُ إليه في النَّجاةِ مِن فِتنتِهنَّ
وفقني الله وإياكم لفعل مراضيه وجنبنا أسباب سخطه ومعاصيه وأرانا الحق حقا ورزقنا اتباعه وأرانا الباطل باطلا ورزقنا اجتنابه إنه جواد كريم رؤوف رحيم، ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه، فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلى وعن سائر أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعز الإسلام، وانصر المسلمين، اللهم تول أمر إخواننا في فلسطين، وفي السودان، اللهم كن لهم عوناً ونصيرا، اللهم انصر عبادك الموحدين في كل مكان، اللهم إنا نسألك من خير ما سالك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ونعوذ بك من شر ما استعاذ منك عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم دمر أعداء الدين أجمعين، اللهم كل من أراد بلدنا هذا بسوء وسائر بلاد المسلمين، فرد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما. اللهم وفق ولي امرنا خادم الحرمين الشريفين، وهيأ له البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الخير، وتعينه عليه، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.