اسلامنا وتوقير الكبير
شايع بن محمد الغبيشي
اسلامنا وتوقير الكبير
إنّ الحمدَ لله نَحْمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه ونعوذ بالله من شرور أنفسينا وسيئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مضل له ومن يضلل فلا هاديَ له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبدُهُ ورسُولُهُ ــ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ : فاتقوا الله عبادَ الله حق التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
إخوة الإيمان حديثنا عن أمر عظيم اختاره الله ورضيه لنا وشرفنا به واتم به علينا النعمة فنقلنا من الذلة إلى العزة ومن المهانة إلى الكرامة ومن الضعف إلى القوة ومن البؤس والشقاء إلى السعادة والهناء، ومن التخلف إلى الرقي الحضارة، ومن الظلم والجور إلى القسط والعدل، فمن هو؟
إنه يتوافق مع الفطرة البشرية والرغبات السوية والمثل الحضارية بل يؤسسها ويمنيها، إنه نصر
الحق بل هو الحق، ينمي الأخلاق ويتمم مكارمها ويعلي من شأنها فمن هو؟
لقد جاء ليخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان وبغيها إلى عدله وسماحته، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فمن هو؟
تأملوا هذه الآية لتتعرفوا عليه بجلاء ووضوح: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}([1])
إنه الإسلام الدين الذي اختاره الله لنا وللبشرية جمعاء بالسعادة والهناء {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ}([2])
دين يحفظ الحقوق ويدافع عنها، ويعلي من شأن أهلها ولعلي أعرض نموذجاً واحداً للدلالة على عظمة هذا الدين وحاجة البشرية الماسة إليه، وذلكم هو حق الكبير قال الله عن الوالدين بعد أن وصى بالإحسان إليهما: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}([3])
وقد توافرت النصوص على مراعاة حق الكبير والإحسان إليه وتوقيره وإكرامه فعن أنس بن مالك يقول: جاء شيخ يريد النبي صلى الله عليه وسلم فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا» رواه الترمذي صحَّحه الألباني وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من إجلال الله تعالى: إكرام ذي الشيبة المسلم ...» رواه أبو داود وحسنه الألباني. وهذا حبيبنا صلى الله عليه وسلم يضرب لنا صورة رائعة في توقير الكبير واحترامه فقد جاء أبو بكر بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: «لو أقررت الشيخ في بيته، لأتيناه تكرمة لأبي بكر» رواه البخاري
ولتوقير الكبير وإجلاله في الإسلام صور منها:
أولاً: بدؤه بإلقاء التحية والسلام عليه؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((يسلِّم الصغير على الكبير، والراكب على الماشي))؛ رواه البخاري.
ثانياً: تقديمه في الكلام فقد انطلق عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةُ، وَحُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ رضي الله عنهم إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،ـ ليكلموه في قتل يهود خيبر لأخيهم عبد الله بن سهل، فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ: «كَبِّرْ كَبِّرْ» وَهُوَ أَحْدَثُ القَوْمِ ـ أي أصغرهم سناًـ فَسَكَتَ فَتَكَلَّمَا ..." رواه البخاري.
ثالثاً: الدعاء للكبير وخاصة الوالدين بطُول العمر في طاعة الله، والتمتُّع بالصحة والعافية، والمغفرة والرحمة، قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}([4]) كان أبو هريرة رضي الله عنه إذا أراد أن يخرج من بيته وقف على باب أمه، فقال: السلام عليك يا أمتاه ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليك السلام يا بني ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربيتِني صغيرًا، فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيرًا، وإذا أراد أن يدخل صنع مثله.
رابعاً:التكفل بحاجات الوالدين المادية، وتوفير الغذاء والملبس والمسكن والدواء، فهما أولى الناس بالاهتمام؛ فكما ربونا صغارًا، يجب أن نكفلهم كبارًا، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان..
خامسا: إدخال السرور عليهم والبعد عما يكدر خواطرهم فأحب الأعمال إلى سرور تدخله على مسلم فكيف بالوالدين، علينا أن نشعرهم أنهم سعادة الحياة وسرورها وأن نستغل وجودهم لنستمتع بالحياة معهم وأيم الله إنهم السعادة بعينها، ولدعوة من أحدهما تجلب للعبد رضى الرحمن وسعادة الدارين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ واشهد الا إله إلا الله وحده لاشريك له واشهد ان حمد عبده ورسوله اما بعد :
ومن صور توقير الكبير وإجلاله في الإسلام:
سادساً: إعانتهم على طاعة الله وإشعارهم أن وجودهم خير لأنفسهم فعن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ألا أنبئكم بخياركم»، قالوا: بلى يا رسول الله قال: «خياركم أطولكم أعمارا، وأحسنكم أعمالا» رواه ابن حبان وصححه الألباني .دخل سليمان بن عبد الملك مرة المسجد، فوجد في المسجد رجلًا كبير السن، فسلَّم عليه وقال: يا فلان، تحب أن تموت؟ قال: لا، قال: ولمَ؟ قال: ذهب الشباب وشرُّه، وجاء الكبر وخيرُه، فأنا إذا قمت قلت: بسم الله، وإذا قعدت قلت: الحمد لله، فأنا أحب أن يبقى لي هذا.
سابعاً: إشعارهم أنهم خير وبركة لمن حولهم فهم بركة الحياة عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «البركة مع أكابركم» رواه ابن حبان وصححه الألباني قال المناوي: "فالبركة مع أكابركم المجرِّبين للأمور، والمحافظين على تكثير الأجور.
والكبار أضعفهم الكبر فكانوا نعمة عظيمة فهم سبب الرزق والعون من الله عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ابغوني ضعفاءكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم» رواه أحمد وصححه الألباني
عباد الله علينا أن نخاطبهم بأجمل الألفاظ وأحسن العبارات ونشعرهم أنا سعادتنا بهم عظيمة علينا أن نتجنب الألفاظ المنفرة كأن تسمى الوالدة بالعجوز أو الكهلة وأن يسمى الوالد بالقحم أو الشيبة، نقول يا أمي يا أبتي ينبغي أن نعبر لهم عن مشاعر الحب وأن نغدق عليهم من كلمات الوداد وأن نتفرغ لسماع أحاديثهم ونستفيد من خبراتهم لا ننشغل عنهم، من المحزن أن كثيراً من الكبار اصبحوا في عزلة تامة قد شُغل عنهم أبناؤهم ونسوا أن الله وصانا بقول: { وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}([5]) ومن معاني القول الكريم كثرت الحديث إليهم والإصغاء إلى أحاديثهم ليتنا نأخذ بهذا التوجيه الرباني في زمن الانشغال بالأهل والأولاد والأصدقاء وبرامج التواصل الاجتماعي.
هذا هو اسلامنا وهذا هو ديننا بينما الحضارة المعاصرة تعد الكبير عالة المجتمع يودع في دور الرعاية لأنه في نظرهم لا فائدة فيه وفي ديننا كلمنا كبر الإنسان زادة العناية به، ممرضة نصرانية شد انتباهها تنويم امرأة كبيرة جاوزت التسعين من عمرها، وإذا بأبنائها وابناء ابنائها يحتشدون لزيارتها والسؤال عنها، فتساءلت في تعجب كل هذا من أجل هذه المرة قيل لها إن ديننا يوجب برها والإحسان إليها فما كان منها إلا أن نطقت بالشهادة في الإسلام.
([1]) [المائدة: 3]
([2]) [الحج: 78]
([3]) [الإسراء: 23، 24]
([4]) [الإسراء: 24]
([5]) [الإسراء: 23]
المرفقات
1689251489_اسلامنا وتوقير الكبير.pdf