اسْتَوُوا..تَرَاصُّوا..سُدُّوا الخَلَلَ..لَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَان
محمد البدر
الْخُطْبَةِ الأُولَى:
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمِنْ يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.
وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾. [آل عمران:102].
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾[النساء: 1].
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:70، 71]. عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾. وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾. فبعد غياب ما يقارب العامين بسبب جَائِحَةِ كُورُونَا ،نسمع كلمات تطرق آذان المصلين يقولها الأئمة«اسْتَوُوا..تَرَاصُّوا..سُدُّوا الخَلَلَ..لَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَان»فقد رص المصلون صفوفهم الكتف بالكتف والمنكب بالمنكب والكعب بالكعب مؤدين الصلاة وتذرف عيونهم بالعبرات فرحاً بعودة الصفوف وتلاصق الأجساد وتآلف القلوب داعين الله أن يديم هذه النعمة وأن يبسط الأمن على بلاد الحرمين وسائر بلاد المسلمين وأن يحفظهم من صوارف الدهر والأوبئة والكوارث،والله إنها فرحة تغمر المصلين بعودة التراص وتسوية الصفوف في المساجد قَالَ تَعَالَى:﴿قُل بِفَضلِ اللهِ وبرَحمتِهِ فبِذلكَ فَليفرَحوا هوَ خَيرٌ مِما يَجمَعون﴾.فينبغى أن نشكر الله على هذه النعم قَالَ تَعَالَى:﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾.فاشكروا الله عِبَادَ اللَّهِ على نِعمَةُ الاسلام أولاً وَ نِعمَةُ التَّوحيدِ والسُّنَّةِ وَ نِعمَةُ الأمْنُ وَالأَمَانُ وَ نِعمَةُ إقامة شَرْعَ الله ، في ظل قيادة حكيمة تحكم بشرع الله وَلله الحمد وَالمنة ،فالشُّكْرِ يَعُودُ بِزِيَادَةِ النِّعَمِ وَوَفْرَتِهَا وَبَرَكَتِهَا.
عِبَادَ اللَّهِ: يجب علينا أنَّ نَحْمَد رَبَّنَا -جَلَّ جَلَالُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ- عَلَى مَا دَفَعَ عَنَّا مِنَ الوَبَاءِ وَالنِّقَمِ، وَمَا أَسْبَغَ عَلَيْنَا مِنَ الآلَاءِ وَالنِّعَمِ؛ حيث أَوْشَكَتِ الحَيَاةُ أَنْ تَعُودَ إِلَى طَبِيعَتِهَا، بَعْدَ أَنْ عَانَتِ البَشَرِيَّةُ مِنْ جَائِحَةِ كُورُونَا وَشِدَّتِهَا،فهذه الجَائِحَةِ كان بها دُرُوسٌ كَثِيرَةٌ، وَعِبَرٌ وَمَوَاعِظُ لِلْمُتَّعِظِينَ كَبِيرَة، فَإِنَّ اللهَ يَبْتَلِي عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ مِنَ البَلَايَا، وَيَخْتَبِرُهُمْ بِمَا أَرَادَ مِنَ الرَّزَايَا، لَعَلَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ يَرْجِعُونَ، وَمِنْ ذُنُوبِهِمْ وَآثَامِهِمْ يَتُوبُونَ؛ قَالَ تَعَالَى:﴿وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَﱠ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾.تِلْكَ الِابْتِلَاءَاتِ قَدْ تَكُونُ عَذَابًا عَلَى الجَاحِدِينَ، وَرَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَتَكُونُ لِلْمُؤْمِنِ الصَّابِرِ المُحْتَسِبِ تَكْفِيرًا لِسَيِّئَاتِهِ، أَوْ رَفْعًا لِدَرَجَاتِهِ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَﷺ:«مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا؛ إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَمِنَ الدُّرُوسِ أَيْضًا:ظُهُورُ نِعَمِ اللهِ الكَثِيرَةِ عَلَى الْبَشَرِ الَّتِي لَمْ يَكُونُوا يَشْعُرُونَ بِهَا وَيَعْرِفُونَ قِيمَتَهَا إِلَّا حِينَ تَعَطَّلَتْ فِيهَا الحَيَاةُ حَتَّى عَادَتْ شِبْهَ حَيَاةٍ، فَتَوَقَّفَتِ المَعَامِلُ وَالمَصَانِعُ، وَأُغْلِقَتِ الشَّرِكَاتُ وَالمُؤَسَّسَاتُ، وعُطِّلَتِ المَدَارِسُ وَالمُؤَسَّسَاتُ وَالوَزَارَاتُ، وَتَوَقَّفَتِ الرِّحْلَاتُ الجَوِّيَّةُ وَالبَرِّيَّةُ، وَأُغْلِقَتِ الأَسْوَاقُ وَالمَحَلَّاتُ، وَتَعَطَّلَتْ حَرَكَةُ التِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ وَأَكْثَرُ جَوَانِبِ الحَيَاةِ، وأُغلقت الساجد لفترات ثم فتحت وتباعد الناس عن بعضهم وصلى كل واحد على حدة وافتقدنا التصافح والعناق وتنافر البعض من البعض،فَبَانَ بِهَا مَا كَانَ مِنْ فَضْلِ اللهِ العَظِيمِ عَلَى النَّاسِ، وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾.وَمِنَ الدُّرُوسِ المُسْتَفَادَةِ مِنْ جَائِحَةِ كُورُونَا: أَن الصِّحَّة تَاجٌ عَلَى رُؤُوسِ الأَصِحَّاءِ وليست أساطير بل هي حقيقة فالعَافِيَةَ لَا ثَمَنَ لَهَا يُرْتَضَى، وَالصِّحَّةَ تَاجٌ عَلَى رُؤُوسِ الأَصِحَّاءِ لَا يَرَاهَا إِلَّا المَرْضَى، فَكَمْ رَأَيْنَا مِنْ خَوْفٍ وَهَلَعٍ، وَحَذَرٍ وَتَرَقُّبٍ وَفَزَعٍ؛ إِذْ عَاشَ العَالَمُ شُهُورًا عَصِيبَةً، وَقَاسَى أَوْقَاتًا رَهِيبَةً،لذا نحمد الله ونشكره أن عادت المساجد إلى سابق عهدها.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا...
الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِه ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمَاً لِشَأْنِه ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً .
عِبَادَ اللَّهِ:فلنحمد الله جل وعلى ظاهراً وباطنا ونسأله أن يحفظ لنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين والرجال المخلصين من حولهم لحفظ الأمن والسهر على راحة البلاد والعباد ورجال الصحة الذين قاموا بنشر الارشادات والتعليمات والفحوصات واللقاحات في كل مكان ووضعت الناس بشفافية على الحقيقة للاطلاع عن كل ما يستجد في بلادنا وكل العالم وراينا لحمة الناس وتعاونهم في تطبيق النظام والسمع والطاعة لولاة الأمر والتواصي فيما بينهم بالصبر والدعاء ونحمد الله على ذلك ونسأل الله أن يديم علينا نعمة الأمن ويحفظها من الزوال ويزيدنا من كل الخيرات والبركات وجميع بلاد المسلمين..
عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.اللّهمّ واصرف عن بلادنا جائحة كورونا وعن سائر بلاد المسلمين.
عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
المرفقات
1646827186_اسْتَوُوا..تَرَاصُّوا..سُدُّوا الخَلَلَ..لَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَان.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق