استوصوا بالنساء خيراً
أبو عبد الله الأنصاري
1435/06/16 - 2014/04/16 23:17PM
[align=justify]معاشر المسلمين : يقول ربنا جل وعلا : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ، الزواج سنة الإسلام المباركة ، وسنة الأنبياء والمرسلين ، ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) ، وقد جعل الله حقاً على نفسه أن يعين الناكح يريد العفاف كما قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( ثلاثة حق على الله عونهم ) وذكر منهم : ( الناكح الذي يريد العفاف ) ، والزوجة الصالحة خير متاع الدنيا كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: ( الدنيا متاع ، وخير متاعها المرأة الصالحة ) رواه مسلم ، وصح عن ثوبان رضي الله عنه قال : لما نزلت : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ) قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض أسفاره ، فقال بعض أصحابه : أُنزلت في الذهب والفضة ، لو علمنا أي المال خير فنتخذه : فقال : ( أفضله لسان ذاكر ، وقلب شاكر ، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه ) ، وصح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي ) ، وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( ثلاثة من السعادة المرأة الصالحة تراها تعجبك وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك ..) .
يا معاشر الناس : رباط الزوجية من أعظم الروابط وأحقها بالحفظ والحماية ، وميثاقها من أغلظ المواثيق وأجدرها بالوفاء والرعاية وحسبنا قوله تعالى : ( وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً ).
المرأة أمانة نفيسة في عنق زوجها منذ لحظة العقد التي تنتقل فيها من ذمة والدها إلى ذمته ، أمانة كريمة بموجب ذلك الميثاق الغليظ الذي يقطعه الرجل على نفسه في الولاية والقيام عليها وأداء حقوقها وواجباتها ، منذ تلك اللحظة تتوجب لها حقوق الزوجية الكاملة على الرجل ، تلك الحقوق المبنية على أسس متينة من المودة التامة والرحمة الصادقة ، حتى قال الله تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } يقول الحافظ ابن كثير في تفسيره أي: ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فلْيؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف، وفي حديث معاوية بن حَيْدَة القُشَيري، عن أبيه، عن جده، أنه قال: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا ؟ قال: ( أن تطعمها إذا طعمْتَ، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تُقَبِّح، ولا تهجر إلا في البيت) ، وقال ابن عباس : إني لأحب أن أتزيَّن للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة؛ لأن الله يقول: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.
وأوجب تعالى عشرتهن بالمعروف كما في قوله: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } أي: طيِّبُوا أقوالكم لهن، وحَسّنُوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ }وتأمل قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ، وأنا خَيْرُكُم لأهْلي" .
يا معاشر الناس : لا خير فيمن لا خير فيه لزوجته ، وقد جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم معاملة الرجل لزوجته معياراً وميزاناً على خيره أو شره ، فخيرية المسلم تبدأ من حسن معاملته لزوجته وإحسانه ورفقه بها ، حتى تكون زوجته أول من تنعم بخيره ورعايته ، وأيُّ خير فيمن لا خير فيه لزوجته ، وإذا قلَّ أو انعدم خير الرجل لزوجته وشريكة حياته فأيُّ خير يرجى منه لسواها ، يدل على ذلك ما حدثت به الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( خيركم خيرُكم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي ) رواه الترمذي وصححه الألباني ، وحدث راوية الإسلام أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم ) رواه أحمد ، وعن الصديقة رضي الله عنها وعن أبيها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ، وألطفهم بأهله ). ولا تشكو زوجة من زوج إلا كان ذلك أمارة على قلة خيره وغلبة شره حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم : " لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم " . رواه أبو داود وصححه الألباني.
عظمت شريعتنا شأن الإنفاق على الزوجة وكفايتها في عموم حاجتها حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( دينار أعطيته مسكينا ، ودينار أعطيته في رقبة ، ودينار أعطيته في سبيل الله ، ودينار أنفقته على أهلك ، الدينار الذي أنفقته على أهلك أعظم أجرا ) رواه مسلم ، وفي البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له : ( وإنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة ترفعها إلى فيِّ امرأتك ) ، وقد قال معاوية بن حيدة رضي الله عنه: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : ( أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تقبح الوجه ، ولا تضرب ، ولا تهجر إلا في البيت ، كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض ، إلا بما حل عليهن ) رواه أبو داود وحسنه الألباني
وقد جاء إلى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مولى له وهو في بيت المقدس فقال : إني أريد أن أقيم هذا الشهر ههنا يعني رمضان ، فقال له عبد الله : هل تركت لأهلك ما يقوتهم ؟ فقال : لا ، قال : أمَّا لا فارجع ، فدع لهم ما يقوتهم ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ).
لقد أوجب الله تعالى على الرجل أن يقيم علاقته ومعاشرته لزوجته على أساس المعروف الذي لا إساءة فيه ولا مضارة ، فقال تعالى : ( وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) ، وقال سبحانه في أحكام الطلاق : ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) وقال بعدها : ( فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ) .
لقد كان هدي نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في معاشرته لنسائه أكرم هدي وأشرفه فكان جَمِيل العِشْرَة دائم البِشْرِ، يُداعِبُ أهلَه، ويَتَلَطَّفُ بهم، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته، ويُضاحِك نساءَه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين يَتَوَدَّدُ إليها بذلك ، فسبقته أول الأمر لخفتها ، ثم سابقها لما علاها اللحم فسبقها فقال : ( هذه بتلك السبقة ) ، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها صلى الله عليه وآله وسلم ، فيأكل معهن العشاء أحياناً، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها. وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كَتِفَيْه الرِّداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يَسْمُر مع أهله قليلا قبل أن ينام، يُؤانسهم بذلك ، وعندما وفد الأحباش على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعلوا يلعبون بحرابهم في المسجد في يوم عيد دعا صلى الله عليه وآله وسلم بعائشة – رضوان الله عليها - وقال لها : ( يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم ) ؟ فأقامها وراءه وطأطأ لها منكبيه لتنظر إليهم فجعل يقول:( يا عائشة ما شبعت فأقول : لا لأنظر منزلتي عنده)حتى شبعت ، وروي عن عمرة قالت : سألت عائشة رضي الله عنها كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خلا مع نسائه ، قالت : " كان كالرجل من رجالكم ، إلا أنه أكرم الناس ، وألين الناس ، ضاحكاً بساماً " ، بل شرع لنا صلى الله عليه وآله وسلم ملاعبة أحدنا زوجته فقال: ( كل شيء ليس فيه ذكر الله فهو لغو وسهو ولعب إلا أربع خصال : وذكر منها : ملاعبة الرجل امرأته .) ، ذلك هو شأنه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وآله وسلم مع أهله ، لينٌ وإحسان في المعاشرة ، ورفقٌ ولطفٌ في المعاملة وهو الذي قال تعالى فيه : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } .
الخطبة الثانية
تأملوا يا رعاكم الله آيات القرآن الكريم وتتبعوا وصايا وتوجيهات نبيكم الكريم فيما يخص معاشرة الرجال للنساء بل وتأملوا شأنه هو صلى الله عليه وآله وسلم في معاشرته لأزواجه لتدركوا أن ديننا العظيم جاء بإكرام المرأة لا إهانتها ، وبالإحسان إليها لا بإذلالها ، وبكفايتها لا بحرمانها ، وأنه لم يجعل للزوج أي حق في أن يسيء إلى زوجته أو يؤذيها أو يضر بها تحت أي سبب كائناً ما كان .
أيها المسلمون: الزوج في بيته سلطانه وقيمه ، وبيده بحسن خلقه وإحسانه – بعد توفيق الله – أن يجعل من بيته روضة من رياض السعادة والهناء أو يصير منه خربة من خرب النكد والشقاء ، والواقع يبين أن سبب كثرة المشكلات، وتفاقم الخلافات، وظهور المنازعات، وشيوع الطلاق والفراق لأسبابٍ تافهة ؛ إنما هو من سوء معاملة الأزواج لزوجاتهم ، وإهدار آداب الحياة الزوجية، وتضييع حقوق المسئولية الأسرية ، إذ كيف تكون الأسرة في هناء وصفاء، والزوج ذو بذاء وجفاء؟! إذا غضب نفط ونفث، واكفهر وزمجر، فيه حب الأنا والذات، خيرُه مقفل ، وشره مرسل، بره قليل ، ولسانه سيء طويل ، كفٌّ يابس، ووجه عابس، ومعاملةٌ فاسدة، وألفاظ قبيحة ؛ تورث جروحاً في قلب الزوجة لا تداوى ، وشروخاً في جدار العلاقة الزوجية لا تساوى ، وتُتْرك المرأةُ حسيرةً كسيرةً حائرة بين مُرين: طلب تطليقها، أو الصبر على تعليقها.
من الأزواج – يا معاشر الناس - من إذا أبغض المرأة كدها وهدها، وكهرها ونهرها ، وظلمها وهضمها ، يأكل حقوقها ، ويديم عقوقها ، يبخل في الإنفاق ، و يهدد ويحلف على كل تافه بالفراق بالطلاق ، وربما رمى بها في بيت أهلها وأخذ ولدها من أحضانها ليتركها أسيرة الأحزان، ملتهبة الأشجان؛ فأين الإحسان يا أهل القرآن ؟ ألا لا يكون من زوج وفي كريم يؤمن بالله واليوم الآخر أن ينقلب عدواً مبيناً لزوجته وخصماً لدوداً لشريكة حياته بمجرد خلاف مهما بلغ حتى لربما أصبح يتقصد مساءتها ويجهد للإضرار بها والنيل منها ، أين من هذا الزوج قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا يفرك - أي لا يبغض - مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر ) ، يقول الإمام الشوكاني في معناه : فيه الإرشاد إلى حسن العشرة، والنهي عن البغض للزوجة بمجرد كراهة خُلُق من أخلاقها، فإنها لا تخلو مع ذلك عن أمر يرضاه منها زوجها.
تكشف لنا الوقائع – أيها الفضلاء - أن بمجتمعاتنا من ظلم الرجال للنساء وقهرهن وإذلالهن وحرمانهن من أبسط حقوقهن ما فسدت به حياة كثير من الأسر وجعل به أولئك الأزواج من تلك البيوت جحيماً لا يطاق ، والسبب أن من بيننا أشباه رجال ولا رجال يظن التافه منهم أن من تمام رجولته وكمال فحولته أن يستقوي على زوجته ، ويبالغ في إذلالها والتسلط عليها ظناً منه أنه بسوء معاملته تلك يبسط سلطانه على بيته ويفرض هيبته على أهله ، وما درى الجاهل البليد أنه يعصي ربه ، ويهدم دينه ، ويفسد بيته ، ويسيء إلى أحق الناس بمعروفه وإحسانه ؟! وأي استقرار لحياة زوجية يؤسسها جاهل على الأشر والبطر والإساءة والبذاءة والغلظة والجفاء ؟! أين هؤلاء الجفاة من معاني الرحمة والمودة التي يفترض أن تنشأ في ظلالها العلاقات الزوجية السعيدة ؟!.
ضع في حسبانك أيها الزوج أنك والله الذي لا إله إلا هو لن تجاوز موقفك بين يدي الله يوم القيامة حتى يسألك سبحانه عن زوجتك أحفظتها أم ضيعتها ؟ أأكرمتها أم أهنتها ؟ أعاشرتها بالمعروف الذي أمرك الله أن تعاشرها به ؟ أم بالمساءة والمضارة التي نهاك الله عن أن تؤذيها بها ؟ تسأل عن ذلك لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته ..) ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ).
أين أنتم أيها الأزواج من وصية نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم التي أوصاكم فيها بالنساء حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( استوصوا بالنساء ، فإن المرأة خلقت من ضِلَع ، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء ) متفق عليه ، ووجه صلى الله عليه وآله وسلم الزوج الموفق الراشد إلى مداراة امرأته والصبر والترفق بها كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن المرأة خلقت من ضلع فإن أقمتها كسرتها فدارها تعش بها ) ، ومن عظم وصيته صلى الله عليه وآله وسلم بالنساء أنه أوصى بهن في خطبته في حجة الوداع فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ - ثم قال : ( ألا واستوصوا بالنساء خيرا ، فإنما هن عوان – أي أسيرات - عندكم ، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك ، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ، ألا إن لكم على نسائكم حقا ، ولنسائكم عليكم حقا ، فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ) .
تذكر أيها الزوج أن زوجتك المسكينة استأسرت لك عن رضا ووهبتك نفسها باختيار تركت فيك أهلها وذويها وآثرتك على أبيها وأخيها لتصبح بعد ذلك في ذمتك ، ضعيفة بين يديك رهن إحسانك ووفائك ومروءتك إن كنت مؤمناً تقياً أو ضحية لؤمك واستهتارك وخيانتك إن كنت فاجراً شقياً وتذكر أن نبيك محمداً صلى الله عليه وآله وسلم قد جعل أعظم الإثم والحرج في تضييع حقها أو الإساءة إليها حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة ).
فاتقوا الله يا معاشر الأزواج في زوجاتكم ، عاشروهن بالمعروف الذي أمركم الله تعالى أن تعاشروهن به ، واحفظوا فيهن وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي وصاكم بها ، استوصوا بهن خيراً فإنهن أسيرات عندكم ، أحسنوا إليهن ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً ، واجعلوا نصب أعينكم قول نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم : ( خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي ) .
ألا وصلوا وسلموا ..
(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).
[/align]
يا معاشر الناس : رباط الزوجية من أعظم الروابط وأحقها بالحفظ والحماية ، وميثاقها من أغلظ المواثيق وأجدرها بالوفاء والرعاية وحسبنا قوله تعالى : ( وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً ).
المرأة أمانة نفيسة في عنق زوجها منذ لحظة العقد التي تنتقل فيها من ذمة والدها إلى ذمته ، أمانة كريمة بموجب ذلك الميثاق الغليظ الذي يقطعه الرجل على نفسه في الولاية والقيام عليها وأداء حقوقها وواجباتها ، منذ تلك اللحظة تتوجب لها حقوق الزوجية الكاملة على الرجل ، تلك الحقوق المبنية على أسس متينة من المودة التامة والرحمة الصادقة ، حتى قال الله تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } يقول الحافظ ابن كثير في تفسيره أي: ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فلْيؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف، وفي حديث معاوية بن حَيْدَة القُشَيري، عن أبيه، عن جده، أنه قال: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا ؟ قال: ( أن تطعمها إذا طعمْتَ، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تُقَبِّح، ولا تهجر إلا في البيت) ، وقال ابن عباس : إني لأحب أن أتزيَّن للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة؛ لأن الله يقول: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.
وأوجب تعالى عشرتهن بالمعروف كما في قوله: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } أي: طيِّبُوا أقوالكم لهن، وحَسّنُوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ }وتأمل قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ، وأنا خَيْرُكُم لأهْلي" .
يا معاشر الناس : لا خير فيمن لا خير فيه لزوجته ، وقد جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم معاملة الرجل لزوجته معياراً وميزاناً على خيره أو شره ، فخيرية المسلم تبدأ من حسن معاملته لزوجته وإحسانه ورفقه بها ، حتى تكون زوجته أول من تنعم بخيره ورعايته ، وأيُّ خير فيمن لا خير فيه لزوجته ، وإذا قلَّ أو انعدم خير الرجل لزوجته وشريكة حياته فأيُّ خير يرجى منه لسواها ، يدل على ذلك ما حدثت به الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( خيركم خيرُكم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي ) رواه الترمذي وصححه الألباني ، وحدث راوية الإسلام أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم ) رواه أحمد ، وعن الصديقة رضي الله عنها وعن أبيها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ، وألطفهم بأهله ). ولا تشكو زوجة من زوج إلا كان ذلك أمارة على قلة خيره وغلبة شره حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم : " لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم " . رواه أبو داود وصححه الألباني.
عظمت شريعتنا شأن الإنفاق على الزوجة وكفايتها في عموم حاجتها حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( دينار أعطيته مسكينا ، ودينار أعطيته في رقبة ، ودينار أعطيته في سبيل الله ، ودينار أنفقته على أهلك ، الدينار الذي أنفقته على أهلك أعظم أجرا ) رواه مسلم ، وفي البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له : ( وإنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة ترفعها إلى فيِّ امرأتك ) ، وقد قال معاوية بن حيدة رضي الله عنه: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : ( أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تقبح الوجه ، ولا تضرب ، ولا تهجر إلا في البيت ، كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض ، إلا بما حل عليهن ) رواه أبو داود وحسنه الألباني
وقد جاء إلى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مولى له وهو في بيت المقدس فقال : إني أريد أن أقيم هذا الشهر ههنا يعني رمضان ، فقال له عبد الله : هل تركت لأهلك ما يقوتهم ؟ فقال : لا ، قال : أمَّا لا فارجع ، فدع لهم ما يقوتهم ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ).
لقد أوجب الله تعالى على الرجل أن يقيم علاقته ومعاشرته لزوجته على أساس المعروف الذي لا إساءة فيه ولا مضارة ، فقال تعالى : ( وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) ، وقال سبحانه في أحكام الطلاق : ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) وقال بعدها : ( فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ) .
لقد كان هدي نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في معاشرته لنسائه أكرم هدي وأشرفه فكان جَمِيل العِشْرَة دائم البِشْرِ، يُداعِبُ أهلَه، ويَتَلَطَّفُ بهم، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته، ويُضاحِك نساءَه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين يَتَوَدَّدُ إليها بذلك ، فسبقته أول الأمر لخفتها ، ثم سابقها لما علاها اللحم فسبقها فقال : ( هذه بتلك السبقة ) ، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها صلى الله عليه وآله وسلم ، فيأكل معهن العشاء أحياناً، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها. وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كَتِفَيْه الرِّداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يَسْمُر مع أهله قليلا قبل أن ينام، يُؤانسهم بذلك ، وعندما وفد الأحباش على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعلوا يلعبون بحرابهم في المسجد في يوم عيد دعا صلى الله عليه وآله وسلم بعائشة – رضوان الله عليها - وقال لها : ( يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم ) ؟ فأقامها وراءه وطأطأ لها منكبيه لتنظر إليهم فجعل يقول:( يا عائشة ما شبعت فأقول : لا لأنظر منزلتي عنده)حتى شبعت ، وروي عن عمرة قالت : سألت عائشة رضي الله عنها كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خلا مع نسائه ، قالت : " كان كالرجل من رجالكم ، إلا أنه أكرم الناس ، وألين الناس ، ضاحكاً بساماً " ، بل شرع لنا صلى الله عليه وآله وسلم ملاعبة أحدنا زوجته فقال: ( كل شيء ليس فيه ذكر الله فهو لغو وسهو ولعب إلا أربع خصال : وذكر منها : ملاعبة الرجل امرأته .) ، ذلك هو شأنه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وآله وسلم مع أهله ، لينٌ وإحسان في المعاشرة ، ورفقٌ ولطفٌ في المعاملة وهو الذي قال تعالى فيه : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } .
الخطبة الثانية
تأملوا يا رعاكم الله آيات القرآن الكريم وتتبعوا وصايا وتوجيهات نبيكم الكريم فيما يخص معاشرة الرجال للنساء بل وتأملوا شأنه هو صلى الله عليه وآله وسلم في معاشرته لأزواجه لتدركوا أن ديننا العظيم جاء بإكرام المرأة لا إهانتها ، وبالإحسان إليها لا بإذلالها ، وبكفايتها لا بحرمانها ، وأنه لم يجعل للزوج أي حق في أن يسيء إلى زوجته أو يؤذيها أو يضر بها تحت أي سبب كائناً ما كان .
أيها المسلمون: الزوج في بيته سلطانه وقيمه ، وبيده بحسن خلقه وإحسانه – بعد توفيق الله – أن يجعل من بيته روضة من رياض السعادة والهناء أو يصير منه خربة من خرب النكد والشقاء ، والواقع يبين أن سبب كثرة المشكلات، وتفاقم الخلافات، وظهور المنازعات، وشيوع الطلاق والفراق لأسبابٍ تافهة ؛ إنما هو من سوء معاملة الأزواج لزوجاتهم ، وإهدار آداب الحياة الزوجية، وتضييع حقوق المسئولية الأسرية ، إذ كيف تكون الأسرة في هناء وصفاء، والزوج ذو بذاء وجفاء؟! إذا غضب نفط ونفث، واكفهر وزمجر، فيه حب الأنا والذات، خيرُه مقفل ، وشره مرسل، بره قليل ، ولسانه سيء طويل ، كفٌّ يابس، ووجه عابس، ومعاملةٌ فاسدة، وألفاظ قبيحة ؛ تورث جروحاً في قلب الزوجة لا تداوى ، وشروخاً في جدار العلاقة الزوجية لا تساوى ، وتُتْرك المرأةُ حسيرةً كسيرةً حائرة بين مُرين: طلب تطليقها، أو الصبر على تعليقها.
من الأزواج – يا معاشر الناس - من إذا أبغض المرأة كدها وهدها، وكهرها ونهرها ، وظلمها وهضمها ، يأكل حقوقها ، ويديم عقوقها ، يبخل في الإنفاق ، و يهدد ويحلف على كل تافه بالفراق بالطلاق ، وربما رمى بها في بيت أهلها وأخذ ولدها من أحضانها ليتركها أسيرة الأحزان، ملتهبة الأشجان؛ فأين الإحسان يا أهل القرآن ؟ ألا لا يكون من زوج وفي كريم يؤمن بالله واليوم الآخر أن ينقلب عدواً مبيناً لزوجته وخصماً لدوداً لشريكة حياته بمجرد خلاف مهما بلغ حتى لربما أصبح يتقصد مساءتها ويجهد للإضرار بها والنيل منها ، أين من هذا الزوج قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا يفرك - أي لا يبغض - مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر ) ، يقول الإمام الشوكاني في معناه : فيه الإرشاد إلى حسن العشرة، والنهي عن البغض للزوجة بمجرد كراهة خُلُق من أخلاقها، فإنها لا تخلو مع ذلك عن أمر يرضاه منها زوجها.
تكشف لنا الوقائع – أيها الفضلاء - أن بمجتمعاتنا من ظلم الرجال للنساء وقهرهن وإذلالهن وحرمانهن من أبسط حقوقهن ما فسدت به حياة كثير من الأسر وجعل به أولئك الأزواج من تلك البيوت جحيماً لا يطاق ، والسبب أن من بيننا أشباه رجال ولا رجال يظن التافه منهم أن من تمام رجولته وكمال فحولته أن يستقوي على زوجته ، ويبالغ في إذلالها والتسلط عليها ظناً منه أنه بسوء معاملته تلك يبسط سلطانه على بيته ويفرض هيبته على أهله ، وما درى الجاهل البليد أنه يعصي ربه ، ويهدم دينه ، ويفسد بيته ، ويسيء إلى أحق الناس بمعروفه وإحسانه ؟! وأي استقرار لحياة زوجية يؤسسها جاهل على الأشر والبطر والإساءة والبذاءة والغلظة والجفاء ؟! أين هؤلاء الجفاة من معاني الرحمة والمودة التي يفترض أن تنشأ في ظلالها العلاقات الزوجية السعيدة ؟!.
ضع في حسبانك أيها الزوج أنك والله الذي لا إله إلا هو لن تجاوز موقفك بين يدي الله يوم القيامة حتى يسألك سبحانه عن زوجتك أحفظتها أم ضيعتها ؟ أأكرمتها أم أهنتها ؟ أعاشرتها بالمعروف الذي أمرك الله أن تعاشرها به ؟ أم بالمساءة والمضارة التي نهاك الله عن أن تؤذيها بها ؟ تسأل عن ذلك لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته ..) ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ).
أين أنتم أيها الأزواج من وصية نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم التي أوصاكم فيها بالنساء حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( استوصوا بالنساء ، فإن المرأة خلقت من ضِلَع ، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء ) متفق عليه ، ووجه صلى الله عليه وآله وسلم الزوج الموفق الراشد إلى مداراة امرأته والصبر والترفق بها كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن المرأة خلقت من ضلع فإن أقمتها كسرتها فدارها تعش بها ) ، ومن عظم وصيته صلى الله عليه وآله وسلم بالنساء أنه أوصى بهن في خطبته في حجة الوداع فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ - ثم قال : ( ألا واستوصوا بالنساء خيرا ، فإنما هن عوان – أي أسيرات - عندكم ، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك ، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ، ألا إن لكم على نسائكم حقا ، ولنسائكم عليكم حقا ، فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ) .
تذكر أيها الزوج أن زوجتك المسكينة استأسرت لك عن رضا ووهبتك نفسها باختيار تركت فيك أهلها وذويها وآثرتك على أبيها وأخيها لتصبح بعد ذلك في ذمتك ، ضعيفة بين يديك رهن إحسانك ووفائك ومروءتك إن كنت مؤمناً تقياً أو ضحية لؤمك واستهتارك وخيانتك إن كنت فاجراً شقياً وتذكر أن نبيك محمداً صلى الله عليه وآله وسلم قد جعل أعظم الإثم والحرج في تضييع حقها أو الإساءة إليها حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة ).
فاتقوا الله يا معاشر الأزواج في زوجاتكم ، عاشروهن بالمعروف الذي أمركم الله تعالى أن تعاشروهن به ، واحفظوا فيهن وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي وصاكم بها ، استوصوا بهن خيراً فإنهن أسيرات عندكم ، أحسنوا إليهن ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً ، واجعلوا نصب أعينكم قول نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم : ( خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي ) .
ألا وصلوا وسلموا ..
(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).
[/align]
المشاهدات 5871 | التعليقات 3
شبيب القحطاني
عضو نشط
جزاك الله خيرا
خطبة طيبة نافعة
نفع الله بعلمك شيخ عادل فقد أفدت وأجدت وأبنت خطبة نافعة وقيمة بحق كتب الله لك أجرها ونفع بك
قلبي دليلي
بارك الله فيك وجزاك ربي الفردوس الأعلى
تعديل التعليق