استقبلوة بالجود ( تعميم وزاري )
راشد بن عبد الرحمن البداح
الحمدُ للهِ الذي مَنّ علينا بشريعةِ الإسلامِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُوحدَه لا شريكَ له ذُو الجلالِ والإكرامِ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه أفضلُ مَن صلَى وزكَى وصامَ، صلى اللهُ عليهِ وسلمَ تسليماً كثيرًا على الدوامِ، أما بعدُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.
لنحمدْ ربَنا الكريمَ أنْ تفضلَ علينا بشهرٍ في السنةِ يَتضاعَفُ فيهِالأجرُ، ويَتَضاءلُ فيه الوِزرُ، وها نحنُ نقتربُ من ذلك الشهرِ، فالجمعةُالقادمةُ سنكونُ صائمينَ -بإذنِ اللهِ-.
والسؤالُ الذي يناسِبُ طرحُه الآنَ: كيفَ أستقبِلُ رمضانَ؟
فيُقالُ: تستقبِلُه بمثلِ ما استقبلَه القدوةُ الحسنةُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويتلخصُ الجوابُ بكلمتينِ، فيُقالُ: استقبِلُوه بالجودِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ،وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ.. فَلَرَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ().
وَإنما كَانَ يَتَضَاعَفُ جُودُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَمَضَانَ؛ لأن الربَ -سبحانَه- يُضاعِفُ جُودَه، في هذهِ الأزمنةِ المشرَّفةِ. ومَن جادَ على عبادِ اللهِ جادَ اللهُ عليهِ.
(وتشبيهُ جودِه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالريحِ المرسَلةِ، فيه دلالةٌ على أمرينِ: السرعةِ؛ فهو كالريحِ في سرعةِ البذلِ بلا توانٍ. وبعمومِ النفعِ،كما تعُمُ الريحُ المرسلةُ جميعَ مَن تهُبّ عليهِ)().
فيا مَن أفاءَ اللهُ عليهِ من الموسِرينَ: ليكن نبيُك -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لك قدوةً، ولتُكثِر من الإنفاقِ ما دُمتَ قادرًا؛ فإن المالَ لا يُبقيهِحِرصٌ وإملاقٌ، ولا يُذهبه بذلٌ وإنفاقٌ: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ}[الحديد7] ولنقدِّمْ لأنفسِنا ظلاً نستظِلُ به يومَ دُنُوِ الشمسِ من الخلائقِقدرَ ميلٍ، ولو لم يكنْ في الصدقةِ إلا تلكَ الفائدةَ التي ذَكرَها ابنُ القيمِلكفى بها فائدةً. فقد قالَ -رحمهُ اللهُ-: (للصدقةِ تأثيرٌ عجيبٌ في دفعِأنواعِ البلاءِ، ولو كانت من فاجرٍ، أو من ظالمٍ، بل من كافرٍ)().
إن الجودَ والإحسانَ في رمضانَ له مجالاتٌ، لكن ليكنِ الحديثُ عن الجودِ الماليِ على وجهِ الخصوصِ، فمن مجالاتِ الجودِ التي يُغفَلُعنها، ولا يُفطَنُ لها:
1. الجودُ على السجناءِ وأُسَرِهِم، وعلى المديونينَ وأُسَرِهِم الذينَ هم ضحايا لا ذنبَ لهم، وهم بأمَسِّ الحاجةِ أكثرُ من تفطيرِالصائمِينَ، وفي كلٍ خيرٌ، والموفقُ مَن وَضعَ صدقتَه في أشدِالأبوابِ حاجةً، ولذا فقد صدرتْ فتوىً من سماحةِ المفتي بجوازِدفعِ الزكاةِ لِلجنةِ رعايةِ السجناءِ وأُسَرِهِم، عبرَ المنصاتِالرسميةِ، والتسديدُ سهلٌ ميسرٌ عبرَ منصة (فُرِجَتْ).
2. ما الأفضلُ في دفعِ الزكاةِ: ألِلفقيرِ البعيدِ الأشدِّ حاجةً، أمْ للقريبِ المستحقِ الأقلِّ حاجةً؟ الجواب: القريبُ المستحقُ الأقلُ حاجةً هو الأفضلُ؛ لأن النبيَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: الصَّدَقةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ().
الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على النبيِ المصطفَى، أما بعدُ:
فمن مجالاتِ الجودِ في رمضانَ:
3. إرسالُ النساءِ الكريماتِ طعامًا مطبوخًا إلى جيرانِهن وأقاربِهن، لا عن جوعٍ وحاجةٍ؛ بل هي عادةٌ جميلةٌ يتوارثُونها، كما أنها سُنةٌ مُتبعةٌ، جرى الصحابةُ قبلَنا عليها، ليجتمعَ لهم مع الصيامِ الإطعامُ.
4. الاحتسابُ في المشترياتِ والمطبوخاتِ، فيا أيُها الأبُ المشترِي، وياأيتُها الأمُ الطابخةُ: هل احتسبتُما بشراءِ حاجياتِ رمضانَ وطبخِها في بيتِكما؛ أن تنالا أجرَ تفطيرِ أهلِ بيتِكما؟! ويا أيتُها البنتُ: استحضرِي بمساعدتِك لأمِك؛ أن تدخُلي تحت قولِه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا. رواهُ الترمذيُ وقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
5. أيُها الدائنونَ: اسقِطوا قِسطَ رمضانَ أو بعضَه أو أجِلُوه عن المديونِينَ العاجِزينَ الذين أرهقتْهُم مشترياتُ رمضانَ، وستُرهِقُهم ملابسُ العيدِ، فحُطُّوا عنهم ليَحُطَّ اللهُ عنكم.
6. لنبحثْ ولنتحرَّ ولنتفقدْ جيرانَنا، لا سيَما المتعفِفينَ الذين لا يَسألونَالناسَ إلحافًا، الذين لو قُلتَ لهم رغمَ فقرِهم: خذُوا هذه زكاةٌ لقالُوا: لا نُريدُها.
7. لنتصدقْ صدقاتٍ خفيةً ولو قليلةً، ولا نحتقِرْ القليلَ، فإن الحرمانَ أقلُمنه، ولنُخفِها حتى لا تَعلمَ شمائلُنا ما تُنفقُ أيمانُنا.
{وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ}[المنافقون10]
فـ(اللهم إنا نعوذُ بك من غِنىً يُطغِينا، ومن فقرٍ يُنسِينا. اللهم وقنّعنا بما رزقتَنا، وبارك لنا فيه، واخلُفْ علينا كلَ غائبةٍ بخيرٍ) ()
اللَّهُمَّ إنّا نعُوذُ بِكَ مِنْ الْفَقْرِ إلَّا إلَيْكَ، وَمِنْ الذُّلِّ إلَّا لَكَ، اللَّهُمَّ أَعِنّا عَلَى الدُّنْيَا بِالْغِنَى وَعَلَى الْآخِرَةِ بِالتَّقْوَى.
اللهم ارحمنا ولا تحرِمنا، اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا خَيْرَ ما عِنْدَكَ بِشَرِّ ما عِنْدَنَا.
اللهم وبلِغنا رمضانَ بأمنٍ وإيمانٍ.
اللهم اجعلْنا بالصالحاتِ مِن المُضْعِفينَ، وبالحسناتِ مِن المُقَنْطِرِينَ.
اللهم آمِنَّا في أوطانِنا ودُورنِا، وأصلحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنِا، وافرجْ لهم في المضائقِ، واكشفْ لهم وجوهَ الحقائقِ.
اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.