استقبال شهر رمضان المُبارك

سالم بن محمد الغيلي
1441/08/17 - 2020/04/10 00:32AM

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ما سُجد للرحمن وما تلى القرآن وما طلع النيران وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.

  • }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{ ]سورة آل عمران: 102[
  • }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ ]سورة النساء:1[
  • }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا{ ]سورة الأحزاب:70[

عباد الله:

إن الله تعالى يفرح بتوبة عبده إذا تاب و أناب ورجع إليه وترك المعصية ... الله يفرح يفرح بطاعة عبده يفرح بالإقبال عليه فرحاً يليق بجلاله وعظمته سبحانه لا يشابهه فرح المخلوقات , والإنسان يفرح فرحاً يليق به وبمكانته ومقامه, المؤمن يفرح يفرح بطاعة الله بالقرب من الله بالتوبة إلى مولاه بالإجتهاد في طاعة ربه , وهذا الفرح الحقيقي الذي امتدحه الله تعالى : }قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ{ ]سورة يونس:58[

والفاجر والفاسق يفرح يفرح فرحاً كاذباً , فرحاً مزيفاً سرعان ما يذوب ويختفي , يفرح بالمعصية يفرح بالأغنية يفرح بالسرقة يفرح بالمراقص يفرح بالزنا يفرح بالرشوة وهكذا , ونعوذ بالله من هذا الفرح الذي تعقبه الحسرات والزفرات والعذابات والبعد من رب السماوات .

وقد أتانا أيها المؤمنون موسم الفرح يحق لنا ان نفرح به ونستبشر بقدومه , موسم عظيم موسم رمضان شهر البركة والبر والإحسان , هدية من الله كرم من الكريم فرصة لا تعوض ولا تقدر بثمن }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ ]سورة البقرة:183[

موسم من مواسم الخير والمغفرة والرحمة والرفعة والدرجات فرصة ثمينة فرصة أن تدخل به الجنة فرصة أن تنجو فيه من النار , فرصة قد لا تتكرر وقد لا تعود وقد لا تأتي , كم انتظره من أناس فما ادركوه , وكم تمناه من عقلاء فما صاموه , أهل الجهل و العصيان يعدونه موسم جوع وعطش وتعب , وأهل العقول والافهام يعدونه فرصة لا قيمة لها محدودة لدخول الجنة والنجاة من النار , شهر الصيام وحق علينا أن نتفقه في دين الله فإذا أتت عبادة حق علينا أن نعرف أحكامها و أحوالها حتى نعبد الله على بصيرة حتى تصبح عملاً متقبلاً حتى لا نعبد الله على جهل .

شهر رمضان نسأل الله ان يبلغنا واياكم إياه , له أحكام وله أحوال فقبل أن نصوم نعلم قدر هذا الموسم وجلالته وعظم منزلته عند الله , نعلم احكامه حتى يكون عملاً متقبلاً عند الله تعالى , عرف قدره الصحابة والتابعون والصالحون والموفقون , إن الله ليس بحاجتنا ولا بحاجة إلى صيامنا فالله غني .. غني حميد , لا تزيد في ملكه طاعة ولا تنقص منه معصية .

إن هذا الشهر العظيم هدية من الله

إن هذا الشهر الكريم عطية من الله

إن هذا الشهر الكريم احد اركان الإسلام

فيه بُعِثَ محمداً صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام , وفيه نزل القرآن الكريم , فيه يضاعف الله الحسنات ويرفع الدرجات .

-ورمضان مكفر لما بينه وبين رمضان الآخر من الذنوب قال عليه الصلاة والسلام: (الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ ما بيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ) صحيح مسلم.

-وهو مكفر للذنوب قال صلى الله عليه وسلم: (...فِتْنَةُ الرَّجُلِ في أهْلِهِ ومالِهِ ووَلَدِهِ وجارِهِ، تُكَفِّرُها الصَّلاةُ والصَّوْمُ والصَّدَقَةُ... الحديث) صحيح البخاري.

-الصوم جنة ووقاية من النار قال صلى الله عليه وسلم : (الصومُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِها العبدُ من النَّارِ) حسنه الالباني في صحيح الجامع.

-وخلوف فم الصائم عند الله اطيب من ريح المسك

-والملائكة تستغفر للصائمين حتى يفطروا

-وهو شهر الصبر والأجر فيه بغير حساب }.. إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ { ]سورة الزمر:10[

-وفيه تصفد مردة الشياطين وتفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب جهنم ,قال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوَابُ جَهَنَّمَ وسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ.) اخرجه البخاري واللفظ له, ومسلم.

-وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر من وفق لها فكأنه عبد الله تعالى أكثر من 83 عام

-ولله عتقاء من النار كل ليلة

-وللصائم دعوة مستجابة لاترد قال صلى الله عليه وسلم : (ثلاثٌ لا تُرَدُّ دعوتُهُم ، الإمامُ العادلُ ، والصَّائمُ حينَ يُفطرُ ، ودعوةُ المظلومِ يرفعُها فوقَ الغمامِ ، وتُفتَّحُ لَها أبوابُ السَّماءِ ، ويقولُ الرَّبُّ تبارك وتعالى : وعزَّتي لأنصرنَّكِ ولو بعدَ حينٍ..الحديث) صحيح الترمذي للالباني, فما أكرم الله وما أرحم الله

 ويا عباد الله من أجل أن لا يضيع هذا الفضل من أجل أن لا نخسر هذا العطاء لابد ان نعلم ونفقه ونعي مال هذا الشهر من أحكام فهناك ما يسمى بالمفطرات وهي ثمانية:

الاول-  الجماع: إذا وقع في نهار رمضان من صائم يجب عليه الصوم فعليه مع القضاء كفارة مغلظة وهي عتق رقبة , فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين, فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً , فهي على الترتيب وليست على التخيير.

الثاني- إنزال المني يقظة بإستمناء أو مباشرة أو تقبيل أو غيرة

الثالث- الأكل أو الشرب سواء كان نافعاً أو ضاراً

الرابع- حُقن الإبر المغذية التي يستغني بها عن الطعام ؛لانها بمعنى الأكل والشرب

الخامس- حقن الدم تعويضاً لما نزف من الصائم

السادس- خروج دم الحيض والنفاس

السابع- إخراج الدم بالحجامة

الثامن- القيء إذا تقصده

هذه المفطرات من تعمدها بطل صومه , وهناك تنبيهات وأخطاء يقع فيها بعض الصائمين منها:

  • عدم تبييت النية للفرض من الليل أو قبل طلوع الفجر وذلك كل ليلة أو نية واحدة في بداية الشهر .
  • الاكل والشرب مع أذان الصبح وبعده, فعلى الصائم أن يتحرى المؤذن الذي يراعي الوقت فإن بعض المؤذنين يستعجل وبعضهم يتأخر أما جهلاً أو لعذر , فالصائم وقت الإفطار يفطر عندما يقول المؤذن :الله أكبر فعليه في الإمساك أن يمسك عندما يقول المؤذن: الله اكبر هذا قول شيخنا العثيمين رحمه الله تعالى.
  • من الأخطاء :تقديم السحور قبل الفجر بساعة أو ساعتين وقد ورد الحديث بالترغيب في تعجيل الفطر وتأخير السحور.
  • الإسراف في الأكل والشرب قبل صلاة التراويح ولذلك من هذا حاله فإنه ينام فلا يصلي العشاء ولا التراويح , وإذا صلى فيصلي بدون خشوع ؛ لان الشبع يذهب الخشوع .
  • الإنصراف من صلاة التراويح قبل أن ينصرف الأمام فيضيع عليه أجر قيام تلك الليلة؛ لان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (..من قامَ معَ الإمامِ حتَّى ينصرِفَ كُتِبَ لَه قيامُ ليلةٍ.. الحديث) صحيح الترمذي للالباني.
  • إضاعة سنة الإعتكاف خاصة في العشر الأواخر وكذلك تضييع قيام الليل في العشر الأواخر وقد واضب عليها وحث عليها صلى الله عليه وسلم.
  • عدم حفظ اللسان من الكذب والغيبة فذلك محرم في غير رمضان وفي رمضان أشد حرمة.
  • ترك متابعة المؤذن في اذان المغرب.

فالله الله أيها الصائمون نتنبه لما قد يفسد الصيام أو يؤثر على أجره او يذهب بثوابه فإن الشيطان حريص والنفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي .

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المقبولين وأن لا يخيب رجاءنا فيه إنه سميع قريب.

 أقول ما تسمعون ..

 

الخطبة الثانية

الحمدلله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى وصلى الله وسلم على سيدنا وإمامنا وقدوتنا وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

عباد الله:

هناك احكام نود ذكرها والتنبيه إليها والالتفاف لها حتى يكون الصائم على بصيرة من أمره وفقه لصيامه منها:

  • ان الصائم إذا حان وقت الإفطار وهو صائم مسافر في الطائرة إذا حان وقت الإفطار وهو في الأرض وأفطر ثم أقلعت الطائرة فرأى الشمس فإنه لاشي عليه , أما إذا علم بوقت الإفطار بواسطة الساعة أو الهاتف عن إفطار البلد القريب وهو في الطائرة يرى الشمس فإنه لا يفطر مادام يرى الشمس.
  • أن بعض البنات أو الأولاد يبلغ وهو في السن التاسعة أو العاشرة فلا يؤمر بالصيام وهذا خطأ فإذا جاء الحيض أو المني أو نبت شعر القبل ولو قبل خمسة عشر عاماً وجب الصوم على البنت أو الولد.
  • ومن القضايا : أن المرأة إذا أرادت أن تستخدم دواءً لمنع الحيض في رمضان جاز لها ذلك إذا قرر الأطباء بأن ذلك لا يضرها والأفضل لها ترك ذلك فقد اباح الله لها الفطر وشرع لها القضاء فيما بعد.
  • ومن الأحكام: أن من عجز عن الصوم لكبر سن رخص له في الفطر ووجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً نصف صاع من بر أو تمر أو أرز , ومثل ذلك المريض الذي لا يرجى شفاؤه , أما الحامل أو المرضع: فمن خشيت على ولدها أو نفسها وتأكد ذلك فلها الفطر وعليها القضاء لا غير.
  • أن المسافر في نهار رمضان له ثلاثة أحوال :
  • إذا كان السفر لا يشق عليه فالأولى له أن لا يفطر.
  • وإذا كان الصيام يشق عليه فالأولى له أن يفطر وعليه القضاء .
  • وإذا كان يخشى على حياته وقد شق عليه الصيام في السفر إلى هذه الدرجة فيجب عليه الإفطار ويقضي بعد ذلك.
  • ومن الاحكام:أن من عليه قضاء فإن ذلك يجب عليه قبل رمضان الآخر وإذا أخره إلى ما بعد رمضان الآخر وجب عليه القضاء والتوبة والاستغفار عن تأخير الصوم بدون عذر وليس عليه إلا الصيام وإن اطعم عن كل يوم مسكين فلا بأس , اما من أخره بعذر فليس عليه إلا القضاء .
  • ومن القضايا: أن غسيل الكلى في نهار رمضان يفسد الصوم , وعلى مرضى الكلى الذين يغسلون أن يؤجلوا ذلك إلى الليل وإذا اضطر أحد إلى الغسيل في النهار ولا سبيل إلى تأخيره إلى الليل جاز له ذلك للضرورة وعليه القضاء؛ والسبب في ذلك أن الدم أثناء الغسيل يضاف إليه بعض المواد الغذائية كالسكريات والأملاح وغيرها وهذه فتوى اللجنة الدائمة .
  • ومن القضايا: أن الحامل إذا أسقطت في الشهر الثالث وما قبله فإنه يجب عليها أن تصوم وأن تصلي ؛لانها لا تعتبر نفاساً ما دام الجنين لم ينفخ فيه الروح أو يتبين فيه خلق الآدمي, وكذلك المرأة الحامل ولديها نزيف فإن ذلك لا يؤثر على صيامها بل صيامها صحيح , ومن أفطرت بسبب النزيف جهلاً وجب عليها القضاء عن الأيام التي أفطرتها.
  • أنه لا يجوز استنشاق البخور في نهار رمضان .
  • ومن الأحكام كذلك: أن من لم يعلم بدخول رمضان إلا بعد طلوع الشمس أو صلاة الظهر أو العصر فإن عليه الإمساك في بقية ذلك اليوم وعليه القضاء يوم بديلاً عنه.
  • ومن القضايا والاحكام: أنه يجوز للمريض اخذ الحُقن العلاجية فقط في العضل والوريد , وكذلك مريض السكر إذا اضطر إلى أخذ الإبرة وهو صائم فلا حرج عليه وصيامه صحيح.
  • ومن الأحكام: بلع الريق في نهار رمضان واستعمال السواك بعد العصر فإن ذلك لا حرج فيه ولا يضر الصوم بإذن الله تعالى.
  • ومن الأحكام: من كان في يوم غائم ممطر فظن أن الشمس غربت ثم تبين له فيما بعد أن النهار باقٍ فعليه قضاء ذلك اليوم, ومثل ذلك من أكل يظن أن الفجر الصادق لم يطلع وقد طلع وتبين له ذلك فعليه قضاء ذلك اليوم.

أخيراً أيها الأحبة

قال صلى الله عليه وسلم : (مَن مَاتَ وعليه صِيَامٌ صَامَ عنْه ولِيُّهُ.) اخرجه البخاري ومسلم, ومعنى هذا أن من أفطر بعذر شرعي في رمضان من مرض وغيره ثم زال العذر وأصبح في استطاعته أن يصوم لكنه ما صام وتوفي والصيام في ذمته فيستحب لوليه أي :قريبه, أن يصوم عنه ولا بأس أن يتوزع الأقارب تلك الأيام فيما بينهم.

اللهم فقهنا في الدين واجعلنا في أقوالنا و أعمالنا مسددين يا أرحم الراحمين, وصلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين.

 

والله أعلم

جامع النور 1433/9/8هـ

جامع النور 1434/9/3هـ

جامع النور 1435/9/8هـ

جامع آل ثابت 1436/9/9هـ

جامع القو 1437/8/27هـ

جامع القو 1438/8/30هـ

جامع القو 1439/8/25هـ

جامع القو 1440/8/28هـ

المشاهدات 1117 | التعليقات 0