استقبال شهر رمضان
محمد بن خالد الخضير
1433/08/29 - 2012/07/19 22:11PM
الخطبة الأولى
ان الْحَمْد لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا "
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " أَمَّا بَعْدُ :
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضلالة و كل ضلالة في النار
أيّها المسلمون
يدور الزّمانُ دورتَه، وتذهب الليالي والأيامُ سِراعًا، وها هو عامُنا يطوِي أشهرَه تِباعًا، وإذا بالأمّة ترقُب ضَيفًا عزيزًا قد بدَت أعلامُه واقتَربت أيّامه والتَمَعت في الأفقِ القريب أنوارُه، إنّه شهرُ رمضانَ المبارك، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185]، شَهر الرّحمة والمغفِرة والعِتق من النّيران، شهرُ التّوبات وإجابة الدّعوات وإقالة العثَرات. شهرٌ تصفَّد فيه الشياطين وتغلَق أبواب الجحيم وتفتَح أبواب الجنة وينادِي منادٍ كلَّ ليلة: يا باغي الخير أقبل، ويا باغيَ الشرّ أقصر. شهرٌ يفرَح به كلُّ مسلم مهما كان حاله، فالمحسِن يزداد إحسانًا وإيمانًا، والمقصِّر يستغفِر ويبتغي فيه من الله رحمةً ورضوانًا، فهو شهرُ خيرٍ وبرَكة وإحسانٍ على كلّ المسلمين. شهرٌ تَبتَلّ فيه الأرواحُ بعدَ جفافِها ورُكودِها، وتأنَس فيه النفوس بعد طولِ إعراضها وإِبَاقها. رمَضان مِلءُ السَّمع والبصر، فهو حديث المنابِر وزينة المنائِر وحياةُ المساجد، من صامَه إيمانًا واحتسابًا غفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قامه إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدَّم من ذنبه، فيه ليلة القَدر، هي خيرٌ من ألف شَهر، مَن قامها إيمانًا واحتِسابًا غفِر له ما تقدّم من ذنبه كما ثبتَ بذلك الخبَر عن النبيّ في الصحيحين وغيرهما
مرحبًا بك يا رمضان، حبيبًا جئت على فاقة، جئت بعد عام كامل، مات فيه قوم ووُلِدَ آخرون، واغتنى قوم وافتقر آخرون، وسَعِدَ قوم وشقي آخرون، واهتدى قوم وضلَّ آخرون. جئتنا بعد عام كامل وكأَنّ في ردائك كتابًا تقول فيه لكل مسلم: إذا أنت أدركتني هذه السنة فقد لا تُتِمّني، وإن أتممتني فقد لا تلقاني بعد عامي هذا، فالبِداَر البِدارَ قبل فَوَات الفُرَص وذهاب الأعمار.
عباد الله، البارحه انبثق في كبد السماء، هلال رمضان الوليد،انبثق ذلك الوليد؛ ليعلم المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، أن خالقهم قد آذنهم بشهر، له في مجتمعهم تأثير، وفي نفوسهم تأديب، وفي مشاعرهم إيقاظ، وكأنه لهم موسم ربيع، ينبثق ذلك الوليد بعد أن ظلوا أحد عشر شهرا، وهم سائرون في مسالك الحياة، ينالون منها، وتنال منهم. ينبثق ذلك الوليد، فيتساءل الناس في دهشة وذهول، ما أسرع ما عادت الأيام، ورجعت الذكريات!.
أعظَم القُرُبات فيه الصوم الذي افترَضَه الله تعالى تحقيقًا للتقوى فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، فهو شهرُ تربية النّفوس وتزكِيَتها. رَمضانُ شهرُ القِيام والتراويح والذِّكر والتسابِيح، شَهر البرّ والإحسان والعطفِ على الفقراء والمحتاجين، شهرٌ جعَله الله مصباحَ العام وأوسَطَ أركان الإسلام، أنزَل الله فيه كتابَه، وفتَح للتائِبين أبوابَه، فالدّعاء مَسموع والعمَل مَرفوع والخير فيه مَجموع، تُستَر فيه العُيوب وتغفَر الذنوب وتلين القلوب وينفِّس الله عن الحزينِ المكروب، في صحيح مسلمٍ أنَّ النبيَّ قال: ((ورمضانُ إلى رَمَضان مكفِّرات لما بينهنّ إذا اجتنِبَت الكبائر))[2]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ قال: ((قال الله عزّ وجلّ: كلّ عمَل ابن آدم له إلا الصوم؛ فإنّه لي وأنا أجزِي به)) رواه البخاري ومسلم[3].
أيّها المسلمون، إنَّ مَواسِمَ الخير فُرَص سَوانِح، بينما الموسم مقبلٌ إذ هو رائح، والغنيمةُ فيها ومِنها إنما هي صَبرُ ساعة، فيكون المسلم بعد قَبول عمله من الفائِزين ولخالقِه من المقرَّبين. فيا لله، كم تُستَودَع في هذه المواسم من أجور، وكم تخفُّ فيها من الأوزارِ الظهور، فاجعلنا اللّهمَّ لفضلك وشهرِك مدركين ولرضوانك حائزينَ، ووفِّقنا لصالح العملِ، واقبَلنا فيمن قبِلَ، واختم لنا بخيرٍ عند حضور الأجل.
عبادَ الله
وإذا نزَلَت بالمسلم مواسمُ الخيرات تهيَّأ لها واستعدِّ ونشطَ لكسبها وجدَّ، والسَّعيد من وفِّق لاغتنامها وسلَك الطريقَ الموصِل للقَبول، والمحرومُ من حرِمَ خيرَها، وكَم من صائمٍ حظُّه من صيامِه الجوع والعطَش، وكم من قائمٍ حظُّه من قيامه التَّعب والسّهَر، نعوذ بالله من الحِرمان؛ لِذا شمَّر الخائِفون، وفاز سراةُ اللّيل، ورَبِح المدلِجون، وعند الترمذيّ بسند صحيح عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أن النبيَّ قال: ((من خاف أدلَج، ومن أدلَجَ بلغ المنزِل، ألا إنَّ سلعةَ الله غالية، ألا إنَّ سلعة الله الجنة))[4].
ولقد وصَف الله تعالى أهلَ السعادة بالإحسان مع الخوفِ فقال سبحانه: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ [الرعد:21]، كما وصفَ الأشقياءَ بالإساءة مَع الأمن. إنَّ الخوفَ والرّجاءَ هما الحادِيان إلى طاعةِ الله ورضوانه مع محبَّته سبحانَه، وفي قولِ الله عزّ وجلّ: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:57-61]، قالت عائشة رضي الله عنها: سأَلتُ النبيَّ عن هذه الآية: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ قالت عائشة: أهُم الذين يشربون الخمر ويسرِقون؟ قال: ((لا يا بنتَ الصدِّيق، ولكنّهم الذين يصومون ويصلّون ويتصدَّقون وهم يخافون أن لا يُقبَل منهم، أولئك يسارعون في الخيرات)) رواه الترمذي وغيره بسند صحيح[5].
أيّها المسلمون، من أرادَ الصلاةَ تطهَّر لها، وكذا من أراد الصّيام والقيامَ وقَبول الدعاء فعَليه أن يتطهَّر من أدرانِ الذنوب وأن يغسِلَ قلبَه من أوحالِ المعاصي، والتي لها آثارٌ سيّئة على العبادَة خاصَّة، فالتّوبةُ والاستِغفار من أولى ما تُستَقبَل به مواسمُ الخير، فكيف نلقَى الله تعالى وندعوه ونَرجو خيرَه وبِرَّه وإِحسانَه ونحن مثقَلون بالأوزارِ، فالمعَاصي تحرِم العبدَ من إجابةِ الدعاءِ كما في صحيح مسلم أنَّ النبيَّ ذكَر الرّجلَ يطيل السّفَر أَشعثَ أغبر يمدُّ يدَيه إلى السّماء: يا رَبِّ، يا ربِّ، ومَطعمُه حرام، ومَشرَبه حَرام، ومَلبَسه حَرام، وغُذِّي بالحرام: ((فأنَّى يستَجَاب لذلك؟!))[6]. كما أنَّ المصِرَّ على المعصية مخذول لا يوفَّق للطّاعات، فهو يشعُر بالوَحشَة والانقِباض من صُحبَةِ الأخيار والصُّلَحاء، وينفِر من مجالسهم، ولا يُشارِكُهم عبادَتَهم، ولا يصطَفُّ معهم في قيامِهم لله، ويستثقِل العباداتِ، ولا ينشَط للطاعات، ولا تتَحمَّل نفسُه الصبرَ على الصّيام وطولِ التضرُّعِ والقِيام، كما أنَّ المعاصيَ توجب القطيعةَ بين العبد وربّه، فإذا وقَعَت القطيعة انقطَعَت عنه أسبابُ الخير واتّصلت به أسباب الشرّ، فأيّ عيشٍ لمن قطِعَ عنه الخير والتوفِيقُ من مولاه الذي لا غِنَى له عنه طَرفَةَ عين؟! ومِن آثارِ الذّنوب أيضًا الحِرمانُ مِن استغفارِ الملائكةِ كما قالَ تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم الآية [غافر:7، 8].
فاتَّقوا الله تعالى أيَّها المسلمون، واستقبِلوا شَهرَكم بالتّوبَةِ والاستغفار وهجرِ الذنوب وردِّ المظالِمِ وإخلاصِ العِبادَة لله وحدَه واتِّباع السّنّة والعَزيمةِ المقرونةِ بالهمَّةِ الصادِقة للظَفَر بخير هذا الشّهر الكريم وإظهارِ الفرَح والاستبشار به والحذَرِ من التذمُّر والتسخُّط، قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ.
كما ينبغي الاستِعدادُ بالتفقُّه في الدّين ومعرفةِ الإنسان كيف يعبد ربَّه كما أمرَه على بصيرة، فإنه يُؤتَى لمسلمٍ يمارِس عبادَاتِه من صلاة وصيامٍ وزكاة وحجٍّ وغيرها على جهلٍ أو تقليدِ عوام، حتى إذا طافَت السّنين وتكاثَرت المخالفاتُ جاء بعدَ الفواتِ يسأل: كيف يرقِّع ما فاتَ؟ ولو كانَ الأمرُ لدنيا لرَأيتَه قُطرُبًا لا يتوقَّف عن السؤالِ والبَحثِ في كلِّ صغيرةٍ وكبيرة، أوَلَيس الدين أولى بالبحثِ والسؤال والاستعداد والاهتمام؟! خصوصًا وقد كثُرَت بحمد الله وسائل التعلُّم بما لا نظيرَ له في السابق، ولكن أين الحريصُ على دينِه وصِحَّة عبادته؟! وقد قال الله عزّ وجلّ: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185].
بارَكَ الله لي ولكم في الكِتاب والسّنّة، ونفَعنا بما فيهِما من الآياتِ والحِكمة، أقول قولي هذا، وأستغفِر اللهَ تعالى لي ولَكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي اختار للخيرات أوقاتًا وأيامًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كتب المغفرة لمن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، بعثه الله للناس إمامًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما ذكره الذاكرون قعودًا وقيامًا.
أمّا بعد: أيّها المؤمِنون، حينَما يستقبِل المسلم موسمًا يرجو غنيمَتَه فإنّه يجب عليه ابتداءً تفقُّد نفسِه ومراجعةُ عملِه حتى لا يتلبَّس بشيءٍ من الحوائِلِ والموانِعِ التي تحول بينَه وبين قبولِ العمَل أو تُلحِق النقصَ فيه؛ إذ ما الفائِدة من تشميرٍ مهدورٍ أجرُه وعمَلٍ يرجَى ثوابه فيلحقُ وِزره؟! ومِن ذلك التّفقُّه في دينِ الله واجتنابُ الذنوبِ والمعاصي ومحبِطات الأعمال وإعفافُ الجوارح، قال ابن رجب رحمه الله: "واعلَم أنه لا يتِمّ التقربُ إلى الله بتركِ هذه الشهواتِ المباحَة أصلاً في غيرِ حالِ الصيام إلاَّ بعد التقرُّب إليه بتركِ ما حرّم الله في كلّ حالٍ كالكذب والظلمِ والعدوان على الناس في دمائِهم وأموالهم وأعراضهم، ولهذا قال النبيّ : ((من لم يدَع قولَ الزورِ والعملَ به والجهلَ فليس لله حاجةٌ أن يدَع طعامه وشرابَه)) رواه البخاري[1]".
أيّها المسلمون، إنّ مقصودَ الصيام تربيةُ النفس على طاعةِ الله وتزكيتُها بالصبر وتنمِيَة التقوى واستعلاؤُها على الشهوات، وكما يمنَع الجسدُ عن بعض المباحاتِ فمِن باب أولى منعُ الجوارِحِ عنِ الحرام. إنَّ وقتَ رمضان أثمنُ من أن يضيَّع في السهراتِ الفارغات أو التسكُّع في الأسواقِ أو أمام شاشاتِ الفضائيات التي لو لم يكُن فيها إلاَّ إضاعةُ الوقت الثمينِ لكان ذلك كافيًا في ذمِّها، كيف وقد أجلبَت بخيلها ورجلِها وضاعفَت جُهدها لتقومَ بدورِها ودورِ الشياطينِ المصفَّدَة؟!
عباد الله إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:65].
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
اللهم أعز الإسلام والمسلمين .
ان الْحَمْد لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا "
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " أَمَّا بَعْدُ :
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضلالة و كل ضلالة في النار
أيّها المسلمون
يدور الزّمانُ دورتَه، وتذهب الليالي والأيامُ سِراعًا، وها هو عامُنا يطوِي أشهرَه تِباعًا، وإذا بالأمّة ترقُب ضَيفًا عزيزًا قد بدَت أعلامُه واقتَربت أيّامه والتَمَعت في الأفقِ القريب أنوارُه، إنّه شهرُ رمضانَ المبارك، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185]، شَهر الرّحمة والمغفِرة والعِتق من النّيران، شهرُ التّوبات وإجابة الدّعوات وإقالة العثَرات. شهرٌ تصفَّد فيه الشياطين وتغلَق أبواب الجحيم وتفتَح أبواب الجنة وينادِي منادٍ كلَّ ليلة: يا باغي الخير أقبل، ويا باغيَ الشرّ أقصر. شهرٌ يفرَح به كلُّ مسلم مهما كان حاله، فالمحسِن يزداد إحسانًا وإيمانًا، والمقصِّر يستغفِر ويبتغي فيه من الله رحمةً ورضوانًا، فهو شهرُ خيرٍ وبرَكة وإحسانٍ على كلّ المسلمين. شهرٌ تَبتَلّ فيه الأرواحُ بعدَ جفافِها ورُكودِها، وتأنَس فيه النفوس بعد طولِ إعراضها وإِبَاقها. رمَضان مِلءُ السَّمع والبصر، فهو حديث المنابِر وزينة المنائِر وحياةُ المساجد، من صامَه إيمانًا واحتسابًا غفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قامه إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدَّم من ذنبه، فيه ليلة القَدر، هي خيرٌ من ألف شَهر، مَن قامها إيمانًا واحتِسابًا غفِر له ما تقدّم من ذنبه كما ثبتَ بذلك الخبَر عن النبيّ في الصحيحين وغيرهما
مرحبًا أهلاً وسهلاً بالصيام يا حبيبًا زارنـا في كل عـام
قد لقينـاك بِحب مفعـم كل حبُ في سوى المولى حرام
فاقبل اللهم ربِي صومنـا ثم زدنا من عطاياك الجسـام
مرحبًا بك يا رمضان، حبيبًا جئت على فاقة، جئت بعد عام كامل، مات فيه قوم ووُلِدَ آخرون، واغتنى قوم وافتقر آخرون، وسَعِدَ قوم وشقي آخرون، واهتدى قوم وضلَّ آخرون. جئتنا بعد عام كامل وكأَنّ في ردائك كتابًا تقول فيه لكل مسلم: إذا أنت أدركتني هذه السنة فقد لا تُتِمّني، وإن أتممتني فقد لا تلقاني بعد عامي هذا، فالبِداَر البِدارَ قبل فَوَات الفُرَص وذهاب الأعمار.
رمضـان أقبل قم بنـا يا صاح هـذا أوان تبـتّـل وصلاح
عباد الله، البارحه انبثق في كبد السماء، هلال رمضان الوليد،انبثق ذلك الوليد؛ ليعلم المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، أن خالقهم قد آذنهم بشهر، له في مجتمعهم تأثير، وفي نفوسهم تأديب، وفي مشاعرهم إيقاظ، وكأنه لهم موسم ربيع، ينبثق ذلك الوليد بعد أن ظلوا أحد عشر شهرا، وهم سائرون في مسالك الحياة، ينالون منها، وتنال منهم. ينبثق ذلك الوليد، فيتساءل الناس في دهشة وذهول، ما أسرع ما عادت الأيام، ورجعت الذكريات!.
أعظَم القُرُبات فيه الصوم الذي افترَضَه الله تعالى تحقيقًا للتقوى فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، فهو شهرُ تربية النّفوس وتزكِيَتها. رَمضانُ شهرُ القِيام والتراويح والذِّكر والتسابِيح، شَهر البرّ والإحسان والعطفِ على الفقراء والمحتاجين، شهرٌ جعَله الله مصباحَ العام وأوسَطَ أركان الإسلام، أنزَل الله فيه كتابَه، وفتَح للتائِبين أبوابَه، فالدّعاء مَسموع والعمَل مَرفوع والخير فيه مَجموع، تُستَر فيه العُيوب وتغفَر الذنوب وتلين القلوب وينفِّس الله عن الحزينِ المكروب، في صحيح مسلمٍ أنَّ النبيَّ قال: ((ورمضانُ إلى رَمَضان مكفِّرات لما بينهنّ إذا اجتنِبَت الكبائر))[2]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ قال: ((قال الله عزّ وجلّ: كلّ عمَل ابن آدم له إلا الصوم؛ فإنّه لي وأنا أجزِي به)) رواه البخاري ومسلم[3].
أيّها المسلمون، إنَّ مَواسِمَ الخير فُرَص سَوانِح، بينما الموسم مقبلٌ إذ هو رائح، والغنيمةُ فيها ومِنها إنما هي صَبرُ ساعة، فيكون المسلم بعد قَبول عمله من الفائِزين ولخالقِه من المقرَّبين. فيا لله، كم تُستَودَع في هذه المواسم من أجور، وكم تخفُّ فيها من الأوزارِ الظهور، فاجعلنا اللّهمَّ لفضلك وشهرِك مدركين ولرضوانك حائزينَ، ووفِّقنا لصالح العملِ، واقبَلنا فيمن قبِلَ، واختم لنا بخيرٍ عند حضور الأجل.
عبادَ الله
وإذا نزَلَت بالمسلم مواسمُ الخيرات تهيَّأ لها واستعدِّ ونشطَ لكسبها وجدَّ، والسَّعيد من وفِّق لاغتنامها وسلَك الطريقَ الموصِل للقَبول، والمحرومُ من حرِمَ خيرَها، وكَم من صائمٍ حظُّه من صيامِه الجوع والعطَش، وكم من قائمٍ حظُّه من قيامه التَّعب والسّهَر، نعوذ بالله من الحِرمان؛ لِذا شمَّر الخائِفون، وفاز سراةُ اللّيل، ورَبِح المدلِجون، وعند الترمذيّ بسند صحيح عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أن النبيَّ قال: ((من خاف أدلَج، ومن أدلَجَ بلغ المنزِل، ألا إنَّ سلعةَ الله غالية، ألا إنَّ سلعة الله الجنة))[4].
ولقد وصَف الله تعالى أهلَ السعادة بالإحسان مع الخوفِ فقال سبحانه: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ [الرعد:21]، كما وصفَ الأشقياءَ بالإساءة مَع الأمن. إنَّ الخوفَ والرّجاءَ هما الحادِيان إلى طاعةِ الله ورضوانه مع محبَّته سبحانَه، وفي قولِ الله عزّ وجلّ: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:57-61]، قالت عائشة رضي الله عنها: سأَلتُ النبيَّ عن هذه الآية: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ قالت عائشة: أهُم الذين يشربون الخمر ويسرِقون؟ قال: ((لا يا بنتَ الصدِّيق، ولكنّهم الذين يصومون ويصلّون ويتصدَّقون وهم يخافون أن لا يُقبَل منهم، أولئك يسارعون في الخيرات)) رواه الترمذي وغيره بسند صحيح[5].
أيّها المسلمون، من أرادَ الصلاةَ تطهَّر لها، وكذا من أراد الصّيام والقيامَ وقَبول الدعاء فعَليه أن يتطهَّر من أدرانِ الذنوب وأن يغسِلَ قلبَه من أوحالِ المعاصي، والتي لها آثارٌ سيّئة على العبادَة خاصَّة، فالتّوبةُ والاستِغفار من أولى ما تُستَقبَل به مواسمُ الخير، فكيف نلقَى الله تعالى وندعوه ونَرجو خيرَه وبِرَّه وإِحسانَه ونحن مثقَلون بالأوزارِ، فالمعَاصي تحرِم العبدَ من إجابةِ الدعاءِ كما في صحيح مسلم أنَّ النبيَّ ذكَر الرّجلَ يطيل السّفَر أَشعثَ أغبر يمدُّ يدَيه إلى السّماء: يا رَبِّ، يا ربِّ، ومَطعمُه حرام، ومَشرَبه حَرام، ومَلبَسه حَرام، وغُذِّي بالحرام: ((فأنَّى يستَجَاب لذلك؟!))[6]. كما أنَّ المصِرَّ على المعصية مخذول لا يوفَّق للطّاعات، فهو يشعُر بالوَحشَة والانقِباض من صُحبَةِ الأخيار والصُّلَحاء، وينفِر من مجالسهم، ولا يُشارِكُهم عبادَتَهم، ولا يصطَفُّ معهم في قيامِهم لله، ويستثقِل العباداتِ، ولا ينشَط للطاعات، ولا تتَحمَّل نفسُه الصبرَ على الصّيام وطولِ التضرُّعِ والقِيام، كما أنَّ المعاصيَ توجب القطيعةَ بين العبد وربّه، فإذا وقَعَت القطيعة انقطَعَت عنه أسبابُ الخير واتّصلت به أسباب الشرّ، فأيّ عيشٍ لمن قطِعَ عنه الخير والتوفِيقُ من مولاه الذي لا غِنَى له عنه طَرفَةَ عين؟! ومِن آثارِ الذّنوب أيضًا الحِرمانُ مِن استغفارِ الملائكةِ كما قالَ تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم الآية [غافر:7، 8].
فاتَّقوا الله تعالى أيَّها المسلمون، واستقبِلوا شَهرَكم بالتّوبَةِ والاستغفار وهجرِ الذنوب وردِّ المظالِمِ وإخلاصِ العِبادَة لله وحدَه واتِّباع السّنّة والعَزيمةِ المقرونةِ بالهمَّةِ الصادِقة للظَفَر بخير هذا الشّهر الكريم وإظهارِ الفرَح والاستبشار به والحذَرِ من التذمُّر والتسخُّط، قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ.
كما ينبغي الاستِعدادُ بالتفقُّه في الدّين ومعرفةِ الإنسان كيف يعبد ربَّه كما أمرَه على بصيرة، فإنه يُؤتَى لمسلمٍ يمارِس عبادَاتِه من صلاة وصيامٍ وزكاة وحجٍّ وغيرها على جهلٍ أو تقليدِ عوام، حتى إذا طافَت السّنين وتكاثَرت المخالفاتُ جاء بعدَ الفواتِ يسأل: كيف يرقِّع ما فاتَ؟ ولو كانَ الأمرُ لدنيا لرَأيتَه قُطرُبًا لا يتوقَّف عن السؤالِ والبَحثِ في كلِّ صغيرةٍ وكبيرة، أوَلَيس الدين أولى بالبحثِ والسؤال والاستعداد والاهتمام؟! خصوصًا وقد كثُرَت بحمد الله وسائل التعلُّم بما لا نظيرَ له في السابق، ولكن أين الحريصُ على دينِه وصِحَّة عبادته؟! وقد قال الله عزّ وجلّ: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185].
بارَكَ الله لي ولكم في الكِتاب والسّنّة، ونفَعنا بما فيهِما من الآياتِ والحِكمة، أقول قولي هذا، وأستغفِر اللهَ تعالى لي ولَكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي اختار للخيرات أوقاتًا وأيامًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كتب المغفرة لمن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، بعثه الله للناس إمامًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما ذكره الذاكرون قعودًا وقيامًا.
أمّا بعد: أيّها المؤمِنون، حينَما يستقبِل المسلم موسمًا يرجو غنيمَتَه فإنّه يجب عليه ابتداءً تفقُّد نفسِه ومراجعةُ عملِه حتى لا يتلبَّس بشيءٍ من الحوائِلِ والموانِعِ التي تحول بينَه وبين قبولِ العمَل أو تُلحِق النقصَ فيه؛ إذ ما الفائِدة من تشميرٍ مهدورٍ أجرُه وعمَلٍ يرجَى ثوابه فيلحقُ وِزره؟! ومِن ذلك التّفقُّه في دينِ الله واجتنابُ الذنوبِ والمعاصي ومحبِطات الأعمال وإعفافُ الجوارح، قال ابن رجب رحمه الله: "واعلَم أنه لا يتِمّ التقربُ إلى الله بتركِ هذه الشهواتِ المباحَة أصلاً في غيرِ حالِ الصيام إلاَّ بعد التقرُّب إليه بتركِ ما حرّم الله في كلّ حالٍ كالكذب والظلمِ والعدوان على الناس في دمائِهم وأموالهم وأعراضهم، ولهذا قال النبيّ : ((من لم يدَع قولَ الزورِ والعملَ به والجهلَ فليس لله حاجةٌ أن يدَع طعامه وشرابَه)) رواه البخاري[1]".
أيّها المسلمون، إنّ مقصودَ الصيام تربيةُ النفس على طاعةِ الله وتزكيتُها بالصبر وتنمِيَة التقوى واستعلاؤُها على الشهوات، وكما يمنَع الجسدُ عن بعض المباحاتِ فمِن باب أولى منعُ الجوارِحِ عنِ الحرام. إنَّ وقتَ رمضان أثمنُ من أن يضيَّع في السهراتِ الفارغات أو التسكُّع في الأسواقِ أو أمام شاشاتِ الفضائيات التي لو لم يكُن فيها إلاَّ إضاعةُ الوقت الثمينِ لكان ذلك كافيًا في ذمِّها، كيف وقد أجلبَت بخيلها ورجلِها وضاعفَت جُهدها لتقومَ بدورِها ودورِ الشياطينِ المصفَّدَة؟!
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب حتى عصى ربه في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصـوم بعدهمـا فلا تصيره أيضاً شهر عصـيان
واتل القرآن وسبح فيـه مجتهـداً فإنـه شهر تسـبيح وقـرآن
واحمل على جسدٍ ترجو النجاة له فسوف تضرم أجسـاد بنيران
كم كنت تعرف ممن صام في سلفٍ من بين أهـل وجيران وإخواني
أفناهم المـوت واستبقاك بعدهـم حياً فما أقرب القاصي من الداني
عباد الله إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:65].
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
اللهم أعز الإسلام والمسلمين .
المشاهدات 3274 | التعليقات 2
بورك فيخ شيخ محمد بن خالد الخضير على خطبتك الرائعة والمناسبة وكتب الله أجر الجميع.
محمد بن خالد الخضير
يرفع لمناسبته
تعديل التعليق