استقبال رمضان 29-8-1443
محمد آل مداوي
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.. أما بعد:
فاتقوا الله عبادَ الله.. ترَفَّعوا عن هذه الدُّنيا كما زَهِدَ فيها الصالحون، وأَعِدُّوا الزادَ لِنُقْلَةٍ لا بُدَّ لها أنْ تكون، واعتبِروا بما تَدُور به الأيّامُ والسُّنون، (واتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
أيها المسلمون: العبادةُ هي رُوحُ العَبْدِ وسعَادتُه، ويجبُ الصَّبرُ عليها في الحَرِّ والقَرّ، قال تعالى: (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ)
ولحاجَةِ العَبدِ لها فلا أمَدَ لها ينقَضِي في الحياة، قال عزَّ وجل: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)
ولِفَضْلِ اللهِ السَّابِغِ على خَلْقِه: يُعِيدُ عليهم كلَّ عامٍ شهرًا مُبارَكًا جعلَهُ مَغْنَمًا للتعَبُّدِ في لَيلِه ونهارِه، ومِنْ كَرَمِهِ أنْ نوَّعَ لهم فيهِ الفضائلَ والطاعات.
وها هي أيَّامُهُ وليَالِيهِ قد أَزِفَتْ مليئةً بخيراتِها وبرَكاتها، قال عليه الصلاة والسلام: (أتاكُمْ رمضان، شهرٌ مُباركٌ فرَضَ اللهُ عليكم صِيامَه، تُفتَحُ فيه أبوابُ السماء، وتُغلَقُ فيه أبوابُ الجَحيم، وتُغَلُّ فيه مرَدَةُ الشياطين، للهِ فيه ليلةٌ خيرٌ مِنْ ألفِ شهر، مَنْ حُرِمَ خيرَها فقد حُرِم)
يَعودُ شهرُ رمضان لِتَعودَ معَهُ الذكرياتُ الطيّبات، ويَفتَحُ أبوابَ الفألِ في حيَاةِ الأمة.
يَعودُ هذا الشّهرَ الكريم، لِيُؤدِّي المسلمونَ فيه رُكنًا مِنْ أركانِ الإسلام، تَنطَلِقُ فيه النفوسُ إلى المُنافسَةِ في الصالِحات، قال r: (إذا دخلَ رمضانُ فُتِّحَتْ أبوابُ الجنة، وغُلِّقَتْ أبوابُ جهنَّم، وسُلسِلَتِ الشياطين)
وثوَابُ الصِّيامِ عَظيم، ليسَتِ الحسَنَةُ فيهِ بعَشْرِ أمثالِها، وإنما أَجْرُه بغيرِ حِسَابٍ، قال عليه الصلاة والسلام: (قال الله: كلُّ عَملِ ابنِ آدمَ له إلاّ الصيام؛ فإنه لي وأنا أَجْزِي به)
وكما أنَّ الصائِمَ أجورُهُ بلا حَصْرٍ، فذنوبُه بالصومِ تُغفَرُ وتُحَطُّ، قال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ صامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبِه) متفق عليه.
فيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهر، مَنْ قامَها إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه.
ومِنْ كمَالِ الصومِ الواجِبِ -عبادَ الله-: حِفْظُه مِنْ نوَاقِصِه مِنَ الكذِبِ والغِيبَةِ والنَّظَرِ إلى المُحَرَّم، أو الانشِغالِ بالمُلهِياتِ وإضاعَةِ الأوقات، قال r: (الصيامُ جُنَّةٌ؛ فإذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يَرْفُثْ ولا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحدٌ أو شاتَمَهُ فلْيَقُلْ: إني صائِمٌ)
ومَنْ فاتَهُ الغُفْرانُ في رمضان فهو المحروم، قال r: (رغِمَ أنفُ رجلٍ دخلَ عليه رمضان ثم انسلَخَ قبل أنْ يُغفَرَ له)
أيها المسلمون: المُسلمُ يَتَشَوَّفُ إلى العبادةِ ويَفْرَحُ بأدائِها، وإذا دَخَلَ فيها أدَّاها بإخلاصٍ لله واتِّباعٍ للنبي r، إنْ فَعَلَ ذلك قَبِلَها اللهُ منه وضاعَفَ أجورَه.
ومِنَ الخُلُقِ معَ الله: المُسَارَعةُ إلى أوَامرِهِ بكُلِّ استِبشَارٍ وسُرور، فالمَرءُ لم يُخلَقْ إلَّا لعبادةِ الله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمَعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المُسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه، فطوبى للمستغفرين.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنِه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أما بعد أيها المسلمون: فإنَّكم على أعتَابِ شهرٍ عظيم، ويُوشِكُ أنْ تُصبِحوا غدًا صائمين، فإنْ كتَبَ اللهُ لكم إدْرَاكَه؛ فأَحْسِنُوا فيه الوِفَادَة، وَجِدُّوا فيه بالعمل، فلم يَكُنْ سَلَفُكُم يستعدُّون له بمزيدٍ من الأكلِ والشُّرب، ولكنْ بالطاعةِ والعبادة، والجودِ والسَّخاء، والتَّوبةِ والعمل.
وكَمْ مِنْ إنسانٍ انتظرَ رمضانَ بأقوى الأملِ؛ فباغَتَهُ الأجَل، فافتَحْ فيه صفحةً مُشْرِقةً معَ مولاك، وأَسْدِلِ السِّتَارَ على مَاضٍ نَسِيتَهُ وأحصَاهُ اللهُ عليك، وتُبْ إلى التوَّابِ الرَّحيمِ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وتقصيرٍ. وإنِ استطعتَ ألاّ يَسْبِقَكَ إلى اللهِ أحدٌ فافعل.
ألَا فاتّقوا الله عباد الله؛ وأَكْرِمُوا هذا الوافِدَ العظيم، جَاهِدُوا فيهِ النفُوسَ بالطاعات، وجَدِّدُوا فيه العهَدَ معَ ربِّكم، فكَمْ مِنْ مُؤمِّلٍ بُلُوغَهُ أصبَحَ رَهِينَ القُبور.. صومُوهُ صِيَامَ موَدِّع، واستَشْعِروا فرَحَكُم بهِ يومَ تَلْقَوْنَ ربَّكم؛ كما في الحديثِ الصحيح: (للصائمِ فرحَتَان: فرحَةٌ حينَ يُفطِر، وفرحَةٌ حينَ يَلقى ربَّه).
هذا، وصلُّوا وسلِّموا على خير البرية، وأزكى البشرية: محمد بن عبد الله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، وارضَ اللهم عن الأئمة المهديين، والخلفاء المَرْضِيِّين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابة نبيك أجمعين، ومن سار على نهجهم واتبع سُنَّتهم يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين ودمر أعداء الدين، اللهم انصر المستضعفين من المسلمين، وألّف بين قلوب المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، ووحد قادتهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد r وعبادك المؤمنين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفقه وولي عهده لما تحب وترضى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة، يا سميع الدعاء.
اللَّهم اُنْصُر جنودنا المرابطين على حدود بلادنا، اللهم اِرْبِطْ على قلوبـهم، وثبِّت أقدامهم، وعاف جريحهم، وتقبّل شهيدهم، واخلفهم في أهليهم بخيرٍ يا رب العالمين.
اللهم بلغنا بمنّك وكرمك شهر رمضان، اللهم أهلَّ علينا شهر رمضان بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحبه وترضاه، اللهم اجعله شهر عزٍّ ونصرٍ للإسلام والمسلمين في كل مكان، اللهم وأعنا فيه على الصيام والقيام، واجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانًا واحتسابًا، إنك خير مسؤول وأكرم مأمول.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المرفقات
1648717736_خطبة 29-8-1443 استقبال رمضان.docx
1648717736_خطبة 29-8-1443 استقبال رمضان.pdf
تركي العتيبي
لله درك خطبة تكتب بماء الذهب
تعديل التعليق