اسْتِقْبَالُ رَمَضَانَ وَ(الصَّدَقَةُ) 25 شَعْبَانَ 1444هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1444/08/23 - 2023/03/15 20:50PM

اسْتِقْبَالُ رَمَضَانَ وَ(الصَّدَقَةُ) 25 شَعْبَانَ 1444هـ

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْمُسْلِمَ حَيَاتُهُ كُلُّهَا طَاعَةٌ وَ يَسِيرُ إِلَى اللهِ دَائِمًا، وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ فَهُنَاكَ مَوَاسِمُ يَزْدَادُ فِيهَا الاجْتِهَادُ وَيَعْظُمُ الْأَجْرُ فَيُسَارِعُ الْمُسْلِمُ فِي الْخَيْرِ وَيَنْكَفُّ عَنِ الشَّرِّ، وَإِنَّ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاسِمِ الْعَظِيمَةِ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَهَا نَحْنُ نَقْتَرِبُ مِنْهُ، فَيَا تُرَى بِأَيِّ شَيْءٍ نَسْتَقِبُلُ رَمَضَانَ؟ وَبِأَيِّ عِدَّةٍ نَتَجَهَّزُ لَهُ؟ أَهُوَ بِشِرَاءِ أَنْوَاعِ الْعَصَائِرِ وَالْمَشْرُوبَاتِ أَوْ بِتَوْفِيرِ أَصْنَافِ الْمَأْكُولاتِ ؟ أَمْ بِتَجْهِيزِ الْمَطَابِخِ وَصَالاتِ الطَّعَامِ؟ أَمْ بِأَخْذِ إِجَازَةٍ مِنَ الْعَمَلِ وَالتَّفَرُّغِ لِلنَّوْمِ ؟
الْجَوَابُ : أَوَّلًا: إِنَّ إِنْفَاقَ الْمُسْلِمِ عَلَى بَيْتِهِ وَعَلَى أَهْلِهِ مِنَ الزَّوْجَةِ وَالْوَالِدِ وَالْوَلَدِ أَجْرٌ وَقُرْبَةٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَلَكِنْ لا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى حِسَابِ اسْتِغْلَالِ مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ وَأَيَّامِ الْخَيْرَاتِ، بَلِ الْمُسْلِمُ يُسَارِعُ فِي الْخَيْرَاتِ وَيُسَابِقُ إِلَى رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}، وَعَنْ أَنَسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَسَلُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيّ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ : هَذِهِ أُمُورٌ تَسْتَقْبِلُ بِهَا شَهْرَكَ وَتَمْلَأُ بِهَا دَهْرَكَ وَتَزْدَادُ – بِإِذْنِ اللهِ – قُرْبَةً مِنْ رَبِّكَ.

فَ(أَوَّلًا) الدُّعَاءُ بِأَنْ يُبَلِّغَكَ اللهُ شَهْرَ رَمْضَانَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ) ثُمَّ قَرَأَ {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْأَلْبَانِيّ وَصَحَّحَهُ ، وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَدْعُونَ اللهَ أَنْ يُبَلِّغِهَمُ رَمَضَانَ، ثُمَّ يَدْعُونَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَهُ مِنهُمْ.
فَإِذَا بَلَغْتَ رَمَضَانَ وَرَأَيْتَ الْهِلَالَ تَقُولُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول، فعن طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلالَ، قَالَ (اللهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ وَالْإِسْلامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

(ثَانِيًا) الْفَرَحُ وَالابْتِهَاجُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ ) أَتَاكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ لِغَيْرِهِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي تَهْنِئَةِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِشَهْرِ رَمَضَانَ. (ثَالِثًا) الْعِلْمُ وَالْفِقْهُ بِأَحْكَامِ رَمَضَانَ، فَيَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَعْبُدَ اللهَ عَلَى عِلْمٍ، وَلا يُعْذَرُ بِجَهْلِ الْفَرَائِضِ التِي فَرَضَهَا اللهُ عَلَى الْعِبَادِ، وَمِنْ ذَلِكَ صَوْمُ رَمَضَانَ، فَيَنْبَغِي لِلْمِسْلِم أَنْ يَتَعَلَّمَ مَسَائِلَ الصَّوْمِ وَأَحْكَامَهُ قَبْلَ مَجِيئِهِ، لِيَكُونَ صَوْمُهُ صَحِيحًا مَقْبُولًا، قَالَ اللهُ تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وَمِنَ الرُّجُوعِ لِلْعُلَمَاءِ قِرَاءَةُ كُتُبِهِمْ وَحُضُورِ مُحَاضَرَاتِهِمْ وَدُرُوسِهِمْ، وَلا سِيَّمَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِرَمَضَانَ.
(رَابِعًا) الْإِخْلَاصُ للهِ فِي الصِّيَامِ وَفِي سَائِرِ الطَّاعَاتِ، قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}، وَالْإِخْلَاصُ رُوحُ الطَّاعَة، وَمِفْتَاحٌ لِقَبُولِ الْأعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، وَعَلَيْنَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ رَمَضَانَ بِالْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ الآثَامِ وَالسَّيِّئَاتِ, وَالتَّوْبِةِ الصَّادِقَةِ مِنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ، وَالْإِقْلَاعِ عَنْهَا وَعَدَمِ الْعَوْدَةِ إِلَيْهَا، فَهُوَ شَهْرُ التَّوْبَةِ فَمَنْ لَمْ يَتُبْ فِيهِ فَمَتَى يَتُوبُ ؟ قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

(خَامِسًا) عَوِّدْ نَفْسَكَ دَائِمًا عَلَى صَلاةِ اللَّيْلِ وَالدُّعَاءِ، وَاتِّخَاذِ وِرْدٍ يَوْمِيٍّ مِنَ الْقُرْآنِ، فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ فَزِدْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مَوْسِمُ طَاعَةٍ, ثُمَّ ضَاعِفِ الاهْتِمَامَ بِالْوَاجِبَاتِ مِثْلِ صَلاةِ الْجَمَاعَةِ, لاسِيَّمَا فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَإنَّهُ يَكْثُرُ تَرْكُ النَّاسِ فِي رَمَضَانَ لَهَا، مَعَ الْأَسَفِ، فَلا فَازَ بِالْأَجْرِ بَلْ كَسَّبَ الآثَامَ وَالْوِزْرَ.

(سَادِسًا) شَارِكْ فِي تَفْطِيرِ الصَّائِمِينَ، إِمَّا فِي بَيْتِكَ أَوْ فِي الْجَمْعِيَّاتِ الْخَيْرِيَّةِ، فَإِنَّ هَذَا مِنَ الْإِحْسَانِ، وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ مَحَبَّةِ اللهِ لَكَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى { وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم (من فَطَّرَ صَائِمًا أَوْ جَهَّزَ غَازِيًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيّ.

)سَابِعًا) وَهُوَ خَاصٌّ بِأَصْحَابِ الفَضِيلَةِ أَئِمَّةِ المسَاجِدِ, أَنَّ عَلَيكَ الاهْتِمَامِ بمسجِدِكَ, فَحَافظْ عِلى إِمِامتِه, وَاعْلَمْ أَنَّك مُكَلَّفٌ بِهِ تَكْلِفًا خَاصًّا, أَمَامَ اللهِ عَز وجلَّ أَوْلًا, ثُمَّ أَمامَ الجِهَاتِ المسْؤُولَةِ, ثُمَّ عَليكَ ياصاحبَ الفَضيلةِ أَنْ تَعْتَنِي بِالدعوةِ إِلِى اللهِ فِي مَسجدكَ دَائمًا وِفي رَمضَانَ خَاصَّة, مِنْ إِلقاءِ الدُّروسِ إِمَّا مُبَاشَرَةً أَو بِالقراءةِ مِن كُتبِ أَهلِ العِلْمِ الموثُوقَةِ, فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالعَقِيدةِ وِالأخْلَاقِ وَأَحْكَامِ العِبَادَاتِ وَخَاصَّةً الصِّيَامِ, وَتَذَكَّرْ الأَجْرَ العَظِيمَ الذِي تَكْسِبُهُ فَمَنْ دَلَّ عَلَى هُدًى فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ. بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ، لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ الْحَيِّ الذِي لا يَمُوتُ، تَفَرَّدَ بِالْكِبْرَيَاءِ وَالْعَظَمَةِ وَالْجَبَرُوت، وَالصَّلاةُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ التِي تُنْفِقُ فِيهَا مَالَكَ مَا يَحْصُلُ بِهِ تَفْرِيجٌ لِكُرْبَةِ مُسْلِمٍ , وَرَفْعٌ لِمُعَانَاتِهِ وَمُعَانَاةِ أُسْرَتِهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) رَوَاهُ مُسْلِم.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ إِخْوَانِنَا الضُّعَفَاءِ مَنْ قَدْ حَبَسَهُ الدَّيْنُ وَأَثْقَلَ كَاهِلَهُ حَقُّ النَّاسِ, وَقَضَى الشُّهُورَ بَلْ رُبَّمَا السَّنَوَاتِ خَلْفَ قُضْبَانِ السُّجُونِ وَحُرِمَتْ مُنْهُ أُسْرَتُهُ, وَفَقَدَهُ أَبْنَاؤُهُ وَبُنَيَّاتُهُ, وَزَوْجَتُهُ وَوَالِدَاه, بِسَبَبِ الدُّيُونِ التِي قَدْ تَحَمَّلَهَا إِمَّا بِخَسَارَةٍ فِي تِجَارَةٍ أَوْ بِصَرْفِهَا فِي عِلَاجٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى أَهْلِهِ, أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ, ثُمَّ تَرَاكَمَتْ عَلَيْهِ الدُّيُونُ وَزَادَتْ, فَهَذَا الْبَابُ مِمَّا يُرَغَّبِ فِيهِ وَيُبَذْلُ الْمَالُ مِنْ أَجْلِهِ, وَإِنَّ الْمُسَاهَمَةَ فِي رَفْعِ مُعَانَاةِ هَؤُلاءِ قُرْبَةٌ تَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ, بَلْ إِنَّ هَذَا الصِّنْفَ مِنَ النَّاسِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُ نَصِيبَاً فِي الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ, وَأَحَلَّ اللهُ لَهُ السُّؤَالَ وَاسْتِعْطَافَ النَّاسِ لَهُ, قَالَ اللهُ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}. فَأَيْنَ مَنْ يُسَاهِمُ فِي الْخَيْرَاتِ, وَيَدْفَعُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ الْكُرَبَاتِ ؟ وَيُنَفِّسُ عَنِ الْأُسَرِ الْفَقِيرَةِ الْمُعَانَاةَ ؟

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنَ الجِهَاتِ الحُكُومِيَّةِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي إِيصَالش تَبَرُّعَاتِكِمْ وَزكَوَاتِكِمْ إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا (مِنَصَّةُ إِحْسَانَ) فَهِيَ جِهَةٌ مَوْثُوقَةٌ يَطْمَئِنُّ المتَصَدِّقُ إِلَى وَصُولِ إِحْسَانِهِ إِلَى مُسْتَحِقِّيهِ, فَنَحُثُّكُمْ عَلَى وَضْعِ تَبَرُّعُاتِكُمْ وِزَكَاةِ أَمْوَالِكُمْ فِي هَذِهِ المنَصَّةِ, تَقَبَّلَ اللهُ أَعْمَالَكُمْ وَخَلَفَ عَلَيكُمْ بِالبَرَكَةِ وَالأَجْرِ وِالفَوْزِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنِ اسْتَمَعَ القَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَه، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ صَامَهُ وَقَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا, اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنَا مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لَنَا وَتَوَفَّنَا إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لَنَا، اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الغَضَبِ والرِّضَا، وَنَسْأَلُكَ القَصْدَ فِي الفَقْرِ وَالغِنَا وَنَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ وَنَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ وَنَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَنَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَنَسْأَلُكَ الشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ.

المشاهدات 2257 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا