اسْتِقْبَالُ الْمَدَارِسِ 23 شَوَّال 1434هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1434/10/21 - 2013/08/28 14:03PM
اسْتِقْبَالُ الْمَدَارِسِ 23 شَوَّال 1434هـ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , مَالِكِ يَوْمِ الدِّين . أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ , وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ : فَأَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : هَذَا الأُسْبُوعُ بِإِذْنِ اللهِ يَتَوَجَّهُ مِئَاتُ الآلافِ مِنْ أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا إِلَى مَقَاعِدِ الدِّرَاسَةِ مِنْ جَدِيدٍ بَعْدَ أنْ قَضَوْا إِجَازَتَهُمُ السَّنَوِيَّةَ الْمْعُتَادَةَ , وَفِي هَذَا مَصْلَحَةٌ لَهُمْ وَلِذَوِيهِمْ وَلِمُجْتَمَعِهِمْ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - حَيْثُ يَتَعَلَّمُونَ عُلُومَاً نَافِعَةً فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : إِنَّنَا فِي نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ فِي بِلادِنَا الْمَمْلَكَةِ , وَفِي خَيْرٍ كَثِيرٍ لا يَعْلَمُهُ إِلَّا مَنْ نَظَرَ إِلَى غَيْرِنَا مِنَ الْبُلْدَانِ . وَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوَّلاً فَهُوَ الذِي لَهُ الْفَضْلُ وَالْمِنَّةُ , ثُمَّ نَدْعُو اللهَ لِوُلَاةِ أَمْرِنَا بِالتَّوْفِيقِ وَالسَّدَادِ وَالْهِدَايَةِ وَالرَّشَادِ عَلَى مَا قَامُوا بِهِ مِنْ هَذَا الْخَيْرِ الذِي نَحْنُ فِيهِ , ثُمَّ نُقَابِلُ ذَلِكَ بِطَاعَةِ اللهِ وَتَرْكِ مَعْصِيَتِهِ , فَبِذَلِكَ يُشْكَرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَتُشْكَرُ نِعْمَتُهُ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)
وَإِنَّ مِنَ الْخَيْرِ الذِي عِنْدَنَا مَا نَحْنُ بِصَدِدِ الْكَلامِ عَلَيْهِ وَهُوَ : التَّعْلِيمُ ! فَنَحْنُ مِنْ ذَلِكَ فِي نِعْمَةٍ وَاضِحَةٍ وَخَيْرٍ كَبِيرٍ .
فَالتَّعْلِيمُ - عِنْدَنَا - مِنْ جِهَةٍ مَادِّيَّةٍ : مَجَّانِيٌّ , فَقَدْ وَفَّرَتِ الْحُكُومَةُ- وَفَّقَهَا اللهُ - كَافَّةَ الخَدَمَاتِ لِلطُّلَابِ وَمَنْ يَقُومُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُدَرِّسِينَ وَالإِدَارِيِّينَ , فَالْمَبَانِي فِي الْغَالِبِ حُكُومِيَّةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَحْسَنِ الْطِرَازِ وَمُجَهَّزَةٌ بِأَحْدَثِ التَّجْهِيزَاتِ , وَالْخَدَمَاتُ مُتَوَفِّرَةٌ مِنْ جَمِيعِ النَّوَاحِي , وَلَوْ وُجِدَ تَقْصِيرٌ فَهُوَ مِنْ طَبِيعَةِ الْعَمَلِ البَشَرِيْ , وَكَلامُنَا عَلَى الأَعَمِّ الْأَغْلَبِ .
وَمِنَ النِّعْمَةِ التِي نَرْفُلُ بِهَا : أَنَّ التَّعْلِيمَ عِنْدَنَا لَيْسَ مُخْتَلَطَاً بَيْنَ الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ , بَلْ كُلُّ جِنْسٍ مُسْتَقِلٌّ عَنِ الآخَرِ , وَلا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ نِعْمَةٌ كَبِيرَةٌ قَلَّ أَنْ تُوجَدَ إِلَّا فِي بَلَدِنَا نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُدِيمَهَا , كَمَا نَسْأَلُهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكْفِيَنَا شَرَّ مَنْ يُرِيدُ إِزَالَتَهَا , وَأَنْ يَكُفَّ تِلْكَ الأَيَادِي الشِّرِّيرَةَ التِي تَعْمَلُ فِي الْخَفَاءِ لِدَمْجِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ فِي تَعْلِيمٍ مُخْتَلَطٍ , فَإِنَّهُ خَطَرٌ عَظِيمٌ لا يَعْلَمُ مَدَاهُ إِلَّا اللهُ , وَإِنَّهُ إِيذَانٌ بِخَرَابِ الْمُجْتَمَعِ , فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ , وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ , فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ , فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاء) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : وَإِنَّ الْجِهَةَ الأَهَمَّ فِي جَانِبِ التَّعْلِيمِ عِنْدَنَا فِي الْمَمْلَكَةِ - وَالتِي تُعْتَبَرُ بِحَقٍّ مِنَّةً جُلَّى ومِنْحَةً كُبْرى - هِيَ : الْمَنَاهِجُ الدِّرَاسِيَّةُ , فَإِنَّهَا بِحَقٍّ مِنْ أَنْفَعِ مَا يَكونُ لِدِينِ الطُّلَابِ وَأَخْلَاقِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ .
فَعِنْدَنَا - وَللهِ الْحَمْدُ - عِنَايَةٌ بِكِتَابِ اللهِ , الْقُرْآنُ الكريمُ , سَوَاءً فِي التَّعْلِيمِ الْعَامِّ أَوِ الْمَدَارِسِ الْخَاصَّةِ بِهِ وَهِيَ مَدَارِسُ تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ , التِي لَهَا الْعِنَايَةُ اللَّائِقَةُ بِهَا مِنَ الْمَسْؤُولِينَ , حَيْثُ يُمَيَّزُ الطُّلَابُ الْمُلْتَحِقُونَ بِهَا بِمَزِيدِ عِنَايَةٍ , مِنْ جِهِةِ اخْتِيَارِ مَنْ يُعلِّمُهُمْ , أَوْ مِنْ جِهِةِ الْمُكَافَآتِ الْمَالِيِّةِ الشَّهْرِيَّةِ التِي يُعْطَونَهَا , وَهَذِهِ الْمَدَارِسُ تُوجَدُ لِلْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ فِي الْمَرَاحِلِ التَّعْلِيمِيَّةِ الثَّلاثِ : الابْتِدَائِيِ وَالْمُتَوَسِّطِ وَالثَّانَوِيِّ .
وَمِنَ الْعِنَايَةِ بِكِتَابِ اللهِ : الْعِنَايَةُ بِتَفْسِيرِهِ حَيْثُ يَأْخُذُهُ الْمُتَعَلِّمُونَ فِي الْمَرْحَلَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ فَمَا فَوْقَهَا !
وَمِنَ الْخَيْرِ فِي الْمَنَاهِجِ التَّعْلِيمِيَّةِ عِنْدَنَا : الْعِنَايَةُ بِالْعَقِيدَةِ وَالتَّوْحِيدِ , حَيْثُ يَدْرُسُ الطُّلَّابُ هَذَيْنَ الْعِلْمَيْنِ عَلَى وِفْقِ مَنْهَجِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَعَلَى وِفْقِ مَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ الأُمَّةِ , وَللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : وَمِنَ الْخَيْرِ الذِي فِي مَدَارِسِنَا : الْعِنَايَةُ بِالْفِقْهِ, وَالْعِنَايَةُ بِالْحَدِيثِ , وَالْعِنَايَةُ بِالآدَابِ , فَيَأْخُذُ الدَّارِسُونَ مِنْ هَذِهِ الْعُلُومِ مَا يُنَاسِبُهُمْ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ بَحَسَبِهَا .
كَمَا أَنَّ فِي مَدَارِسِنَا مَا لا يَخْفَى مِنْ تَدْرِيسِ الْعُلُومِ الْعَصْرِيَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ مِنَ الرِّيَاضِيَّاتِ وَالْعُلُومِ الإِنْسَانِيَّةِ وَالطَّبِيعِيَّةِ وَالْجُغْرَافِيَّةِ وَغَيْرِهَا , وَهَذِهِ عُلُومٌ يَحْتَاجُهَا الْمُجْتَمَعُ , فَتَلْقَى عِنَايَتَهَا فِي مَدَارِسِنَا .
أَيُّهَا الأَوْلِيَاءُ : يَا أَوْلِيَاءَ أُمُورِ الطُّلَّابِ وَالطَّالِبَاتِ : إِنَّ عَلَيْكُمْ فِي الْعَمَلِيَّةِ التَعْلِيمِيَّةِ مَا يَلِي : (أَوَّلاً) احْتِسَابُ الثَّوَابِ مِنَ اللهِ فِيمَا تُنْفِقُونَ , فَإِنْفَاقُكُمْ عَلَى مَنْ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ صَدَقَةٌ سَوَاءً أَكَانَ فِي الْمَأْكِلِ أَوِ الْمَلْبَسِ أوِ اللَّوَازِمِ الْمَدْرَسِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا , وَأَنْتُمْ مَأْجُورُونَ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ تَعَالَى , لِأَنَّ مَا يُنْفِقُهُ الإِنْسَانُ عَلَى أَهْلِهِ صَدَقَةٌ , فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ , فَقَالَ (تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ) قَالَ : عِنْدِي آخَرُ , قَالَ (تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ) قَالَ : عِنْدِي آخَرُ , قَالَ (تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ) قَالَ : عِنْدِي آخَرُ , قَالَ (تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ) قَالَ : عِنْدِي آخَرُ , قَالَ (أَنْتَ أَبْصَرُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَالذَّهَبِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ .
فَلا تَسْتَثْقِلْ – يَا أَخِي الْكَرِيم - مَا بَذَلْتَ فِي شِرَاءِ مَا يَحْتَاجُهُ مَنْ تَحْتَ يَدِكَ مِنَ الطُّلَّابِ وَالطَّالِبَاتِ , فَأَنْتَ عَلَى خَيْرٍ وَمَأْجُورٌ عَلَى مَا تُنْفِقُ .
(ثَانِيَاً) لَيْسَ مَعْنَى أَنَّكَ مَأْجُورٌ عَلَى النَّفَقَةِ أَنْ تَشْتَرِيَ كُلَّ مَا يَطْلُبُونَهُ , بَلِ انْظُرْ قَدْرَ حَاجَتِهِمْ وَابْذِلْ الْمَالَ فِيهِ , وَمَا زَادَ عَلَى هَذَا فَلا دَاعِيَ لَهُ ! قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)
(ثَالِثَاً) تَجَنَّبْ مَا لا يَنْبَغِي مِنَ الأَدَوَاتِ الْمَدْرَسِيَّةِ , كَالتِي عَلَيْهَا صُوَرُ ذَوَاتِ الأَرْوَاحِ , أَوْ أَسَمَاءُ الْكُفَّارِ , أَوِ الْعَلامَاتُ التِي تَرْمُزُ لِأَدْيَانِ الْكُفَّارِ كَالصُّلْبَانِ أَوْ أَعْلامُ الدُّوَلِ الْكَافِرَةِ , فَإِنَّ ذَلِكَ يَجُرُّ إِلَى التَّعَلُّقِ بِهِمْ , لِأَنَّ التَّعَلُّقَ بِهَا فِي الظَّاهِرِ يَجُرَّ إِلَى التَّعَلُّقِ بِأَهْلِهَا فِي الْبَاطِنِ ! وَالتَّعَلُّقُ بِالْكُفَّارِ هَلَاكٌ لِدِينِ الْمُسْلِمِ وَدُنْيَاهُ , وَلِذَلِكَ حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَقْلِيدِهِمْ وَلَوْ فِي الظَّاهِرِ , فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .
وَتَجَنَّبْ - كَذَلِكَ - شِرَاءَ الأَلْبِسَةِ الْمُحَرَّمَةِ لِلذُّكُورِ أَوِ الإِنَاثِ ! فَإِيَّاكَ أَنْ تَلْبَسَ الْبِنْتُ الْقَصَيرَ أَوِ الشَّفَافَ أَوِ الْفَاتِنَ مِنَ الْعَبَاءَاتِ أَوْ غَيْرِهَا , وَإِيَّاكَ أَنْ يَلْبَسَ الابْنُ الثَّوْبَ الطَّوِيلَ النَّازِلَ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ فَإِنَّهُ إِسْبَالٌ مُحَرَّمٌ , وَأَنْتَ الْمُطَالَبُ بِمَنْعِهِ مِنْهُ , وَكَذَلِكَ إِيَّاكَ أَنْ يَلْبَسَ الثَّوْبَ (الْمُخَصَّرَ) الذِي يُشْبِهُ أَلْبِسَةَ النِّسَاءِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون)
(رَابِعَاً) عَلَيْكَ - يَا وَلِيَّ الأَمْرِ - أَنْ تُحَفِّزَ مَنْ تَحْتَ يَدِكَ مِنَ الدَّارِسِينَ عَلَى الاهْتِمَامِ بِالدِّرَاسَةِ مِنَ الْبِدَايَةِ , بَلْ وَمِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ , فَيَذْهَبُونَ عَلَى أَتَمِّ الاسْتِعْدَادِ مِنْ وَقْتٍ مُبَكِّرٍ , وَمَعَهُمْ أَدَوَاتُهُمْ , وَجَمِيعُ مَا يَحْتَاجُونَهُ , وَهُمْ مُتَهَيِّؤُونَ لِلتَّعْلِيم ِ.
وَأَمَّا مَا شاَعَ فِي أَوْسَاطِ الْمُتَعَلِّمِينَ : مِنْ أَنَّ أَوَّلَ يَوْمٍ أَوْ أَوَّلَ أُسْبُوعٍ لَيْسَ فِيهِ دِرَاسَةٌ , فَهُوَ غَلَطٌ يَجِبُ أَنْ يُزَالَ , فَإِنَّ الإِجَازَةَ قَدِ انْتَهَتْ , وَالدِّرَاسَةُ قَدْ بَدَأَتْ فَلا وَقْتَ يُضَيَّعَ إِلَّا عِنْدَ الْكُسَالَى ! وَلا يَلْزَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنْ تُدَرَّسَ الْمَناهِجُ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ , بَلْ يَكُونُ تَرْتِيبٌ وَتَنْظِيمٌ , تَقُومُ بِهِ إِدَارَةُ الْمَدْرَسَةِ وَمُدَرِّسُوهَا , وَيَكُونُ فِيهِ تَهْيِئَةٌ لِلطُّلَابِ لِتَلَقِّي الْمَنَاهِجِ وَالْبَدْءِ فِي الدِّرَاسَةِ بَعْدَ ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ تَوْزِيعٌ لِلطُّلَّابِ فِي الْفُصُولِ وَالْمَقَاعِدِ .
أَقَرَّ اللهُ عَيْنَكَمْ بِصَلاحِ أَبْنَائِكُمْ وَبَنَاتِكُمْ , وَأَعَانَكَمْ عَلَى الْقِيَامِ بِتَرْبِيَتِهِمْ . أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ , وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتِغْفِرُوهُ , إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ الذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ , عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ , وَأُصَلِّي عَلَى خَيْرِ مُعَلِّمٍ , نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصْحَبِهِ وَأُسَلِّمْ .
أَمَّا بَعْدُ : فَيَا أَيُّهَا الْمُعَلِّمُونَ : أَنْتُمُ الْقَادَةُ , فَهَنِيئَاً لَكُمْ هَذِهِ الرِّيَادَةُ ! وَأَبْشِرُوا بِالأَجْرِ الْوَفِيرِ مِنَ الرَّبِّ الْكِبيرِ , فَأَنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْعُلُومَ النَّافِعَةَ وَالأَخْلَاقَ الْفَاضِلَةَ , وَذَلِكَ خَيْرٌ مِنْكُمْ وَأَجْرٌ لَكُمْ , فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ , حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ , لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْر) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .
أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ : إِنَّ عَلَيْكَ أَنْ تَحْتَسِبَ الأَجْرَ فِي تَعْلِيمِكَ , وَأَنْ تُخْلِصَ فِيهِ للهِ , فَتُرَاقِبَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَخَافَ مِنْهُ , فَهُوَ عَلَيْكَ حَسِيبٌ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ إِدَارَةُ الْمَدْرَسَةِ أَوْ إِدَارَةُ التَّعْلِيمِ , وَأَنْ تَسْتَعِدَّ بِالتَّحْضِيرِ الْجَيِّدِ وَالطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى لِإِيصَالِ الْمَعْلُومَاتِ لِلطُّلَّابِ , كَمَا أَنَّ عَلَيْكَ أَنْ تَهْتَمَّ بِأَدْيَانِ الطُّلَّابِ وَأَخْلاقِهِمْ قَبْلَ أَنْ تَهْتَمَّ بِتَعْلِيمِهِمْ , فِبِئْسَ الْعِلْمُ إِذَا خَلَا مِنَ الأَدَبِ , إِنَّ الْمُعَلِّمَ النَّاجِحَ يَكُونُ قُدُوَةً صَالِحَةً لِطُلَّابِهِ فِي أَخْلاقِهِ وَآدَابِهِ , وَكَلامِهِ وَمَظْهَرِهِ , وَجِدِّهِ وَنَشاطِهِ فِي مَادَّتِهِ , فَإِنَّهُمْ يَقْتَدُونَ بِكَ - أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ - فِي كُلِّ ذَلِكَ ! وَكَمْ مِنَ الْمُعَلِّمِينَ كَانَ لَهُمُ الأَثَرُ الصَّالِحُ فِي طُلَّابِهِمْ , وَكَمْ مِنَ الْمُعَلِّمِينَ اكْتَسَبُوا السَّيِّئَاتِ بِمَا أَثَّرُوا فِيمَنْ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ !!! فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ الْحُسْنَى , وَفَّقَكَ اللهُ وَسَدَّدَكَ .
أَيُّهَا الطُّلَّابُ : يَا رِجَالَ الْمُسْتَقْبَلِ , وَقَادَةَ الأُمَّةِ : إِنَّ جَمِيعَ مَا سَمِعْتُمْ مِمَّا تَقَدَّمَ كُلُّهُ مِنْ أَجْلِكُمْ وَفِي خِدْمَتِكُمْ , فَمَا تُوَفِّرُهُ الْحُكُومَةُ وَمَا يَقُومُ بِهِ الأَوْلَيَاءُ وَمَا يَبْذُلُهُ الْمُعَلِّمُونَ كُلُّهُ لِأَنَّكَمْ مَوْجُودُونَ , فَهَلْ عَرَفْتُمْ قِيمَتَكُمْ ؟ وَأَنَّ الْجَمِيعَ يَهْتَمُّونَ بِكُمْ وَيَتْعَبُونَ مِنْ أَجْلِكُمْ !
أَيُّهَا الطَّالِبُ : احْتَسِبِ الأَجْرَ فِي تَعَلُّمِكَ وَانْوِ بِهِ التَّقُرَّبَ إِلَى اللهِ , فَإِنَّكَ تَتَعَلَّمُ عُلُومَاً دِينِيَّةً نَافِعَةً أَمَرَ اللهُ بِتَعَلُّمِهَا , وَعُلُومَاً نَافِعَةً دُنْيَوِيَّةً أَذِنَ اللهُ فِي طَلَبِهَا , وَإِنَّ الطَّالِبَ الْجَادَّ الْمُقْبِلَ عَلَى الدِّرَاسَةِ يَخْرُجُ بِحَصِيلَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الْعِلْمِ وَالأَدَبِ إِذَا تَخَرَّجَ مِنْ هَذِهِ الْمَدَارِسِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ .
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ , وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ , إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ . اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ خُلَفَائِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا ، وَدُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشَنُا ، وَآخِرَتَنَا التِي فِيْهَا مَعَادُنَا ، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ .
رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ , رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ , رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَاد . رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .
المرفقات

اسْتِقْبَالُ الْمَدَارِسُ 23 شَوَّال 1434هـ ‫‬.doc

اسْتِقْبَالُ الْمَدَارِسُ 23 شَوَّال 1434هـ ‫‬.doc

المشاهدات 3289 | التعليقات 3

جزاك الله خير الجزاء


عشت شيخنا محمد الحدث حاجة ومضمونا فما أحسن ما نبهت عليه وما أروع ما وقفت عليه وقد خاطبت عمدة التعليم ومقومات نجاحه وأركان صلاحه.
وهل كان نجاح عملية التعليم في العهد النبوي يوم آتت ثماره وتحقق أكله إلا يوم كانت أركان التعليم راسخة صافية فقد كانت تعتمد على ثلاثة مقومات: المنهج: كتاب وسنة، والمعلم: المعصوم محمد، والتلميذ: صحابته الكرام مخلصين صادقين بررة متبعين.
فنفع الله بعلمك وبرورك فيك وفي كل الإخوة المشاركين والمعلقين


جزاك الله خير الجزاء شيخ محمد ونفع بعلمك
أجدت وأفدت وخطبك مناسبة للوقت زادك الله توفيقا وسداداً