استقامة اللسان ( بصيغتين : وورد - pdf )
محمد بن سليمان المهوس
« استقامة اللسان »
محمد بن سليمان المهوس / جامع الحمادي بالدمام
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾
[آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنَ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ، وَالْمَعَانِي الْفَرِيدَةِ الَّتِي دَعَا إِلَيْهَا الإِسْلاَمُ، وَجَعَلَهَا مِنْ تَمَامِ إِيمَانِ الْعَبْدِ، وَسَبَبًا لِنَجَاتِهِ:
اسْتِقَامَةُ اللِّسَانِ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلاَ يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ»[ رواه أحمد، وحسنه الألباني ].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيصْمُتْ» [متفق عليه].
وَقَوْلُهُ: «فَلْيَقُلْ خَيْرًا»؛ أَيْ أَنَّ كَلاَمَهُ يَكُونُ خَيْرًا إِذَا نَطَقَ وَتَكَلَّمَ بِالْخَيْرِ؛ وَهَذَا الْخَيْرُ يَشْمَلُ مَا يَنْطِقُ بِهِ اللِّسَانُ مِمَّا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ إِلَى الْغَيْرِ، وَمِمَّا يَقْتَصِرُ نَفْعُهُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَمِنْ قَوْلِ الْخَيْرِ الْمُتَعَدِّي نَفْعُهُ: تَعْلِيمُ النَّاسِ الْخَيْرَ، وَتَوْجِيهُهُمْ وَنُصْحُهُمْ، وَأَمْرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيُهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ بِالطُّرُقِ الْمَشْرُوعَةِ.
وَمِنْ قَوْلِ الْخَيْرِ مَا نَفْعُهُ قَاصِرٌ عَلَى صَاحِبِهِ : قِرَاءَتُهُ لِلْقُرْآنِ، وَكَثْرَةُ ذِكْرِ رَبِّهِ ، وَاسْتِغْفَارُهُ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ .
فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ لاَ يَسْتَطِيعُ قَوْلَ الْخَيْرِ ؛ لَزِمَهُ أَنْ يَكُفَّ لِسَانَهُ عَنْ قَوْلِ الشَّرِّ ! لِأَنَّ الْكَلِمَةَ مِنَ الشَّرِّ قَدْ يَقُولُهَا الْعَبْدُ، فَيَكُونُ فِيهَا هَلاَكُهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا؛ يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ»
[رواه البخاري].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنَ الأُمُورِ الْمُعِينَةِ عَلَى اسْتِقَامَةِ اللِّسَانِ:
تَقْوَى اللهِ تَعَالَى فِي اللِّسَانِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [ الأحزاب: 70 - 71].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [الإسراء: 53].
وَمِنَ الأُمُورِ الْمُعِينَةِ عَلَى اسْتِقَامَةِ اللِّسَانِ:
مُحَاسَبَةُ الإِنْسَانِ لِلِسَانِهِ؛ بِمَعْنَى: أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ يَتَأَمَّلُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ! فَإِذَا كَانَ الْكَلاَمُ يُفِيدُهُ فِي أُخْرَاهُ تَكَلَّمَ، وَإِذَا كَانَ لاَ يُفِيدُهُ أَمْسَكَ عَنِ الْكَلاَمِ.
وَإِذَا شَرَعَ فِي الْكَلاَمِ الْمُفِيدِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ أَخْلَصَ ذَلِكَ للهِ، وَحَرَصَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ لاَ عَلَيْهِ مِنْ بِدَايَتِهِ إِلَى نِهَايَتِهِ.
وَمِنْ مُحَاسَبَةِ الْعَبْدِ لِلِسَانِهِ: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَا بَيْنَ الْعِبَادِ مِنْ حُقُوقٍ لاَ تَقْبَلُ الْغُفْرَانَ؛ لأَنَّ هَذَا مِنَ السِّجِلِّ الَّذِي لاَ يُغْفَرُ؛ لأَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُشَاحَّةِ، وَالْمُسْلِمُ قَدْ يَأْتِي بِأَعْمَالٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ مِنْ صِلاَةٍ وَصِيَامٍ وَحَجٍّ وَجِهَادٍ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُفْلِسًا؛ وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لِلصَّحَابَةِ، كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟» قَالُوا: المُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، فَقَالَ: «إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتِي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيَامٍ، وزَكَاةٍ، ويَأْتي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وقَذَفَ هَذَا، وأَكَلَ مالَ هَذَا، وسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَناتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَناتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِن خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ» فَهَذِهِ حَقِيقَةُ الإِفْلاَسِ، وَهُوَ فِي الأَصْلِ أَنَّهُ جَاءَ بِأَعْمَالٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ، فَعَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى اكْتِسَابِ الْحَسَنَاتِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَحْرِصُ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى هَذِهِ الْحَسَنَاتِ، وَلاَ يُفَرِّطُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا! حَتَّى لاَ يَكُونَ مُفْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
اللَّهُمَّ طَهِّرْ أَلْسِنَتَنَا مِنَ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَقُلُوبَنَا مِنَ النِّفَاقِ وَالْغِلِّ وَالْغِشِّ، وَالْحَسَدِ وَالْكِبْرِ وَالْعُجْبِ، وَأَعْمَالَنَا مِنَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ ، يَارَبَّ الْعَالَمِيِنَ .
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَخْطَرِ آفَاتِ اللِّسَانِ: الْقَوْلَ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَهَذَا وَاقِعُ الْكَثِيرِ مِنْ مَجَالِسِ النَّاسِ الْيَوْمَ؛ تَسْمَعُ الْفَتَاوَى مِنْ أُنَاسٍ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى، وَتَسْمَعُ الْقَوْلَ عَلَى اللهِ بِلاَ دَلِيلٍ وَلاَ بُرْهَانٍ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 33].
وَمِنَ الْمُؤْسِفِ حَقًّا يُسْمَعُ فِي بَعْضِ مَجَالِسِ النَّاسِ الأَقَاوِيلُ الْمَكْذُوبَةُ الْمُلَفَّقَةُ عَلَى الأَفْرَادِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْقَادَةِ، وَكَذَلِكَ الشَّائِعَاتُ الْمُلَفَّقَةُ عَلَى الدِّينِ وَأَهْلِهِ وَالْوَطَنِ وَسَاكِنِهِ، وَالَّتِي هِيَ أَحَدُ الأَسْلِحَةِ الَّتِي يُوَجِّهُهَا الْعَدُوُّ إِلَى صُدُورِ أَبْنَاءِ الْوَطَنِ، وَيَتَنَاقَلُهَا وَيَتَدَاوَلُهَا الْمُتَصَيِّدُونَ وَالأَعْدَاءُ فَيُعَظِّمُونَ مِنْ أَثَرِهَا، وَيَسْتَقْبِلُهَا النَّاسُ، وَيَتَنَاقَلُونَهَا فِي مَجَالِسِهِمْ بِدُونَ أَدْنَى تَثَبُّتٍ! فَتَخْتَلِطُ الأُمُورُ، وَتُصْبِحُ الْحَقِيقَةُ كِذْبَةً، وَالْكِذْبَةُ حَقِيقَةً؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «كَفَى بالمَرءِ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سمعِ» [رواه مسلم].
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رواه مسلم].
المرفقات
1715278398_استقامة اللسان.doc
1715278413_استقامة اللسان.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق