استقامة القلب

محمد سعيد الهاشمي
1436/04/09 - 2015/01/29 12:35PM
استقامة القلب

3/4/1436 هــ

فاتقوا الله عباد الله وراقبوه في السر والعلن ولا تعصوه .
عباد الله أرسل الله الرسل وأنزل الكتب لإصلاح القلوب وتطهيرها وتزكيتها واستقامتها.
ولأن القلب ـ يا عباد الله ـ هو موضع نظر الله سبحانه وتعالى من عبده، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))
فالعجب كل العجب من أقوام جلّ اهتمامهم في تحسين ظواهرهم ، وغفلوا عن قلوبهم وأفئدتهم .
بالقلب يعرف العبد ربه ، فيتعرف على أسمائه وصفاته، وبالقلب يعلم العبد أمر الله ونهيه، وبالقلب يحب العبد ربه ويخافه ويرجوه، وبالقلب يفلح العبد وينجو يوم القيامة، قال الله تعالى: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88، 89]، أي: أتى الله بقلب سليم من الشرك صغيره وكبيره، فإنه من أعظم مفسدات القلوب
أتى الله بقلب سليم من البدعة ومخالفة السنة ، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فإذا امتلأ القلب بالبدع أظلم ، وإذا أظلم مرض ولم يصح.
أتى الله بقلب سليم من الشبهات التي تزيغها وتحملها على اتباع الهوى والتكذيب بالحق .
أتى الله بقلب سليم من الشهوات التي تمرضها وتفسدها.
عباد الله : السفر إلى الآخرة والسير إلى الله تعالى سيرُ القلوب لا سيرُ الأبدان.
وبصلاح القلب ـ يا عباد الله ـ تصلح الأجساد ((ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلَحت صلَح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)). كذا صح الخبر عن سيد البشر صلى الله عليه وسلم .
علينا بحفظ قلوبنا وإصلاحها، وحسن النظر فيها، وبذل المجهود في استقامتها .
واعلموا أن من أسباب استقامة القلب الأخذ بالقرآن العظيم، تلاوة وحفظًا وتدبرًا وتعلمًا، فإن الله سبحانه وتعالى أنزله شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس:57].
فالقرآن أبلغ موعظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وهو أنفع الأدوية لما في الصدور من أمراض الشبهات والشهوات.
فأقبلوا على كتاب الله يا عباد الله، فإنه لا صلاح لكم ولا سعادة إلا بالتمسك به، فاعتصموا به، ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم.
ومن أسباب استقامة القلب وصلاحه تعظيم الله تعالى الذي ينشأ عنه تعظيم أمره ونهيه، قال الله تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32].
وشعائر الله هي أوامره ونواهيه، فعظموا الله سبحانه وتعالى يصلح لكم قلوبكم، ويغفر لكم ذنوبكم.
عباد الله : لا فلاح ولا صلاح ولا استقامة ولا لذة إلا بمحبة الله تعالى، قال النبي : ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: وذكر منها أن يكون الله ورسوله أحبَ إليه مما سواهما)) الحديث متفق عليه.
فاجتهدوا ـ يا عباد الله ـ في تحصيل محبة الله تعالى، واعلموا أن طريقها الأكبر أداء الفرائض والواجبات، والاجتهاد في النوافل والمستحبات، قال الله تعالى في الحديث القدسي: ((وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه)).
ومن أسباب استقامة القلب ذكر الله تعالى، قال تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].
وقال النبي : ((مثَلُ الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثلُ الحي والميت))
فذكر الله تعالى جلاء القلوب، فإن القلب يصدأ كما يصدأ الحديد ، وجلاؤه ذكر الله تعالى .
فأكثروا من ذكر الله تعالى في جميع الأوقات، لا سيما في أدبار الصلوات، وفي الصباح والمساء، وغير ذلك من المناسبات، فإنها من أعظم أسباب استقامة القلب .
عباد الله: واستقامة القلب بتطهيره من الآفات والأمراض التي تفسده كالحسد والغل والعجب والرياء والشح، فإن هذه الأمراض تفسد القلب ، وتصرفه عن صحته واستقامته.
فاحرصوا على تطهير قلوبكم من هذه الآفات، فإنه لا نجاة للقلب إلا بالنجاة منها.
عباد الله اسألوا الله استقامة القلب وألحوا عليه فإن سؤال ذلك من أنفع الدعاء، ومن دعاء النبي : ((اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك)) ومن دعائه أيضًا: ((يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك).
فأكثروا من سؤال الله صلاح القلوب واستقامتها .
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم .............................

الخطبة الثانية
أما بعد
عباد الله احرصوا على قلوبكم احرصوا على هذا القلب فإنه من أعظم ما تملكونه فحرصوا على تجنبه من كل ما يفسده .
وإذا فسد عليك قلبك يا عبد الله فسدت عليك حياتك وآخرتك.
وحذروا الذنوب فإنها فساد القلوب وخرابها، ففي الصحيح قال النبي : ((تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ؛ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا، كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ)) .
فبين هذا الحديث أثر الذنوب على القلب، وأنها تطمسه وتختم عليه.
كما قال ابن المبارك رحمه الله:
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها

وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيـانها

أكثروا من التوبة والاستغفار , فإن التوبة تجلو القلب ، وتزيل عنه أوضار المعاصي والسيئات والتائب من الذنب كمن لا ذنب له .
المشاهدات 2140 | التعليقات 0