استعد لأعظم الليالي.

.اِسْتَعد لِأَعْظَمِ اَللَّيَالِي

خُطْبَةَ اَلْجُمْعَةِ
:اَلْخُطْبَةُ اَلْأُولَى
إِنَّ اَلْحَمْدَ لِله ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بالله مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهده الله فَلَا مُضِل لَهُ ، وَمِنْ يُضَلِل فَلَا هَادٍي لَهُ ،
وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهْ وَرَسُولُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّم تَسْلِيمًا .
 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )،( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتُّقُوا الله عِبَادَ اَللَّهِ وَتَزَوَّدُوا لِآخِرَتِكُمْ بِصَالِحِ اَلْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ .
قِبَلَ هُجُومِ اَلْمَنَايَا وَحُلُولِ اَلْآجَالِ، فَإِنَّ خَيْر اَلزَّادِ اَلتَّقْوَى ، وإنَّ الحياةَ الدائمةَ الباقيةَ هي الحياةُ الأخرى، وإنَّ العاقلَ الموفَّق هو الذي يغتنمُ مواسمَ الخيراتِ والبركاتِ فَيُعَمَّرْهَا بِمَا يَنْفَعُهُ يوم لقاء ربه. . وَيُبَاعِدَهُ مِنْ أَسْبَابِ غَضَبِهِ وَمَقْتِهِ.
وإننا في شهر مبارك عظيم ، بل إننا في خير أيامه ولياليه ألا وهي العشر الأواخر من رمضان التي هي خير ليالي العام وفيها ليلة القدر التي هي خير من الف شهر.
عِبَاد اَللَّهِ:
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لايجتهد في غيرها وفي ذلك تقول عائشة رضي الله عنها: (كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ) متفق عليه .
أي أنه كان إذا دخلت عليه العشر الأواخر شمّر للعبادة أكثر من عادته، وقيل إنه كان يجتنب فيها أهله تفرغاً للعبادة.
وكان يحيي ليالي هذه العشر أي يقضي لياليها مصلياً تالياً داعيا ًذاكراً ربه والمقصود أنه كان يحيي أكثر الليل لا أنه لا ينام في لياليها أبداً لقولها رضي الله عنها في حديث آخر (وَلَا أَعْلَمُ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ، وَلَا قَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ) أخرجه مسلم والنسائي واللفظ له.
وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- في هذه العشر إيقاظ أهله حتى يأخذوا نصيبهم من هذه الليالي المباركة، وهذا من كمال نصحه وعنايته بأهله ولنا فيه عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة.
وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- في هذه العشر أنه كان يعتكف فيها أي: يلازم المسجد كل هذه العشر تجنباً للمشاغل وتفرغا للعبادة وتحرياً لليلة القدر. فإنها في العشر الأواخر من رمضان.
والاعتكاف سنة باقية مستمرة فعن عائشة رضي الله عنها «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ» متفق عليه.
فاجتهدوا في هذه العشر قدر الطاقة والإمكان، واغتنموا الفرص قبل الندم وفوات الأوان. ولا تكونوا ممن تَفتُر هِمَمُهم وتضعف عزائمهم وتكثر أشغالهم باسواقهم ومشترياتهم في أفضل أوقات شهرهم. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
 الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ اَلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ نَبِيّنَا مُحَمَّدْ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ
 أَمَّا بُعْدُ :
فاتقوا الله عباد الله وتذكروا أنه قد ذهب أكثر الشهر وبقي أقله وما بقي منه خير مما ذهب، فاغتنموه أحسن اغتنام.
اجتهدوا في تلاوة كتاب الله وفي قيام لياليه صلاة وتلاوة وذكراً، واجتهدوا في تحري ليلة القدر التي قال الله تعالى فيها (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ . سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) أي أن العبادة فيها تعدل عبادة الله أكثر من ثمانين سنة ليس فيها ليلة القدر. وقد قال صلى الله عليه وسلم ( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)
ويشرع فيها الإكثار من جوامع الدعاء ولا سيما ما جاء في حديث عائشة إذ سالت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟ قَالَ: ” تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي ” رواه ابن ماجه والترمذي وقال حسن صحيح.
فاجتهدوا في تحريها ولا سيما في ليالي الأوتار قال صلى الله عليه وسلم (التمسوها في العشر الأواخر) متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم (تحروا ليلة لقدر في الوتر من العشر الأواخر) متفق عليه.
مع التنبه أن ليالي الشفع قد تكون ليالي أوتار إذا كان الشهر تاما وبدأ العد من آخر الشهر كما في حديث ابن عباس ومعنى ذلك أن يتحرى المسلم ليلة القدر في كل العشر شفعاً كانت أو وتراً.
وبعض الناس يعتقد أن ليلة القدر هي ليلة كذا وكذا فيجتهد فيها ثم يكسل في
 غيرها وهذا غلط لأمرين:
الأول: أن تعيين ليلة القدر من بين ليالي العشر أمر غيبي لا يمكن الجزم به على جهة اليقين.
ثانياً: أن النبي ﷺ رأى علامتها في سنة من السنوات ليلة واحد وعشرين ومع ذلك استمر معتكفاً مجتهداً حتى أتم الشهر. مما يدل على أن المقصود استمرار اجتهاد المسلم طيلة العشر.
اللهم تقبل صالح أعمالنا، وتجاوز عن سيئاتنا وزلاتنا، واختم لنا بعفوك وغفرانك والفوز بجناتك جنات النعيم، وَأَعِذنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ عَذَابِ اَلْجَحِيمِ.
اللهم آمِنِّا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم احفظ جنودنا بحفظك، وأيدهم بتأييدك، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين. اللهم عليك بمن يكيد للإسلام والمسلمين ويسعى في تدمير بلدانهم ويمد الروافض والخوارج والمفسدين في الأرض بالمال والسلاح اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك إنك أنت القوي العزيز.
اَللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفْوٌ تُحِبُّ اَلْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا ، اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسَلَّمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ اَلْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَات.
رَبَّنَا آتِنَا فِي اَلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي اَلْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ اَلنَّارِ
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ولذكر اَللَّهُ أَكْبَرُ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
 
د.علي بن يحيى الحدادي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
المرفقات

1711638502_استعد لأعظم الليالي .pdf

المشاهدات 1170 | التعليقات 0