( استشعار نعمة التوحيد ) خطبة منتقاة ومنسقة بتصرف من خطب الملتقى
أنشر تؤجر
الخُطْبَةُ الأُولَى :
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِينُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَلَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَتَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ : أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
أيها المسلمون : إن من نعم الله العظيمة على عباده : نعمةُ التوحيد ، ومِنْ شُكرِ هذه النعمةِ ، دعوةُ الخلقِ إليها ، والتحذيرُ مِن كل ما يضادهاوينقصها .
فتوحيد الله وإفراده بالعبادة أصلُ الدِّينِ وأساسَهُ وأوَّلُ أركانه ، وهو أعظم ما أمر الله به الخلق ، والغاية التي من أجلها خلقهم ، قال تعالى :(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) أي : يوحدون .
وما من نبي أرسله الله إلى قومه إلا أمره أن يدعوهم إلى التوحيد وينهاهم عن الشرك ، قال سبحانه :( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوااللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ).
واهتمامَ المسلمُ بالتوحيد والدعوة إليه ، والخوف من ضده وهو الشرك ، أمر في غاية الأهمية ، وهو نهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ؛ فهذاإبِرْاَهيِمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِمَامُ الْحُنَفَاءِ وَأَبُو الْأَنْبِيَاءِ ، يَخَافُ الشَّرْكَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَبْنَائِهِ ، وهو الذي كسر الأصنام بيده ، قَالَ اللهُتَعَالَى :{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} فمن يأمن البلاء والفتنة بعد إبراهيم عليه السلام .
وهذا يوسفَ – عليه السلام - لمَّا دَخَلَ السجنَ ، لم يغفلْ عنِ الدعوةِ إلى توحيدِ اللهِ والتحذير من الشرك ، فقال للرجلين السَّجِينَيْنِ :( ياصاحبَيِ السجن أأرباب متفرقون خيرٌ أمِ اللهُ الواحدُ القهَّار ، ما تعبدونَ من دونهِ إلا أسماءً سمَّيتُمُوها أنتم وآباؤكم ما أنزل اللهُ بها منسُلطان إنِ الحكمُ إلا لله أمر أن لا تعبُدوا إلا إياه ذلك الدينُ القيمُ ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يعلمون )( يوسف:39-40]،
وخاف النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عنهم من الشركِ ، وَهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ وَخَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ , فَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍرَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ :( إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ ) قَالُوا : وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَاللهِ؟ قَالَ : الرِّيَاءُ ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ .
عباد الله : ومِن عِظَمِ هذه القضيةِ وخطرِها ، قال الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم :( ولقد أوحيَ إليكَ وإلى الذينَ من قَبلِكَ لئنْ أشركتَليحبطنَّ عملُك ولتكونَنَّ مِنَ الخاسرين ) [الزمر:65]، وحاشاه - عليه الصلاة والسلام - أن يقعَ منهُ شيءٌ من ذلك ، ولكنَّ المقصودَ أنَّهاالقضيةُ التي لا يُمكِنُ المساومةُ فيها ، ولذلك قال الله تعالى :( إنَّ اللهَ لا يغفرُ أن يُشركَ به ويغفرُ ما دونَ ذلك لمن يشاء ومن يُشرِكْ بالله فقدِافترى إثماً عظيماً ) [النساء:48]، فمن سَلِمَ من ذلكَ سلمَ من الخلودِ في النار، وتبقى بقيةُ أعمالِه يُحاسبُ عليها إن خيراً فخير، وإن شراًفشر .
واعلموا - رحمكم الله - أن النفوسَ مفطورةٌ ومجبولةٌ على توحيدِ الواحدِ الأحد ، بل حتى البهائمُ لا تعرفُ الشركَ وتستنكرُ العبادةَ من دونِ الله؛ لأنَّ اللهَ هو الذي خلقَ ، وهو الذي أحيا ، وهو الذي رَزَق ، وهو الذي أعطى وَمَنَع ، ومَعَ ذلك يعبُدُ بعضُ بني آدمَ غيرَه ، ويُشركونَ مَعَه آلهةأخرى !.
يمُرُّ هُدْهُدُ سليمانَ - عليه السلام - بمملكةِ سبأٍ فيرى عجباً ، ويرى أمراً منكراً ، ويشاهدُ أعظمَ ذنبٍ عُصِيَ اللهُ به ألا وهو الشركُ ، وَجَدَ قوماًقد خلقهمُ الله ، وأنشأهُمْ من عدمٍ ، وذرأهم في هذهِ الأرض ، وأسبغَ عليهِمْ نعمَهُ ظاهرةً وباطنةً ، ثم يسجدونَ لغيرِه ويشكرونَ غيرَه ، فماأحْلَمَ اللهُ على عبادِهِ حينَ أمهلهُمْ لعلَّهم يتوبوا ويرجعوا ، فلمْ يصبِرْ على هذا المنظرِ الشنيع ، وبادر بالإنكارِ ليصبحَ الهدهدُ داعياً إلى اللهِ ،فيرفعُ الأمرَ إلى نبيِّ اللهِ سليمانَ – عليه السلام – فقصَّ اللهُ القصةَ وذكرَ موقفَ الداعية :( وتفقَّدَ الطَّيرَ فقال ماليَ لا أرى الهدهدَ أم كانَ منَالغائبين ، لأعذِّبنَّهُ عذاباً شديداً أو لأذبحنَّه أو لَيَأتِيَنِّي بسلطان=ٍ مُبين ، فمكثَ غَيرَ بعيدٍ فقالَ أحطتُّ بما لم تُحِط به وجئتُكَ مِن سبأٍ بنبأٍ يقين ،إنِّي وجدت امرأةً تملكهم وأوتيت من كلِّ شيءٍ ولها عرشٌ عظيم ، وجدتُّها وقومَها يسجدونَ للشَّمسِ مِن دونِ اللهِ وزينَ لهمُ الشيطانُ أعمالَهُمفصدَّهم عن السبيل فهم لا يهتدون ، ألاّ يسجدوا للهِ الذي يُخرجُ الخبءَ في السمواتِ والأرضِ ويعلمُ ما تُخفونَ وما تُعلنون ، اللهُ لا إله إلا هوربُّ العرشِ العظيم ) [النمل:20-26] .
ألا فاتقوا الله – عباد الله - واسْتَمْسِكوا بدِينِكُم وعَقِيدَتِكُم ، فأَنْتُم على المحَجَّةِ البَيْضَاء ، لَيْلُهَا كنَهَارِها ، لا يَزِيغُ عنها إلا هَالِكٌ .
بارك الله لي ولكم في القرآن السنه ، ونفعني الله وإياكم بما فيهما من الآياتِ والحكمة ، أقول ما تسمَعون ، وأستغفر الله لي ولكم ولجميعالمُسلمين من كل ذنبٍ ، فاستغفِروه ، إنه هو الغفورُ الرحيمُ .
الخطـبة الثانية :
الحمد للهِ على إحسانِه ، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له تعظيماً لشأنِه ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهورسولُه الداعي إلى رضوانِه ، اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديِه واستنَّ بسنَّتِه إلى يوم الدين .
أما بعد ، فيا أيها المسلمون : إن التوحيدَ هو أفضلُ مطلوب ، وأعظمُ مرغوب ، فتوحيدُ الله وإخلاصُ العبادةِ له وحدَهُ ، هي منَّةُ اللهِ على خلقِهوعبادِه الموحدِين ، قال الله تعالى :( يمنُّونَ عليك أن أسلموا قل لا تمنُّوا عليَّ إسلامكم بل الله يمنُّ عليكم أن هداكم للإيمانِ إن كنتم صادقين )[الحجرات:17]، فالموحدُ يقرأُ قولَه تعالى :( وأنَّ المساجدَ للهِ فلا تدعوا مع الله أحداً ) [الجن:18] فتحولُ هذهِ الآيةُ بينَه وبينَ الخلقِ جميعاً ،فلا يدعو إلا الله ، ولا يعبدُ إلا لله ، ولا يرجو إلا الله ، ولا ينيبُ إلا لله ، ولا يخضعُ إلا لله .
وتأملوا ما قالَهُ نبيُّ اللهِ يوسفُ حينَ ذَكَرَ أفضلَ ما أنعمَ اللهُ به عليه ، وهي نعمةُ التوحيد :( واتبعتُ ملةَ آبائي إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ ماكان لنا أن نشركَ بالله من شيء ذلك من فضلِ اللهِ علينا وعلى الناس ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يشكرون ) [يوسف:38]، نعم – يا عبد الله - هيَأعظمُ نِعمةٍ ومِنَّةٍ ومِنحةٍ أن لَّمْ يجعلْكَ اللهُ ابناً ليهوديٍّ أو نصرانيّ ، بل جعلكَ مسلماً موحداً ابناً لمُسْلِمَيْنِ موحِّدَين ، تعيشُ وتسعدُ بالإسلام ، لاتسجدُ لصنمٍ ولا لتمثالٍ ولا لأحد ، إنَّما تسجدُ للواحدِ الأحد ، فسألُ ربَّك الثباتَ على هذا الدينِ لتجمعَ بين السعادتين ، سعادةِ الدُّنيابالإيمانِ والحياةِ الطيبة ، وسعادةِ الآخرةِ بجنةِ الرَّحمن .
هذا وصلُّوا وسلِّمُوا -رحمكم الله- على من أمركم الله بالصلاة عليه ، فقال في مُحكَم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين، ودمرأعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلادالمسلمين .
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى ، اللهم أعنه وولي عهده على البر والتقوى ، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم علىالخير وتعينهم عليه ، يا رب العالمين.
اللهم أحينا مسلمين ، وتوفَّنا مسلمين موحدين ، وألحقنا بالصالحين ، واجعلنا من ورثةِ جنة النعيم .
اللهم أصلح قلوبَنا ، واشرح صدورَنا ، ويسِّر أمورَنا ، وانصر جنودَنا ، اللهم اِرْبِطْ على قُلُوبِـهم، وثَبِّتْ أقدامَهُم، وانصُرهم على القومِ المعتدين،واخْلُفْهُم في أهليهِم بخيرٍ يا رب العالمين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.. اللهمإنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدراراً، برحمتك يا أرحم الراحمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَالْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .