(استسقاء القلب) خطبة الاستسقاء، الخميس 26/ 5/ 1446هـ
عبدالمحسن بن محمد العامر
الحمدُ للهِ البرِّ الرحيمِ، الحليمِ الكريمِ، يعطيِ العبدَ وإنْ أسرفَ بالذنبِ العظيمِ، ويقبل التوبةَ وإنْ وقع العبدُ بالذنبِ الجسيمِ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه صلى اللهُ وسلّم عليه وعلى آله وصحابته والتابعينُ ومَنْ تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ ..
أمّا بعدُ: فيا عبادَ اللهِ: أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ تعالى؛ فالتقوى زادُ الأرواحِ والقلوبِ، ونورُ الصّدورِ والدّروبِ؛ "فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا"
أسْتغفِرُ اللهَ الذي لا إلَه إلا هو الحَيُّ القَيُّومُ وأتُوبُ إِليْهِ
أسْتغفِرُ اللهَ الذي لا إلَه إلا هو الحَيُّ القَيُّومُ وأتُوبُ إِليْهِ
أسْتغفِرُ اللهَ الذي لا إلَه إلا هو الحَيُّ القَيُّومُ وأتُوبُ إِليْهِ
معاشرَ المؤمنينَ: خيرُ ما يستسقي به العبادُ‘ صلاحُ القلوبِ، فالقلوبُ محلُّ نظرِ الربِّ سبحانه، قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: "إِنَّ اللهَ تعالى لَا ينظرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأمْوالِكُمْ، ولكنْ إِنَّما ينظرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم" رواه مسلمٌ
وأعظمُ صلاحٍ للقلوبِ بالتوحيدِ وإخلاصه للهِ تعالى، والطهارةِ مِنَ الشركِ صغيرِهِ وكبيرِه؛ وليس ذلك بالأمرِ السَّهْلِ إلا لمن وفّقه اللهُ لذلك ومنَّ عليه بصفاءِ التوحيدِ والسلامةِ من الشركِ؛ قال عليه الصلاةُ والسلامُ: "الشِّركُ أخفى في أمَّتي من دَبيبِ النَّملِ علَى الصَّفا في اللَّيلةِ الظَّلماءِ وأدناهُ أن تُحبَّ علَى شيءٍ منَ الجَورِ، أو تُبْغِضَ علَى شيءٍ منَ العَدلِ وَهَلِ الدِّينُ إلَّا الحبُّ في اللَّهِ والبُغضُ في اللَّهِ؟ قالَ اللَّهُ تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ" صححه الألباني.
وقالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: "يا أبا بكرٍ، لَلشِّركُ فيكم أخْفى من دبيبِ النَّملِ والذي نفسي بيدِه، لَلشِّركُ أخْفى من دَبيبِ النَّملِ ، ألا أدُلُّك على شيءٍ إذا فعلتَه ذهب عنك قليلهُ و كثيرهُ؟ قل: اللهم إني أعوذُ بك أن أشرِكَ بك و أنا أعلمُ، و أستغفِرُك لما لا أَعلمُ" رواه البخاريُّ في الأدبِ المفردِ وصححهُ الألباني.
ومِنْ أعظمِ صلاحِ القلبِ إنكارُه للشبهاتِ، وإعراضُه عنها، وحذرُه مِنَ الفتن وبعدُه منها؛ قال عليه الصلاةُ والسلامُ: "تُعْرَضُ الفِتَنُ علَى القُلُوبِ كالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ سَوْداءُ، وأَيُّ قَلْبٍ أنْكَرَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ بَيْضاءُ، حتَّى تَصِيرَ علَى قَلْبَيْنِ، علَى أبْيَضَ مِثْلِ الصَّفا فلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ ما دامَتِ السَّمَواتُ والأرْضُ، والآخَرُ أسْوَدُ مُرْبادًّا كالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، ولا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إلَّا ما أُشْرِبَ مِن هَواهُ" رواهُ مسلم
ومِنْ أعظمِ صلاحِ القلوبِ سلامةُ النّيةِ والقصدِ، في كلِّ ما يأتي العبدُ وما يذرُ؛ فالنيّةُ محلّها القلبُ، وعلى النيّةِ تنبني مقاصدُ العبدِ وأعمالُه، ولا يقبلُ اللهُ مِنَ الأعمالِ إلا ما كانَ خالصاً له سبحانَه؛ قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: "قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أنا أغْنَى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي، تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ" رواه مسلمٌ
ومِنْ أعظمِ صلاحِ القلوبِ؛ تقوى اللهِ تعالى، ومِنْ أعظمِ تقوى اللهِ تعالى؛ تعظيمُ شعائرِه وأوامره ونواهيه، وتعظيمُ حرماته؛ قالَ اللهُ تعالى: "ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ" وقالَ جلّ شأنُه: "ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ"
ومِنْ أعظمِ صلاحِ القلوبِ؛ سلامتها مِنَ الغلِّ والحقدِ والحسدِ والضغينَةِ والبغضاءِ؛ قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: "دَبَّ إليكم داءُ الأممِ قبلَكم: الحسدُ والبغضاءُ: هي الحالِقةُ، لا أقولُ: تَحْلِقُ الشَّعْرَ، ولكن تَحْلِقُ الدِّينَ" رواه الترمذيُّ وحسّنه الألبانيُّ.
وكيفَ لعبدٍ يَنْشدُ صلاحَ قلبِه وهو مُصرُّ على امتلائه بهذه الأمراضٍ المفسدَةِ له؟
قالَ اللهُ تعالى: "وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ*يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ*إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ"
قال الضّحَاكُ: السليمُ: الخَالِصُ.
قالَ القرطبيُّ مُعلِّقاً على قولِ الضّحاكِ: وهذا القولُ يَجمعُ شَتَاتَ الأقوالِ بِعمومِه وهوَ حسنٌ، أيْ الخَالِصُ مِنْ الأوصافِ الذميمةِ، والمتَّصفُ بالأوصافِ الجميلةِ; واللهُ أعلمُ.
اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ. اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا هَنِيئًا مَرِيئًا، طَبَقًا مُجَلِّلًاً عَامًا، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلًاً غَيْرَ رَائِثٍ، اللَّهُمَّ تُحْيِي بِهِ الْبِلَادَ، وَتُغِيثُ بِهِ الْعِبَادَ، وَتَجْعَلُهُ بَلَاغًا لِلْحَاضِرِ وَالْبَادِ.اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةً، لَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ.اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبِلَادَكَ وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ.اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ مِنَ اللَّأْوَاءِ وَالْبَلَاءِ مَا لَا نَشْكُوهُ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِّرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ.اللَّهُمَّ إِنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ، فَلَا تَمْنَعْ عَنَّا بِذُنُوبِنَا فَضْلَكَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا مَا قَدَّمْنَا وَمَا أَخَّرْنَا، وَمَا أَسْرَرْنَا وَمَا أَعْلَنَّا، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ذَنْبَنَا كُلَّهُ؛ دِقَّهُ وَجِلَّهُ، أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، عَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا.رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ. اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ، وَآمَنَّا مِنْ الْخَوْفِ، وَلَا تَجْعَلْنَا آيِسِينَ، وَلَا تُهْلِكْنَا بِالسِّنِينَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْأَطْفَالَ الرُّضَّعَ، وَالشُّيُوخَ الرُّكَّعَ، وَالْبَهَائِمَ الرِّتْعِ، وَارْحَمْ الْخَلَائِقَ أَجْمَعِينَ.اللَّهُمَّ هَذَا الدُّعَاءُ، وَمِنْكَ الْإِجَابَةُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ، فَلَا تَرُدَّنَا خَائِبِينَ. عِبَادَ اللَّهِ، أَكْثِرُوا الِاسْتِغْفَارَ وَالدُّعَاءَ، وَتَأَسّوْا بِنَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِقَلْبِ الرِّدَاءِ، تَفَاؤُلًا بِتَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ، وَنُزُولِ الْخَيْرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ، فَيُغِيثَ الْقُلُوبَ بِمَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَالْبَلَدَ بِإِنْزَالِ غَيْثِهِ وَرَحْمَتِهِ
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.