استراتيجيّة إقليميّة جديدة لمواجهة إيران / أنيس الوهيبي
احمد ابوبكر
1436/06/04 - 2015/03/24 03:25AM
[align=justify] تبلورت استراتيجية إقليمية جديدة للتعامل مع إيران وأذرعتها في المنطقة، ومثّلت الرياض قطب الرحى الذي تشكلت من حوله هذه الاستراتيجية. ومنذ تسلّم الملك سلمان بن عبد العزيز قيادة المملكة، قطعت الدبلوماسية السعودية خطى واسعة لمواءمة نفسها مع الاتفاق المحتمل بشأن البرنامج النووي الإيراني. فمن الانفتاح على تركيا وقطر، وتهدئة بؤر التوتر الإقليمي في ليبيا وتونس ومع جماعة الإخوان المسلمين، إلى أخذ مسافة عن السياسات الأميركية في المنطقة، وإطلاق برنامج نووي سلمي، وصولاً إلى التفكير في تهيئة البنية التحتية اللازمة لإنشاء برنامج نووي عسكري. تم تنفيذ هذه الخطوات بسرعة مدهشة. ففي أسابيع معدودة، استقبلت العاصمة السعودية قادة ومسؤولين من الولايات المتحدة ودول الخليج والأردن ومصر وتركيا وباكستان وكوريا الجنوبية، وتم إبلاغهم بتحولات أدخلتها السعودية على سياساتها في المنطقة.
وإذا ما كانت الرياض حجر رحى الاستراتيجية الجديدة، فإن المحور التركي القطري هو الشريك الذي لا غنى عنه لنجاحها. وبالفعل، واكبت تركيا الحركة السعودية السريعة بسلسلة إجراءات، غيّرت المشهد الإقليمي، وطبعت عام 2015 بطابع عميق. منها: ملاقاة الرياض في منتصف الطريق، وتوقيع الاتفاق العسكري مع قطر، واتفاق تدريب المعارضة السورية المعتدلة مع الولايات المتحدة، وتدمير ضريح "سليمان شاه"، غربي محافظة الرقة، وإعادة بناء ضريح جديد في محافظة حلب، على مقربة من مدينة عين العرب، والتي سبقها تشكيل "الجبهة الشامية" في شمال سورية، وإنهاء نفوذ واشنطن في أدلب وحلب (القضاء على حركة "حزم" و"جبهة ثوار سورية")، ومنح أنقرة قوات من البشمركة حق عبور أراضيها، في طريقها إلى عين العرب للقتال إلى جانب وحدات حماية الشعب الكردية ضد تنظيم داعش. يضاف إلى ذلك اقتراب مسيرة السلام الداخلي من نهايتها، بعد دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني (المحظور في تركيا)، عبد الله أوجلان، عناصر الحزب لعقد مؤتمر من أجل إلقاء السلاح.
وخلال زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى الرياض أخيراً، قدم الملك سلمان وضيفه التركي كل المرونة المطلوبة لإعادة إطلاق العلاقات التركية السعودية. وكانت تونس وليبيا أول بشائر التقارب بين أنقرة والرياض. ففي الأولى شكلت حركة "نداء تونس" (القربية من السعودية)، حكومة لم تستبعد منها "حركة النهضة"، وفي الثانية، تم وضع أساس للحل يجمع الأطراف كافة في حكومة وحدة وطنية. ويبدو أن الزعيمين اتفقا على تحييد خلافاتهما السابقة بشأن مصر عن تفاهماتهما بشأن ملفات المنطقة، كما اتفقا على وضع خطة لمصالحة مصرية تركية ترعاها الرياض، وأن احتواء عبد الفتاح السيسي أفضل من استفزازه. وربما اقتنع المسؤولون الأتراك أن خير بلادهم يقتضي استمرار التحالف السعودي المصري، لأن من شأنه ضمان عدم انزلاق القاهرة وراء الأحابيل الإيرانية.
والملاحظ أن الاستراتيجية الجديدة لا تغفل الدبلوماسية من حساباتها. فالشد والمواجهات التي تقتضيها الاستراتيجية الجديدة، والضغوط التي يُعتقد أن الولايات المتحدة ستمارسها على الخليج وتركيا للتهدئة والحوار مع إيران، تتطلّب من الرياض وأنقرة خطاباً وممارسة دبلوماسيين في غاية الدهاء.
وبينما يستعد أردوغان لزيارة إيران، حط وزير الخارجية الأردني، ناصر جودة، في طهران، واقترح حواراً بين إيران وجامعة الدول العربية حول أزمات المنطقة، مؤكداً أن الإرهاب يستهدف السنّة والشيعة على حد سواء. وتمثل زيارة جودة إيران، ويبدو أنها خضعت لتنسيق مسبق بين عمان والرياض، دليلاً لا يخطئ على إصرار القيادة السعودية الجديدة على انتهاج استراتيجية شاملة في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.
"جاء فاصل الموصل ليربك حسابات إيران التي اضطرت إلى سحب المليشيات العراقية من جبهات القتال السورية"
ويشير الخطاب الدبلوماسي الذي ساد الزيارة إلى إمكانية التعامل بين الجامعة ككل وإيران حول قضايا المنطقة. ويعتقد مؤيدو الزيارة أن ذلك أضفى بعض على التحركات الإيرانية. والحقيقة أن الدبلوماسية والحشد الإقليمي وحدهما لن يكونا كافيين في مواجهة الاستراتيجية الإيرانية. ولتكتمل الاستراتيجية الإقليمية، لا بد من أدوات على الأرض، أيضاً، في طول المنطقة وعرضها، وخصوصاً سورية.
ولمّا كانت دمشق هي، وبحق، درة التاج العربي، فإن استعادتها من براثن النظام، وحلفائه الإيرانيين، تغدو المحك الرئيسي للاستراتيجية الإقليمية الجديدة. وبسيطرة النظام وإيران على حمص، بعد معارك القصير (2013)، تمكنت طهران والمليشيات التي ترعاها من التمركز في وسط سورية، ووضعت نصب عينيها الانتقال إلى الشمال. وجاء فاصل الموصل ليربك حسابات إيران التي اضطرت إلى سحب المليشيات العراقية من جبهات القتال السورية، لتشكل منها قوات الحشد الشعبي في العراق. وفي أوائل العام الجاري، أصدر المرشد الأعلى، علي خامنئي، أمراً سمح بمقتضاه بتوجه الإيرانيين "متطوعين" إلى سورية. ومن ثمة، بدأت إيران معارك في حلب، هدفها تحجيم الدور التركي "العثماني" في سورية. ولم تكتفِ طهران بذلك، بل أطلقت معارك في جنوب سورية، أيضاً، من أجل تحجيم النفوذين السعودي والأردني، كما أن مفاتيح دمشق الشرقية والشمالية والغربية والجنوبية تشهد حرباً ضروساً تشنها القوات المتحالفة على الثوار السوريين. هذه الحروب داخل سورية تغطيها المفاوضات النووية بين (5+1) وإيران.
وتعتقد طهران أن انتصارها في هذه المعارك لا يترك أمام منافسيها الإقليميين سوى القبول بالمبادرة الإيرانية لحل الأزمة السورية. لذلك، يغدو الحوار الدبلوماسي مع إيران، في هذه الأحوال، حديثاً فارغاً ومن دون مضمون، ما لم يترافق بدعم الثورة السورية بالسلاح والعتاد والرجال أيضاً. وربما يكون قد حان الأوان للقوى الإقليمية أن تتجاوز وصايا واشنطن الثقيلة حيال هذه النقطة بشكل واضح. فالاستراتيجية الإقليمية يجب أن تأخذ بالاعتبار أنها لا تواجه الرئيس حسن روحاني، أو وزير خارجيته، محمد جواد ظريف، بل الحرس الثوري وفيلق القدس اللذين يزرعان المنطقة بالمليشيات المقاتلة.
المصدر: العربي الجديد[/align]
وإذا ما كانت الرياض حجر رحى الاستراتيجية الجديدة، فإن المحور التركي القطري هو الشريك الذي لا غنى عنه لنجاحها. وبالفعل، واكبت تركيا الحركة السعودية السريعة بسلسلة إجراءات، غيّرت المشهد الإقليمي، وطبعت عام 2015 بطابع عميق. منها: ملاقاة الرياض في منتصف الطريق، وتوقيع الاتفاق العسكري مع قطر، واتفاق تدريب المعارضة السورية المعتدلة مع الولايات المتحدة، وتدمير ضريح "سليمان شاه"، غربي محافظة الرقة، وإعادة بناء ضريح جديد في محافظة حلب، على مقربة من مدينة عين العرب، والتي سبقها تشكيل "الجبهة الشامية" في شمال سورية، وإنهاء نفوذ واشنطن في أدلب وحلب (القضاء على حركة "حزم" و"جبهة ثوار سورية")، ومنح أنقرة قوات من البشمركة حق عبور أراضيها، في طريقها إلى عين العرب للقتال إلى جانب وحدات حماية الشعب الكردية ضد تنظيم داعش. يضاف إلى ذلك اقتراب مسيرة السلام الداخلي من نهايتها، بعد دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني (المحظور في تركيا)، عبد الله أوجلان، عناصر الحزب لعقد مؤتمر من أجل إلقاء السلاح.
وخلال زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى الرياض أخيراً، قدم الملك سلمان وضيفه التركي كل المرونة المطلوبة لإعادة إطلاق العلاقات التركية السعودية. وكانت تونس وليبيا أول بشائر التقارب بين أنقرة والرياض. ففي الأولى شكلت حركة "نداء تونس" (القربية من السعودية)، حكومة لم تستبعد منها "حركة النهضة"، وفي الثانية، تم وضع أساس للحل يجمع الأطراف كافة في حكومة وحدة وطنية. ويبدو أن الزعيمين اتفقا على تحييد خلافاتهما السابقة بشأن مصر عن تفاهماتهما بشأن ملفات المنطقة، كما اتفقا على وضع خطة لمصالحة مصرية تركية ترعاها الرياض، وأن احتواء عبد الفتاح السيسي أفضل من استفزازه. وربما اقتنع المسؤولون الأتراك أن خير بلادهم يقتضي استمرار التحالف السعودي المصري، لأن من شأنه ضمان عدم انزلاق القاهرة وراء الأحابيل الإيرانية.
والملاحظ أن الاستراتيجية الجديدة لا تغفل الدبلوماسية من حساباتها. فالشد والمواجهات التي تقتضيها الاستراتيجية الجديدة، والضغوط التي يُعتقد أن الولايات المتحدة ستمارسها على الخليج وتركيا للتهدئة والحوار مع إيران، تتطلّب من الرياض وأنقرة خطاباً وممارسة دبلوماسيين في غاية الدهاء.
وبينما يستعد أردوغان لزيارة إيران، حط وزير الخارجية الأردني، ناصر جودة، في طهران، واقترح حواراً بين إيران وجامعة الدول العربية حول أزمات المنطقة، مؤكداً أن الإرهاب يستهدف السنّة والشيعة على حد سواء. وتمثل زيارة جودة إيران، ويبدو أنها خضعت لتنسيق مسبق بين عمان والرياض، دليلاً لا يخطئ على إصرار القيادة السعودية الجديدة على انتهاج استراتيجية شاملة في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.
"جاء فاصل الموصل ليربك حسابات إيران التي اضطرت إلى سحب المليشيات العراقية من جبهات القتال السورية"
ويشير الخطاب الدبلوماسي الذي ساد الزيارة إلى إمكانية التعامل بين الجامعة ككل وإيران حول قضايا المنطقة. ويعتقد مؤيدو الزيارة أن ذلك أضفى بعض على التحركات الإيرانية. والحقيقة أن الدبلوماسية والحشد الإقليمي وحدهما لن يكونا كافيين في مواجهة الاستراتيجية الإيرانية. ولتكتمل الاستراتيجية الإقليمية، لا بد من أدوات على الأرض، أيضاً، في طول المنطقة وعرضها، وخصوصاً سورية.
ولمّا كانت دمشق هي، وبحق، درة التاج العربي، فإن استعادتها من براثن النظام، وحلفائه الإيرانيين، تغدو المحك الرئيسي للاستراتيجية الإقليمية الجديدة. وبسيطرة النظام وإيران على حمص، بعد معارك القصير (2013)، تمكنت طهران والمليشيات التي ترعاها من التمركز في وسط سورية، ووضعت نصب عينيها الانتقال إلى الشمال. وجاء فاصل الموصل ليربك حسابات إيران التي اضطرت إلى سحب المليشيات العراقية من جبهات القتال السورية، لتشكل منها قوات الحشد الشعبي في العراق. وفي أوائل العام الجاري، أصدر المرشد الأعلى، علي خامنئي، أمراً سمح بمقتضاه بتوجه الإيرانيين "متطوعين" إلى سورية. ومن ثمة، بدأت إيران معارك في حلب، هدفها تحجيم الدور التركي "العثماني" في سورية. ولم تكتفِ طهران بذلك، بل أطلقت معارك في جنوب سورية، أيضاً، من أجل تحجيم النفوذين السعودي والأردني، كما أن مفاتيح دمشق الشرقية والشمالية والغربية والجنوبية تشهد حرباً ضروساً تشنها القوات المتحالفة على الثوار السوريين. هذه الحروب داخل سورية تغطيها المفاوضات النووية بين (5+1) وإيران.
وتعتقد طهران أن انتصارها في هذه المعارك لا يترك أمام منافسيها الإقليميين سوى القبول بالمبادرة الإيرانية لحل الأزمة السورية. لذلك، يغدو الحوار الدبلوماسي مع إيران، في هذه الأحوال، حديثاً فارغاً ومن دون مضمون، ما لم يترافق بدعم الثورة السورية بالسلاح والعتاد والرجال أيضاً. وربما يكون قد حان الأوان للقوى الإقليمية أن تتجاوز وصايا واشنطن الثقيلة حيال هذه النقطة بشكل واضح. فالاستراتيجية الإقليمية يجب أن تأخذ بالاعتبار أنها لا تواجه الرئيس حسن روحاني، أو وزير خارجيته، محمد جواد ظريف، بل الحرس الثوري وفيلق القدس اللذين يزرعان المنطقة بالمليشيات المقاتلة.
المصدر: العربي الجديد[/align]