استثمر العشر + توجيه للحجاج (حسب التعميم)
راشد بن عبد الرحمن البداح
الحمدُ للهِ نحمدُه وقدْ أعطانَا وكفانَا، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، شهادةً نرجوْ بها فوزًا ورضوانًا، وأشهدُ أنَّ نبيَنا محمداً عبدُه ورسولُه، الذيْ ما مِنْ خيرٍ إلا لهُ دعانَا، وما مِنْ شرٍ إلا عنهُ نَهاناَ، صلى اللهُ وسلَّمَ عليهِ، وعلى آلهِ وصحبِهِ الذينَ كانوا على الخيرِ أعوانًا. أما بعدُ: لو أن رجلاً تاجرًا يطلبُكَ مبلغًا ضخمًا، ولكنكَ عجزتَ عن سدادِهِ، فقالَ لكَ التاجرُ: إن كنتَ تريدُ أنْ أُسقِطَ عنكَ الدَينَ كاملاً فتفضلْ عندي على وليمةِ عشاءٍ،. فهل يُعقلُ أن يبلغَ الكرمُ بإنسانٍ كهذا؟!
هذا المثالُ الرمزيُ يتوافقُ مع حالِنا مع كرمِ ربِنا لنا حينَ تأتيْنا مواسمُ مضاعفةِ الحسناتِ، وغفرانِ السيئاتِ: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} فالْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ بِاِنْتِهَازِ هَذِهِ الْأيَّامِ الْعَظِيمَةِ، وَالْعَجَلَ الْعَجَلَ قَبْلَ هُجُومِ الْأَجَلِ. وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ".
فإنْ قلتَ: أيُ الأعمالِ أرجَى في هذهِ العشرِ؟
فيُقالُ: أرجاهَا المحافظةُ على الصلواتِ المفروضاتِ بالمساجدِ، لاسيَما صلاتَي الظهرِ والعصرِ، فيا عجبًا لمنْ يَحرِصُ على السننِ، وقد ضيّعَ الواجباتِ!.
وهنيئًا للمبكرينَ لصلاةِ الجمعةِ، فإن جمُعَتَنا هذ أفضلُ من مجموعِ الجُمعاتِ الماضياتِ، ومَن فاتَه التبكيرُ فليستدرِكْ المكثَ عصرَ اليومِ بالمسجدِ يدعوْ ويطيلُ.
ومِن أعظمِ الأعمالِ المضاعَفةِ في العشرِ المباركةِ الإكثارُ من ذكرِ اللهِ بالتسبيحِ والتهليلِ والتحميدِ والتكبيرِ. فالذكرُ شعارُ العشرِ. وإن أمامَك أربعةَ عشرَ يومًا بمثابةِ الدورةِ التدريبيةِ للتعوُدِ على الذكرِ بعدَها. فاجهَروا بِالتَّكْبيرِ فِي بُيُوتِكُمْ، وَمَسَاجِدِكُمْ وَمَجَالِسِكُمْ، وأسواقِكُم؛ فالجهرُ به تذكيرٌ وتنبيهٌ، وإحياءٌ للسُنةِ وإشهارٌ للعبادةِ. وتنالُ به ما قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ"([1]). متفقٌ عليهِ.
واقتدُوا بأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- اللذَينِ يَخْرُجَانِ أَيَّامَ الْعَشْرِ إِلَى السُّوقِ، [موطنِ الغفلةِ ] فَيُكَبِّرَانِ، فَيُكَبِّرُ النَّاسُ مَعَهُمَا، لَا يَأْتِيَانِ السُّوقَ إِلَّا لِذَلِكَ)([2]). قالَ مَيمونُ بنُ مِهْرانَ: أدرَكْتُ الناسَ، وإنَّهمْ لَيُكبِّرونَ في العَشْرِ، حتَّى كنتُ أشبِّهُهُ بالأمواجِ مِن كَثْرَتِها!([3]).
ومما يُشرعُ في العشرِ: استحبابُ صيامِ تسعةِ أيامٍ، فإن ضَعُفتَ فيومًا ويومًا، والصيامُ يُعينُك على قلةِ الخروجِ والولوجِ، فإذا صاحَبَه كثرةُ مُكثٍ بالمسجدِ كان خيرًا على خيرٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ اِبْنِ عُمَرَ وَاِبْنِ سِيْرِيْنَ وَقَتَادَةَ أَنَّ صِيَامَ يَوْمٍ مِنَ الْعَشْرِ يَعْدِلُ سَنَةً([4]).
أيُها المسارِعُ للخيراتِ: لا تقُلْ يا أسَفا فاتَني الحجُ! فثَمَّتَ حَجَّاتٌ يَوْمِيَّةٌ تَنَالُها بعملَينِ صالحَينِ بِلا سَفَرٍ ولا تَعَبٍ ولا تَكْلُفَةٍ! فيَا ربَنا مَا أربحَ التِّجارَةَ مَعَكَ!
العملُ الأولُ:استفتِحْ صَبَاحَاتِكَ بِحَجَّةٍ وبعُمرةٍ أيضًا! قالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ([5]). حسَّنَهُ سبْعَةُ عُلَماءَ: التِّرمذِيُّ والمُنذِريُّ والنَّوَوِيُّ والعِراقيُّ والشَّوكانيُّ والألبانيُّ وابنُ بازٍ. فصَلِّ ركْعَتَيْنِ بَعْدَ الشُّرُوقِ بِرُبُعِ سَاعَةٍ؛ تَنَلْ هذا الفَضْلَ. ومَاذَا عَنِ الْمَرْأَةِ؟! قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحَديثَ يَشْمَلُهَا لَوْ صَلَّتْ بمصلاها. فمَا أكْرَمَكَ يَا اللهُ! {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
العملُ الآخَرُ الذي يُعادِلُ الحجَ، بلْ تُحصِّلُ بِهِ أجرَ خَمْسِ حَجَّاتٍ يومِيَّةٍ! فيما قَالَه -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ. ما العَلاقَةُ؟! لكونِ التطهرِ للصلاةِ بمثابةِ الإحرامِ للحجِ([6]).
فَلَوْ حافظتَ على سُنةِ الضُحَى يوميًا، وتطهَّرْتَ مِنْ بَيْتِكَ، ومَشَيْتَ للْمَسْجِدِ جَمِيعَ الصَلَوَاتِ فسَتَحْصُلُ في العشرِ على خمسينَ حَجَّةً وزيادةً! فأيُّ فضلٍ كهذا الفضلِ؟!
الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على خيرِ نبيٍ مصطفَى، أما بعدُ:
فأما أنتمْ أيُها الحُجاجُ الكرامُ الوافدُون لبيتِ اللهِ: فإنكم ضيوفُه، فأَقبِلُوا إليه بقلوبِكم قبل أبدانِكم، وأقيمُوا حدودَه في مشاعرِه وعظمُوا شعائرَه: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج32].
وكذلكَ استعِدُوا لحجِكم بحوائجِكم، واتبِعوا التوجيهاتِ التي تحفظُ أبدانَكم من الضررِ أو المرضِ – عافاكمُ اللهُ- ومن التوجيهاتِ التي توصِي بها وزارةُ الصحةِ وتؤكدُ عليها في موسمِ حجِ هذا العامِ: التوقيْ من ضرباتِ الشمسِ، باصطحابِ المِظلةِ الشمسيةِ، وبقلةِ التعرضِ للإجهادِ الحراريِ، لا سيما وأن الحجَ هذه السنةَ يتزامَنُ مع شدةِ فصلِ الصيفِ، وارتفاعِ درجاتِ الحرارةِ.
· فاللهمَ أعِنَّا على ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسْنِ عِبادَتِكَ.
· اللهمَّ أقبِلْ بقلوبِنا في هذهِ العشرِ على طاعتِكَ.
· اللهمَّ بلِّغْنَا عرفتنا وعيدَنا الثَّانِيَ سَالِمِينَ غَانِمِينَ مقبولِينَ.
· اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنا بِدُعَائِكَ أشَقِياءَ، وَكُنْ بِنا رَؤوفًا رَحِيمًا، يَا خَيْرَ الْمَسْئُولِينَ، وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ. اللهم وارزقنا جميعًا الفردوسَ بعد عمُر طويلٍ على عملٍ صالحٍ.
· اللهم لا تَجعلْ بينَنا وبينَكَ في رزقِنا أحَدًا سواكَ، واجعلنا أغنَى خلقِكَ بكَ، وأفقرَ عبادِكَ إليكَ. وباركْ في أرزاقِنا واقضْ ديونَنا.
· اللهم احفظْ لبلادِنا المباركةِ أمنَها وإيمانَها وسائرَ بلادِ المسلمينَ.
· اللهم وَفِّقْ إمَامَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ بِتَوْفِيقِكَ، وارزقْهم بطانةً صالحةً ناصحةً، وَاحْفَظْ أبْطَالَ الْحُدُودِ ووفِقْ أبطالَ الحجِ. اللهم صلِ وسلِمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
([1])صحيح البخاري (7405) ومسلم (2675)
([2])صحيح البخاري (969). وهذا اللفظ في أخبار مكة للفاكهي (2/ 10)
([3])فتح الباري لابن رجب (9/ 9)
([4]) المصدر السابق (9/ 15)
([5])سنن الترمذي (586)
([6]) أبو داود ( 558) وانظر: الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (1/ 215)
المرفقات
1656600174_استثمر العشر توجيه للحجاج.docx
1656600175_استثمر العشر توجيه للحجاج.pdf