ارعوا أبناءكم وحاذروا سبل المخدرات في ايام الاختبارات
عبدالرحمن اللهيبي
خطبة مجمعة بتصرف نسأل الله أن ينفع بها
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً .
معاشر المسلمين إنها مصيبة لا كالمصائب وداء لا كالأدواء ، بلية المخدرات وما أعظمها من بلية , إنها رحلة مريرة مع داء عاقبته إزهاق النفوس البريئة , وانتهاك الأعراض العفيفة ، وفساد العقول السليمة ، وضياع الشباب وفقدناهم للهوية والإنسانية , إنه داء يؤدي إلى فقد كل معاني الإنسانية ,, وزوال كل ملامح الحياة البشرية فما أعظمه وربي من داء عظيم وما أشده من بلاء جسيم
فتاة في عمر الزهور في الثانية عشرة من عمرها ، قدّر الله لها أن تكون تحت أبٍ وقع في هذا الداء فسلبه كل مقومات الأبوة ومعالمِ الرجولة ، كان جالساً في بيته يوماً وقد بلغ به إعياء الإدمان مبلغه ، وفي تلك الحالة المريرة المؤلمة يدخل عليه المروج ، فيطلب الأبُ منه ولو يسيراً من المخدر، فيطلب المجرم مقابلاً لذلك ، فيقول الأب ، اطلب ما تريد ، وفي تلك اللحظة الحزينة تدخل الفتاة الصغيرة تحمل العصير للضيف المجرم ، فيقول المجرم : هذه أريد ، ولأن الأب قد فقد روحه وعقله وبشريته وسُلب كل معاني الرحمة والشفقة
فقد قام بتخدير ابنته ليقوم ذلك المجرم بفعل الفاحشة بها أمام ناظريه وهو لا يحرك ساكنا بل مستمتعا بالمخدر الذي حصل عليه.
أما بلغكم خبر المدمن الذي نحر ثلاثة من أطفاله قبل أيام قليلة ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
في سبيل من ولمصلحة من يقوم مدمن بقذف أمه من الدور الثاني كما قرأتم في الصحف أو سمعتم في الاعلام .
أوما قرأتم في الصحف خبر مدمن يدخل آخر الليل وتحت وطأة الإدمان يقوم بإخراج زوجته إلى الشارع مع أطفالها ، وأصغرهم في الشهر السادس من عمره في ليلةٍ شديدة البرد ، وشاب يقتل والده ذا التسعين من عمره وهو قائم يصلي ، وآخر يقتل زوجته مع طفليه وآخر يحرق زوجته واثنين من أطفاله وهو ينظر إليه وهم يضطربون ويستمع إليهم وهم يصطرخون، والآخر وليس الأخير يقتل والديه في آن واحد وينتهي به المطاف إلى مستشفى الأمراض النفسية إنها حوادث مؤلمة ومآسي محزنة تدمي القلوب وتفتت الأكباد ما أحببت أن أؤلمكم بها في هذه الخطبة لكننا نقرأها في كل يوم ونسمعها في كل وقت وحين
فما هو هذا الداء الخبيث الذي يتعاطاه بعض أبناء المسلمين ويؤدي بهم إلى هذا المستنقع الأثيم وصدق الله إذ يقوليا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتبنوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم والعداوةَ والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون.
ولأجل ما تسببه هذه الخمرة والمخدرات والمسكرات من آثار مدمرة لعنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنس ابن مالك رضي الله عنه ((لعن النبي في الخمر عشرة: عاصرَها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيَها وآكلَ ثمنِها والمشتريَ لها والمشتراةِ له)) والمخدرات تأخذ حكم الخمر والمسكرات فكلاهما في الأثر واحد بل إن المخدرات أعظم خطرا وأشد أثرا من الخمر والمسكرات
عباد الله : إن المخدرات تزهق النفوس فتهلكها,, وتفتك بالعقول فتعطلها ، وتضيع الأموال فتبددها ، وتدمر الأُسر فتشتتها. وتهلك الشباب فتفقدهم إنسانيتهم وتهلكهم والله تعالى يقول ((ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما))
وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ..
المخدرات يا عباد الله تيارٌ جارف ، وبلاءٌ ماحق ، وموتٌ بطيء بل الموت أرحم، كم من شاب صيرته سائلاً تائها ضائعا متسكعاً ، بعد أن كان ناضجَ العقل ، عاليَ الهمة ، طموحا إلى معالي الأمور .
فيا لله كم خربت المخدرات من بيوت كانت بأهلها عامرة ، وكم شردت من عائلات كانت ملتئمة آمنة وكم أضاعت من شباب صغار كانت آمال أبائهم فيهم سامية .
أيها المسلمون : لست هنا بصدد الحديث عن المخدرات وحكمها وأضرارها فذاك مما لا يخفى على أولي الأبصار ، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: ما الذي يجعل فئة من شبابنا تنجرف وراء هذا الداء رغم عظيم مخاطره وتحقق مهالكه
ما الذي جعل فئة من شبابنا تقبل على إدمان المخدرات حتى أصبحت رهينة الجنون والسجون والضياع والمجون فضاعت بذلك طاقات للأمة كان يمكن أن تسخر في خدمة الدين وبناء المجتمعات .
إنه سؤال نملك الإجابةَ عليه ونعرفه، وهو أننا نحن المسئولون عنه ضياع أبنائنا وانجرافهم في تيار المخدرات الجارف .
إنه حين نربي أولادنا على غير التقوى والإيمان تصبح نفوسهم ضعيفة لا تصمد أمام تقلبات الحياة العادية فيصبحون كالقشة في مهب الريح تأخذ بهم ذات اليمين وذات الشمال
فلو تربى هذا الشاب على الإيمان والصلاح والمحافظة على الصلاة والرفقة الصالحة وعُني باهتمام الوالدين ومتابعتهم وحسن تربيتهم فإن الابن سيكون في مأمن من الوقوع في شرك المخدرات بإذن الله،
ولكي ننمي الشعور الايمانيَ في أولادنا فنحصنهم من الانحراف بكل أشكاله وخاصة تعاطي المخدرات والمسكرات ينبغي على الوالدين ما يلي :
أولاً : ربط الولد بالقرآن منذ نعومة أظفاره وغرس محبة الله عز وجل ومحبة رسوله في قلبه ، وغرس القيم الإسلامية فيه منذ الصغر .
ثانياً : ربط الولد بالمسجد عن طريق المحافظة على الصلاة وحلق تحفيظ القرآن الكريم ، وربطه بالصحبة الصالحة ومجالس الصالحين .
ثالثا: القدوة الصالحة من الوالدين فالأطفال بطبيعتهم يتأثرون بوالديهم ويقلدون تصرفاتهم وهم لا يشعرون، ومن هذه الآثار تقليدهم لآبائهم في التدخين..
والتدخين يا عباد الله هو البوابة الأولى لعالم المخدرات ، فالأب المدخن هو الذي يضع أولاده عند العتبة الأولى لنفق المخدرات المظلم . فطريق المخدرات يتدرج إليه الشاب بخطوات ومن أوائل هذه الخطوات هو التدخين وقد أثبتت الدراسات عدم وجود متعاط للمخدرات لم يسبقها بتعاطي التدخين
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
ومن أسباب تعاطي المخدرات : التدليل الزائد للابن وإغراقه بالمال ، وعندما يجد الولد مالاً كثيراً بين يديه يندفع إلى الشهوات ، ويكثر الرفاق من حوله من أجل ماله ورفاهية سيارته الفاخرة.
ومن أسباب إدمان الشباب للمخدرات : إهمال الآباء وتقصيرهم في تربية أبنائهم فالأب مشغول بتجارته وصفقاته وأسفاره وسهراته مع أصدقائه في الاستراحات وربما علل انشغاله بأنه يشقى في جمع الأموال ليسعد أولاده ، وما علم هذا الأب أن انشغاله عن ولده من أعظم الأسباب المؤدية إلى انحرافه فأي مال ينفعه حينئذ .
أيها المسلمون : وتبقى أسباب أخرى منها الفراغ ، والمشاكل الأسرية كالطلاق ، وكثرة النزاعات بين الوالدين ، والبطالة ، ووجود أحدٍ من الأقارب متورطاً في الإدمان ، وهي أسباب لا تقل أهمية عما سبق .
ويبقى أن دورنا كآباء ومربين هو الدور الأكبر في تحصين أبنائنا وحمايتهم من الانجراف وراء المخدرات من قبل أن يأتي يومٌ نعض فيه أصابع الندم ونتحسر فيه على أكباد ضيعت وأصبحت فريسة للمفسدين والله يتولى الصالحين
أما بعد :
عباد الله: من الضروري أن نعلم بأن من أعظم الأسباب الرئيسة لإدمان الشباب للمخدرات : هي رفقاء السوء فقد أكدت جميع الدراسات الحديثة على أن مخالطةَ أصدقاء السوء هي العامل الأول في تعاطي المخدرات
وأكثر ما يتعرض أولادنا لمخاطر الوقوع في شرك المخدرات من قبل رفقاء السوء إنما يكون في أيام الاختبارات وذلك لوجود الفراغ الكبير من الوقت بين الانصراف ومجيء الوالد أو السائق , وهذا الفراغ غالبا ما يؤدي إلى الضياع والانفلات .. وهو البيئة الخصبة لتأثير رفقاء السوء مع استغلالهم لتعب السهر في المذاكرة وإغرائهم بإعادة النشاط والفاعلية , فيُغرى حينها الغر الجاهل باستعمال المخدرات. وبعضهم توضع له في إنائه دون علمه ثم يدمن عليها وبعضهم يتعاطاها في أول الأمر بدافع التقليد وإظهار الرجولة والفتوة بزعمه .. فعلى الآباء الحرص الشديد أيام الاختبارات بمعرفة جداول اختبارات أبنائهم والوقت الدقيق لساعات خروجهم والحذر من عدم التأخر عليهم
ومن المهم أيضا عدم تمكينهم من أخذ سياراتهم أيام الاختبارات لأنهم سيتعرضون لطلب المرافقة معهم من قبل أصدقائهم ومن ثم التجول في الشوارع والطرقات.. والشيطان في هذه الحال يصحبهم ومزماره من الغناء يرافقهم.. فتتحرك فيهم الحماسة والاندفاع والتهور وربما قادوا السيارة بجنون ومارسوا التفحيط وآذوا الناس والمارة وعاكسوا الفتيات وتعاطوا التدخين والمخدرات , فإن أبيتم أيها الآباء إلا أن يأخذوا أبناءكم سياراتهم إلى مدارسهم أيام الاختبارات فتابعوهم بالاتصال من حين الخروج وحتى العودة إلى المنزل.
عباد الله : إننا ندرك أن تربية الآباء لأبنائهم ورعايتهم وحمايتهم أمرٌ في غاية المشقة وخصوصا في مثل زماننا هذا الذي عظمت فيه الفتن وكثرت فيه الملهيات والمغريات من الشهوات لكن هذا مما ينبغي أن يحتم علينا مزيدا من الاجتهاد في التربية والإصلاح مع سؤال الله التوفيق والهداية لهم فإنك مهما بذلت من التربية فلن تكون التربيةُ نافعة ما لم يصحبها توفيق الله جل وعلا وإن كان هذا لا يعني التخلي عن بذل الأسباب والتفريط فيها
وإنك لتعجب أشد العجب من آباء يبذلون كل البذل من أوقاتهم وأموالهم وأعمارهم في توفير الغذاء والمسكن والكساء وتوفير سبل العيش الكريم لبناء مستقبل مشرق لأبنائهم في الدنيا وهم لا يبذلون عُشر ذلك في بناء مستقبلهم في الآخرة , مع أن الآخرة خير وأبقى وهي المستقبل الأبدي لو كانوا يعلمون
فيا أيها الآباء كما أنكم تحرصون على تغذية أجساد أبنائكم بالطعام والشراب فغذوا قلوبهم وأرواحهم بنور الوحي والإيمان فالتفريط في الطعام والشراب يتلف الأبدان والتقصير في غذاء الأرواح بالإيمان يفسد الأديان , وفساد الأديان أعظم مصيبة من تلف الأبدان
أيها الآباء عليكم أن تعلموا أن رعاية الأبناء والخوف عليهم من الوقوع في شرك المخدرات ليس خاصا بالذكور دون الإناث فهذا الداء الخطير قد غزا الفتيات كما غزا الفتيان وثمة إحصاءات مخيفة على نسب المتعاطيات من الفتيات خاصة في المرحلة الجامعية
ألا تلاحظون انتشار تعاطي الفتيات لما يسمى بالمعسل , هل كان فتياتنا من قبل يعرفون هذا البلاء فضلا عن تعاطيه
إننا لا يمكن أن نقي أبنائنا وبناتنا مخاطر المخدرات والفتن بتركنا لهم الحبل على غاربه يفعلون ما يريدون ويرتكبون ما يشتهون دون رقيب أو حسيب .
إننا والله لا نستغرب ونحن على هذه الحال من التفريط والإهمال حينما نرى فتياتنا في الأسواق يتجردون من الحشمة والحياء في حجابهم وحركاتهم وتغنجهم وانفلاتهم
إن بعض الآباء يعيش وهم الثقة في أبنائه وبناته.. بالله عليكم فأبناء مَن؟ أولئك الذي يجوبون الشوارع ويتسكعون في الطرقات ويرفعون أصوات مزامير الشيطان ويتعاطون التدخين والمخدرات ويؤذن الناس والمارة ويعاكسون الفتيات أليسوا أبناءنا ؟
أخبروني بالله عليكم بنات مَن؟ اللواتي نشاهدهن في المولات والطرقات دون تلك الحشمة والحياء والوقار التي كنا نعرفها في مجتمعنا من بناتنا ونسائنا .. هل غابت الحشمة وهل ذهبت الغيرة
إن الثقة لا تعني ترك عود الثقاب بجوار الوقود ولا تعني تركهم في أجواء ملبدة بالفتن بعيدة عن أجواء نور الإيمان والقرآن
علينا معشر الآباء قبل كل شيء الوقوف بحزم أمام المخدرات الفكرية قبل المخدرات الحسية من أفلام هابطة ، ومسلسلات ماجنة وقنوات فاسدة ومفسدة ، ودهاليز الانترنت وتطبيقات التواصل وزوايا صحفية مشبوهة تهدف إلى زعزعة الإيمان وبث الشكوك والإلحاد وزرع الانحلال وإضعاف صلة المسلمين بدينهم
لا تقطعن ذنب الأفعى وتتركها إن كنت شهماً فأتبع رأسها الذنبا
فاتقوا الله معشر الآباء وقوا أهليكم وأنفسكم نارا وقودها الناس والحجارة
ارعوا أبناءكم وبناتكم ربوهم على الإيمان والتقوى وكونوا حولهم ولا تنشغلوا كثيرا عنهم حاوروهم واعرفوا أصدقاءهم وحولوا بينهم وبين سبل الفساد والانحراف وخذوا بحجزهم عن الفساد وعلقوا قلوبكم ورجاءكم بالله , والله لن يضيع لكم جهدا , حفظ الله أبناءنا وبناتنا ونسائنا من كل شر ومكروه