اذكروا نعمةَ اللهِ-5-1-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ عبد الله الطوالة

محمد بن سامر
1443/01/04 - 2021/08/12 04:19AM

اذكروا نعمةَ اللهِ-5-1-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ عبد الله الطوالة

    إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره، ونعوذ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عليه وآلهِ صلاتُه وسلامُه وبركاتُه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)

أما بعد: فيا إخواني الكرام:

جُبِلَت النفوسُ على حُبِّ من أحسنَ إليها، ولا أحدَ أعظمُ إحسانًا مِن اللهِ-جلَّ في علاه-؛ فالمخلوقُ يتقلَّبُ في نعَمٍ من اللهِ لا تُعَدُّ ولا تحصى، ومع هذا فاللهُ-تبارك وتعالى-يقول: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ).

وذِكرُ النِّعمِ وشُكرُ المنعِم واجبٌ على كلِّ مؤمن، قال-تعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، وقال-تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ)، وشُكرُ المنعِمِ والتَّحدُثُ بنِعمه منهجُ الأنبياءِ والمرسلينَ-عليهم الصلاةُ والسلامُ-، فقد أثنى اللهُ على أبينا إبراهيمُ-عليهِ وآلهِ الصلاةُ والسلامُ-فقال-تعالى-: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ*شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، وسليمانُ-عليه الصلاةُ والسلامُ-يقول: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)، وموسى-عليه الصلاةُ والسلامُ-يُعاهِدُ ربَّه فيقول: (رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ)، وقال اللهُ-تعالى-لخاتم أنبيائهِ وأفضلِ رُسله: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)، فقامَ مصليًا في الليلِ-عليهِ وآلهِ البركةُ والصلاةُ والسلامُ-حتى تفطرتْ-تشققتْ-قدماه، وقال: "أفلا أكونُ عبدًا شكورًا".

فيا أَخي: اذكر نِعمتَ اللهِ عليك: فهو أوجدكَ من العدمِ، وخلقك من ترابٍ وطينٍ، وسواك في أحسنِ تقويمٍ، ونفخَ فيك من روحِهِ، وعلمَّك ما لم تكنْ تعلمُ، ورزقَك من الطيباتِ، وأطعمك وسقاك، وكساك وآواك، ومتَّعك بسمعِك وبصرِك وعقلِك وجوارحِك وسائرِ قواك، وكرَّمك وحَمَلَك في البرِ والبحرِ، وفضَّلك على كثيرٍ ممن خلقَ تفضيلاً، (وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا).

اذكر نعمتَ اللهِ عليك: فهو هداك لهذا الدينِ العظيمِ، ووفقكَ لصراطِهِ المستقيمِ، وثبَّتَكَ على شرعِهِ القويمِ، و (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ)، (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)، و (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا)، و (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا)، و (أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)، و (ومَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ).

تأمَّل قولَ الحقِّ-جلَّ وعلا-: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) لم يقلْ: "نعمَ اللهِ" بل قال: "نِعْمَةَ اللهِ"، فالنِّعمةُ الواحِدةُ لا يُمكِنُ إحصَاؤها؛ فكُلُّ نعمةٍ تتجَدَّدُ على مَدارِ الثانيةِ واللحظةِ، وفيها نِعمٌ فَرعِيةٌ أخرى لا يُمكِنُ عَدُّها أو حصرُها، وكلُّ هذِهِ النِعمِ المتجدِّدةِ تتكرَّرُ على مستوى كلِّ مخلوقٍ لوحدِه، والمخلوقاتُ لا يمكنُ للبشرِ إحصاؤُهم.

فنِعمةُ الحركةِ-مثلاً-لا يُمكِنُ إحصَاءُ تَنوعَاتِها للعضوِ الواحِدِ، فكيفَ بحركات الأعضاءِ كُلِّها، ثمَّ إنَّ كُلَّ حَركةٍ منها تتجدَّدُ وتتكرَّرُ بصورةٍ لا يُمكِنُ إحصَاؤُهُا، فكيف بحركاتِ المخلوقاتِ كلِها، ولو أضفنا لنِعمَةِ الحركةِ نِعمَةَ الأدواتِ والمعُداتِ-مثلًا-فستتولدُ صورٌ وأشكالٌ جديدةٌ ومختلفةٌ من نِعمَ الحركةِ لا يمكنُ إحصاؤُها.

ثم إنك أيُّها الانسانُ مع كلُّ لقمةٍ تأكلُها، أو شربةٍ تشربُها، أو نفسٍ تتنفسُهُ، أو خفقةِ قلبٍ، أو طرفةِ عينٍ، أو حركةِ عضوٍ، أو خاطرةِ عقلٍ، أو كلمةٍ تنطقُها، أو عِبارةٍ تسمعها، أو معنىً تفهمهُ، هناك نعمٌ لا تُعدُ ولا تُحصى.

في جسمك العجيبِ ملياراتُ الخلايا، وملايينُ الأنسجة، وآلافُ الكيلواتِ من الشعيراتِ الدمويةِ، والنهاياتِ العصبيةِ، وما لا يُتصورُ من التفاعلاتِ الكيميائيةِ، والتحولاتِ الفيزيائيةِ، والعملياتِ الحيويةِ، كُلُّها تَتمُّ على مدار اللحظةِ والثانية، وكُلُّ واحدةٍ منها، فيها من النِّعمِ والآلاءِ ممَّا لا يُعدُ ولا يُحصى، وهناك نِعمٌ أُخرى كثيرةٌ، لها أشكالٌ وأحوالٌ وفروعٌ كثيرةٌ كثيرةٌ، لا يتصورها خيالٌ، ولا تخطرُ على بالِ، فضلًا عن أن تُعرفَ أو تُستقصى، (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا).

أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فإذا كان الذي وصَلَنا من الخيرات والنِّعمِ لا يُعَدُّ ولا يُحصى، فإنَّ ما صَرفَهُ اللهُ عنَّا من الشرورِ والأخطارِ أكثرُ وأكثرُ، ومن تأمَّلَ حِكمةَ اللهِ في المنعِ والعطاءِ، عَرفَ أنَّ بعضَ العطاءِ منعٌ، وبعضَ المنعِ عطاءٌ، وإذا كان العَطاءُ نِعمةً، فإن المنعَ نِعمةٌ أيضًا، بل ربما كان المنعُ أفضلَ من العطاء: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

تخيل لو أنَّ الحموضةَ أو السكرَ أو الضغطَ أو السيولةَ أو الخلايا في دمِك نقصتْ أو زادت، فماذا سيحدثُ لك، لولواتٌ كثيرةٌ، واحتمالاتٌ عديدةٌ، في أوضاع الدمِ فقط، فكيفَ بالقلبِ، وكيف بالكبدِ، وكيف بالرئةِ والكُلى والدماغِ وغيرِها من الأعضاءِ التي كُلُّها بفضل اللهِ ونعمتهِ تعملُ على ما أحسنِ ما يُرامُ.

وهناك الكثيرُ من الميكروباتِ والفيروساتِ والفطرياتِ والمخلوقاتِ الضارةِ، تعيشُ معنا ومِن حولِنا أو في أجوائِنا أو داخِلِ أجسامِنا، ولا يخلو منها طعامٌ ولا شرابٌ ولا هواءٌ ولا مكانٌ، وهناك الكثيرُ من الأمراضِ المعديةِ، والأوبئةِ المهلكةِ، والأخطارِ المحدقةِ، تتنقلُ بيننا بسرعةٍ وسُهولةٍ، ولكن اللهَ الحافظَ-سبحانهُ-يُنعمُ علينا فيحمِينا من شرها، ويحفظُنا من أذاها، (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).

وكم للهِ من لُطفٍ خَفِيٍ*يَدِقُ خَفَاهُ عن فَهْمِ الذَّكِي

وحين يتنقلُ الانسانُ بأيِّ وسيلةٍ من وسائلِ المواصلاتِ، فإنَّ احتمالَ تعرُضِهِ للحوادثِ بعددِ الثوانيِ التي يستغرقُها انتقالُه، بل أكثر، تأمَّل قوله-تعالى-: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)، ملائكةٌ يحفظونَ الانسانَ من بين يديِهِ ومن خلفِهِ، فإذا جاءَ قدرُهُ تخَلَّوْا عنه.

كم نطلبُ اللهَ في ضُرٍ يحِلُ بِنا*فإن تولت مُصيبتنا نسيناه

ندعوهُ في البحر أن يُنجي سفينتنا*فلمَّا رجعنا إلى الشاطي عصيناه

ونركبُ الجو في أمنٍ وفي دعةٍ*فما سقطنا لأنَّ الحافظَ اللهُ

لو لَمْ يَكُنْ في الشَّدَائِدِ والمصائبِ من المِنَحِ والنعمِ إلَّا أن يَصدُقَ المؤمنُ في الالتِجَاءِ والعودةِ إِلى اللهِ-تبارك وتَعَالَى-لَكْفى بها من نِعمةٍ عظمية.

(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)، لقد تكرَّر هذا المقطعُ العجيبُ في القرآن الكريمِ مرتين: ففي الأولى: إشارةٌ أنَّ من لا يَشْكُرُ اللهَ على نِعمٍ لا يمكنُ إحصاؤُها فهو ظلومٌ كفَّارٌ، وفي الثانيةِ: أنَّهُ-تعالى-أنْعمَ بتلك النِعَمِ حتى على من لا يَشْكُرُهَا؛ لأنَّهُ غفورٌ رحِيم.

فالحمدُ للهِ على نِعَمِهِ كُلِّهَا، ما عَلِمنَا مِنهَا وما لم نَعلَم.

ابنَ آدمَ: عشْ ما شئتَ فإنَّك ميتٌ، وأَحِبَّ من شئتَ فإنك مُفارِقُهُ، واعملْ ما شئتَ فإنك مـَجْزِيٌ به، البرِ لا يَبلى، والذنبُ لا ينسى، واللهُ لا يموتُ، وكما تدينُ تُدانُ.

يا حيُ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحسنى، وصفاتِك العلى، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمين لأحسن الأخلاق والأعمال، واصرف عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمهم واجعلهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمين، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ المسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ، اللهمَ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).

اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1628741950_اذكروا نعمةَ اللهِ-5-1-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ عبد الله الطوالة.docx

1628741952_اذكروا نعمةَ اللهِ-5-1-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ عبد الله الطوالة.pdf

المشاهدات 1020 | التعليقات 2

خطبة  موفقة فى مضمونها جعلها الله فى ميزان حسناتك


جزاك الله خيرا