ادب العتاب

محمد مرسى
1433/11/14 - 2012/09/30 05:54AM
أدب العتاب
السبت 14 ذو القعدة 1433 http://www.manaratweb.com/news.php?newsid=7912


الشيخ محمد مرسي عبد الوهاب

كلنا نخطيء في حق أنفسنا وفي حق بعضنا البعض ، ولكن حينما نخطيء ونعرف خطأنا يجب علينا المسارعة بالتوبة والاعتذار فذلك دليل الشجاعة ، وذلك دليل أننا نقصد الحق فيما نقول ونفعل . وذلك دليل المحبة ، وذلك دليل الثقة بالنفس ، وذلك دليل قوة الشخصية ففي صحيح [مسلم] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم" فلابد من الخطأ ولابد من التقصير وكلنا ذوو خطأ



من ذا الذي ما ساء قط *** ومن له الحسنى فقط

تريد مبرئا لا عيب فيه *** وهل نار تفوح بلا دخان



ـ فهذا أبونا آدم وأمنا حواء ، حين انجرّا وراء إبليس بعد أن أقسم لهما أنه صادق ، فأكلا من الشجرة ، وبدت لهما سوءاتهما اعترفا بالخطأ ، فأقرّا بذنبهما فـ : ( قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ( سورة الأعراف : 23)

وقد عفا الله تعالى عنه وعن وزوجه حين أقرا بالخطأ : (( فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) ( سورة طه : الآية 122)



فما بالنا نقلد أبانا آدم في المعصية ولانقلده في التوبة

تعالوا نتعلم حين نخطئ أدبا من آداب الإسلام, وهو أدب العتاب في القرآن الكريم, نجد كيف أن الله عز وجل كان يعاتب أنبيائه ورسله وعباده الصالحين ..

(عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى)

وحين نتأمل نصوص السيرة النبوية نجد أيضاً كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحرص الأمة على الأمة ، فكان يعاتب الصحابة رضوان الله عليهم, اقرأ في قوله صلى الله عليه وسلم نعم العبد عبد الله لو كان يقوم من الليل ..) وهكذا ....



من آداب العتاب وأهمها:

1- عدم الإكثار من العتاب: فلا تعتب على أخيك بكل كبيرة وصغيرة وإذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه

فكثرة العتاب تودي إلى القطيعة، فلابد من الحكمة في العتاب .



2- لا نترك العتاب مطلقاً, أي من حين إلى آخر إن رأيت من أخيك شيئاً أقلقك ينبغي أن تعاتبه، فهذا دليل صدق المحبة والحرص على دوام الوصال فأكبر عقاب من الله عز وجل للكافر قال تعالى:

﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾

( سورة النحل: الآية 84)

الكافر لا يستعتب, لا يستعتب لأنه خارج العناية الإلهية، أما المؤمن فيستعتب



3-. الإنصاف: فعند العتاب لا بد أن تذكر محاسن أخيك وتشير إلى فضائله وفي ذلك فوائد –أي في ذكر المحاسن والإشارة إلى الفضائل- فوائد كثيرة من هذه الفوائد: أولا: ذكر المحاسن والفضائل هو مدخل إلى تقبل العتاب، وتطييب لنفس صاحبك لما هو فيها، ففي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل"، قالت: حفصة فكان بعدُ لا ينام إلا قليلاً .



وقال صلى الله عليه وسلم: "ثكلتك أمك يا زياد إن كنت لأعدك من فقهاء المدينة.

بل أنصحك أن تمدح على قليل الصواب يكثر من الممدوح الصواب: ثانياً: من الذل أن تذكر المساوىء والأخطاء وتوجع قلب أخيك بتكرار ما عليه، ولا تشير إلى فضائله ومحاسنه، ولا شك أن هذا ظلم للعباد، أن تنقل عنهم شرهم وتخفي خيرهم.



4-. سلامة المقصد: فالمؤمن مرآة أخيه أن يكون القصد من العتاب مقصداً شريفاً، لأجل النصح والتوجيه، وليس بتتبع الزلات والسقطات, وروي أن رجلاً صحب رجلاً فلما أراد أن يفارقه, قال له أخبرني عن عيوبي, فقال سل غيري, فإني كنت أراك بعين الرضا؛

وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساوئا

فبعض الناس يفعل ذلك بشكل منفر للنفس والعياذ بالله، وهنا إذا حصل ذلك يخرج العتاب عن معناه الصحيح، ويصبح هذا العتاب هو الشرارة الأولى للعداوة والبغضاء, وهو الذي عبَّر عنه الشاعر بقوله:

فدع العتاب فرب شر هاج أوله العتاب

بل يكن لسان حالك وأنت تعاتب أخاك أو زوجك أو ولدك أنت عيني وليس من حق عيني طبق أجفانها على الأقذاء.



5- .أن يجعل له طريقاً إلى الرجوع والمعاودة , وذلك عن طريق التماس العذر, فلا يغلق عليه الأبواب بعتاب غليظ جاف ثم يريده أن يعتذرمنه, ألم تر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حين جاءه المتخلفون عن غزوة تبوك يعتذرون عن تخلفهم, أخذ بظواهرهم وقبل اعتذارهم ووكل سريرتهم إلى الله تعالى. وتأمل صنيع الشافعي قال يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي, ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا، فلقيني فأخذ بيدي، ثم قال:"يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة؟



6- ما كان الرفق في شيء إلا زانه ..

" وإن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق .."!



يدخل أعرابي المسجد فيبول في ناحية منه ، فيغضب عليه بعض الصحابة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن فعلهم هذا حتى فرغ الأعرابي ، ثم يناديه -حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم- ويقول له :" ياهذا إن المساجد ما بُنيت لهذا "



كلمات بسيطات ، تخرج في رحمة وإشفاق ، فتلامس شغاف رجل البادية فيرفرف قلبه حبوراً ويقول في ذهول :

" اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً ...ومن الرفق استخدام العبارات اللطيفة في إصلاح الخطأ والعتاب

فمثلاً حينما نقول للمخطئ لو فعلت كذا , ما رأيك لو نفعل كذا, أنا أقترح أن تفعل كذا , عندي وجهة نظر أخرى ما رأيك لو تفعلها فلا شك أنها أفضل مما لو قلت له يا قليل التهذيب والأدب ، وعديم المروءة والرجولة.. ألا تفقه, ألا تفهم.. ألا تسمع.. ألا تعقل.. أمجنون أنت.. كم مرة قلت لك.

ولا ننسي أن العتاب صابون القلوب لأن الصابون يزيل القاذورات والعوالق و الأتربة من على البدن ..

بينما العتاب يمحو كل ما يعتلي القلب من كراهية و أحقاد وأحزان

المشاهدات 3154 | التعليقات 3

أيها المسلمون.. أيها المسلمون
طال ليل الأنين .. دمعكم في العيون
مالكم تلبسون .. حلة البائسين


بارك الله فيك


ويبقى الود ما بقي العتاب