اختصار لخطبة الغزاوي إمام الحرم (عوامل بناء وإصلاح الأسرة وخطورة التخبيب)

عبدالرحمن اللهيبي
1444/02/06 - 2022/09/02 14:37PM

إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

 أما بعدُ: فإنَّ الأسرة المسلمة هي نواة المجتمع الإسلامي، وأساس بنيانه، وقد حرص الإسلام على إرساء وتثبيت قواعد الأسرة، والمحافَظة على تماسُكها واستقرارها، والتحذير من أسباب تفكُّكِها وعوامل تصدُّعِها.

إنَّ من أهم مُهمَّات إبليس إفسادَ الصلات الأُسْرية، وتقويض العَلاقات الزوجيَّة، فقد صحَّ عنه -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ علَى الماءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَراياهُ، فأدْناهُمْ منه مَنْزِلَةً أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: فَعَلْتُ كَذا وكَذا، فيَقولُ: ما صَنَعْتَ شيئًا، قالَ ثُمَّ يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: ما تَرَكْتُهُ حتَّى فَرَّقْتُ بيْنَهُ وبيْنَ امْرَأَتِهِ، قالَ: فيُدْنِيهِ منه ويقولُ: نِعْمَ أنْتَ"، فالتَّفريقُ بينَ الزَّوجينِ يُعجِب إبليسَ؛ ومن أحب الأعمال إليه لِمَا يترتَّب عليه مِن مفاسدَ عظيمةٍ؛ كانقطاع النسل، وسوء تربية الأطفال، وتشتُّت الأولاد ، وتمزق روابط الأسرة ، وضياع الزوجة، وقطيعة الرحم

 عبادَ اللهِ: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- خيرَ الناس لأهله، وأحسنَهم عشرةً لأزواجه، وقد بيَّن ذلك بقوله: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله".

والله تعالى يقول: وعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ

فالحذر الحذر من كل أسباب النزاع والخصام، والتنابز والشتام، وجَرْح المشاعر وكَسْر الخواطر، والسعي بكل سبيل لما يحقق التصافي وحفظُ الجميل، والثناءُ على الفعل النبيل، والاعترافُ بالخطأ والاعتذار، والتماسُ الأعذار، والصبر الصبر على الأخطاء وعدم التدقيق والاستقصاء والتغافل عن الزلات فإن من وصاياه -صلى الله عليه وسلم- في حُسن العشرة قولُه: "ألا واسْتَوصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ"؛ فعلى كل زوج أن يتقيَ اللهَ في زوجته، فهي امرأة ضعيفة جعَلَها اللهُ تحتَ ولايتِه وفي عصمتِه، وهذا يقتضي حسن رعايتها وحفظها وصيانتها، والقيام على مصالحها كما قال تعالى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ، فهي قِوامة إصلاح ورعاية، وإدارة وتدبير، وليست قوامةَ تسلُّط وبَغْيٍ وتنفيرٍ،

فعاملوهن بالرحمة والإحسان والصفح والغُفران؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَر"، ولا يعني ذلك أن يُطِيعَها في معصية ربِّه استرضاءً لها.. كلا وحاشا ولكن يرشدها إلى الأصلح بالمعروف ويسترضيها بالحسنى

عبادَ اللهِ: إن من المخاطر التي تهدِّد بنيانَ الأسر المسلمة التأثرَ بمقاطعِ مشاهيرِ التواصُل الاجتماعيّ، التي تَحمِل في ثناياها رسائلَ مبطنة لهدم للبيوت، ودمارٍ للقِيَم والمبادئ فالحذرَ الحذرَ من كل ذلك، كما أنَّ مِنْ أخطرِ ما يُفسِد العلاقةَ الزوجيةَ التخبيبَ؛ وهو إفساد المرأة على زوجها وهو من كبائر الذنوب، قال ﷺ: "ليسَ منَّا مَنْ خبَّبَ امرأةً علَى زوجِها"

ألَا فليتقِ اللهَ أولئك الَّذِينَ يسعَون بالفتنة بينَ الأصفياء، فكم من بيوت آمنة تفرَّق جمعُها، وتصدَّع بنيانُها

وكم من أُسَر متماسكة تشتَّ شملُها وتقطعت أوصالها وتفرق أفرادُها، وضاعت أولادها، مِنْ جرَّاء هذا الجرم العظيم، والفعل الأثيم

فإنَّ المخبِّبِينَ جندٌ لإبليس في مُهمته، المتمثِّلة في إلقاء العداوة بينَ الزوجين؛ بتزهيدِ الزوجِة في زوجها ؛ بذِكْرِ مساوئه، وتحقيرِه في عينها، والقَدْح فيه وإيغار صدرِها؛ حتى تنفرَ منه وتنأى عنه.

وانظروا -رحمكم الله- إلى الفرق بين عمل المخبِّبِينَ، وعمل المصلحينَ، الذين يَنشُدُون أن تكون بيوتُ المسلمينَ هادئةً مطمئنةً مستقرةً ، وصلةُ الزوجين قويةً متماسكةً مستمرةً، ويَحرِصُونَ على بقاءِ أواصرِ الصلةِ بينَ الزوجينِ مُحكَمةً، لا تَنقَطِعُ لمجردِ خلافاتٍ طارئةٍ، ولا تَضعُف لأسبابٍ تافهةٍ..

 فكَمْ والله مِنْ بيتٍ كاد أن يتهدَّم بسببِ خلافٍ يسيرٍ نشأ بينَ الزوجينِ، وأوشَكَ الزوجُ أن يُوقِعَ الطلاقَ

فإذا بأحد المصلحين من مفاتيح الخير بكلمة طيبة، ونصيحة غالية، يُصلِح بينَهما بفضلِ اللهِ وتوفيقِه؛ فهؤلاء المصلحون يُؤرِّقُهم ويُقلِقُهم ما يَرَوْنَهُ من تشتُّت الأُسَر وضياع الذَّريَّة، فيعملون على الإصلاح بين الزوجين، وإزالة الخلاف بينَهم 

عبادَ اللهِ: إنَّ حرص الرجل على السعي في أسرته بالمحافَظةِ على إقامة الصلاة، وغيرها من شعائر الدِّين، أساسٌ في ثباتِ بناء الأسرة واستقامة الأولاد ، والله يقول عن إسماعيل عليه السلام: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا

فالبيت المحافظ على الصلاة والتالي لكتاب الله والمراعي لحرمات الله بيت خير ونور وبركة

وممَّا يُعِين المرءَ على استصلاح الرجل لأهله وولده تعاهُدُهم بالدعاء؛ فإن ممَّا تَلهَج به ألسنةُ عبادِ الرحمنِ: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ

وليس والله شيء أقرَّ لعينِ المؤمن من أن يرى زوجتَه وأولادَه صالحين مطيعينَ لله -عَزَّ وَجَلَّ-".

 وكان إبراهيمُ -عليه السلام- يدعوا لذريتَه فقال: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ

ولا تستهن بأمر الدعاء فوالله لن تجد وسلة أعظم منه أثرا في تقوية أواصرِ المحبةِ والولاءِ ، وبقاءِ الألفةِ والصفاءِ؛ وأعجز الناس من عجز عن الدعاء

 

واحذروا ثم احذروا ثم احذروا من الدعاء على الزوجة والأولاد؛ لنَهيِهِ -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك

وقد شكَى رجلٌ إلى عبد الله بن المبارك عقوق ولده، فسأله ابن المبارك -رحمه الله-: "أدعوتَ عليه؟ "، قال: "نعم"، قال: "اذهَبْ فقد أفسدتَه"

وقد قال ابنُ القيِّم -رحمه الله-:  وأكثرُ الأولادِ إنما جاء فسادُهم مِنْ قِبَل الآباءِ وإهمالِهم، وتركِ تعليمِهم فرائضَ الدين وسُننَه، فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارًا".

أقول هذا القول، وأستغفِر اللهَ الجليلَ لي ولكم، ولجميع المسلمين، فاستغفِروا وتوبوا إليه، إن ربي غفور رحيم.

 

 الحمد لله، خلَق فسوَّى، وقدَّر فهَدَى، وَصَلَّى الله وسلم على نبي الرحمة والهدى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.

 أما بعدُ، فيا عبادَ اللهِ: ممَّا ينبغي أن نحرص عليه جميعًا تحصين بيوتنا من الشيطان وأسباب حضوره، وأن نملأ بيوتنا بالنور والبركة، وذلك بعمل الطاعات فيها، من ذكر وتلاوة للقرآن، وصلاة ودعاء وغير ذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "مثل البيت الذي يُذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت"

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "إنَّ البيت لَيتَّسِعُ على أهله، وتحضُرُه الملائكةُ، وتهجُرُه الشياطينُ، ويَكثُر خيرُه، أَنْ يُقرأ فيه القرآنُ، وإن البيت لَيضِيقُ على أهله، وتهجُرُه الملائكةُ، وتحضُرُه الشياطينُ، ويَقِلُّ خيرُه، ألَّا يُقرأَ فيه القرآنُ".

 ومِنْ سُبُل حفظ بيوتنا آمنةً مطمئنةً الابتعادُ عن المعاصي والذنوب، فهي شؤمٌ على البيوت، وجالبةٌ للشرور والهموم والغموم، كما علينا أن نُطهِّر بيوتَنا من الآفات، وما يكون مانعا من نزول الخير والرحمات، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا تدخل الملائكةُ بيتًا فيه كلبٌ، ولا صورةُ تماثيل"، وهي صُوَر ذوات الأرواح، غير الممتَهَنة

 نسأل الله أن يطهر بيوتنا من كل شر ومعصية وبلاء وفتنة

هذا وصلُّوا وسلِّموا عباد الله، على نبيكم؛ استجابة لأمر ربكم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)

 اللهم صلِّ وسلِّم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وآل إبراهيم.

 اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذِلَّ الكفرَ والكافرينَ، ودمِّرْ أعداءَكَ أعداءَ الدين، اللهم واحفظ بلادنا، من شر الأشرار، وأذية الفجار، وكيد الكائدين، ومكر الماكرين 

 اللهم ادفع عَنَّا الغلاء والوباء والأدواء، والربا والزنا والزلازل، والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصةً، وعن سائر بلاد المسلمين.

اللهم كُنْ لإخواننا المستضعَفين والمجاهِدينَ في سبيلك، والمرابطينَ على الثغور، وحماة الحدود، اللهم كُنْ لهم معينًا ونصيرًا، ومؤيِّدًا وظهيرًا، اللهم آمِنَّا في الأوطان والدُّور، وأصلِحِ الأئمةَ وولاةَ الأمور، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، يا ربَّ العالمينَ.

 اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، غير مبدلين ولا مغيرين، وغير خزايا ولا مفتونين.

 سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

المرفقات

1662118643_حفظ الأسر وخطورة التخبيب.docx

المشاهدات 517 | التعليقات 0