اختصار لخطبة البصري(ومضى الثلث) وإضافة الحديث عن مكافحة الفساد ( تعميم الوزارة )

محمد عبد الرحمن اليحيا
1432/09/12 - 2011/08/12 04:15AM
ومضى الثلث 12/9/1432هـ
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ".
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، مَا أَسرَعَ مُرُورَ اللَّّيَالي وَمُضِيَّ الأَيَّامِ !
وَمَا أَعجَلَ انقِضَاءَ الدَّقَائِقِ وَذهاب السَّاعَاتِ !
بِالأَمسِ القَرِيبِ دَخَلَ شَهرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ، وَكَانَ المُسلِمُونَ في شَوقٍ عَظِيمٍ لِبُلُوغِهِ، وَلَهفَةٍ شَدِيدَةٍ لإِدرَاكِهِ، ثُمَّ هَا هُوَ اليَومَ قَد مَضَى ثُلثُهُ عَلَى عَجَلٍ، وَأَدبَرَت مِنهُ ثِنتي عَشرَةَ لَيلَةً كَلَمحِ البَصَرِ .
لَقَد وَدَّعنَا الثُّلُثَ الأَوَّلَ مِن رَمَضَانَ، نَعَم إِخوَةَ الإِيمَانِ مَضَى الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، مُنذُ أَيَّامٍ كُنَّا نَدعُو وَنَقُولُ : اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ، وَمُنذُ لَيَالٍ قَلِيلَةٍ هَنَّأَ بَعضُنَا بَعضًا بِبُلُوغِ الشَّهرِ الكَرِيمِ، وَفي تِلكَ اللَّحَظَاتِ الإِيمَانِيَّةِ العَظِيمَةِ، تَنَادَى المُؤمِنُونَ بِنِدَاءِ السَّمَاءِ : يَا بَاغِيَ الخَيرِ أَقبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقصِرْ، وَمَضَوا إِلى مَسَاجِدِهِم مُصَلِّينَ خَاشِعِينَ، وَسَارَعُوا إِلى مَصَاحِفِهِم تَالِينَ مُتَدَبِّرِينَ، وَنَوَّعُوا أَعمَالَ البِرِّ وَاغتَنَمُوا طُرُقَ الخَيرِ، وَبَذَلُوا الصَّدَقَاتِ وَشَارَكُوا في التَّفطِيرِ، وَاغتَنَمَ مِنهُم بَيتَ اللهِ مَنِ اغتَنَمَهُ وَزَارَهُ وَاعتَمَرَ. وَاليَومَ نُفَاجَأُ بِثُلُثِ رَمَضَانَ الأَوَّلِ وَقَدِ انقَضَى وَمَضَى !! فَيَا سُبحَانَ اللهِ !!
مَعَاشِرَ المُسلِمِين، لِيَسأَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا نَفسَهُ : مَاذَا حَصَلَ مِنهُ في اثنَتي عَشرَةَ لَيلَةً مَضَت ؟! هَل كَانَ مِن عُمَّارِهَا أَم مِنَ الغَافِلِينَ عَنهَا ؟‍‌! هَل كَانَ فِيهَا مِنَ المُسَارِعِينَ أَم مِنَ الضَّائِعِينَ ؟!
إن علينا أن نحاسب أنفسنا ونسألها : مَاذَا أَودَعنَا في تِلكَ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ ؟ وَبِمَ أَحيَينَا تِلكَ اللَّيَاليَ النَّيِّرَةَ ؟ كَيفَ كُنَّا وَكِتَابَ اللهِ الكَرِيمِ ؟ كَيفَ نَحنُ وَصِيَامُ الجَوَارِحِ وَصِيَانَةُ الأَسمَاعِ وَالأَبصَارِ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ ؟ كَيفَ نَحنُ وَصَلاةُ التَّرَاوِيحِ وَالحِرصُ عَلَى القِيَامِ مَعَ الإِمَامِ حَتى يَنصَرِفَ ؟ أَحَقًّا أنَّ بَعضَنَا لم يَقُمْ مَعَ المُسلِمِينَ في صَلاةِ التَّرَاوِيحِ وَلا لَيلَةً وَاحِدَةً ؟! أَحَقًّا أنَّ بَعضَنَا لم يَختِمْ كِتَابَ رَبِّهِ وَلا مَرَّةً وَاحِدَةً ؟!
مَا هَذَا الحِرمَانُ وَما تِلكَ الغَفلَةُ ؟
هَل فَطَّرنَا الصَّائِمِينَ ؟ هَل حَرِصنَا عَلَى البَذلِ والإنفاق ؟ هَلِ اجتَهَدنَا في طَلَبِ العِتقِ مِنَ النِّيرَانِ وَحَرِصنَا عَلَى أَسبَابِ دُخُولِ الجِنَانِ ؟!
لَقَد أَفلَحَ أُنَاسٌ عَرَفُوا قَدرَ رَمَضَانَ، فَكَانُوا مِن صُوَّامِهِ وَقُوَّامِهِ، يَقرَؤُونَ القُرآنَ في كُلِّ الأَوقَاتِ، وَيَستَغرِقُونَ سَاعَاتِهِم في تِلاوَتِهِ وَيُعَدِّدُونَ الخَتَمَاتِ، يَقُومُونَ مَعَ القَائِمِينَ، وَيَذكُرُونَ اللهَ مَعَ الذَّاكِرِينَ، نَهَارُهُم صِيَامٌ وَلَيلُهُم قِيَامٌ، وَسَاعَاتُهُم تَبَتُّلٌ وَدُعَاءٌ، وَأَوقَاتُهُم إِنفَاقٌ وَبَذلٌ وَعَطَاءٌ، قَد كَفُّوا عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَحَفِظُوا الجَوَارِحَ عَنِ تَعَاطِي المُحَرَّمَاتِ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، هَا نَحنُ في الثُّلُثِ الثَّاني مِن رَمَضَانَ، وَبَعدَ أَيَّامٍ قَلائِلَ وَلَيَالٍ مَعدُودَاتٍ، سَنَستَقبِلُ العَشرَ الأَوَاخِرَ الَّتي هِيَ أَفضَلُ لَيَالي العَامِ، وَالَّتي فِيهَا لَيلَةٌ هِيَ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ، لَيلَةٌ مَن حُرِمَ خَيرَهَا فَقَد حُرِمَ. فَيَا لَسَعَادَةِ مَن عَرَفَ فَضلَ زَمَانِهِ، وَهَنِيئًا لمن مَحَا بِدُمُوعِهِ وَخُضُوعِهِ صَحَائِفَ عِصيَانِهِ، وَعَظُمَ خَوفُهُ وَرَجَاؤُهُ فَأَقبَلَ طَائِعًا تَائِبًا، يَرجُو عِتقَ رَقَبَتِهِ وَفَكَّ رِهَانِهِ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الأَيَّامُ تَمضِي مُتَسَارِعَةً ، وَاللَّيَالي تَذهَبُ مُتَتَابِعَةً ، وَالأَعمَارُ تَنقَضِي بِانقِضَاءِ الأَنفَاسِ ، وَكُلُّ مُخلُوقٍ سَيفَنى طَالَ الزَّمَانُ أَم قَصُرَ ، وَهَذَا شَهرُ الرَّحمَةِ وَالغُفرَانِ يمضي سريعاً، وَلَعَلَّ أَحَدَنَا لا يَلقَاهُ بَعدَ عَامِهِ هَذَا، أَلا فَلْنَصُمْ صِيَامَ مُوَدِّعٍ وَلْنُصَلِّ صَلاةَ مُوَدِّعٍ، وَلْنَقُمْ قِيَامَ مُوَدِّعٍ وَلْنَتُبْ تَوبَةَ مُوَدِّعٍ، لِنَقُمْ خَاشِعِينَ مُخبِتِينَ، وَلْنَقِفْ أَمَامَ اللهِ مُنِيبِينَ مُتَذَلِّلِينَ، وَلْنَعلَمْ أَنَّ للهِ عُتَقَاءَ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيلَةٍ .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مَا تَجِدُونَهُ غَدًا عِندَ رَبِّكُم، وَدَاوِمُوا عَلَى فِعلِ الخَيرِ وَلَو كَانَ قَلِيلاً، وأصلحوا نياتكم، وأروا الله من أنفسكم خيراً، واللهَ اللهَ أَن يَتَكَرَّرَ مِنَّا شَرِيطُ التَّهَاوُنِ أَو تَستَمِرَّ فِينَا دَوَاعِي الكَسَلِ، فَلُقِيَا الشَّهرِ مَرَّةً أُخرَى غَيرُ مُؤَكَّدَةٍ، وَرَحِيلُ الإِنسَانِ مُنتَظَرٌ في كُلِّ لَحظَةٍ، لَقَد أَوشَكَ النِّصفُ مِن شَهرِنَا عَلَى الرَّحِيلِ وَبَينَ صُفُوفِنَا مَن فَاتَتهُ صَلَوَاتٌ وَجَمَاعَاتٌ، لَقَد أَوشَكَ النِّصفُ عَلَى الرَّحِيلِ وَفِينَا مَن آثَرَ النَّومَ وَفَضَّلَ الرَّاحَةَ عَلَى كَسبِ الطَّاعَةِ وَتَحصِيلِ العِبَادَةِ، فَأَحسَنَ اللهُ عَزَاءَ مَن قَصَّرَ في ثُلُثِ شَهرِهِ الأَوَّلِ وَجَبَرَ مُصِيبَتَهُ، وَأَحسَنَ لَهُ استِغلالَ بَقِيَّةِ المَوسِمِ العَظِيمِ، وَجَعَلَنَا جَمِيعًا فِيمَا نَستَقبِلُ خَيرًا مِمَّا وَدَّعنَا .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " إِنَّ الذِينَ يَتلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقنَاهُم سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرجُونَ تِجَارَةً لَن تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُم أُجُورَهُم وَيَزِيدَهُم مِن فَضلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ .

الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، "وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا".
عباد الله: الفساد بأنواعه وأشكاله وصوره، أمرٌ لا يحبه الله، وظاهرة سيئة في المجتمع المسلم، وسمةُ هلاكٍ للأمم، يقول الله تبارك وتعالى : "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ . وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ"، ويقول سبحانه : "وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ"، وبسبب الفساد وانتشاره وكثرته ، عذب الله تعالى أقواماً وأبادهم عن آخرهم ، كما قال تعالى : "الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ . فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ . فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ"، فالفساد مرفوضٌ شرعاً، سواءٌ أكان فساداً أخلاقياً أم مالياً أم إدارياً أم غيرَ ذلك، فهو ضدُّ الصلاح، ويكفيه ذلك سوءًا ومقتاً وذماً .
ومن أنواع الفساد الذي تعاني منه البلاد، الفسادُ المالي والإداري ، والذي أسست هيئةٌ لمكافحته وتتبع أهله، وهو ظاهرةٌ خطيرةٌ، بلي بها عبّاد المناصب والدراهم، وعانى من ويلاتها كثيرٌ من الجهات، سببها : ضعف الإيمان، وعدمُ استشعار المسؤولية، والاستهانةُ بالأمانة ، وحبُّ الدنيا، وقلةُ الخوف من الله، أما وسائلها : فالرشوة والتزوير، والسرقة والاختلاس والاحتيال، ونفع الأقارب والأصدقاء على حساب غيرهم، وآثارها : تعطلُ كثيرٍ من المصالح، وضياعُ الحقوق، وتوقفُ المشاريع، بل وحصولُ العديد من الكوارث والنكبات .
ألا فلنتق الله ربَّنا، ولنطهرْ أنفسنا من مظاهر الفساد، ولنقف صفاً واحداً في محاربة المفسدين، ومحاسبة المقصرين؛ استجابةً لديننا، وامتثالاً لأمر ربنا، وطاعةً لولي أمرنا .
هذا وصلوا وسلموا ...


ملاحظة : الجهد لأحد الإخوة الأفاضل وإنما أنا ناقل
وللشيخ الكريم الشكر والدعاء
المشاهدات 3098 | التعليقات 0