احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ

سعود المغيص
1445/01/15 - 2023/08/02 09:02AM

الخُطْبَةُ الأُولَى :

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بعدُ عباد الله  :

اتقوا الله تعالى واعلموا أن هنالك قاعدة قرَّرَها الرَّحيمُ الوَدُودُ، وَنِعْمةٌ شَمَلَتْ كلَّ موجود ، قاعِدَةٌ قُرْآنيَّةٌ، وَعَقِيْدةٌ إِيْمانيَّةٌ نَسْتَشْعِرُها إنْ مَسَّنا الضرُّ والدَّاءُ، أو لَفَّنَا التَّخوُّفُ مِنَ البلاءِ.

تقولُ هذه القاعدة : ( فالله خير حافظاً ) وَإِذَا حَفِظَ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ عَبْدَهُ ، فَهِيَ السَّعَادَةُ الَّتِي لَيْسَ فَوْقَهَا شَيْءٌ، وَهِيَ الْأُمْنِيَةُ الَّتِي تَصْغُرُ دُونَهَا الْأَمَانِي.

إِذَا حَفِظَ اللَّهُ عَبْدَهُ ، كَلَأَهُ بِعَيْنِهِ الَّتِي لَا تَنَامُ، وَكَسَاهُ بِصَوْنِهِ الَّذِي لَا يُرَامُ.

وَأَعْظَمُ الْحِفْظِ وَأَكْرَمُهُ وَأَشْرَفُهُ ، أَنْ يَحْفَظَ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ قَلْبَهُ مِنَ الزَّيَغَانِ، وَيَحْرُسُ عَلَيْهِ دِينَهُ مِنَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ وَالطُّغْيَانِ، فَلْيَحْفَظْ الْعَبْدُ حَقَّ اللَّهِ وأَوَامِرَه وحُدُودَه،

يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: “ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ “.

فاحْفَظِ اللَّهَ يَا عَبْدَ اللَّهِ.. بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ، وَأَخَصُّهَا هَذِهِ الصَّلَاةُ (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)           

وَاحْفَظِ اللَّهَ يَا عَبْدَ اللَّهِ فِي طُهُورِكَ ، إِسْبَاغًا وَإِتْمَامًا ،

فَقَدْ قَالَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ ).

 وَاحْفَظِ اللَّهَ يَا عَبْدَ اللَّهِ فِي لِسَانِكَ وَسَمْعِكَ وَبَصَرِكَ، فَإِنَّهَا جَوَارِحُ مُسْتَرَدَّةٌ ، وَنِعَمٌ مُسْتَوْفَاةٌ ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ).

 وَاحْفَظِ اللَّهَ يَا عَبْدَ اللَّهِ فِي فَرَجكَ فَصُنْهُ عَنِ الْآثَامِ، فَقَدْ أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ ، وَخَاطَبَ فِيكَ إِيمَانَكَ ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ).

 

وَاحْفَظِ اللَّهَ يَا عَبْدَ اللَّهِ فِي خَلَوَاتِكَ وَجَلَوَاتِكَ وَتَذَكَّرْ دَائِمًا قوله سبحانه (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ).

إِخْوَةَ الْإِسْلَامِ: وَإِذَا حَفِظَتِ الْأُمَّةُ دِينَ رَبِّهَا ، وَعَظَّمَتْ شَرْعَهُ ، وَحَكَّمَتْ شَرِيعَتَهُ ، حَفِظَ اللَّهُ لَهَا عِزَّهَا ، وَقُوَّتَهَا ، وَمَكَّنَهَا فِي أَرْضِهِ .

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَاكْلأْنَا بِرِعَايَتِكَ، اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِالإِسْلاَمِ قَائِمِينَ، وَاحْفَظْنَا بِالإِسْلاَمِ قَاعِدِينَ، وَاحْفَظْنَا بِالإِسْلاَمِ رَاقِدِينَ، وَلاَ تُشْمِتْ بِنَا أَعْدَاءً وَلاَ حَاسِدِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية :

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إحْسَانِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَاِمْتِنَانِهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاشريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الداعي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ وَسُلَّمُ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَإِخْوَانِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَاِقْتَفَى أثَرَهُ وَاِسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ إِخْوَةَ الْإِيمَانِ :

وَمِنْ عَجِيبِ حِفْظِ اللَّهِ تَعَالَى لِعَبْدِهِ: أَنْ يَحْفَظَهُ فِي ذُرِّيَّتِهِ ، مِنَ الْمَكَارِهِ وَالْأَذَى ، وَالشُّرُورِ وَالرَّدَى، قَالَ تَعَالَى ( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا )،

وَقَصَّ عَلَيْنَا رَبُّنَا خَبَرَ الْغُلَامَيْنِ الْيَتِيمَيْنِ الَّذِينَ حَفِظَ اللَّهُ لَهُمَا كَنْزَهُمَا بِسَبَبِ صَلَاحِ أَبِيهِمَا.

 وَفي هذا يقول عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَمُوتُ إِلَّا حَفِظَهُ اللَّهُ فِي عَقِبِهِ وَعَقِبِ عَقِبِهِ.

 وَمَنْ حَفِظَ اللَّهَ فِي حَالِ الْقُوَّةِ وَالشَّبَابِ حَفِظَهُ رَبُّهُ إِذَا كَبُرَ وَشَابَ، أَبُو الطِّيبِ الطَّبَرِيُّ عَالِمٌ عَابِدٌ هُمَامٌ، قَدْ جَاوَزَ الْمِائَةَ عَامٍ، مَتَّعَهُ اللَّهُ بِالْعَقْلِ وَالْقُوَّةِ وَحُسْنِ الْقُعُودِ وَالْقِيَامِ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: هَذِهِ جَوَارِحُ حَفِظْنَاهَا عَنِ الْمَعَاصِي فِي الصِّغَرِ، فَحَفِظَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا فِي الْكِبَرِ.

فما أحوجَ العبدَ الفَقِيْرَ معَ فِتَنِ الحياةِ وَمُدْلَهمَّاتِها ، وبلائِها ، أن يلظَّ باسم الله الحفيظ، أَنْ يَحْفَظَ عَلَيْه دِينَه وعافيته، وأن يَصُونُ له إِيمَانه وإسلامه، فَقَدْ كَانَ مِنْ دَعَوَاتِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اللَّهُمَّ احْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ قَائِمًا وَاحْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ قَاعِدًا، وَاحْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ رَاقِدًا ).

فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاحْفَظُوا اللهَ تَعَالَى بِفِعْلِ أَوَامِرِهِ، وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ يَحْفَظْكُمْ بِدِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ.

اللهُمَّ حَبِّبْ إلينا الإيمانَ وزَيِّنْه في قلوبِنا وكَرِّه إلينا الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ واجعلنا من الراشدين،

اللهم لا تجعلْ الدُّنيا أكبرَ همِّنا، ولا مبلغَ علمِنا، وأعنَّا على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتِك،

اللهُمَّ أصلحْ لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرِنا، وأصلحْ لنا دنيانَا التي فيها معاشُنا، وأصلحْ لنا آخرتَنا التي فيها معادُنا واجعل الدنيا زيادةً لنا في كلِّ خيرٍ والْموتَ راحةً لنا من كلِّ شرٍّ،

اللهُمَّ وَفِّقْ ولاةَ أمرِنا بتوفيقِك، وأيِّدْهم بتأييدِك ، واجعلهم من أنصارِ دينِك، وارزقْهُم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ،

اللهُمَّ اغفرْ للمسلمين والمسلماتِ والمؤمنين والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ ، ،

اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين .

اللهم صل وسلم على نبينا محمد 

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ .

 

المشاهدات 785 | التعليقات 0