احفظ الله يحفظك

عبدالله يعقوب
1436/06/14 - 2015/04/03 23:11PM
إن الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له..
وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أما بعد... فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله... وخيرَ الهدي هديُ محمد r، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فمن شذَّ عنهم فمات.. فميتته جاهلية والعياذ بالله.

أيها المؤمنون.. إن عنوانَ سعادةِ العبد في هذه الحياة وأساسَ فلاحه في الدنيا والآخرة أن يكون موحداً لله، حافظاً لحدوده، محافظاً على أوامره، مجتنباً لنواهيه، حافظاً نفسه في طاعة الله، ومن حفظ الله.. حفظه الله، ومن اتقى الله.. وقاه.

عباد الله: ونحن نخوض حربَ عِزةٍ وفخارٍ ضد أعداء الملة والدين من الرافضة المشركين وأذنابهم الحوثيين، ما أحوجنا لتذكر وصية نبوية عظيمة.. أمر بها نبيُنا صلى الله عليه وسلم ابنَ عباسٍ والأمةَ من بعده، ألا وهي الوصيةُ بحفظ الله تعالى، فقال عليه الصلاة والسلام لابن عباس: (يا غلام، إني أعلِّمك كلمات: احفظ الله يحفظْك، احفظ الله تجدْه تجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله، واعلم أن الأمَّة لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفَّت الصحف) رواه الترمذي.

قال الحافظُ ابنُ رجب الحنبليُّ رحمه الله: "هذا الحديث تضمَّن وصايا عظيمةً، وقواعدَ كليةً من أهمِّ أمور الدين، حتى قال بعض العلماء: "تدبرتُ هذا الحديث فأدهشني وكدت أطيش، فوا أسفا من الجهل بهذا الحديث وقلة التفهم لمعناه" اهـ.


أيها الكرام.. إن حفظَ الله.. يكون في كل وقتٍ وحين، وهو في وقت الحرب والكرب أولى، لأن مَنْ حفظ الله.. حفظه الله، ومَنْ نصر الله.. نصره الله، ومَنْ أعرض عن الله.. أعرض اللهُ عنه.

أيها الناس: حفظ الله: يعني حفظ حدوده وحقوقه، وأوامره ونواهيه، وحفظُ ذلك: هو الوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده.. فلا يتجاوز ما أمر به وأذن فيه.. إلى ما نهى عنه. ومن فعل ذلك فهو من الحافظين لحدود الله، الذين مدحهم الله في كتابه، قال الله عز وجل: (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ.. من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب).
وقد فُسِّر الحفيظُ هنا.. بالحافظ لأوامر الله، وبالحافظ لذنوبه ليتوب منها.

عباد الله: ومن أعظم ما يجب حفظه: التوحيد، فلا يُرجى إلا الله، ولا يُدعى إلا الله، ولا يُعلق القلبُ بأحدٍ سواه.. لا إله إلا الله، ولا معبود بحق سواه.

ومن أعظم ما يجب حفظه من أوامر الله بعد التوحيد: الصلاة، فإنها عماد الدين، وأعظم أركانه بعد الشهادتين، وقد أمر الله جلا وعلا بالمحافظة عليها فقال: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى)، ومدح المحافظين عليها بقوله: (والذين هم على صلواتهم يحافظون)، وقال صلى الله عليه وسلم: (خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ، فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ، كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ) رواه أبو داود.
وفي حديث آخر: (مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا، وَبُرْهَانًا، وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلَا بُرْهَانٌ، وَلَا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ، وَفِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ) رواه أحمد.

فمن أراد أن يحفظه الله.. فليحافظ على صلاته من النقصان والفوات، وليؤدها حيث أمر الله أن تؤدى في الجمع والجماعات.

عباد الله: ومما أمر المسلم بالمحافظة عليه: الطهارة، فإنها مفتاح للصلاة، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن).

ومما يؤمر بحفظه: الأيمان، وهي الحَلِف، قال الله تعالى: (واحفظوا أيمانكم)، فإن الأيمان يقع الناسُ فيها كثيرا و يهملها كثير منهم.

ومما أمر العبادُ بحفظه: حفظ الرأس والبطن، كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى) خرجه الإمام أحمد والترمذي.

وحفظُ الرأس وما وعى: يدخل فيه حفظ السمع والبصر واللسان من المحرمات، وحفظُ البطن وما حوى: يتضمن حفظ القلب عن الإصرار على المحرمات، قال الله عز وجل: ﴿واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه﴾، وقد جمع الله ذلك كله في قوله: ﴿إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا﴾، ويتضمن ذلك حفظ البطن من إدخال الحرام إليه من المآكل والمشارب.

ومن أعظم ما يجب حفظه: نواهي الله عز وجل، ويدخل في ذلك: حفظ اللسان والفرج، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ حَفِظَ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَرِجْلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ) خرّجه الحاكم.
وخرج الإمام أحمد من حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ حَفِظَ مَا بَيْنَ فُقْمَيْهِ وَفَرْجَهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ).
وأمر الله عز وجل بحفظ الفروج ومدح الحافظين لها فقال: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم)، وقال سبحانه: (والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرةً وأجرا عظيما).

عباد الله: هذه أنواع وأفراد مما ينبغي على المسلم أن يحفظه، وإلا فإنَّ حفظ الله جلا وعلا يتناول فعلَ الأوامر واجتنابَ النواهي والوقوفَ على حدوده تبارك وتعالى فلا تتجاوز إلى غيرها.

عباد الله: إن مَنْ حفظ حدودَ الله، وراعى حقوقه.. حفظه الله، والجزاءُ من جنس العمل.

وحفظُ الله للعبد.. يدخل فيه نوعان:

أحدهما: حفظه له في مصالح دنياه، كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله، قال الله عز وجل: (له معقِّباتٌ من بين يديه ومِن خلفه يحفَظونه من أمر الله)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "هم الملائكة يحفظونه بأمر الله فإذا جاء القدر خلوا عنه"، وقال علي رضي الله عنه: "إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر.. فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، وإن الأجل جُنّة حصينة".

والنوع الثاني من الحفظ: وهو أشرف النوعين: حفظ الله للعبد في دينه وإيمانه، فيحفظه في حياته من الشّبهات المضلة، ومن الشبهات المحرمة، ويحفظ عليه دينه عند موته، فيتوفاه على الإيمان، ومن هذا القبيل ما ثبت في حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه أن يقول: (اللهم احفظني بالإسلام قائما، واحفظني بالإسلام قاعدا، واحفظني بالإسلام راقدا، ولا تطع فيَّ عدوا ولا حاسدا) خرجه ابن حبان في صحيحه.

أخي المسلم.. إن حاجتك إلى حفظ الله لك في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة.. أعظم الحاجات، وضرورتك أشد الضرورات، فعليك أن تأخذ بسبيل حفظ الله لك.. فتكون محافطا على طاعة الله، ملتزما بأوامر الله، قائما بما أمرك به تبارك وتعالى... ليحفظك في نفسك، ويحفظك في مالك، ويحفظك في أهلك، ويحفظك في دنياك وفي آخرتك، وأنت بحاجة إلي حفظ الله لك في كل صباح ومساء، وفي كل يوم وليلة، وفي كل قيام وقعود، وفي جميع شؤونك.

ولهذا ثبت في سنن أبي داود من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: (للَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي)، فهو صلوات الله وسلامه عليه يسأل الله أن يحفظه في كل صباح ومساء.

وأنت عبد الله.. بحاجة إلى حفظ الله لك في كل شؤونك وفي جميع أوقاتك.. فاحفظ الله يحفظك.

نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحفظ علينا ديننا، وأن يثبتنا على الإيمان، وأن يهدينا إليه صراطا مستقيما، وأن ينصرنا على عدونا، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأن يحفظنا جميعا من الفتن.. ما ظهر منها وما بطن.

إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فتوبوا إليه واستغفروه..






الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا حمدا .. والشكر لله شكرا شكرا..


أيها المؤمنون... في حرب الخليج وتحرير الكويت.. كنا ندعو الله ونبتهلُ إليه في المساجد، وفي الثلثِ الأخير من الليل، ونسأله اللطف والرحمة والمغفرة والعون والسداد.. كانت المساجدُ عامرة، والقنوتُ يصدح في جنباتها، بينما في حربنا الآن.. يبدو عكس ذلك... قصور واضح في التدين، واعتماد شديد على الآلة العسكرية، والتقنية الحربية.. مع كمٍ كبيرٍ من التعالي والغرور.. وكأننا في نزهة أو تسلية.

كلا أيها الكرام.. الحربُ ليست نزهةً ولا تسليةً..

نعم نفرح برفع راية الجهاد ضد عدوٍ صفوي خبيث.. لكن الحرب هي الحرب، مهما كان العدو ضعيفاً.. أو حقيراً.. أو قليلاً.. لا بد من الالحاح والتضرع على الله.. والانطراح بين يديه.. في طلب النصر والعون.

ما بالنا لا نسمع الدعاء على ألسنة الناس..

لماذا حديثنا عن الحسم والنصر هو الآكد ؟!

نحن لا نبث الخوف والرعب.. ولكن نطالب برفع الأكف إلى الله، وطلب المدد والعون والتأييد منه وحده سبحانه.

لا بد أن نشعر بأن الناصر هو الله.. وليس ما نملكه من عدة وعتاد.. قال تعالى عن عباده المؤمنين يوم حنين: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ)، أرأيتم.. هُزم الصحابةُ الكرام لما دخل في نفوس البعض العُجب والخيلاء.. (ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ).

لذا لا بد أن نكون شعباً مؤمناً حق الايمان..متوكلا على الله.. سائلا منه الثبات والنصر والتمكين، مع عظيم الرجاء في نصره لعباده الموحدين على الرافضة المشركين. وصدق الله: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم).

ما أحوجنا إلى الدعاء وصدق الافتقار إلى الله، وعدم الركون إلى القوة البشرية، وإنما الاعتماد على الله عز وجل، وقد كان من دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم عند القتال: (اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي، بِكَ أَحُولُ، وبِكَ أُصُولُ، وَبِكَ أَجُولُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ)،
فالله الله في الدعاء لولاة أمرنا بالتسديد والتوفيق، ولجنودنا الذين يدافعون عن بلاد الحرمين، ويناصرون المستضعفين في
اليمن، بالنصر والتأييد والثبات والحفظ، مع تفويض التدبير لله، وكمال التوكل عليه، فهو من أعظم أسباب النصر والفلاح..

اللهم ادم على بلادنا أمنها وإيمانها وعزها واستقرارها

اللهم انصرنا على الرافضة المشركين الظالمين ومن أعانهم.

أنت القوي العزيز الغالب.. ولا حول ولا قوة إلا بك.

المشاهدات 1984 | التعليقات 0