احفظوا حصونكم

أحمد عبدالعزيز الشاوي
1446/03/23 - 2024/09/26 10:08AM
الحمد لله ذي المن والعطاء، المتفرد بالألوهية والبقاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يسمع النداء ويجيب الدعاء، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من علم وأرشد ولبى النداء صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه السادة النجباء وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين واحمدوا الله على دوام النعم واستمرار العطاء.
مملكة صغيرة وحصن حصين وقرار مكين .. بين جنباتها تتوالى أجيال ويصنع رجال كما ينشأ بين جدرانها تائهون وأنذال .. هي مصنع للعظماء كما هي مصنع للجبناء .. يسكن فيها حافظ أو خافض .. ويقودها قوام أو نوام .. وإنك لاتجني من الشوك العنب
إنه حديث عن موطن التربية والتنشئة .. حديث عن الأسرة والبيت وهل المجتمعات إلا مجموعة أسر
لاشيء بعد نعمة الإسلام مثل نعمة السكن والاستقرار والانتماء إلى بيت وأسرة يجد فيها المرء سكينته واستقراره ( والله جعل لكم من بيوتكم سكنا )
الأسرة نِعْمَةٌ.. هي ثَرْوَةٌ هي مِنَّةٌ هِي دَوْحَةٌ، هي رَوْضَةٌ هي جَنَّةٌ هِي آيَة. هِيَ مُتْعَةٌ هِيَ راحَةٌ هيَ رحمَةٌ، هي أُسْرَةٌ هي مَسْكَنٌ هي غايَة.
أُسَرَةٌ يعيشُ المرءُ في كَنَفِها.. زوجٌ وزَوجَةٌ، والدٌ ووالِدَةٌ، أَخٌ وأُخْتٌ، أَهلٌ وولَد. نِعْمَةٌ مِنْ أَكرَمِ النِعَمِ وأَنْعَمِها، وأَجزَلِ المِنَنِ وأَمتَنِها. أُسْرَةٌ.. إِنْ استَقَرَّتْ سَرَّتْ، وإِن اطْمأَنَّتْ طابَتْ. وإِن اضطرَبَتْ انقَلَبَتْ، وإِن تنافَرَتْ انْكَفَأَتْ. أُسْرَةٌ.. هِيَ كَهْفٌ وكَنَفٌ وَمَأَوى. هي عَطاءٌ ومِنَّة؛ (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ).
تُشَيَّدُ بُيُوتٌ وتُزَخْرَف، وتُجْمَعُ أَموالٌ لها وتُصْرَف. ولولا الأُسْرَةُ لما علا بُنيانٌ لِمَنْزِل، ولولا الأُسْرَةُ لما أُنْفِقَتِ أَموالٌ على دار. وما قِيْمَةُ قَصْرٍ مَشِيْدٍ، ومَنزِلٍ مُنِيْفٍ، وبَيْتٍ مُزَخْرَفٍ.. إِنْ خَلا مِنْ ساكِنِيْه
وإن أردت أن تعرف قيمة الأسرة وقدرها فانظر إلى واقع دول الكفر والضياع وكيف يتقلب أفرادها في قطيعة كالقطيع وفوضى واختلال وتيه وانحلال فما أعظم فضل ربنا علينا نحن المسلمين
الأُسْرَةُ شَجَرَةٌ.. يَمْتَدُّ ظِلُّها، ويَطِيْبُ ثَمَرُها، وَيَزْدَادُ عَطَاؤُها.. إِنْ طَابَ لها المَغْرِسُ وصَحَّتْ بِها العِنايَةُ، ودامَتْ لها السُّقْيا وحَسُنَتْ لها الرعايَة. وإِن هِيَ أُهمِلَتْ.. فَلَنْ يُقطَفَ مِنْ سَيءِ الشَجَرِ طَيِّبُ الثَمَرِ.
كَمْ أُسْرَةٍ.. قامَ فيها عائِلُها، واقتَرَبَ مِنها وَلِيُّها، ودَنا مِنها راعِيْها. فَهيَ لَهُ المشروعُ المُعَظَّم. وهي لَهُ الهدفُ المُقَدَّمْ. كُلُّ طاقاتِهِ لأَجلِ الأُسْرَةِ وَصَلاحِها مَصْرُوفَةٌ، وكُلُّ عَطَاءَاتِهِ لأَجْلِ الأُسْرَةِ ورُقِيِّها مبذولَة. هوَ في الأُسْرَةِ حَاضِرٌ، والأُسْرَةُ في قَلْبِهِ حاضِرَة. تَتَنازَعُهُ مَشَاغِلُ الحياةِ. وتَتَجَاذَبُهُ مَطَالِبُها. فلا يُرْخِيْ حَبْلاً يربِطُهُ بِأُسْرَتِه. ولا يُقَدِّمُ أَمراً يُؤَخِرُ الأُسْرَةَ عَنْ تَقَدُّمِها.
الأسرة هي المؤسسة الأولى في المجتمع فلابد لها من قائد يتولى إدارتها ويدير شؤونها ويتحمل مسؤولية الحفاظ عليها ، فكانت القوامة للرجال بمافضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالرجل هو الأقوى والأقدر على حمايتها والقوامة عليها قوامة لاتمس حرمة كيان المرأة ولا كرامتها، فالقوامة ليست تسلطاً جبروتياً ولا استبداداً فردياً ولكنها تكليف للزوج بإدارة الأسرة إدارة لاتشذ عن الحق ولا تميل مع الهوى ولا تؤثر الحظ النفسي. وإنما القوامة بذل وتضحية وتوجيه لقافلة الأسرة إلى المسار الصحيح.
إن الأسرة المسلمة اليوم مستهدفة بحملات ماكرة لتشويه صورة القوامة وإسقاط الولاية وإضعاف هيبة الرجل ومكانته ودوره لتبقى الأسر بلا قائد يقودها ولا رائد يرودها الأسرة تستهدفها تنظيمات نسوية مشبوهة تتصيد فتياتنا بشباك الحرية الزائفة لتلقي بهن في جنة الدجال .. الأسرة مستهدفة بحركات تغريبية تستهدف تجرئة نسائنا على تعدي حدود الله والتخلي عن مظاهر الحشمة والستر والحياء وتطبيع المنكرات من تبرج واختلاط وهذا يؤكد عظم المسؤولية على الآباء والأمهات ( الرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها».
أيها الرجال: آباء وأزواجاً، وإخوة وأولياء: لقد جعلكم العليم الخبير قوامين على النساء ومن هو قائم على شيء فهو أفضل منه، ومن شأنه أن يكون مطاعاً لا مطيعاً ومتبوعاً لا تابعاً.
تهتز القوامة وتفسد الأسرة بتسلط المرأة على التوجيه وإدارة البيت بسبب التقليد، ، وإنه انتكاس للأمور يمكن أن يفهم من قوله ﷺ في أشراط الساعة أن تلد الأمة ربتها، وليس معنى هذا أن تلغى شخصية المرأة، وإنما هي القوامة، وإلغاء شخصية الرجل أكبر خطراً وأعظم أثراً.
تهتز القوامة بغلبة العاطفة حينما تطغى مشاعر الأبوة المشفقة الحانية وتتعدى حدودها فتنسي الأب مهمته في التوجيه والتربية ليصبح دوره محصورا في القيام بالخدمات وجلب الأغراض والحاجيات ودفع الأموال والنفقات، ولم يعد يملك من أمر بيته إلا اليسير فكان هذا الجيل المائع المنهار حيث نجد في صفات كثير من أبناء هذا اليوم الميوعة والضعف والانهزامية واللامبالاة
يخرم القوامة ذلك الشغل المتواصل من القوام حينما يجد رب الأسرة نفسه عاجزا عن أن يجد الوقت الذي يجتمع فيه بنفسه أو بأفراد اسرته يوجههم ويحدثهم ويستمع إليهم ، ونداء القرآن يقول ( قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) ( وأمر أهلك بالصلاة ) وإن لأهلك عليك حقا
إن هؤلاء الذين يشغلون عن أهليهم يجنون بعد حين الصاب والعلقم ويتجرعون غصص العناء والشقاء ، والحياة اليوم معقدة الجوانب مترعة بأسباب التأثير ، وإن الأسرة هي القلعة الأخيرة التي ينبغي أن نقف حياتنا وإمكانياتنا لحمايتها وحفظها ولتخرج لنا ذرية تكون لنا قرة عين ومنبع فخر فورب السماء والأرض إنكم سوف تسألون
أقول هذا القول .....
الخطبة الثانية
أما بعد :
معاشر المسلمين حافظوا على حصونكم وأسركم بالتزام أمر ربكم بالتعامل مع زوجاتكم ( وعاشروهن بالمعروف ) وأمر رسولكم ( خيركم خيركم لأهله ) والسير على هديه في التعامل مع النساء حيث كان ينظر إلى المرأة باعتبارها عنصراً بشرياً له كرامته وحقوقه، وله طبائعه وخصائصه حيث قال: «استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه إن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيراً».
وحين ينظر الزوج إلى زوجته بهذا المنظار الجميل يزول عن طريق الحياة الزوجية كل ما يشوبها من أشواك وعثرات.
حافظوا على أسكم بالبذل والتضحية والبعد عن الأنانية والأثرة وإذا دخلت الأنانية من الباب.. خرجت السعادة من الشباك»، وتلك مقولة تصدق على كثير من بيوتنا التي يعيش ساكنوها تحت سقف واحد.. يتشاطرون ذات الهواء، وتجمعهم الجدران نفسها، ولكنهم مع ذلك لا يعيشون معًا.
يجمعهم المكان.. ولا تجمعهم المشاعر.. كل واحد منهم جزيرة منعزلة عن الآخر، وفي المنعطفات والمحطات، بل والمواقف اليومية العابرة تتأكد أنانيتهم وفرديتهم!!
إنها بيوت تغيب فيها التضحية، ويغادرها الإيثار وتسكنها الأثرة
بيوت تعيسة، وإن بدت متماسكة، باردة وإن تصبب أصحابها عرقًا من فرط القيظ، موحشة رغم جلبة ساكنيها، مقفرة، وإن كانوا أثرياء!
حافظوا على أسركم بالمعاشرة بالمعروف وحُسْن العشرة بطيب القول، حسن الفعل، والتلطف في المعاملة، وتوسيع النفقة، ودوام البشر، ولين الجانب، وإدخال السرور، والعفو، والتسامُح، وضبط النفس، والتحكم في الغضب، والبُعْد عن الخصومة، وتقديم الصلح على الجفاء.
ومِنَ المعاشَرة بالمعروف حفظ الأسرار، وستر الخلافات التي لا تفشى ولا تستقصى، والابتعاد عن التجسس، وسد كل ما يفضي إلى ذلك، وفي الحديث : "إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم"
وسوء الظن من آفات الحياة الزوجية، الذي يُفضي إلى الاتهام بغير بَيِّنَة، وتغدو الظنونُ والأوهامُ محورَ الحُبِّ والبُغضِ.
ومن الرُّقِيّ في التعامُل تعلُّم فنّ التغافل، وعدم الإيغال في تفاصيل الأمور الصغائر، والترفع عن سفاسف الأمور وتتبُّع السقطات.
وأعظم مايفسد البيوت ويهدم الأسر هو التساهل في الطلاق والاستعجال به وطلب المرأة له وإصرارها عليه لأتفه خلاف وأوهن سبب وأدنى شهوة وكم كان لهذا التصرف من آثار مؤلمة على الأبناء والبنات وكم كان سببا في انحراف ومؤديا إلى شقاق وبغضاء .. فاقطعوا طريق الطلاق والشقاق بالتزام هدي الإسلام وتجنب ميفضي إلى الطلاق من خلافات وتجاوزات وعمل مختلط وتأثر بدعوات المفسدين وتخبيب الفاسدين وتحريش الصديقات
احفظوا يامسلمون بيوتكم وحصنوها مما يوهنها ويضعف تماسكها وتأثيرها وحاربوا كل مغذيات السقوط من برامج تواصل ووسائل إعلام وقوموا بواجب الولاية والقوامة فمامن راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة وإن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ ذلك ام ضيع فأعدوا للسؤال جوابا وللجواب صوابا منجيا .. أصلح الله نياتكم وذرياتكم وأدام على بيوتكم سترها وعافيتها وعفتها وكفاها شر كل ذي شر
اللهم صل وسلم ..
المشاهدات 823 | التعليقات 2
علي القرني
عضو نشط

لقد أبدعت السرد وأجدت


نفع الله بك ياشيخ وسدد خطاك

ليتها مشكلة

 ليعم النفع