احذروا نواقض الإسلام

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.

إخوة الإيمان والعقيدة ... إن من أعظم نِعَمِ الله علينا، أن هدانا للإسلام، وحتى نحافظ على هذه النعمة – نعمة الإسلام – يجب الحذر من نواقض الإسلام أي: مُفسِدات الإسلام، لأن مَنْ فَعَلَ واحدًا منها خَرَج مِن دائرة الإسلام إلى الكفر، نسأل الله السلامة والعافية. وحتى نتجنَّب هذه النواقض لابد من معرفتها، قال حذيفة رضي الله عنه: كان الناس يسألون النبي ﷺ عن الخير، وكنت اسأل عن الشر مخافة أن يدركني.

أيها الموحِّدون .. الناقِض الأول .. الشِّرك في عبادة الله، وهو أعظم ذنبٍ عُصِيَ الله به ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ) وقال تعالى ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ).

والشرك بالله أن يصرفَ العبدُ شيئًا منَ العبادة لغير الله؛ مثل: النَّذْر أو الذَّبْح، أو غير ذلك.

وأما الناقِض الثاني .. مَنْ جَعَلَ بينه وبين الله وسائطَ؛ يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكَّل عليهم؛ فقد كفر بإجماع العلماء؛ قال تعالى ( أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) وقال تعالى ( وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ).

والناقِض الثالث .. من لم يُكَفِّر المشركين أو شَكَّ في كُفرهم، أو صحَّح مذهبهم؛ فهو مثلهم، لأن الله - عزَّ وجلَّ - كفَّرهم في آياتٍ كثيرة، وَأَمَرَ بعداوتهم؛ لافترائهم الكذبَ عليه، ولا يُحْكَم بإسلام المرء حتى يكفِّر المشركين، فإن توقَّف في ذلك أو شكَّ في كُفرهم مع تبيُّنه؛ فهو مثلهم.

ومَنْ صحَّح مذهبهم، واستحسَن ما هم عليه من الكفر؛ فهو كافرٌ بإجماع المسلمين؛ لأن الإسلام هو الاستسلام لله بالتَّوحيد، والانقياد له بالطَّاعة، والبراءة مِن الشِّرك وأهله.

والناقِض الرابع .. مَنِ اعتقد أنَّ غير هدْيِ النبيِّ ﷺ أكْمَلُ مِن هدْيِه، أو أنَّ حُكْمَ غيرِه أحسنُ من حُكْمِه، فهو كافر، قال الله تعالى ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )  وهذا الناقض تلبَّس به بعض ممن ينتسبون للإسلام، كالذ يقول: إنَّ إنفاذَ حُكْم الله في رجم الزَّاني المحصَن، أو قطع يد السَّارق لا يناسب هذا العصر الحاضر؛ لأنَّ زماننا قد تغيَّر عن زمن النبيِّ ﷺ ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) وقال تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ).

وأما الناقِض الخامس .. مَن أبغض شيئًا مما جاء به الرسول ﷺ ولو عَمِلَ به كَفَرَ، وهذا باتِّفاق العلماء، فقد حَكَمَ الله على مَنْ كره شيئًا مما جاء به الرسول ﷺ بالكفر والضَّلال، وأنَّ أعمالهم باطلةٌ مردودةٌ؛ قال تعالى ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) فكلُّ مَنْ كره ما أنزل الله فعمله حابِطٌ، وإن عَمِل بما كَرِه؛ قال تعالى ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ).

والناقِض السادس .. مَنِ استهزأ بشيءٍ من دين الرسول ﷺ أو ثوابه أو عقابه كَفَر؛ قال تعالى ( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) وقد ذكر الله تعالى حال هؤلاء المستهزئين الساخرين بأشرِّ ما ذكر به قومًا؛ قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ) وقال تعالى ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) فالاستهزاء بشيءٍ مما جاء به الرسول كفْرٌ بإجماع المسلمين، ولو كان من باب الهزل والمزاح. وقد نَهَى الله - تعالى - عن مُجَالَسة هؤلاء المستهزئين، وأنَّ مَنْ جلس معهم فهو مثلهم؛ قال تعالى ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ).

والناقِض السابع .. السِّحر، ومنه الصَّرْف والعَطْف، فمَن فعله أو رضي به كَفَر؛ قال تعالى ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ) والسِّحر محرَّمٌ بجميع طُرُقه، وفي جميع الشرائع.

وأما الناقِض الثامن .. مُظاهرة المشركين، ومعاونتهم على المسلمين، قال الله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ).

والناقِض التاسع .. مَنِ اعتَقَدَ أنَّ بعض الناس يسَعُه الخروجُ عن شريعة النبيِّ ﷺ فهو كافرٌ؛ لأنه مُكَذِّبٌ لقَوْل الله تعالى ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) فمن رغب الخروج عن شريعة النبيِّ ﷺ أو ظَنَّ الاستغناء عنها؛ فقد خَلَعَ رِبقة الإسْلام من عُنُقِه، وعيسى - عليه السلام - عندما ينزل في آخِر الزمان لا يأتي بشرعٍ جديد؛ بل يكون متَّبعًا لشريعة النبيِّ ﷺ لأنها باقيةٌ إلى يوم القيامة، وعامَّةٌ لجميع الناس؛ ولا يَسَعُ أحدًا الخروج عنها؛ قال تعالى ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ).

والناقِض العاشر والأخير .. الإعراض عن دين الله، لا يتعلَّمه، ولا يعمل به؛ قال تعالى ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ) والمراد بالإعراض: هو الإعراض عن تعلُّم أصل الدِّين، الذي يكون به المرء مُسلِمًا. كأن يُعْرِض بسمعه وقلبه عن الرسول ﷺ لا يصدِّقه ولا يكذِّبه، ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يُصغي إلى ما جاء به ألبتة.

فهذه عشرة نواقض للإسلام، وإلا فنواقض الإسلام أكثر من عشرة، لكن العلماء خصَّوْا هذه العشرة لأنها الأعظم خطراً وأكثر وقوعاً.

فيجب على المسلم أن يحذر الوقوع في هذه النواقض، بل يخاف من الوقوع فيها، فإذا كان إمام الحنفاء إبراهيم - عليه السلام - الذي كسر الأصنام ودعا إلى التوحيد وألقى نفسه في النار من أجل كلمة التوحيد يخاف على نفسه وأهله من الشرك ويدعو ربه فيقول ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ) فينبغي عليك عبد الله أن تدعو ربك دوماً أن يحييك على العقيدة الصحيحة ويميتك عليها، وتستعيذ وتعتصم بالله من كل ما يدعو إلى ضلالة أو غضب الجبار سبحانه خاصة في هذه الأزمان أزمان الفتن. نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه.

أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله

 

 

الحمد لله ب العالمين ...

معاشر المؤمنين ... لا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجادِّ والخائف؛ فمن أتى بناقض من النواقض سواء كان قولاً أو فعلاً بسبب خوفه من نقص مال أو جاه أو مداهنة للكفار ونحو ذلك لم يحمله على ذلك إلا الخوف، فإنه لا يعذر بذلك ويخرج عن ملة الإسلام ما لم يصل إلى حد الإكراه، كما قال تعالى ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ).

واعلموا ... أن من فعل ناقضا من نواقض الإسلام ثم تاب، تاب الله عليه، فالله يقبل التوبة من جميع المذنبين سواءً كانوا مرتدين أو غيرهم، قال تعالى ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) وقال ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا )

فاتقوا الله - عباد الله - وعظمّوا شعائر دينكم، واغرسوا في قلوبكم وقلوب من تعولون اتّباع أوامر ربكم، وابتعدوا عن كل طريق فيه يكون سبب لغوايتكم وسخط ربكم، واحذروا نواقض دينكم، واسألوا ربكم الثبات على دينه والخوف من غضبه وما يوجب عقابه.

اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم وفقنا لما يرضيك عنا وجنبنا ما يسخطك علينا يا حي يا قيوم، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين وأذلّ الشرك والمشركين ودمّر أعداء الدين في كل مكان، اللهم لا تجعل للكافرين منّة على المؤمنين، واجعلهم غنيمة سائغة لهم يا قوي يا عزيز.

اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين لرضاك، واجعل عمله في رضاك، اللهم وفقه وإخوانه وأعوانه لما فيه صلاح العباد والبلاد، اللهم هيئ له البطانة الصالحة يا رب العالمين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين ، اللهم أرهم الحقّ حقًا وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، اللهم اجمع كلمتهم على الحق وردهم إلى دينك رداً جميلاً يا سميع الدعاء، اللهم كن للمستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم آمنهم في أوطانهم وأرغد عيشهم واحقن دماءهم واكبت عدوهم. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين. اللهم فرّج هم المهمومين من المسلمين ونفس كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين وفك أسر المأسورين واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين. وارحم موتانا وموتى المسلمين يا أرحم الراحمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

المشاهدات 1953 | التعليقات 0