احذروا من دعاة على أبواب جهنم

إن الحمد لله، نحمده...

]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[.

إخوة الإيمان والعقيدة ... لا يتحقق دينٌ ولا يقوم في دُنيا الناس إسلامٌ إلا بالاجتماع على الطاعات والإحسان، وتحقيق ما أمر به الملك الديَّان من الاعتصام بحبل الله المتين ]وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[ وقد امتن الله تعالى على رسوله ﷺ وذكَّره في مُحكم كتابه، فقال ]وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[ فجمع الله تعالى القلوب بعد التفرق والشَتات، جمعها على دينه الحق، وعلى هدي نبيه القويم ﷺ فصيَّرهم بذلك جميعًا بعد أن كانوا أشتاتًا، وصاروا بذلك إخوانًا بعد أن كانوا أعداءً، جمعهم بأوثق رِباط ]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[ فلله الحمد والمنَّة على ما منَّ به على أهل الكتاب والسُّنَّة من الاجتماع على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وترك الفُرقة والشقاق والنفاق وسائر سيئ الأخلاق.

أيها المؤمنون .. إن الفرقة من علائم الشر ودلائله؛ ذكرها رسول الله ﷺ فيما يكون في آخر الزمان من افتراق الناس وكثرة القتال بينهم، فذاك من دلائل غياب الشريعة، وذهاب أعلامها، وانتفاء مقاصدها، روى البُخاري في صحيحه من حديث أبي إدريس الخولاني أنه سمع حُذيفة بن اليمان t قال: كانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسولَ اللهِ ﷺ عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّا كُنَّا في جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بهذا الخَيْرِ، فَهلْ بَعْدَ هذا الخَيْرِ شَرٌّ؟ قالَ (نَعَمْ) فَقُلتُ: هلْ بَعْدَ ذلكَ الشَّرِّ مِن خَيْرٍ؟ قالَ (نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ) قُلتُ: وَما دَخَنُهُ؟ قالَ (قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بغيرِ سُنَّتِي، وَيَهْدُونَ بغيرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ منهمْ وَتُنْكِرُ) فَقُلتُ: هلْ بَعْدَ ذلكَ الخَيْرِ مِن شَرٍّ؟ قالَ (نَعَمْ، دُعَاةٌ علَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَن أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا) فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، قالَ (نَعَمْ، قَوْمٌ مِن جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بأَلْسِنَتِنَا) قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، فَما تَرَى إنْ أَدْرَكَنِي ذلكَ؟ قالَ (تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وإمَامَهُمْ) فَقُلتُ: فإنْ لَمْ تَكُنْ لهمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إمَامٌ؟ قالَ (فَاعْتَزِلْ تِلكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، ولو أَنْ تَعَضَّ علَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ علَى ذلكَ).

عباد الله ... هذا الحديث يدل على عظيم البُعد الذي يجري في الأمَّة في آخر الزمان، فدُعاةٌ على أبواب جهنَّم يكونون في كل ما يكون من شأن الناس، يدعونهم إلى الخروج عن الصراط المستقيم، عن الخروج عن الهدي القويم، والتورط في حبائل الشيطان، وما زينه للناس من مُخالفة شرائع الرحمن (نَعَمْ، دُعَاةٌ علَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَن أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا) ثم بَيِّن ﷺ أحوالهم وأوصافهم وأعمالهم، فقال في جوابٍ مُختصر (قَوْمٌ مِن جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بأَلْسِنَتِنَا) وهذا يُبين أن أمرهم خفيٌّ، وأنهم لا يظهرون للناس مظهرًا جليًّا يتضح للناس معاداتهم للأمة، جاء في رواية أنه قال ﷺ (وَسَيَقُومُ فيهم رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ في جُثْمَانِ إنْسٍ) ثم بين النبي ﷺ الطريق الصحيح للبعد والحذر منهم، فقال ﷺ (تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وإمَامَهُمْ) وجاء في رواية أخرى (تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وإنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ) فإذا لم يكن للناس مَن يجتمعون عليه، ولا مَن يأتمرون به، وإنما الناس مُتفرقون شِيعًا ليس لهم ما يجمعهم، ولا مَن يلتئمون تحت رايته، قال ﷺ (فَاعْتَزِلْ تِلكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، ولو أَنْ تَعَضَّ علَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ علَى ذلكَ) هكذا أوصى رسول الله ﷺ.

أيها المؤمنون, هذا رسول الله ﷺ ما ترك خيرًا إلَّا دلنا عليه، ولا شرًّا إلا حذرنا منه، وهو يُوصي الأمة في هذا الزمان الذي وصفه ﷺ بعظيم المخالفة لهديه، والخروج عن سنته أن يحرص المؤمن على الجماعة، وأن يلتزم ما يكون من الخير الذي يأمر به وُلاة الأمر (تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وإنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ) هكذا يُوجه رسول الله ﷺ تأكيدًا على وجوب لزوم الجماعة وعدم الخروج عنها، وأن لزوم جماعة المسلمين من الدين الذي يقوم به دين رب العالمين، وترك القيام بهذا الأمر الذي أمر به رسول الله ﷺ في أزمان الشر مما يُوجب زيادة الشر والفساد في الناس.

فالزموا - عباد الله - جماعة المسلمين، فإن لزوم الجماعة مما يقي الله تعالى به الشر والفساد، ويُحقق به ما أمر من الاعتصام والائتلاف والالتئام، وذاك دين رب العالمين الذي لا دين يكون في الناس إلا به ]شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ[.

اللهم ارض عنا، اللهم ألزمنا شرعك، وأعنَّا على طاعتك، واصرف عنَّا معصيتك، واجمع كلمتنا على الحق والهُدى، واصرف عنَّا السوء والشر والردى.

أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الحمد لله رب العالمين ...

معاشر المؤمنين .. اتقوا الله حق التقوى، وأقيموا دين الله تعالى في أنفسكم، واحرصوا على تطبيق شرعه فيما تستطيعون كما أمركم الله تعالى، والزموا دين الله U أمره ونهيه؛ فإن ذلك نجاةٌ لكم في دُنياكم وأُخراكم.

عباد الله .. لا يخفى عليكم ما جرى في كثيرٍ من بلاد المسلمين من التفرق والنزاع والخلاف الذي كان سببًا عظيمًا لفشلهم، وذهاب ريحهم، وتفرق كلمتهم، وفقدهم كثيرًا مما كانوا عليه من الخير بسبب فرقتهم وخِلافهم.

إنه لا أكمل نُصحًا من النبي ﷺ لأمته، وقد نصح رسول الله ﷺ الأمة بالاجتماع، ونهى عن الفرقة والخِلاف، وبيَّن لهم أن لزوم الجماعة والصبر على ما يكون من الشرور بدفعها بالطُرق الشرعية مما يُحقق الله تعالى به الفلاح والنجاح، ولهذا لما خالف كثيرٌ من الناس هديه ﷺ وخرجوا عما أمر به ووجَّه كان ذلك سببًا للفساد العريض، والشر الكبير الذي وقع في الناس.

قال ﷺ (علَيكُم بالجماعةِ وإيَّاكم والفُرقةَ فإنَّ الشَّيطانَ معَ الواحدِ وَهوَ منَ الاثنَينِ أبعدُ مَن أرادَ بَحبوحةَ الجنَّةِ فلْيلزَمُ الجماعةَ) ثم قال (مَن سرَّتهُ حسنتُهُ وساءتْهُ سَيِّئتُهُ فذلِكم المؤمنُ) اللهم اجعلنا ممن سرته حسنته وساءته سيئاته يا رب العالمين.

عباد الله .. إن نعمة الله تعالى عليكم في هذه البلاد بهذا النظام المحكم القائم على الكتاب والسُّنَّة نعمةٌ عُظمى يجب على المؤمن أن يشكر الله تعالى عليها؛ فإنها نعمةٌ عظيمةٌ حُرِمَها كثيرٌ من الناس؛ وذاك أنَّ تحكيم الكتاب والسُّنَّة على وفق ما كان عليه سلف الأمة مما يُخرِج الله تعالى به الناس من الظلمات إلى النور، ومما يُدركون به بركات الدُنيا والآخرة ]وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ[ فاحمدوا الله تعالى على ذلك، والزموا جماعة المسلمين، واحرصوا على قطع الطريق على كل مَن يُريد نشر شائعةٍ تُفرق، أو نشر خبرٍ يُفضي إلى فرقةٍ واختلاف؛ فإن ما أنتم فيه من النعمة لا تزول إلا بمعصية وتُحفظ بشكر الله تعالى والقيام بحقه جل في عُلاه، فاحفظوا حق الله تعالى في هذه النِّعم. احرصوا على الاجتماع والأُلفة، واسمعوا وأطيعوا لمن ولاه الله تعالى أمركم، واعلموا أن الخير في الجماعة، فالزموا أمر الجماعة، وعليكم بالخروج من كل فتنة بلزوم ما كان عليه عُلماء الأمة وما جرى عليه جمعهم فإن ذلك مما يقيكم الشر والفساد.

ومَن قلَّب نظره في الواقع والتاريخ وجد أن كل قومٍ خرجوا على أئمتهم ونبذوهم ترتَّب على ذلك من الفساد والفُرقة والشر أعظم مما يؤملونه من الخير بخروجهم، وعدم طاعتهم ومُفارقتهم للجماعة.

اللهم اجمع قلوبنا على الحق والهُدى، اللهم اجمع قلوبنا على الحق والهُدى، اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا، اللهم مَن سعى بيننا بفسادٍ وفُرقةٍ وشرٍّ وشِقاق فاجعل كيده في نحره واكفِ المسلمين شره، اللهم إنَّا نسألك باسمك الأعظم أن ترزقنا الاستقامة في السر والعلن، اللهم إنَّا نسألك الهُدى والتُقى والعفاف والرشاد والغِنى، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا ووُلاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، اللهم وفق ولي أمرنا إلى ما تُحب وترضى، اللهم سدِّده في القول والعمل، اللهم اجعل له من لدنك سُلطانًا نصيرًا، اللهم أيده بتأييدك، وأعنه بتوفيقك، وأمده بعونك، واجعله يا ذا الجلال والإكرام في قوله وعمله مُسددًا مُصيبًا، موفقًا رشيدًا، اللهم واجمع به كلمة المسلمين، اللهم واجمع به كلمة المسلمين، وارفع به راية الدين يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين في كل مكان إلى ما تُحب وترضى، واجمع كلمتهم على الحق والهُدى، أعنهم على ما فيه خير العباد والبلاد، ووفقهم إلى ما فيه خير بلدانهم وشعوبهم يا ذا الجلال والإكرام.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوفٌ رحيم.

وصلى الله على نبينا محمد ...

المشاهدات 636 | التعليقات 0