احْذَرُوا مُشَارَكَتَهُمْ أَعْيَادَهُمْ 13/5/1443هـ

خالد محمد القرعاوي
1443/05/11 - 2021/12/15 20:06PM
احْذَرُوا مُشَارَكَتَهُمْ أَعْيَادَهُمْ 13/5/1443ه
الحمدُ للهِ أنعمَ علينا بالإيمانِ، وكرَّه إلينا الكُفرَ والفُسُوقَ والعِصيَانَ، أَشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحده لا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ الأَكوانِ، وأَشهدُ أنَّ نَبيَّنا محمداً عبدُ الله ورَسُولُهُ دَعَانَا إلى التَّوحيدِ، وإفرادِ اللهِ بالمحَبَّةِ والتَّمجيدِ، صلَّى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آله وأصحابِهِ خَيْرِ العَبِيدِ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الوَعِيدِ. أمَّا بعد: فاتَّقوا اللهَ حقَّ التَّقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعروةِ الوثقى. أيُّها المؤمنون: في كُلِ يَوْمٍ نَشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّداَ رَسُولُ اللهِ، وَأَنَّ عِيسى ابنَ مَريمَ عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ إلى مَرْيمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وأَنَّهُ مَا مَاتَ وَمَا قُتِلَ ومَا صُلِبَ هذا بِنَصِّ القُرآنِ وَصَرِيحِ السُّنَّةِ وبِالإنْجِيلِ الصَّحِيحِ، وَأَنَّهُ سَينْزِلُ آخِرَ الزَّمَانِ فَيَقْتُلُ الدَّجَالَ وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الخِنْزِيرَ وَيَحْكُمُ بِشَرِيعَةِ مُحمَّدٍ عَليهمْ أفضَلُ الصَّلاةِ وَأزْكَى السَّلامِ. كُلَّ يَوْمٍ وَنَحنُ نَشهدُ أَنَّ اللهَ فَرْدٌ صَمَدٌ لَمْ يَتَّخِذَ صَاحِبَةً ولا وَلَدَاً. كُلَّ يَوْمٍ نَشهدُ أَنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُهَنِّئِ اليَهُودَ ولا النَّصَارَى بِأَعْيَادِهِمْ بَلْ أَمَرَ أُمَّتَهُ بِشِدَّةِ مُخَالَفَتِهِمْ، وَإخْرَاجِهِمْ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ! فَقد خافَ على أُمَّتِهِ مِنْ التَّبعيِّةِ لأَعْدَاءِ مِلِّتِهِ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مُحَذِّرا:(لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كانَ قَبلَكُم شِبْراً شبراً وذِرَاعَاً بِذِرَاعٍ حَتَّى لَو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُم)، قَالَ صَحَابَتُهُ: يَا رَسُولَ اللهِ اليهودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ:(فَمَنْ (. رَواهُ البخَارِيُّ.
أيُّها الكِرَامُ: لَمْ يَعُدْ خَافيًا اغْتِرَارُ كَثيرٍ من إخوانٍ لنا بأعيادِ النَّصارى والافْتِتَانُ بِها! والتَّسْوِيقُ لَهَا عَبْرَ فَتَاوى وَمَشَاهِيرَ يُضِلُّونَ بِهَا النَّاسَ، كَمَا لم يَعُدْ خَافيًا مَا تَبُثُّهُ القَنَوَاتُ والوَسَائِطُ مِن اسْتِعْدَادَاتِ وَتَجْهِيزَاتِ دُوَلٍ عَربيِّةٍ وإسلاميِّةٍ! مِن الاحْتِفَاءِ بِرَأْسِ العَامِ المِيلادِيِّ الجَدِيدِ، حتى اتَّخَذُوا ذلِكَ اليومَ عُطْلَةً وعيدًا؛ كلُّ ذلك بسبب غَيابِ الحكم الشرعي! وبالْجَهْلِ بِخُطُوتِهِ على الدِّينِ والأخلاق والْمجتمعِ! فَمَا نَرَاهُ في تلْكَ البِلادِ يُؤْذِنُ بِالْخَطَرِ!
أيُّها المؤمنونَ: هذا ما كانَ يَخْشَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ على أُمَّتِهِ، وَهَذا مَا يَخْشَاهُ أَهْلُ الدِّين والتُّقَى على أمَّتِنا ومُجتَمَعِنا فلا تظنُّوا أنَّ مشاركةَ النَّصارى في أَعْيَادِهِمْ مَسأَلَةَ إثمٍ ومَعْصِيَةٍ فَحَسْبُ؟ كلاَّ وربِّي ولكنَّها مَسْأَلةُ عَقِيدَةٍ وَدِينٍ! بَلْ مَسأَلَةُ كُفْرٍ وَإيمَانٍ لأَنَّ المُشَارَكَةَ نَوعٌ مِن التَّشَبُّهِ المَمَنُوعِ، وَنَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ:(مَنْ تَشَبَّهَ بِقَومٍ فَهُوَ مِنْهُمْ). رَواهُ أحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ. ولهذا تَوَاتَرتِ نُصوصُ الشَّريعةِ على حَصْرِ أَعْيَادِنَا بِالفِطْرِ وَالأَضْحَى، وَأَنَّ مَا سِوَاهَا مِن الأَعْيَادِ فَهو مُحدَثٌ بَاطِلٌ فَاسِدٌ. وَقَدْ فَسَّرَ التَّابِعِيُّ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللهُ قولَ اللهِ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ). بأنَّها أَعْيَادُ المشركينَ.
أيُّها المؤمنون: وَلِسَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مَا الْمَحَاذِيرُ مِن مُشاركةِ النَّصارَى في أَعيادِهم؟ ألا يمكنُ أنْ نَكْسِبَ وُدَّهُم ونُحَبِّبَهُم بِالإسْلامِ إنْ شَارَكْنَاهُم؟ فَالجوابُ فِي قَولِ عَلاَّم الغُيُوبِ: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ). فَمَهْمَا فَعَلْتَ وَتَودَّدَتَ فَلَنْ يَرْضَوا عَنْكَ. ثُمَّ إنَّ مُشَارَكَتَهُمْ في أَعْيَادِهِم تُورِثُ نَوعَ مَحبَّةٍ وَمُوَالاةٍ، وَهَذا يُنَافِي كَمَالَ الإيمَانِ! كَذَلِكَ مُشَارَكَتُهُمْ في أَعْيَادِهِم يُوجِبُ سُرُورَ قُلُوبِهم بِمَا هُمْ عَليهِ مِن بَاطِلٍ! لِذَا قَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: "وَأَمَّا تَهنِئَتُهُم بِشَعَائِرِ الكُفْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِهم فَحَرَامٌ بِالاتِّفَاقِ، فهذا إنْ سَلِمَ قَائِلُهُ من الكُفْرِ فَهوَ مِن الْمُحَرَّمَاتِ، وهو بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُهَنِّئَهُ بِسُجُودِهِ لِلصَّلِيبِ! وَكَثِيرٌ مِمَّنْ لا قَدْرَ للدِّينِ عندَهُ يَقَعُ فِي ذَلكَ ولا يَدري قُبْحَ ما فَعَلَ، فَمَنْ هَنَّأَ عَبْدًا بِمَعْصِيَةٍ أَو بِدْعَةٍ أَو كُفْرٍ فَقَد تَعَرَّض لِمَقْتِ الله وسَخَطِهِ". فاللهم أرنا الحقَّ حقَّاً وارزقنا إتباعه وأَرِنَا البَاطِلَ باطلاً وارزقنا اجتنابهُ. أقول قَولي هَذَا، وأَستَغفِر اللهَ لي ولَكم ولسائرِ المسلِمين مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنَّه هوَ الغَفورُ الرَّحيم.
الخطبة الثانية: الحَمْدُ للهِ الْمُتَفَرِّدِ بالعَظَمةِ والْجَلالِ، أَشْهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ لَهُ الكَبِيرُ المُتَعَالِ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ المُصْطَفَى كَامِلُ الخِلالِ. صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلى نَهْجِهِمْ إلى يَومِ الْمَآلِ. أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ تَقْوَاهُ، وَاسْتَمْسِكُوا بِدِينِكُمْ فَقَدْ قَالَ رَبُّنَا: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ). أيُّها المُسْلِمُونَ، مُشَارَكَةُ النَّصَارَى فِي أَعْيَادِهِم لا تَقْتَصِرُ على الحُضُورِ فَقَط، فَالتَّهنِئَةُ ِالقَولِ، أَو إهْدَاءُ الشُّموعِ وَالْحَلَوياتِ، نَوْعٌ مِن التَّعَاوُنِ عَلى الإثْمِ وَالعُدْوَانِ! أيُّها المؤمنون: اعْلَمُوا أَنَّ دِينَنَا يَأْمُرُنَا بِالبِرِّ وَإحْسَانِ المُعَامَلَةِ مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ مُسْلِمِهِمْ وَكَافِرِهِمْ، ولا يَمْنَعُنَا أَنْ نُشَارِكَهُم فِي مُنَاسَبَاتِهِمُ الاجْتِمَاعِيَّةِ دُونَ الدِّينِيَّةِ مِثْلُ الزِّوَاجِ والوِلادَةِ وَالنَّجَاحِ دُونَ مَيلٍ أو تَعَلُّقٍ بِهِمْ. دِينُنَا العَظِيمُ يُحَرِّمُ عَلينَا أنْ نَعْتَدِيَ عَلى كُلِّ أحَدٍ أيَّاً كَانَ جِنْسُهُ أو دِينُهُ فلا نَظْلِمُهُ أو نَبْخَسُ لَهُ حَقَّاً أو نَحْقِرُهُ أو نُهِينُهُ.
إخْوَةَ الإيمَانِ، اسْمَعُوا وَاعُوا مُشَارَكَةُ النَّصارى بِعيدِهم خَطرٌ وخَلَلٌ على عَقِيدَتِنَا! وَإنْ تَغَيَّرَتِ الأَحْوالُ، أَو تَفَوَّهَ أَفَّاكُونَ، فَكَيفَ نُشَارِكُهم ونَحْنُ نَقْرَأُ قَولَ اللهِ تَعَالَى: (مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبّكُمْ). كَيفَ نُجَامِلُ عَلى حِسَابِ عَقِيدَتِنَا وَهُمُ الذينَ قَالوا:(الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ). بَلْ كَيَفَ تُشَارِكُهُمْ واللهُ يَقُولُ عَنْهُمْ:(لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا). فيا مُسلِمُون، اتَّقُـوا اللهَ فِي دِينِكُم وعَقِيدَتِكُم وَثَوَابِتِكُمْ، واشْكُروا نِعْمَتَهُ عَلَيكُم أَنْ هَدَاكُمْ للإسْلامِ، وخَصَّكم بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحمةِ والسَّلامِ، وجعلَكُم خَيرَ أُمَّةٍ أخرجت للنَّاس. واعتَزُّوا بدينِكُم، ولا تَغتَّرُوا بِما يَفْعَلُهُ الْمُترَفُونَ! وَخُذُوا عَلى أَيْدِي السُّفَهَاءِ الذينَ لا يَعْقِلُونَ! فَقَدْ اَنْتَشَرَ عِنْدَ بَعْضِ المَشَاهِيرِ لُبْسُهُمْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الأيَّامِ مِنْ ألْبِسَةِ النَّصَارى فَيُضِلَّوا النَّاسَ! (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ). فاللهم صلِّ وسلِّم على مُحَمَّدٍ وعلى آله الطَّيبينَ، وارضَ عن الخلفـاءِ الراشدينَ، وعن الصحابةِ أجمعينَ، والتابعينَ لهم بإحسـانٍ إلى يـوم الديـن. اللهم أَرِنَا الْحَقَّ حَقَّا وارزقنا إتباعَه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، اللهم يا مُقلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّت قُلُوبَنَا على دِينِكَ. ربَّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنِّك أنت الوهاب. اللهم انصر دينكَ وكتابك وسنةَ نَبِيِّكَ وعبادَك الصالحين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتَّنا وولاةَ أُمورنا وفقهم لِهُدَاكَ وَرِضَاكَ واجعلهُمْ رَحمَةً على رَعايَاهُمْ وانصر جُنُودَنَا واحفظ حُدُودَنا والمسلمينَ أجمعينَ، ربَّنا اغفر لنا ولإخوانِنِا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعلْ في قُلُوبِنا غِلاًّ للذين آمنوا ربَّنا إنِّكَ رؤوفٌ رحيمٌ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
 
 
المرفقات

1725591292_لاتغرنكم الحياة الدنيا.pdf

المشاهدات 967 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا