احذروا التساهل في الطلاق
خالد الكناني
التحذير من التساهل في الطلاق
الحمد لله ربّ العالمين خلق وبرا وأنشأ وذرى : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا } وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد : فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل قال تعالى :{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }
أيها المسلمون : لقد جاءت الشريعة الإسلامية بالأمر بالزواج والحث عليه والترغيب فيه ، وأمرت بحسن العِشرةِ بين الزوجين ، والحفاظ على عقد الزوجية ، وصبر كل من الزوجين على بعضهم البعض، قال تعالى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا }النساء 19
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا )) صحيح البخاري (7/ 26)
ووصف تعالى عقد النكاح بالميثاق الغليظ ، قال تعالى { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا }النساء 21 ، وفي قوله تعالى : { وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً }، أَيْ : أَخَذْنَ مِنْكُمْ بِسَبَبِ إِفْضَاءِ بَعْضِكُمْ إِلَى بَعْضٍ مِيثَاقًا غَلِيظًا، وَصَفَهُ بِالْغِلْظَةِ لِقُوَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَقَالُوا: صُحْبَةُ عِشْرِينَ يَوْمًا قَرَابَةٌ، فَكَيْفَ بِمَا يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنَ الِاتِّحَادِ والامتزاج )) تفسير الرازي: مفاتيح الغيب ـ العلمية (10/ 15)
أيها المسلمون : هناك إحصائيات تشير إلى انتشار ظاهرة الطلاق في المجتمعات في زمننا المعاصر ، وهي مقلقة للأسرة وأفرادها وللمجتمع بأسرة ، والأصل في الطلاق الكراهية
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ» سنن أبي داود (2/ 254) ، خبب أي : أفسدها على زوجها وجعلها تطلب الطلاق ، قال ابن تيمية رحمه الله : (( فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ؛ وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَاجَةِ )) مجموع الفتاوى (32/ 293)
وحرمت الشريعة على المرأة أن تطلب الطلاق من زوجها بلا حاجة ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» سنن ابن ماجه (1/ 662)
ومن أعظم ما يفرح الشيطان وقوع الطلاق بين الزوجين ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ " صحيح مسلم (4/ 2167)
أيها المسلمون : لا يخفى عليكم ما يترتب على الطلاق من مشكلات وأضرار على الأسرة والمجتمع ومن ذلك :
· تفرق الزوجين بعد ما كان بينهما من المودة والمحبة
· تشتت الأولاد وضياعهم في الغالب
· تألم الأولاد من البنين والبنات مما قد يسبب لبعضهم من الأمراض النفسية ، وقد يؤدي إلى وقوع بعضهم في براثن المخدرات ، وضعف المستوى الدراسي
· قد يتسبب في عقوق وهجر بعض الأولاد لأبائهم بسبب ميلهم وتعاطفهم مع أمهاتهم
· وقوع الخلافات والتقاطع بين الأسرتين وقطيعة الرحم
إلى غير ذلك من المشكلات والأضرار التي تلحق بأفراد الأسرة وبالمجتمع بأسرة مما يفرح الأعداء ويفرح الشيطان بسبب التشاحن والبغضاء بين المسلمين.
أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم
الحمد لله خلق فسوى وقدر فهدى { وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} } وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين .... أمّا بعد :
عباد الله : كثرة الطلاق والتساهل في إيقاعه والتلفظ به ، جهل بأحكام الشرع وحكمه ، وعدم استشعار لعواقب الطلاق وأضراره ، ومن أسبابه : النظرة المادية للحياة ، وطلب الحرية المزعومة ، والاستجابة لتخبيب المخببين والمخببات في وسائل التواصل وغيرها ، وعقد المقارنات مع أسفارهم وأموالهم ، أو مد النظر إلى الزائفين والزائفات والاغترار بحياتهم الكاذبة ، والتدخل المباشر من بعض أقارب الزوجين ، وسوء الالفاظ التي يتفوه بها أحد الزوجين فيطلقون الكلمات المهينة ويجرحون مشاعر بعضهم بها .
ومن أهم أسباب الطلاق في هذا الزمان ما تثيره وسائل التواصل الحديثة من فتن وشكوك وسوء ظن بين الزوجين وتتبع كل منهما والتجسس على الآخر عبر هذه الوسائل ، وكذلك تذمر الزوجين من انشغال كل طرف بهذه الاجهزة ،
مما يوجب على الزوجين المحافظة على عقد الزوجية وعدم الطلاق واستقرار الأسرة المسلمة :
· أن يتقيا الله عز وجل وأن يحتسب كل واحدمنهما الأجر والثواب من الله في علاقتهما الزوجية
· أن يقوما بما عليهما من حقوق وأن يؤديا ما يجب عليهما تجاه بعضهم البعض
· أن يجتهدا في حسن المعاشرة الزوجية بالحسنى
قال تعالى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } ، وقال تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
· أن يحافظا على أسرارهم الزوجية ، وألا يسمحا لأحد أن يتدخل في علاقتهما الزوجية
· نشر المحبة بينهما والتهادي
وعند الاختلاف عليهما أن يستخدما الحوار الهادئ وأن يركزا على الايجابيات ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» أَوْ قَالَ: «غَيْرَهُ»،
· تربية الاولاد على تحمل المسؤولية واعدادهم للحياة الزوجية ودخول البرامج التأهيلية للزواج
· كثرة الدعاء والتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بأن تقر أعينهم بحياتهم الزوجية
قال تعالى : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)}
هذا وصلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
المرفقات
1727362128_التحذير من التساهل في الطلاق.pdf