اجتنبْ تسعاً في القنوتِ 1443/9/14هـ
يوسف العوض
الخطبة الأولى
أَيُّهَا اَلصَّائِمُونَ : وَنَحْنُ نَعِيشُ فِي شَهْرِ رِمْضَاَنَ وَنُصَلِّي اَلْوَتَرَ جَمَاعَاتٍ وَوِحدَانَا وَيَقْنُت اَلْمُسْلِمُونَ فِي صَلَاةِ اَلْوَتَرِ نَقِفُ اَلْيَوْمَ مَعَ بَعْضِ الْأَدْعِيَةِ اَلصَّحِيحَةِ واَلْمَلْحُوظَاتِ وَالتَّنْبِيهَاتِ فِي هَذَا اَلْبَابِ فَنَقُولوا بَعْدَ تَوْفِيقِ اَللَّهِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ ، جَاءَ مِنْ حَدِيثِ الحسنِ بنِ عليٍّ رضيَ عنْهما قال: " علَّمَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كلماتٍ أقولُهنَّ في الوترِ: اللَّهمَّ اهدِني فيمن هديت، وعافِني فيمن عافيتَ، وتولَّني فيمن تولَّيتَ، وبارِك لي فيما أعطيتَ، وقني شرَّ ما قضيتَ، إنَّكَ تقضي ولا يقضى عليْكَ، وإنَّهُ لا يذلُّ من واليتَ، ولا يعزُّ من عاديتَ، تبارَكتَ ربَّنا وتعاليتَ " وصححه الألباني .
و جَاءَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي آخر وِتْرِهِ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ" وصححه الألباني.
وَ جَاءَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنَ بْنِ أَبْزَىْ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ قَالَ: صلَّيتُ خلفَ عمرَ بنِ الخطابِ رضي اللهُ عنهُ صلاةَ الصبحِ فسمعتُهُ يقولُ بعدَ القراءةِ قبلَ الركوعِ: " اللهمَّ إياكَ نعبُدُ، ولكَ نُصلِّي ونَسجُدُ، وإليكَ نَسْعَى ونَحْفِد، نرجو رحمتَكَ ونخشى عذابَكَ، إنَّ عذابَكَ بالكافرينَ مُلْحِقٌ، اللهمَّ إنَّا نستعينُكَ ونستغفرُكَ ونُثْنِي عليكَ الخيرَ ولا نَكْفُرُكَ ونُؤمنُ بكَ ونخضعُ لكَ ونَخلعُ من يَكْفُرُكَ" وصححه الألباني.
أَيُّهَا اَلصَّائِمُونَ : فَهَذِهِ بَعْضُ اَلْآثَارِ اَلثَّابِتَةِ عَنْ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمْ ولَابُدَّ أَنْ نُنَبِّهَ هُنا إِلَى بَعْضِ اَلْمَحَاذِيرِ اَلَّتِي تُجْتَنبُ فِي اَلْقُنُوتِ ومنها :
أولا / اَلتَّلْحِينُ وَالتَّطْرِيبُ وَالتَّغَنِّي فِي طَلَبِ اَلدُّعَاءِ مِمَّا يُنَافِي اَلضَّرَاعَةَ وَالِابْتِهَالَ إِلَى اَللَّهِ ، وَيُخْشَى عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَنْ يَقَعَ فِي اَلرِّيَاءِ وَالْعَجَبِ .
ثانيا / يَجْتَنبَ أَدْعِيَةً مُخْتَرَعَةً لَا أَصْلَ لَهَا ، فِيهَا غَرَابَةٌ فِي مُفْرَدَاتِهَا ، حَتَّى إِنَّ اَلْإِمَامَ لِيَتَكَلَّف فِي حِفْظِهَا .
ثالثاُ / يُجْتَنبُ اِلْتِزَامُ أَدْعِيَةٍ وَرَدَتْ فِي رِوَايَاتٍ لَا تَصِحُّ عَنْ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّ فِي سَنَدِهَا كَذَّابًا أَوْ مُتَّهِمًا بِالْكَذِبِ أَوْ ضَعِيفًا لَا يَقْبَلُ حَدِيثُهُ مِنْهَا مَا يُرْوَى عَنْ أَنَسْ مَرْفُوعًا : أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِأَعْرَابِيٍّ وَهُوَ يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ وَهُوَ يَقُولُ : يَا مِنْ لَا تَرَاهُ اَلْعُيُونُ ، وَلَا تُخَالِطُهُ اَلظُّنُونُ ، إِلَى أَنْ قَالَ : يَعْلَمُ مَثَاقِيلَ اَلْجِبَالِ ، وَمَكَايِيلَ اَلْبِحَارِ . .
رابعاً / وَيُجْتَنبُ قَصْدُ اَلسَّجْعِ فِي اَلدُّعَاءِ ، وَالْبَحْثُ عَنْ غَرَائِبِ اَلْأَدْعِيَةِ اَلْمَسْجُوعَةِ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ ، رَوَى اَلْبُخَارِي فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ اِبْنْ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهُ : " فَانْظُرْ اَلسَّجْعَ مِنْ اَلدُّعَاءِ فَاجْتَنَبْهُ ، فَإِنِّي عَهِدَتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ - يَعْنِي : لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ اَلِاجْتِنَابِ ". وَمِنْ اَلْأَدْعِيَةِ اَلْمُخْتَرَعَةِ اَلْمَسْجُوعَةِ : اَللَّهُمَّ اِرْحَمْنَا فَوْقَ اَلْأَرْضِ ، وَارْحَمْنَا تَحْتَ اَلْأَرْضِ ، وَارْحَمْنَا يَوْمَ اَلْعَرْضِ .
خامساً / وَيُجْتَنبُ اِخْتِرَاعُ أَدْعِيَةٍ فِيهَا تَفْصِيلٌ أَوْ تَشْقِيقٌ فِي اَلْعِبَارَةِ لِمَا تُحْدِثُهُ مِنْ تَحْرِيكِ اَلْعَوَاطِفِ ، وَالْبُكَاءِ ، وَالضَّجِيجِ ، وَمِنْهُ تَضْمِينُ اَلِاسْتِعَاذَةِ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَابِ اَلْقَبْرِ وَمِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ أَوْصَافًا وَتَفْصِيلَاتٍ يَخْرُجُ عَنْ مَقْصُودٍ اَلِاسْتِعَاذَةِ وَالدُّعَاءِ إِلَى اَلْوَعْظِ ، وَالتَّخْوِيفِ ، وَالتَّرْهِيبِ ، كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ وَارْحَمْنَا إِذَا صِرْنَا إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ تَحْتَ اَلْجَنَادِلِ وَحدَنَا ، وَفَارَقْنَا اَلْأَحْبَابَ ، وَالْأَصْحَابَ ، وَرُبَّمَا كَانَ لَهُ حُكْمُ اَلْكَلَامِ اَلْمُتَعَمَّدِ غَيْرَ اَلْمَشْرُوعِ فِي اَلصَّلَاةِ فَيُبْطِلُهَا .
وَلِلْحَدِيثِ بَقِيَّةٌ وَاَللَّهُ اَلْمُسْتَعَانُ ..
الخطبة الثانية
أَيُّهَا اَلصَّائِمُونَ : وَمِنْ هَذِهِ اَلتَّنْبِيهَاتِ أَيْضًا ما يلي :
سادساً / وَيُجْتَنبُ اَلتَّطْوِيلُ بِمَا يَشُقُّ عَلَى اَلْمَأْمُومِينَ ، وَخَاصَّةً أَنَّ كَثِيرًا مِنْ اَلْأَدْعِيَةِ تَتَكَرَّرُ ، فَيَنْبَغِي اَلِاخْتِصَارُ وَالْحِرْصُ عَلَى جَوَامِعِ اَلْأَدْعِيَةِ .
سابعاً / أَنْ يَبْتَعِدَ عَنْ اَلتَّكَلُّفِ بِالدُّعَاءِ وَالِاعْتِدَاءِ فِيهِ ، فَعَلَى سَبِيلِ اَلْمِثَالِ : بَعْضُهُمْ إِذَا دَعَا يَقُولُ : اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، ثُمَّ يَبْدَأُ بِالْحَاضِرِينَ مِنْ اَلْمُصَلِّينَ وَالْحَاضِرَاتِ مِنْ اَلْمُصَلَّيَاتِ ، ثُمَّ مِنْ بَنَى اَلْمَسْجِدَ وَأَشْرَفَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ مَرْضَى اَلْمُسْلِمِينَ ، ثُمَّ جِيرَانِ اَلْمَسْجِدِ ، ثُمَّ اَلْمَشَايِخِ وَالْعُلَمَاءِ . . . وَهَكَذَا إِلَى سِلْسِلَةٍ لَا تَنْتَهِي ، وَكَانَ يَكْفِيهُ أَنْ يَقُولَ : اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، وَاشْفِ مَرْضَى اَلْمُسْلِمِينَ ، وَأَصْلَحَ أَحْوَالَهُمْ .
ثامناً / أَنْ يَبْتَعِدَ فِي دُعَائِهِ عَنْ أَسَالِيبِ اَلصِّحَافَةِ وَالْإِعْلَامِ ، فَيَقُولُ بَعْضُ اَلدَّاعِينَ لِلْأُمَّةِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ . . وَهِيَ تَرْفُلُ فِي ثَوْبِ اَلصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ ، فَمَادَّةُ رَفَلَ مَدَارُهَا عَلَى اَلتَّبَخْتُرِ وَالْخُيَلَاءِ . كَمَا فِي اَلْحَدِيثِ اَلْمَرْفُوعِ عَنْ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَثَلُ اَلرَّافِلَةِ فِي اَلزِّينَةِ فِي غَيْرِ أَهْلِهَا ، كَمَثَلِ ظُلْمَةِ يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ لَا نُورَ لَهَا " . رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِي .
تاسعاً / أَنْ يَأْتِيَ اَلْإِمَامُ بِأَدْعِيَةٍ لَيْسَ لَهَا صِفَةُ اَلْعُمُومِ ، بَلْ تَكُونُ خَاصَّةً بِحَالِ ضُرٍّ أَوْ نُصْرَةٍ . . أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، مِثْلٌ اَلدُّعَاءِ بِدُعَاءِ نَبِيِّ اَللَّهِ مُوسَى - عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ - : وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي . . إِلَى آخَرَ اَلْآيَاتِ ، وَمِنْهُ دُعَاءُ اَلْإِمَامِ بِمَنْ مَعَهُ : اَللَّهُمَّ أَحْيِنَا مَا كَانَتْ اَلْحَيَاةُ خَيْرًا لَنَا ، وَتَوَفَّنَا إِذَا كَانَتْ اَلْوَفَاةُ خَيْرًا لَنَا ، لِمَا ثَبَتَ فِي اَلصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسْ قَالَ : قَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَتَمَنَّيْنَ أَحَدٌ مِنْكُمْ اَلْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ ، فَإِنَّ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ : اَللَّهُمَّ أَحْيِنِي . . اَلْحَدِيثُ "
أخيراً نقولوا لَيْسَ مِنْ حَقِّ اَلْإِمَامِ أَنَّ يُرَاغِمَ اَلْمَأْمُومِينَ , وَلَا أَنْ يُضَارهُمْ بِوُقُوف طَوِيلٍ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ ، وَلَوْ سَمِعَ بَعْضُ اَلْأَئِمَّةِ مَا يَكُونُ مِنْ بَعْضِ اَلْمَأْمُومِينَ بَعْدَ اَلسَّلَامِ مِنْ تَأَلَّمٍ وَشَكْوَى مِنْ اَلتَّطْوِيلِ , وَأَدْعِيَةٍ يُؤْمِّنُ عَلَيْهَا وَلَا يَعْرِفُهَا , وَتَسْتَنْكِرُهَا اَلْقُلُوبُ , لَرَجَعَ إِلَى اَلسُّنَةِ مِنْ فَوْرِهِ . فَيَجِبُ عَلَى مَنْ وَفَّقَهُ اَللَّهُ وَأُمِّ اَلنَّاسَ فِي اَلصَّلَاةِ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِالسُّنَةِ , وَأَنْ لَا يُوَظِّفَ مِزَاجَهُ , وَاجْتِهَادَاتِهِ مَعَ قُصُورِ أَهْلِيَّتِهِ وَأَنْ يَسْتَحْضِرَ رَهْبَةَ اَلْمَوْقِفِ مِنْ أَنَّهُ بَيْنَ يَدَيْ اَللَّهِ تَعَالَى وَفِي مُنَاجَاتِهِ , وَأَنَّهُ فِي مَقَامِ اَلْقُدْوَةِ , وَتَلَقِّينِ اَلْمُسْلِمِينَ لِلْقُنُوتِ اَلْمَشْرُوعِ , وَنَشْرِهِ , وَتَوَارَثِهِمْ لَهُ ، اَللَّهُمَّ فَقِّهْنَا فِي اَلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ..
المرفقات
1649752226_القنوت.pdf
المشاهدات 1018 | التعليقات 2
شبيب القحطاني
عضو نشط
جزاك الله خيرا
يوسف العوض
أصلها مستفاد من كتاب الشيخ بكر أبوزيد رحمه الله ومن غيره حفظهم الله
تعديل التعليق