( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ) ( السِّحْرُ )
مبارك العشوان 1
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ؛ مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَـافِلاتِ ).
عِبَادَ اللهِ: جَاءَ التَّحْذِيرُ فِي هَذَا الحَدِيثِ مِنْ سَبْعِ كَبَائِرَ مُوبِقَاتٍ مُهْلِكَاتٍ؛ تُهْلِكُ أَصْحَابَهَا.
وَمِنْ هَذِهِ الكَبَائِرِ: السِّحْرُ - أَعَاذَنَا اللهُ وَإيَّاكُمْ مِنْهُ - وَهُوَ: عَزَائِمُ وَرُقَى وَطَلَاسِمٌ وَعُقَدٌ، يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى اِسْتِخْدَامِ الشَّيَاطِينِ لِإِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالمَسْحُورِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ تَخْيِيلٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَمِنْهُ مَا لَهُ حَقِيْقَةٌ وَتَأْثِيرٌ فِي القُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ فَيُسَبِبُ المَرَضَ وَالقَتْلَ وَالتَّفْرِيقَ بَينَ الأَزْوَاجِ.
السِّحْرُ كَبِيرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَشِرْكٌ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ ونَاقِضٌ مِنْ نَوَاقِضِ الإِسْلَامِ؛ فَلَا يَكُونُ السَّاحِرُ سَاحِرًا حَتَّى يَكْفُرَ بِاللهِ، وَيَتَقَرَّبَ إِلَى الشَّيْاطِينِ، وَيَصْرِفَ لَهُمْ مَا يُرِيدُونَ مِنَ العِبَادَاتِ مُقابِلَ اِسْتِخْدَامِهِمْ.
السِّحْرُ ضَرَرٌ لَا نَفْعَ فِيهِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ }
وَالسَّحَرَةُ مُفْسِدُونَ، بَعِيدُونَ كُلَّ البُعْدِ عَنِ الصَّلَاحِ وَالفَلَاحِ قَالَ تَعَالَى: { وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ }[ يونس ٧٧ ]
وَقَالَ تَعَالَى: { وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } [طه 69]
وَهُمْ بَعِيدُونَ كُلَّ البُعْدِ عَنِ الخَيرِ؛ وَلَا نَصِيبَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ قَالَ تَعَالَى: { وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ } [البقرة ١٠٢] قَالَ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: مَا لَهُ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ حَظٌّ مِنَ الْجَنَّةِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِيمَانٌ وَلَا دِينٌ وَلَا عَمَلٌ صَالِحٌ يُجَازَى بِهِ فِي الْجَنَّةِ وَيُثَابُ عَلَيهِ... الخ
وَيَقُولُ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، بَلْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ السَّاحِرَ كَافِرٌ يَجِبُ قَتْلُهُ. اهـ
السِّحْرُ ذَنْبٌ عَظِيمٌ؛ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ، وَلَا تَعَلُّمُهُ، وَلَا تَعْلِيمُهُ وَلَا يَجُوزُ إِتْيَانُ السَّحَرَةِ، وَلَا العَرَّافِينَ، وَلَا المُنَجِّمِينَ؛ فِي أَيِّ مَكَانٍ كَانُوا، وَبِأّيِّ اِسْمٍ تَسَمَّوا؛ لَا يَجُوزُ إِتْيَانُ مَنْ يَدَّعِي عِلْمَ الغَيْبِ عَنْ طَرِيْقِ الكَفِّ أَوِ الفِنْجَانِ أَوِ النُّجُومِ وَالأَبْرَاجِ أَوِ الخَطِّ؛ أو غَيْرِ ذَلِكَ، لَا يَجُوزُ تَصْدِيقُهُمْ وَلَا سُؤَالُهُمْ، وَلَا التَّدَاوِي عِنْدَهُمْ؛ وَلَا مُتَابَعَتُهُمْ عَبْرَ القَنَوَاتِ وَوَسَائِلِ الاِتِّصَالِ؛ وَلَو كَانَ هَذَا مِنْ بَابِ الِاطِّلَاعِ أَوِ التَّسْلِيَةِ.
يَقُولُ الشَّيْخُ عَبْدُ الكَرِيْمِ الخُضَيْرِ - حَفِظَهُ اللهُ -: مُجَرَّدُ فَتْحِ القَنَاةِ وَأَنْتَ تَعْرِفُ أَنَّهَا قَنَاةَ سِحْرٍ؛ هَذَا إِتْيَانٌ لِلْكَاهِنِ؛ لَا تُقْبَلُ لَكَ صَلَاةٌ أَرْبَعِيْنَ يَومًا، وَإِذَا صَدَّقْتَ كَفَرْتَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مَحَمَّدٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... الخ
عِبَادَ اللهِ: وَمَعَ كلِّ هَذَا؛ يُوجَدُ مَنْ يَتَّجِهُ إِلَى السَّحَرَةِ عِنْدَمَا يُصَابُ بِمَرَضٍ أَوْ مَشَاكَلَ زَوْجِيَّةٍ، أَوْ غَيْرِهَا؛ فَيَفِرُّ مِنْ مُصِيبَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ؛ وَيَقَعُ فِي مُصِيبَةٍ دِينِيَّةٍ.
إِتْيَانُ السَّحَرَةِ مُحَرَّمٌ، وَسُؤَالُهُمْ وَتَصْدِيقُهُمْ وَفِعْلُ مَا يَطْلُبُونَ مِنَ الذَّبْحِ وَنَحْوِهِ شِرْكٌ أَكْبَرُ؛ وَهُوَ أَعْظَمُ المَصَائِبِ.
وَلَوْ أَنَّ الإِنْسَانَ عَاشَ حَيَاتَهُ كُلَّهَا فِي أَنْوَاعٍ مِنَ البَلَاءِ؛ وَحَافَظَ عَلَى دِينِهِ حَتَّى يَلْقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِإِيمَانٍ صَادِقٍ، وَعَمَلٍ صَالِحٍ؛ لَكَانَ مِنَ المُفْلِحِينَ السُّعَدَاءِ؛ فَالحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَالآخِرَةُ هِيَ دَارُ القَرَارِ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاعْلَمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - أَنَّ اللهَ تَعَالَى شَرَعَ لِعِبَادِهِ مَا يَتَّقُونَ بِهِ شَرَّ السِّحرِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، ومَا يُعَالِجونَ بِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ؛ فَمِنْ ذَلِكَ: مُلَازَمَةُ طَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَالبَعْدُ عَنِ المَعَاصِي، وَالإِكْثَارُ مِنْ قِرَاءَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَالمُدَاوَمَةُ عَلَى ذِكْرِ اللهِ صَبَاحًا وَمَسَاءً، وَعِنْدَ النَّوْمِ وَالِاسْتِيقَاظِ، وَعِنْدَ دُخُولِ المَنْزِلِ وَالخُرُوجِ مِنْهُ، وَدُخُولِ الخَلَاءِ وَالخُروجِ مِنْهُ.
وَقَولُ: ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) مِائَةَ مَرَّةٍ كُلَّ يَوْمٍ.
وَغَيرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُوَضَّحٌ فِي كُتُبِ الأَذْكَارِ؛ فَهُوَ وِقَايَةٌ بِإِذْنِ اللهِ مِنَ السِّحْرِ، وَالعَينِ، وَالجَانِّ.
وَهُوَ أَيْضًا عِلَاجٌ لِهَذِهِ الآفَاتِ وَغَيْرِهَا بَعْدَ الإِصَابَةِ.
وَفِيهِ تَحْصِيلٌ لِلْأجُورِ المُرَتَّبَةِ عَلَى ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى.
وَمِمَّا يَقِي مِنَ السِّحْرِ وَغَيرِهِ، مَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ ).
يَقُولُ الشَّيخُ ابنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ: أَنَّ ذَلِكَ يُرْجَى لِمَنْ أَكَلَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِنْ غَيرِ تَمْرِ المَدِينْةِ.
عِبَادَ اللهِ: أَمَّا عِلَاجُ السِّحْرِ بَعْدَ وُقُوْعِهِ؛ فَيَكُونُ بِالرُّقْيَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَيَكُونُ بِالعُثُورِ عَلَى مَا فَعَلَهُ السَّاحِرُ مِنْ عُقَدٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَإِتْلَافُهَا.
وَأَمَّا فَكُّ السِّحْرِ، وَحَلُّهُ بِسِحْرٍ آخَرَ؛ فَلَا يَجُوزُ؛ وَالشَّرُّ لَا يُزَالُ بِالشَّرِّ، وَالنَّجَاسَةُ لَا تُطَهِّرُهُا النَّجَاسَةُ، وَقَدْ سُئِلَتِ اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ لِلبُحُوثِ العِلْمِيَّةِ وَالإِفْتَاءِ عَنْ هَذَا فَأَجَابَتْ: بِأنَّ فَكَّ السِّحْرِ بِالسِّحْرِ لَا يَجُوزُ، وَإِتْيَانُ الكُهَّانِ أَوْ إِحْضَارُهُمْ عِنْدَ المَسْحُورِ لِفَكِّ مَا بِهِ مِنْ سِحْرٍ لَا يَجُوزُ، وَتَعْلِيقُ الحُجُبِ وَالتَّمَائِمِ لِذَلِكَ لَا يَجُوزُ.. ) فتاوى اللجنة (1/ 566) الفتوى رقم ( 9295 ).
فَلْتَحْذَرُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - السَّحَرَةَ وَالمُشَعْوِذِينَ أَشَدَّ الحَذَرِ مِمَّنْ يَدَّعُونَ الطِّبَ وَالعِلَاجَ الشَّعْبِيَّ.
إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ إِلَى مَوَاقِعِهِمْ، أَوِ الحَدِيثَ مَعَ مَنْ يَتَّصِلُ مِنْهُمْ.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَقْطَعَ دَابِرَهُمْ، وَيَحْفَظَ الجَمِيعَ مِنْ شَرِّهِمْ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمـًا }
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1735166655_2حديث( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ.... )1446.pdf
1735166668_2حديث( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ.... )1446.docx
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق