( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ.... ) ( الجُزْءُ الثَّالِثُ: القَتْلُ )

مبارك العشوان 1
1441/05/20 - 2020/01/15 15:19PM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيْهِ، وَنَعُوْذُ بِهِ تَعَالَى مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، اِتَّقُوا اللهَ وَاحْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمْ جَلَّ وَعَلَا مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ وَصَغَائِرِهَا؛ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَـافِلاتِ ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

قَتْلُ النَّفْسِ بِغَيرِ حَقٍ؛ مُوبِقَةٌ قَالَ تَعَالَى عَنْهَا: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }النساء 93 

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.

ويَقُولُ ابنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللهِ أَكْبَرُ؟ قَــــالَ: ( أَنْ تَجْعَلَ لِلهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ،... الخ )  أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.

القَتْلُ خُرُوجٌ مِنَ السَّعَةِ إِلَى الضِّيقِ، وَمِنَ العَافِيَةِ إِلَى البَلَاءِ، وَمِنَ الأَمْنِ إِلَى الخَوْفِ، وَمِنْ رَغَدِ العَيْشِ إِلَى نَكَدِهِ؛ القَتْلُ سَبَبٌ لِخُسْرَانِ القَاتِلِ، وَحَسْرَتِهِ وَنَدَامَتِهِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنِ القَاتِلِ مِنْ ابْنَي آدَمَ: { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ }المائدة 30 وَقَالَ بَعْدَهَا: { فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ }المائدة31.

وَلَقَدْ حَرَّمَ الإِسْلَامُ أذِيَّةَ الأَنْفُسِ المَعْصُومَةِ بِأَيِّ أَذَىً، حَتَّى وَلَو كَانَ بِاللِّسَانِ، وَلَمَّا سُئِلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ( مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

وَخَطَبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْــرِ فَقَالَ: ( إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ؛ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَــدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُـــمْ هَذَا، ...) الخ  أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْـفَـيْـهِمَا فَالْقَــاتِلُ وَالْمَقْتُـولُ فِي النَّارِ ...) الخ أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.

فَاتَّقُوا اللهِ عِبَادَ اللهِ وَاحْذَرُوا أَذِيَّةَ المُسْلِمِ بِأَيِّ أَذَىً.  

ثُمَّ اعْلَمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - أَنَّهُ كَمَا لَا يَجُوزُ الاِعْتِدَاءُ عَلَى المُسْلِمِينَ؛ لَا يَجُوزُ الاِعْتِدَاءُ عَلَى المُعَاهَدِينَ مِنَ الكُفَّارِ؛ لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ...، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ.

 

 

 الخطبة الثانية: 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ. أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَحَاذِرُوا هَذَا الذَّنْبَ، وَأَسْبَابَهُ، وَعَلِّمُوا أَوْلَادَكُمْ حُرْمَتَهُ، وَقُبْحَهُ وَشَنَاعَتَهُ، وَسُوءَ عَاقِبَتِهِ، رَبُّوهُمْ عَلَى كَرِيمِ الأَخْلَاقِ وَحُسْنِ التَّعَامُلِ، وَالعَفْوِ، وَالتَّسَامُحِ، وَالتَّوَاضُعِ، حَذِّرُوهُمْ السِّبَابَ وَالتَّنَابُزَ بِالْأَلْقَابِ وَالكَلَامَ الفَاحِشَ البَذِيءَ؛ فَلَكَمْ كَانَتْ هَذِهِ الأُمُورُ بِدَايَةَ  كَثِيرٍ مِنَ المَشَاكِلِ بَيْنَ النَّاسِ، وَقَدْ تَصِلُ بِهِمْ إِلَى القَتْلِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ؛ وَلِهَذَا لَمَّا أَيِسَ إِبْلِيْسُ أَنْ يُعْبَدَ فِي جَزِيرَةِ العَرَبِ لَجَأَ إِلَى هَذِهِ؛ كَمَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ  صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.

ثُمَّ اعْلَمُوا - وَفَّقَكُمُ اللهُ -: أَنَّ هُنَاكَ أَسْبَابًا لِهَذِهِ الجَرِيمَةِ؛ فَجَنِّبُوهَا أَنْفُسَكُمْ وَأَوْلَادَكُمْ.

فَمِنْ هَذِهِ الأَسْبَابِ: تَنْشِئَةُ الأَوْلَادِ عَلَى الكِبْرِ وَالتَّعَالِي عَلَى الخَلْقِ وَالتَّفَاخُرِ بِالأَحْسَابِ وَالطَّعْنِ فِي الأَنْسَابِ وَاحْتِقَارِ الآخَرِينَ وَالاِسْتِهَانَةِ بِدِمَائِهِمْ. 

وَمِنْهَا: الغَضَبُ، وَهُوَ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ، وَسَبَبُ كَثيرٍ مِنَ الشُّرُورِ، وَلِهَذَا أُمِرَ مَنْ غَضِبَ بِالاِسْتِعَاذَةِ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَقَالَ تَعَالَى: { وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }فصلت 34  قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } الصَّبْرُ عِنْدَ الغَضَبِ، وَالعَفْوُ عِنْدَ الإِسَاءَةِ، فَإِذَا فَعَلُوهُ عَصَمَهُمُ اللهُ، وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ. 

والإنسانُ إِنَّمَا يُمْدَحُ بِمُلْكِهِ لِنَفْسِهِ وَكَظْمِهِ لِغَيْظِهِ؛ قَالَ تَعَالى عَنْ عِبَادِهِ المُتَّقِينَ: { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }آل عمران 134 وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.  

وَمِنَ الأَسْبَابِ: تَعَاطِي الخُمُورِ وَالمُخَدِّرَاتِ، وَبَيْعِهَا وَشِرَائِهَا؛ فَهِيَ أُمُّ الخَبَائِثِ، وَأَسَاسُ كَثِيرٍ مِنَ الجَرَائِمِ. 

وَمِنْهَا: الطَّمَعُ وَحُبُّ المَالِ الَّذِي يُعْمِي البَصَائِرَ، فيَسْرِقُ السَّارِقُ، وَيَقْتُلُ القاتلُ، وَيُخَاصِمُ الرَّجُلُ الخُصُومَةَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الحَقَّ مَعَ خَصْمِهِ؛ كُلُّ هَذَا وَغَيْرُهُ لِيَحْصُلَ عَلَى المَالِ.

وَمِنَ الأَسْبَابِ: إِهْمَالُ السِّلَاحِ فِي أَيْدِي الصِّغَارِ وَالسُّفَهَاءِ ومَنْ لَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ، وَلَا يُدْرِكُ الخَطَرَ، فَلِأَدْنَى مُشْكِلَةٍ يَشْهَرُ سِلَاحَهُ، وَلَرُبَّمَا اسْتَخْدَمَهُ، ثُمَّ نَدِمَ هُوَ وَأَهلُهُ حَيْنَ لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ. 

وَمِنَ الأَسْبَابِ: مُتَابَعَةُ القَنَوَاتِ الفَضَائِيَّةِ وَأَفْلَامِ الجَرِيْمَةِ وَأَلْعَابِ العُنْفِ.

عِبَادَ اللهِ: كُونُوا يَدًا وَاحِدَةً، وَصَفًّا وَاحِدًا؛ لِلْوُقُوفِ أَمَامَ هَذِهِ الجَرِيْمَةِ، وَالقَضَاءِ عَلَيْهَا، تَجَنَّبُوا أَسْبَابَهَا  وَجَنِّبُوهَا مَنْ تَحْتَ رِعَايَتِكُمْ، مِنْ أَوْلَادِكُمْ أَوْ طُلَّابِكُمْ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُــوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمـًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ ... حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا ...  عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ...

المشاهدات 750 | التعليقات 0