اتقوا حر النار وزمهريرها

محمد بن عبدالله التميمي
1442/07/06 - 2021/02/18 13:30PM
  الحمد لله الذي سخر الفلك ومهد الملك ودبر الأملاك، له الخلق والأمر، وبيده الإطلاق والإمساك، والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، أعظمِ الخلق خشية لربه، وتمجيدا لجلاله، وذكرا له، صلى الله عليه وعلى آله، وعلى صحبه وأتباعه، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنه "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَسَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَلاَ يَرَى شَيْئًا قُدَّامَهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَّقِيَ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ" إنها نار الله الموقدة {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ} حَارَّةٌ شَدِيدَةُ الْحَرِّ قَوِيَّةُ اللهب وَالسَّعِيرِ -أَجَارَنَا اللَّهُ تعالى منها بمنه وكرمه في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رَسولَ اللَّهِ ﷺ، قالَ: نارُكُمْ جُزْءٌ مِن سَبْعِينَ جُزْءًا مِن نارِ جَهَنَّمَ، قيلَ يا رَسولَ اللَّهِ إنْ كانَتْ لَكافِيَةً قالَ: فُضِّلَتْ عليهنَّ بتِسْعَةٍ وسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّها"، زاد الإمام أحمد بإسناد صحيح: " وقد ضُرِبَت بالبحرِ مرَّتينِ، ولَولا ذلِكَ ما جعلَ اللَّهُ فيها منفعةً لأحدٍ " وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: «أو قد عَلَى النَّارِ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ" وفي البخاري عن النعمان بن بشير: إنَّ أهْوَنَ أهْلِ النّارِ عَذابًا يَومَ القِيامَةِ رَجُلٌ، على أخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتانِ، يَغْلِي منهما دِماغُهُ كما يَغْلِي المِرْجَلُ والقُمْقُمُ".ثم إن هذه النار الحامية أجازنا الله منها فيها ألوان من العذاب كما قال تعالى: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ * هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} "كَالزَّمْهَرِيرِ وَالسَّمُومِ وَشُرْبِ الْحَمِيمِ وَأَكْلِ الزَّقُّومِ وَالصُّعُودِ والهُوِي ّ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْمُتَضَادَّةِ ، وَالْجَمِيعُ مِمَّا يُعَذَّبُونَ بِهِ ، وَيُهَانُونَ بِسَبَبِهِ " فالْمُرَادُ بِالزَّمْهَرِيرِ شِدَّةُ الْبَرْدِ . ففِي النار طَبَقَةٌ زَمْهَرِيرِيَّةٌ، في صحيح البخاري من حديث أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "اشتكت النَّار إِلَى رَبهَا فَقَالَت رب أكل بعضى بَعْضًا فَأذن لَهَا بنفسين نفس فى الشتَاء وَنَفس فى الصَّيف فأشد مَا تَجِدُونَ من الْحر وَأَشد مَا تَجِدُونَ من الزَّمْهَرِير" عباد الله.. العارفون بالله يتذكرون بما يشهدون الدنيا ما وعد الله بجنسه في الآخرة، فذلك دليلٌ يُعرِّفهم بخالقهم جل جلاله وتقدست أسماؤه. عباد الله.. انظروا الى مسير الشمس في فلكها في مدة سنة ثم هي في كل يوم تطلع وتغرب بسير سخرها له خالقها لا تتعداه ولا تقصر عنه ولولا طلوعها وغروبها لما عرف الليل والنهار ولا المواقيت ولا طبق الظلام على العالم او الضياء ولم يتميز وقت المعاش من وقت السبات والراحة، وكيف قدر لها السميع العليم سفرين متباعدين احدهما سفرها صاعدة الى اوجها والثاني سفرها هابطة الى حضيضها تنتقل في منازل هذا السفر منزلة منزلة حتى تبلغ غايتها منه فاحدث ذلك السفر بقدرة الرب القادر اختلاف الفصول من الصيف والشتاء والخريف والربيع فإذا انخفض سيرها عن وسط السماء برد الهواء وظهر الشتاء وإذا استوت في وسط السماء اشتد القيظ وإذا كانت بين المسافتين اعتدل الزمان وقامت مصالح العباد والحيوان والنبات بهذه الفصول الاربعة واختلفت بسببها الاقوات واحوال النبات والوانه ومنافع الحيوان والاغذية وغيرها. ارفعوا أبصار فكركم إلى عجائب السموات، فالشمس في كل يوم في منزل، فإذا انخفضت بَرَدَ الهواءُ وجاء الشتاء، وإذا ارتفعت قوي الحر، وإذا كانت بين المنزلتين اعتدل الزمان، والشمس مثل الأرض مائة ونيفا وستين مرة وأصغر الكواكب مثل الأرض ثماني مرات. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا...}. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وبسنة نبينا الكريم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية أما بعد: فيا عبدَالله.. حملتَ على قلبك الضعيف هم السنين والدهور والأزمنة وهم الغلاء والرخص وهم الشتاء قبل أن يجيء وهم الصيف قبل أن يجيء، فماذا أبقيت من قلبك الضعيف للآخرة؟ ما تطلب الجنة بهذا، متى تهرب من النار؟ كل يوم ينقص من أجلك ثم لا تحزن. أُعطيت ما يكفيك وأنت تطلب ما يُطغيك، لا بقليل تقنع ولا من كثير تشبع، مَتى تدخر من صيف قوتك إِلَى شتاء عجزك، هَذِه السَّمَكَة إِذا حبستها الشبكة جمزت بِكُل قوتها لتقطع الحابس لَو نهضت بِقُوَّة الْعَزْم لانخرقت شبكة الْهوى. { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} فاتقوا الله عباد الله وراقبوه، واعتبروا بمن مضى قبلكم، واعلموا أنه لا بدّ من لقاء ربكم والجزاء بأعمالكم، صغيرها وكبيرها، إلا ما غفر الله، إنه غفور رحيم، فأنفسَكم أنفسَكم والمستعان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، أفضل ما صليت على أحد من خلقك؛ وزكّنا بالصلاة عليه، وألحقنا به، واحشرنا في زمرته، وأوردنا حوضه اللهم أعنّا على طاعتك.
المرفقات

1613655012_اتقوا حر النار وزمهريرها.docx

المشاهدات 689 | التعليقات 0