أبشر يا أبا البنات
الشيخ عبدالرحمن بن ناصر آل شبنان المعاوي
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي عظَّم ورفع من شأن الطهر والنقاء والفضيلة والعفاف، وحذر وحط من شأن الرذيلة والفحش والإسفاف، أحمده سبحانه وأشكره، يعيش الكون في بحر عطاياه ومننه اللطاف. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعلم السر وما يخفى عليه خاف، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، بين لأمته طريق الهدى وحذرها من الغواية والانحراف، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما أينع ثمر بغصنه وتهيأ للقطاف، وما عاد مذنب لربه وخاف. للبنتِ في الإسلامِ مَكانةٌ سامِيَة، ميلادُها فرحَةٌ كبرى وبِشَارَة عُظمى، فهي رَيحانة الحاضر وأمُّ المستقبل، تربي الأجيالَ، صانعةُ الأبطال، رمزُ الحياءِ، عُنوان العفّة، وقد كتب أحدُ الأدباء يهنِّئ صديقًا له بمولودَة: أهلاً بعطيّة النساء وأم الدنيا وجالبَة الأصهارِ والأولادِ الأطهار والمبشِّرةِ بإخوةٍ يتسابقون ونجَبَاءَ يتلاحقون. أعلى وأعلَنَ الإسلامُ مكانةَ البنت في الإسلامِ، وأنزلها منزلةَ الحبِّ والاحترام، فقد روى الترمذيّ عن عائشة أمِّ المؤمنين قالت: ما رأيتُ أحدًا أشبَهَ سمتًا ودلاًّ وهديًا برسول الله في قيامِها وقعودِها من فاطمةَ بنتِ رسول الله ، قالت: وكانت إذا دخَلَت على النبيِّ قامَ إِليها فقبَّلَها وأجلَسَها في مجلِسِه. من تكريمِ البنت هذه القصّةُ التي تحمِل مغزى تربويًّا بليغًا، ففي الصحيحَين عن أبي قتادة الأنصاريِّ قال: كان رسول الله يصلِّي وهو حامِلٌ أُمامَةَ بنتَ زينب بنتِ رسول الله ، فإذا سجَدَ وضَعَها، وإذا قام حملها. البناتُ نعمةٌ وهِبَة من الله، وفَضلُهن لا يخفى، هنّ الأمهات، هنّ الأخوات، هن الزَّوجات، جعل الله البنت مفتاحَ الجنّةِ لوالديها، تسهِّل لهما الطريقَ إليها، تبعِدهم عن النار، بل تضمن لهم أن يُحشَروا مع النبيِّ لمن أحسن إليهن، فهنئًا لك أبَا البناتِ بهذا الشرف من رسول الله ، كيف لا وأنتَ بإحسانِ تربيَتِهنّ تعِدّ شَعبًا وتبني مجدًا، فعن عقبةَ بنِ عامر قال: قال رسول الله : ((مَن كان لَه ثلاثُ بناتٍ فصَبَر عليهنّ وأطعَمَهنّ وسقاهنّ وكساهنّ من جِدتِه كُنّ له حجابًا من النار يومَ القيامة))رواه ابن ماجه وأحمد، وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله : ((من كُنّ له ثلاثُ بنات يؤوِيهن ويرحمهنّ ويكفلهنّ وجبت له الجنّة البتة))، قال: قيل: يا رسول الله، فإن كانتا اثنتين؟ قال: ((وإن كانتا اثنتين))، قال: فرأى بعضُ القومِ أن لو قال له: واحدة لقال: واحدة. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : ((من عالَ جارِيَتين ـ يعني بنتَين ـ حتى تبلغا جاء يومَ القيامة أنا وهو)) وضم أصابعه. رواه مسلم. وكفى بذلك فضلاً وفخرًا وأجرًا. تربيةُ البنات قُربة إلى الله، والمرأةُ المسلمة لها أثرٌ في حياة كلِّ مسلم، وإذا نشأتِ البنتِ صالحةً في بيتها متديِّنة في سلوكها فإننا بذلك نضمَنُ بإذن الله بناءَ أسرة مسلمةٍ تخرِّج جيلاً صالحًا قويًّا في إيمانِه جادًّا في حياتِهِ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ التربيةُ الصحيحة للفتاةِ تقتضي تَعاوُنَ الوالدين القويّ لتؤتيَ التربية أكلَها. التركيزُ على حبِّ الله وحبِّ رسولِه ، هو الأساس الأوّل في بناء الفتاةِ، تعليمُها الفرائض الدينيّة، تنشِئَتها منذ الصغر على الدين والفضيلة، وغرس ذلك في نفسِها بالإقناعِ والتربِية، يغذِّي ذلك وينمّي أفكارَهنّ, قصصُ أمّهات المؤمنين زوجات النبي وقصصُ الصحابيّات اللاتي صنعنَ المجد بجودَةِ تربيّتهن. ومما يحزِن تساهلُ بعضِ الآباء والأمهات في تربية البنات، ومن مظاهِرَ ذلك ضعفً الإيمان، تقديس التوافِه، تفريطً في القيم، كما تلمَسه في مسألةِ الحجابِ ولباسِ الفتنة والعُري مع التبذُّل في الأماكن العامة كالأسواق والمتنزَّهات. يقول المصطفى " من عال ثلاث بنات فأدبهن وزوجهن وأحسن إليهن فله الجنة " أعظم الأدب التربية على الدين التربية على العفة والحشمة والقرار في البيوت وخلق الحياء ذلك الحارس الأمين لها من الوقوع في المهالك، فإن مشَت فعلى استحياء، زِيّها ورداؤها استِحياء، سِمَتُه الحياء، وقولُها وفعلها وحرَكاتها يهذِّبه الحياء، كما قال : ((والحياءُ خيرٌ كلُّه، ولا يأتي إلا بخيرٍ)). فتَعَاهد ابنتك بالتوجيه والتنبِيه، فإنَّ القلوبَ تغفل، ويَقَظتُها بالنُّصح والتذكير، والذكرى تنفع المؤمنين، مع ترويضِها على الانضباط بأحكامِ الشَّرع في اللِّباس والحجابِ ومَسألةِ الاختلاط. الله الله في التحنن لها وتلبية ما تريد من غير سرف ولا مخيلة , فأنت يا أيها الوالد مربي ولست لها فقط ملبي , فليوازن المربي بين إسعادها بتلبية طلباتها حينا وحينا آخر يقنعها بطريقته جفاف المشاعر الودّيّة بين الوالدين والبنات يجعَلُهن تبحَثن عن إجاباتٍ لأسئِلَتِهن الحائرة، وقد يكونوا بذلك صَيدًا سَهلاً لرفيقات السّوء أو غيرهنّ، وهذا يتطلَّب إحياءَ جلساتِ الإقناع والحوارات الأسريّة وغَمرَ البيت بمشاعرَ فيّاضةً من الودّ والحبّ والاحترام. والله لقد سعد من ربى بناته على القرآن وعلى ربطها بالدور ومجمعات القرآن وبأهل القرآن , ففراغها أعظم مشكلة قد تواجه الوالدان , وحلها ضمها لملتقيات الخير المنتشرة في كل حي ولله الحمد والمنة... بارك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ......
جفاف المشاعر الودّيّة بين الوالدين والبنات يجعَلُهن تبحَثن عن إجاباتٍ لأسئِلَتِهن الحائرة، وقد يكونوا بذلك صَيدًا سَهلاً لرفيقات السّوء أو غيرهنّ، وهذا يتطلَّب إحياءَ جلساتِ الإقناع والحوارات الأسريّة وغَمرَ البيت بمشاعرَ فيّاضةً من الودّ والحبّ والاحترام. والله لقد سعد من ربى بناته على القرآن وعلى ربطها بالدور ومجمعات القرآن وبأهل القرآن , ففراغها أعظم مشكلة قد تواجه الوالدان , وحلها ضمها لملتقيات الخير المنتشرة في كل حي ولله الحمد والمنة...
إنَّنا في هذا العصرِ نحتاجُ إلى المزيدِ مِن التركيزِ على تربية الفتاة والرّعاية والعناية بها، فالفتاة المسلمة في زمننا هذا تتعرَّض من أعداء الأمّة الإسلاميّة إلى حملة شعواء، تَستهدف ضَربَ عِفَّتها وطَهارَتها وأخلاقها وإسلامها، والخطورَةُ تكمُن في أنَّ معنى إفساد فتاة مسلمة إفسادُ الزوجة وإفسادُ الأمّ وإفساد الجيل وإفسادُ المجتمع كلِّه. حُسنُ اختيار الصديقةِ مسألة لا مساومةَ فيها، وعليه فإنَّ الصداقة لها تأثير بالغ في السلوكِ والأفكارِ والثقافةِ الشخصيّة، فصَديقاتُ السوء كالشّرَرِ الملتهِب، إذا وقع على شيء أحرقه، وفي الحديث: ((المرء على دين خليلِه، فلينظر أحدُكم من يخالل)). وتأخيرُ زواج الفتاة يترتَّب عليه مفاسدُ خلُقيّة واجتماعيّة ونفسيّة، وعضلُها بمنعِها من الزواج لأغراضٍ دنيويّة جريمةٌ في حقِّ فتياتنا والمجتَمَع، وقد قال الله: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ وإن للدعاءُ أثرُه الذي لا يخفى، وأهمّيّته التي لا تُنسى، فابتهال الأبوين وتضرُّعهما إلى الله أن يصلحَ أولادَهم دأبُ الصالحين، ودُعاء الوالدين للأبناءِ مُستجاب، قال تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ألا وصلّوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
المرفقات
1765644657_أبشر يا أبا البنات.docx