إيمان وتضحية - ماشطة بنت فرعون 29/5/1436

حسين بن حمزة حسين
1436/05/24 - 2015/03/15 06:01AM
عباد الله، في سير الصالحين والعُبّاد تذكرة لأولي الألباب ،
قصةبطولية سطرتها امرأة مؤمنة أمام أعظم طاغية ، إنه فرعون الطاغية ، طاغية طاغوت ادعى الألوهية حتى حكى الله عنه أنه قال ( أنا ربكم الأعلى ) وقال لموسى عليه السلام ( لئن اتخذت إلها غير لأجعلنك من المسجونين ) ، أمام هذا الطاغية وقفت إمرأة سطر الله اسمها بحروف أغلى من الذهب، وانتشر طيب صنيعها في الأرض وطيب ريحها في السماء ، حتى وجد رسول الله صلى الله عليهوسلم طيب رائحته في رحلة الإسراء والمعراج ، إنها امرأة ضحت بأعز ما تملك في دنياها نفسها ونفس أبناءها وذلك في سبيل إعلاء كلمة الله ، لم تكن ملكة أو زوجة ملك ، بل كانت خادمة تخدم بنت ملك طاغية ، إلا أن الله تعالى حفظ اسمها وأعلى شأنها أكثر من أسماءملوك وسلاطين كثير من أهل الأرض .
إخوة الإيمان : إنها ماشطة بنت فرعون ، قصة ثابتة صحيحة ، صحح إسنادها الشيخ أحمد شاكر بالمسند ، وقال الشيخ الأرنؤوط إسناده حسن ، وهي عند ابن حبان والطبراني وغيرهم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لما كانت الليلة التي أسري بي فيها وجدت رائحة طيبة ، فقلت : ما هذه الرائحة الطيبة يا جبريل؟ قال : هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها، فقلت: ما شأنها؟ قال: بينا هي تمشط بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها، فقالت: بسم الله، فقالت بنت فرعون: أبي؟ فقالت: لا ولكن ربي وربك ورب أبيك الله، قالت: وإن لك ربا غير أبي؟! قالت: نعم، قالت: فأعلِمُه ذلك؟ قالت: نعم، فأعلمته ، وفي رواية ( فغضبت ابنة فرعون فلطمتها وضربتها وأخبرت أباها ) ، فدعا بها، فقال: يا فلانة، ألك رب غيري؟ قالت: نعم، ربي وربك الله ، وفي رواية ابن حبان: ربي وربك من في السماء ) ، فأمر ببقرة من نحاس (قال ابن الأثير: شيئًٌ يَسع بقَرة تامَّة بِتَوابِلِها) فأحميت ثم أخذ أولادها يلقون فيها واحدًا واحدًا، فقالت: إن لي إليك حاجة، قال فرعون: وما هي؟ قالت: أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد فتدفننا جميعا، فقال: وذلك لك علينا، فلم يزل أولادها يلقون في البقرة حتى انتهى إلى ابن لها رضيع، فكأنها تقاعست من أجله، فقال: يا أمه، اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة)).
فهذه قصة امرأة ـ يا رجال ـ قصها علينا أصدق خلق الله صلى الله عليه وسلم ، امرأة نصر الله بها الإسلام ودحر الكفر ، إمرأة خالط الإيمان بشاشة قلبها ، فقادها إلى مراتب الإيمان العالية ، وهكذا الإيمان حين يخالط القلوب ، فلا يتقدم عليه دنيا ولا ولد ولا مال ولا جاه فالله جل جلاله في القلوب أعظم ، فالله جل جلاله أجل ، والله أحب ، تصوروا عباد الله ، إمرأة ضعيفة مسكينة تعمل خادمة لتطعم ابناءها ، يتسلط عليها طاغية ويهدد بقتلها وقتل أبنائها ، بل بأشد أنواع القتل إن لم توافقه على كفره وترضخ لأمره ، وهكذا حال الطواغيت والظلمة ، إذا غلبهم الحق ، إخوة الإيمان : إذا كان الذنب ذنبها فما ذنب أبناءها ، ولكن الظلم والجبروت ، فترفض وتؤثر الإيمان والصبر ، وتنتظر ثواب الله ، فتأخذ أمام الناس لينفذ عليها القتل ، فيتشبّت بها أبناؤها الصغار ، فيجبذهم الزبانية الطغاة ليرموهم بالنار ، وهم يصرخون ويستنجدون ، سيُقتل أولادها أمام ناظريها ، واحدا تلو الآخر ، قتلا من أبشع القتل ، قدر من نحاس يحمى حتى يلتهب ويحمر ويصبح كالجمر ، وسيُنزع أطفالُها الصغار من حضنها ليرموْا في ذلك القدر في النار ،ثم ينزع حقيقة الطفل من بين يدي أمه من بين احضانها ، وهو يصرخ فزعا خائفا أمامه النار واللهيب يحرق وجهها ووجه أطفالها ، فيجبذ أحد الزبانية الطفل ليرمى في ذلك القدر فيصرخ صرخة لا يصرخ بعدها ، فيذوب اللحم في الحميم في تلك القدر الملتهبة فلا يبقى منه إلا العظم ، كل ذلك والأم تنظر ، الله أكبر على قوّة قلبها ، الله أكبر على عظيم صبرها ، الله أكبر على عدم استسلامها ، الله أكبر على عظيم فدائها ، لا إله إلا الله ، ما أحلم الله ، لا إله إلا الله ما أعظم صبر الله ، لك أن تتخيل قلب الأم في تلك الحالة ، فهل استسلمت ؟ وهل رضخت لفرعون وكفرت بربها؟ كلا والله ، بل بقيت على إصرارها لتقول له: إنك لست برب خالق ، بل أنت عبد مخلوق ، ولو فعلتَ ما فعلتَ ، وسينتقم الله منك ومن أعوانك ، وأخذ الله أخذ عزيز مقتدر ، ثم ينزع أبناؤها من بين أحضانها واحدا تلو الآخر فيلقوا في النار الحميم حتى لا يبقى لها إلا رضيع في حُضنها، فيُجبذ بقوة منها ، فكأنها ترددت شفقة ورحمة بهذا الرضيع لا خوفا من الموت ، فيُنْطق الله الرضيع ليقول لها: يا أمه، اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، يُنطق الله هذا الصبي الذي لا ينطق ، آية من آيات الله يثبت الله تعالى به ولية من أولياء الله ، يُنطقه بحِكْمَة ، حِكْمةٌ كم نحن بحاجتها ( إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة) ، يرددها أماه ( إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة) فأسألكم بالله: أين نحن من هذه المرأة؟
إخوة الإيمان ، ألا نستحي من الله جل جلاله ، ماذا قدمنا لديننا ، بماذا فدينا أنفسنا من النار ، ماذا قدمنا بين يدي ربنا نلقاه به يوم القيامة ، كم ممن يُطلبُ منه ترك محرم فيعتذر أعذارا واهية ، يطلب منه الاستيقاظ لصلاة الفجر ، أن يصلي ثم يعود فينام ، أن يصلي ثم يعود فينام ؟! ، فيقول : لا أستطيع يغلبني النوم ، ووالله لو حاول وأحسن مع الله لأفلح واستطاع وأعانه الله ، ولكن أبت نفسه إلا العمى والضلال ، وإيثار الدنيا والهوى
الله ألهمنا رشدنا ، وأيقظنا من غفلتنا ، وأصلح قلوبنا بالإيمان ...
الخطبة الثانية:
وبعد: معاشر الرجال، أليس لنا حق في أن نتساءل: أين نحن من مثل هؤلاء؟! امرأة تقتل وهي صابرة على إيمانها ومبادئها، تتزحزح الجبال الرواسي وهي لا تتزحزح عن موقفها. أي عظمة هذه؟! وأي سمو؟! إنه الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، إنه اليقين حين يسكن النفس ويمازج الروح لتولد تلك النماذج الربانية، فتكون أقوى من الجبروت وأقوى من الطغيان، أقوى من الشيطان وجنوده، وأقوى من غرائز النفس ورغباتها وطبائعها، أقوى من الدنيا بأسرها...ما أحلم الله على الظلمة ، ولكن إذا أخذهم ، أخذهم أخذ عزيز مقتدر ، أهلك الله الطاغية وجنده ، فهم يصطلون في النار غدوا وعشيا ، قال تعالى ( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) .. نعوذ بالله من حال أهل النار...
المشاهدات 2814 | التعليقات 2

جزاك الله خيراً


جزيت خيرا ونفع الله بك شيخ حسين