إياك إياك والتفريط فيها..
أحمد بن عبدالله الحزيمي
1438/06/24 - 2017/03/23 11:01AM
إياك إياك والتفريط فيها..
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى، لَا تُحْصَى نِعَمُهُ عَدًّا، وَلَا نُطِيقُ لَهَا شُكْرًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى وَالْخَلِيلُ الْمُجْتَبَى، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ عَلَى النَّهْجِ اقْتَفَى، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا... أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
عِبَادَ اللَّهِ... دَخَلَ مِحْجَنٌ الدِّيَلِيُّ مَجْلِسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَأُذِّنَ بِالصَّلَاةِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى, ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِحْجَنٌ فِي مَجْلِسِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ، أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ؟"، قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنِّي كُنْتُ قَدْ صَلَّيْتُ فِي أَهْلِي، فَقَالَ لَهُ: "إِذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ, وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ"رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وعَلَّقَ الْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- عَلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ، أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ؟"، فَقَالَ:"وَفِي هَذَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَا يُصَلِّي لَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَإِنْ كَانَ مُوَحِّدًا، وَهَذَا مَوْضِعُ اخْتِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَتَقْرِيرُ هَذَا الْخِطَابِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَحَدًا لَا يَكُونُ مُسْلِمًا إِلَّا أَنْ يُصَلِّيَ, فَمَنْ لَمْ يُصَلِّ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ ". انْتَهَى كَلامُهُ رَحِمَهُ اللهُ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ... الصَّلاَةُ هِيَ أَوَّلُ مَا فُرِضَ، وَهِيَ آخِرُ مَا أَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِ الْمَوْتِ مُنَادِيًا :"الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ، هَذِهِ الصَّلاَةُ الَّتِي انْشَغَلَ لأَجْلِهَا بَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَرِيضٌ مَرَضَ الْمَوْتِ؛ يَكْشِفُ السِّتَارَ وَيَقُولُ: "أَصَلَّى النَّاسُ؟" قَالُوا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ. ولأَجْلِهَا أيضاً جَرَّ رِجْلَيْهِ جَرًّا وَلأَجْلِهَا خَرَجَ يُسْحَبُ إِلَى الصَّلاَةِ .
هَذِهِ الصَّلاَةُ هِيَ أَوَّلُ الْأَعْمَالِ الَّتِي يُنْظَرُ فِيهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ أَفْلَحَ صَاحِبُهَا وَأَنْجَحَ فَقَدْ أَفْلَحَ فِي عَمَلِهِ كُلِّهِ وَأَنْجَحَ، وَإِذَا خَابَ فِيهَا وَخَسِرَ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فِي عَمَلِهِ كُلِّهِ.
عِبَادَ اللَّهِ... الصَّلاَةُ أَكْثَرُ الْفَرَائِضِ ذِكْرًا فِي الْقُرْآنِ، وَإِذَا ذُكِرَتْ مَعَ سَائِرِ الْفَرَائِضِ قُدِّمَتْ عَلَيْهَا.. لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْ تَارِكِهَا صَوْمًا وَلَا حَجًّا، وَلَا صَدَقَةً وَلَا ذِكْرًا، وَلَا جِهَادًا وَلَا أَيَّ عَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا.. مَفْرُوضَةٌ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسُ مَرَّاتٍ، يَفْتَتِحُ الْمُسْلِمُ بِالصَّلاَةِ نَهَارَهُ، وَيَخْتِمُ بِهَا يَوْمَهُ، يَفْتَتِحُهَا بِتَكْبيرِ اللهِ، وَيَخْتِمُهَا بِالتَّسْلِيمِ عَلَى عِبَادِ اللهِ.
عباد الله: حَضَرَتْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْرَكَةُ الْأحْزَابِ - وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ صَلاَةُ الْخَوْفِ- فَقَامَ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ وَيُجَاهِدُهُمْ، وَدَمُهُ يَثْعَبُ مِنْ جِرَاحِهِ، فِي مُخَاصَمَةٍ لِأَعْدَاءِ اللَّهِ،فَيُشْغِلُ الْكُفَّارُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ فَيَدْعُوا عَلَيهِمْ دُعَاءً مُرْعِبًا: "شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، صَلَاةِ الْعَصْرِ، مَلَأَ اللهُ أَجْوَافَهُمْ، وَقُبُورَهُمْ نَارًا، أَوْ قَالَ: حَشَا اللهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا"رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ... إِنَّ التَّفْرِيطَ فِي أَمْرِ الصَّلَاةِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْبَلاءِ والشَّقَاءِ، ضَنْكٌ دُنْيَوِيٌّ وَعَذَابٌ بَرْزَخِيٌّ وَعِقَابٌ أُخْرَوِيٌّ،{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}[مريم:59].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ... إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَأَبْيَنِ الجَرَائِرِ تَرَكَ الصَّلاَةِ تَعَمُّدًا وَإِخْرَاجُهَا عَنْ وَقْتِهَا كَسَلًا وَتَهَاوُنًا، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ"، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ، وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْكُفْرِ أَوْ الشِّرْكِ تَرْكُ الصَّلاَةِ" أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَإِنَّ فَوَاتَ صَلاَةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ كَمُصِيبَةِ سَلْبِ الْأَمْوَالِ وَفَقْدِ الزَّوْجَةِ والْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ؛ أَصْغِ السَّمْعَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ فَاتَتْهُ الْعَصْرُ، فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، ولفظه عند أحمد: "مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ"، وَيَقُولُ رَسُولُ الْهُدَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَذِّرًا وَمُنْذِرًا: "لَا تَتْرُكَنَّ صَلَاةً مُتَعَمِّدًا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ"أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ، وَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا: "إنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ(أَيْ: يَكْسِرَهُ فَيُصْبِحُ الرَّجُلُ بَلَا رَأْسٍ)، فَيَتَدَهْدَهُ الحَجَرُ هَا هُنَا (أَيْ: يَتَدَحْرَجُ)، فَيَتْبَعُ الحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأُولَى" قَالَ: "قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ؟ - مَا هَذَا يَا تُرَى؟ هَلْ هُوَ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ؟ هَلْ هُوَ شَارِبُ الْخَمْرِ؟ هَلْ هُوَ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً؟ هَلْ هُوَ الزَّانِي؟ أَيُّ جَرِيمَةٍ ارْتَكَبَهَا وَأَيُّ مَعْصِيَةٍ اقْتَرَفَهَا تُسَاوِي هَذَا الْعَذَابَ؟- فَقَالَا:"انْطَلِقْ" وَفِي آخِرِ الْحَدِيثِ قَالا: "أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ"أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ تَعْظِيمِ الصَّلاَةِ، وَالتَّرْهِيبِ مِنْ تَرْكِهَا أَجْمَعَ خَيْرُ الْقُرُونِ وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ، أَجْمَعَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُفْرِ تَارِكِ الصَّلاَةِ، يَقُولُ عَبْدُاللهِ بْنُ شَقِيقٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنَ الأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ". أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.
أيها المؤمنون: بَيْنَمَا ثَابِتُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ إِذْ سَمِعَ أَذَانَ الْمَغْرِبِ،فقَالَ لِأَبْنَائِهِ: احْمِلُونِي إِلَى الْمَسْجِدِ، قَالُوا: أَنْتَ مَرِيضٌ وَقَدْ عَذَرَكَ اللهُ، قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، أَأَسْمَعُ"حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ"، وَأُصَلِّي فِي الْبَيْتِ، وَاللهِ لَتَحْمِلُونِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَحَمَلُوهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَلَمَّا سَجَدَ السَّجْدَةَ الْأَخِيرَةَ مِنْ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ، قَبَضَ اللَّهُ رُوحَهُ.
لا إله إلا الله ما أشد تعظيم الصلاة في قلوب أولئك الرجال.
يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ:"لَا يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ تَرْكَ الصَّلاَةِ الْمَفْرُوضَةِ عَمْدًا مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ وَأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَأَنَّ إِثْمَهُ عِنْدَ اللهِ أَعَظْمُ مِنْ إِثْمِ قَتْلِ النَّفْسِ وَأَخْذِ الأَمْوَالِ، وَمِنْ إِثْمِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَنَّهُ مُتَعَرِّضٌ لِعُقُوبَةِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ وَخِزْيِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ" انْتَهَى كلامُهُ.
الصَلاَةُ يا عباد الله فَرْضُ عَيْنٍ، تَجِبُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، تَجِبُ فِي حَالِ الْإقَامَةِ وَالسَّفَرِ، تَجِبُ فِي حَالِ الأَمْنِ وَالْخَوْفِ، وَفِي سَاحَاتِ الْوَغَى وَالْقِتَالِ، فَلَقَدْ أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ بِالصَّلاَةِ فِي حَالِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَعْذُرْهُ بِتَرْكِهَا، فَكَيْفَ بِمَنْ يَعِيشُ فِي بَيْتِهِ وَبَيْنَ أهْلِهِ آمِناً مِنَ الْخَوْفِ، سَالِمًا مِنَ الْعَاهَاتِ. صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ لَا تَسْقُطُ عَنِ الْمُسْلِمِ بِحَالٍ مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا
نَحْنُ الَّذِينَ إِذَا دُعُوا لِصَلاَتِهِمْ
وَالْحَرْبُ تَسْقِي الْأرْضَ جَامًا أَحْمَرَا
جَعَلُوا الْوُجُوهَ إِلَى الْحِجَازِ فَكَبَّرُوا
فِي مَسْمَعِ الرُّوْحِ الأَمِينِ فَكَبَّرَا
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أهْلِ الصَّلاَةِ، رَبَّنَا اجْعَلْنَا مُقِيمِي الصَّلاَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّاتِنَا،رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءنَا.
بَارَكَ اللهُ....
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ،جَعَلَ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الصَّلاةِ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَعَلَ التَّكَاسُلَ عَنْهَا مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَّى بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلاةِ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ والتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللهِ... يَقُولُ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: "لاَ أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلَّا هَذِهِ الصَّلاَةَ وَهَذِهِ الصَّلاَةُ قَدْ ضُيِّعَتْ"أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ... اللهُ الْمُسْتَعَانُ.. يَقُولُهَا هَذَا الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ وَهُوَ فِي هَذَا الْعَهْدِ الزَّاهِرِ، فَكَيْفَ بِوَقْتِنَا؟!
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ... حَيَاةٌ لَيْسَ فِيهَا صَلاةٌ, لَيْسَ فِيهَا ثِقَةٌ وَلا طُمْأَنِينَةٌ, وَلا اسْتِقْرَارٌ وَلا هُدُوءٌ, وَلا سَكِينَةٌ.
شَبَابَ الإِسْلامِ... يَا أَصْحَابَ القَوَّةِ والفُتُوَّةِ، هَذَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الرَّجُلُ الأَعْمَى - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ- يُقْبِلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ: "يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ"، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقَالَ: "هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟" قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَأَجِبْ"رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
مَا مَعْنَى لَا إِلَهَ إلّا اللهُ لِرَجُلٍ يَرَى أَنَّ تِجَارَتَهُ أَوْ وَظِيفَتَهُ أَوْ مَنْصِبَهُ، أَوْ اجْتِمَاعَهُ أَهَمُّ مِنَ الصَّلاَةِ؟! مَا مَعْنَى لَا إلَهَ إلَّا اللهُ لإِنْسَانٍ يَنْتَسِبُ إِلَى الإِسْلامِ وَهُوَ بِلا صَلاَةٍ؟! سُبْحَانَ اللهِ.. مُسْلِمُونَ بِلا صَلاَةٍ! مَا مَعْنَى لَا إلَهَ إلَّا اللهُ فِي قَلْبِ رَجُلٍ يُقَدِّمُ مُتْعَةَ الْمَجْلِسِ أَوِ النَّوْمِ أَوِ الأَكْلِ أَوِ الْمُبَارَاةِ عَلَى شَعِيرَةِ الصَّلاَةِ؟! أَلا فَلْيَعْلَمِ الَّذِي لا يُصَلِّي أَبَدًا بِأَنَّهُ إِنْ مَاتَ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ تِلْكَ فَإِنَّهُ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ، خَطَرٍ بَيَّنَهُ اللهُ جَلَّ وَعَلا وَأَكَّدَ عَلَيْهِ رَسُولُ الْهُدَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهِ آرَاءُ الصَّحَابَةِ وَتَظَافَرَتْ عَلَيْهِ سَادَاتُ الْمَذَاهِبِ وَتَوَاتَرَتْ عَلَيْهِ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ الَّذِي لا يُصَلِّي فَهُوَ فِي النَّارِ. نَعَمْ في النار.. النَّارُ الَّتِي خَوَّفَنَا اللهُ بِهَا وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَلْ هُنَاكَ تَحْذِيرٌ وَتَخْوِيفٌ وَنَذَارَةٌ أَعْظَمُ مِنَ النَّارِ؟!
اللهم اجعل الصلاة لنا ولذريتنا طمأنينة لقلوبنا وراحة لأبداننا.. وأمانًا لأرواحنا.. وسكينة لأنفسنا.. ونجاةً في قبورنا.. يا مُجيب الدُعاء.. يا مُجيب الرجاء نحدددد
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا...
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى، لَا تُحْصَى نِعَمُهُ عَدًّا، وَلَا نُطِيقُ لَهَا شُكْرًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى وَالْخَلِيلُ الْمُجْتَبَى، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ عَلَى النَّهْجِ اقْتَفَى، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا... أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
عِبَادَ اللَّهِ... دَخَلَ مِحْجَنٌ الدِّيَلِيُّ مَجْلِسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَأُذِّنَ بِالصَّلَاةِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى, ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِحْجَنٌ فِي مَجْلِسِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ، أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ؟"، قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنِّي كُنْتُ قَدْ صَلَّيْتُ فِي أَهْلِي، فَقَالَ لَهُ: "إِذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ, وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ"رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وعَلَّقَ الْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- عَلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ، أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ؟"، فَقَالَ:"وَفِي هَذَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَا يُصَلِّي لَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَإِنْ كَانَ مُوَحِّدًا، وَهَذَا مَوْضِعُ اخْتِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَتَقْرِيرُ هَذَا الْخِطَابِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَحَدًا لَا يَكُونُ مُسْلِمًا إِلَّا أَنْ يُصَلِّيَ, فَمَنْ لَمْ يُصَلِّ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ ". انْتَهَى كَلامُهُ رَحِمَهُ اللهُ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ... الصَّلاَةُ هِيَ أَوَّلُ مَا فُرِضَ، وَهِيَ آخِرُ مَا أَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِ الْمَوْتِ مُنَادِيًا :"الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ، هَذِهِ الصَّلاَةُ الَّتِي انْشَغَلَ لأَجْلِهَا بَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَرِيضٌ مَرَضَ الْمَوْتِ؛ يَكْشِفُ السِّتَارَ وَيَقُولُ: "أَصَلَّى النَّاسُ؟" قَالُوا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ. ولأَجْلِهَا أيضاً جَرَّ رِجْلَيْهِ جَرًّا وَلأَجْلِهَا خَرَجَ يُسْحَبُ إِلَى الصَّلاَةِ .
هَذِهِ الصَّلاَةُ هِيَ أَوَّلُ الْأَعْمَالِ الَّتِي يُنْظَرُ فِيهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ أَفْلَحَ صَاحِبُهَا وَأَنْجَحَ فَقَدْ أَفْلَحَ فِي عَمَلِهِ كُلِّهِ وَأَنْجَحَ، وَإِذَا خَابَ فِيهَا وَخَسِرَ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فِي عَمَلِهِ كُلِّهِ.
عِبَادَ اللَّهِ... الصَّلاَةُ أَكْثَرُ الْفَرَائِضِ ذِكْرًا فِي الْقُرْآنِ، وَإِذَا ذُكِرَتْ مَعَ سَائِرِ الْفَرَائِضِ قُدِّمَتْ عَلَيْهَا.. لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْ تَارِكِهَا صَوْمًا وَلَا حَجًّا، وَلَا صَدَقَةً وَلَا ذِكْرًا، وَلَا جِهَادًا وَلَا أَيَّ عَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا.. مَفْرُوضَةٌ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسُ مَرَّاتٍ، يَفْتَتِحُ الْمُسْلِمُ بِالصَّلاَةِ نَهَارَهُ، وَيَخْتِمُ بِهَا يَوْمَهُ، يَفْتَتِحُهَا بِتَكْبيرِ اللهِ، وَيَخْتِمُهَا بِالتَّسْلِيمِ عَلَى عِبَادِ اللهِ.
عباد الله: حَضَرَتْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْرَكَةُ الْأحْزَابِ - وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ صَلاَةُ الْخَوْفِ- فَقَامَ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ وَيُجَاهِدُهُمْ، وَدَمُهُ يَثْعَبُ مِنْ جِرَاحِهِ، فِي مُخَاصَمَةٍ لِأَعْدَاءِ اللَّهِ،فَيُشْغِلُ الْكُفَّارُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ فَيَدْعُوا عَلَيهِمْ دُعَاءً مُرْعِبًا: "شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، صَلَاةِ الْعَصْرِ، مَلَأَ اللهُ أَجْوَافَهُمْ، وَقُبُورَهُمْ نَارًا، أَوْ قَالَ: حَشَا اللهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا"رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ... إِنَّ التَّفْرِيطَ فِي أَمْرِ الصَّلَاةِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْبَلاءِ والشَّقَاءِ، ضَنْكٌ دُنْيَوِيٌّ وَعَذَابٌ بَرْزَخِيٌّ وَعِقَابٌ أُخْرَوِيٌّ،{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}[مريم:59].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ... إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَأَبْيَنِ الجَرَائِرِ تَرَكَ الصَّلاَةِ تَعَمُّدًا وَإِخْرَاجُهَا عَنْ وَقْتِهَا كَسَلًا وَتَهَاوُنًا، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ"، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ، وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْكُفْرِ أَوْ الشِّرْكِ تَرْكُ الصَّلاَةِ" أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَإِنَّ فَوَاتَ صَلاَةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ كَمُصِيبَةِ سَلْبِ الْأَمْوَالِ وَفَقْدِ الزَّوْجَةِ والْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ؛ أَصْغِ السَّمْعَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ فَاتَتْهُ الْعَصْرُ، فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، ولفظه عند أحمد: "مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ"، وَيَقُولُ رَسُولُ الْهُدَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَذِّرًا وَمُنْذِرًا: "لَا تَتْرُكَنَّ صَلَاةً مُتَعَمِّدًا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ"أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ، وَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا: "إنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ(أَيْ: يَكْسِرَهُ فَيُصْبِحُ الرَّجُلُ بَلَا رَأْسٍ)، فَيَتَدَهْدَهُ الحَجَرُ هَا هُنَا (أَيْ: يَتَدَحْرَجُ)، فَيَتْبَعُ الحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأُولَى" قَالَ: "قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ؟ - مَا هَذَا يَا تُرَى؟ هَلْ هُوَ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ؟ هَلْ هُوَ شَارِبُ الْخَمْرِ؟ هَلْ هُوَ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً؟ هَلْ هُوَ الزَّانِي؟ أَيُّ جَرِيمَةٍ ارْتَكَبَهَا وَأَيُّ مَعْصِيَةٍ اقْتَرَفَهَا تُسَاوِي هَذَا الْعَذَابَ؟- فَقَالَا:"انْطَلِقْ" وَفِي آخِرِ الْحَدِيثِ قَالا: "أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ"أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ تَعْظِيمِ الصَّلاَةِ، وَالتَّرْهِيبِ مِنْ تَرْكِهَا أَجْمَعَ خَيْرُ الْقُرُونِ وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ، أَجْمَعَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُفْرِ تَارِكِ الصَّلاَةِ، يَقُولُ عَبْدُاللهِ بْنُ شَقِيقٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنَ الأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ". أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.
أيها المؤمنون: بَيْنَمَا ثَابِتُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ إِذْ سَمِعَ أَذَانَ الْمَغْرِبِ،فقَالَ لِأَبْنَائِهِ: احْمِلُونِي إِلَى الْمَسْجِدِ، قَالُوا: أَنْتَ مَرِيضٌ وَقَدْ عَذَرَكَ اللهُ، قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، أَأَسْمَعُ"حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ"، وَأُصَلِّي فِي الْبَيْتِ، وَاللهِ لَتَحْمِلُونِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَحَمَلُوهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَلَمَّا سَجَدَ السَّجْدَةَ الْأَخِيرَةَ مِنْ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ، قَبَضَ اللَّهُ رُوحَهُ.
لا إله إلا الله ما أشد تعظيم الصلاة في قلوب أولئك الرجال.
يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ:"لَا يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ تَرْكَ الصَّلاَةِ الْمَفْرُوضَةِ عَمْدًا مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ وَأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَأَنَّ إِثْمَهُ عِنْدَ اللهِ أَعَظْمُ مِنْ إِثْمِ قَتْلِ النَّفْسِ وَأَخْذِ الأَمْوَالِ، وَمِنْ إِثْمِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَنَّهُ مُتَعَرِّضٌ لِعُقُوبَةِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ وَخِزْيِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ" انْتَهَى كلامُهُ.
الصَلاَةُ يا عباد الله فَرْضُ عَيْنٍ، تَجِبُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، تَجِبُ فِي حَالِ الْإقَامَةِ وَالسَّفَرِ، تَجِبُ فِي حَالِ الأَمْنِ وَالْخَوْفِ، وَفِي سَاحَاتِ الْوَغَى وَالْقِتَالِ، فَلَقَدْ أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ بِالصَّلاَةِ فِي حَالِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَعْذُرْهُ بِتَرْكِهَا، فَكَيْفَ بِمَنْ يَعِيشُ فِي بَيْتِهِ وَبَيْنَ أهْلِهِ آمِناً مِنَ الْخَوْفِ، سَالِمًا مِنَ الْعَاهَاتِ. صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ لَا تَسْقُطُ عَنِ الْمُسْلِمِ بِحَالٍ مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا
نَحْنُ الَّذِينَ إِذَا دُعُوا لِصَلاَتِهِمْ
وَالْحَرْبُ تَسْقِي الْأرْضَ جَامًا أَحْمَرَا
جَعَلُوا الْوُجُوهَ إِلَى الْحِجَازِ فَكَبَّرُوا
فِي مَسْمَعِ الرُّوْحِ الأَمِينِ فَكَبَّرَا
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أهْلِ الصَّلاَةِ، رَبَّنَا اجْعَلْنَا مُقِيمِي الصَّلاَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّاتِنَا،رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءنَا.
بَارَكَ اللهُ....
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ،جَعَلَ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الصَّلاةِ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَعَلَ التَّكَاسُلَ عَنْهَا مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَّى بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلاةِ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ والتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللهِ... يَقُولُ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: "لاَ أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلَّا هَذِهِ الصَّلاَةَ وَهَذِهِ الصَّلاَةُ قَدْ ضُيِّعَتْ"أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ... اللهُ الْمُسْتَعَانُ.. يَقُولُهَا هَذَا الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ وَهُوَ فِي هَذَا الْعَهْدِ الزَّاهِرِ، فَكَيْفَ بِوَقْتِنَا؟!
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ... حَيَاةٌ لَيْسَ فِيهَا صَلاةٌ, لَيْسَ فِيهَا ثِقَةٌ وَلا طُمْأَنِينَةٌ, وَلا اسْتِقْرَارٌ وَلا هُدُوءٌ, وَلا سَكِينَةٌ.
شَبَابَ الإِسْلامِ... يَا أَصْحَابَ القَوَّةِ والفُتُوَّةِ، هَذَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الرَّجُلُ الأَعْمَى - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ- يُقْبِلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ: "يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ"، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقَالَ: "هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟" قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَأَجِبْ"رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
مَا مَعْنَى لَا إِلَهَ إلّا اللهُ لِرَجُلٍ يَرَى أَنَّ تِجَارَتَهُ أَوْ وَظِيفَتَهُ أَوْ مَنْصِبَهُ، أَوْ اجْتِمَاعَهُ أَهَمُّ مِنَ الصَّلاَةِ؟! مَا مَعْنَى لَا إلَهَ إلَّا اللهُ لإِنْسَانٍ يَنْتَسِبُ إِلَى الإِسْلامِ وَهُوَ بِلا صَلاَةٍ؟! سُبْحَانَ اللهِ.. مُسْلِمُونَ بِلا صَلاَةٍ! مَا مَعْنَى لَا إلَهَ إلَّا اللهُ فِي قَلْبِ رَجُلٍ يُقَدِّمُ مُتْعَةَ الْمَجْلِسِ أَوِ النَّوْمِ أَوِ الأَكْلِ أَوِ الْمُبَارَاةِ عَلَى شَعِيرَةِ الصَّلاَةِ؟! أَلا فَلْيَعْلَمِ الَّذِي لا يُصَلِّي أَبَدًا بِأَنَّهُ إِنْ مَاتَ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ تِلْكَ فَإِنَّهُ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ، خَطَرٍ بَيَّنَهُ اللهُ جَلَّ وَعَلا وَأَكَّدَ عَلَيْهِ رَسُولُ الْهُدَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهِ آرَاءُ الصَّحَابَةِ وَتَظَافَرَتْ عَلَيْهِ سَادَاتُ الْمَذَاهِبِ وَتَوَاتَرَتْ عَلَيْهِ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ الَّذِي لا يُصَلِّي فَهُوَ فِي النَّارِ. نَعَمْ في النار.. النَّارُ الَّتِي خَوَّفَنَا اللهُ بِهَا وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَلْ هُنَاكَ تَحْذِيرٌ وَتَخْوِيفٌ وَنَذَارَةٌ أَعْظَمُ مِنَ النَّارِ؟!
اللهم اجعل الصلاة لنا ولذريتنا طمأنينة لقلوبنا وراحة لأبداننا.. وأمانًا لأرواحنا.. وسكينة لأنفسنا.. ونجاةً في قبورنا.. يا مُجيب الدُعاء.. يا مُجيب الرجاء نحدددد
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا...
المرفقات
إياك إياك والتفريط فيها.docx
إياك إياك والتفريط فيها.docx