إهمال أولياء الأمور في هذه الأمور
سامي عيضه المالكي
1442/01/16 - 2020/09/04 07:26AM
❉ الحمد لله، الحمد لله الأجل الأكرم في علاه، له من الحمد أسماه، ومن الشكر منتهاه، جعل الأولاد عند أهليهم وديعة، وجعل القيام عليهم واجبا علينا وشريعة. أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل المال والبنين زينة الحياة، وعملا صالحا باقيا بعد الوفاة، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ومصطفاه، أكرم والد درجت على الأرض خُطَاه، وخير أب فاضت بالمشاعر حناياه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه وتابعيه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس، لم تزل التقوى خير وصية، وأكرم سجية، فهي وصية الأنبياء، وحلية الأصفياء، ونِعْمَ الزادُ عند اللقاء، (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ).
أيها المسلمون: لقاء بيني وبين طفلة..في الأسبوع الماضي كنت خارجاً من إحدى العمائر السكنية عند الساعة 8 صباحاً فوجدت طفلة في عمر الزهور.. وليس في الشارع إلا أنا وهي وقليل من القطط.. لباسها قصير فوق الفخذ، الذين يسمونه (شورت) وشعرها منكوش، في السابعة أو الثامنة من عمرها.. فنظرتْ إلي بين أنها خايفة وتريد المساعدة.. فبادرتها بالسؤال لأني ظننت أنها ضائعة ؟! أين أباكِ.. أين أمكِ.. أين بيتكم.. فأشارت إلى عمارة سكنية نهاية الشارع !! فتعجبت وقلت لها: أين تريدين الذهاب الآن ؟.. قالت: متى تفتح المحلات التجارية لأن أهلي أرسلوني لأشتري لهم.. فزاد تعجبي أكثر فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله.. ثم قلت لها: سيتأخرون ياابنتي.. ولكن اذهبي إلى منزلكم الآن.. ولا تنتظري في الشارع !!.. انتهى اللقاء !!
أيها الفضلاء: هل تريدون مني تعليقاً ؟!! أم أن القصة تتحدث!! فلا حول ولا قوة إلا بالله .. وقد ذكرت هذه القصة -أيها الأحبة الكرام- لأمرين مهمين، "حَوْلَها نُدَنْدِنُ" اليوم:
أولاً: تساهل الآباء وخاصة الأمهات في إرتداء البنات القاصرات اللاتي لم يبلغن الحلم. وأنا هنا لا أتحدث عن (لبس الشابات والكبيرات) فَسنُفرِد لها خطبة بإذن الله تعالى لاحقاً، ولكن أتحدث فقط عن الصغيرات الذين لم يبلغن الحلم.
وثانياً: تساهل الآباء والأمهات في خروج الأطفال في هذا السن وفي هذا الوقت لوحدهن بكل استهتار وبلا مبالاة حتى يحدث ما لا يحمد عقباه.
أيها الآباء والأمهات: الأمر ليس له أية علاقة بمنع الأمهات والآباء في إلباس صغيراتهم الثياب التي يرونها مناسبةً لهن، ولطفولتهن. فمن حقهم أنْ يروا أطفالهم بأجمل لباس. لكن الخشية الكبيرة من أنّ مثل هذه الملابس، ربما تكون البوابة لتلويث براءتِهن في المستقبل، من قِبَل أصحاب النفوس المريضة. والشواهد كثيرة على ذلك، ولا تحتاج للمزيد من ضرب الأمثال.
فقد تفعل الأمهات هذا الأمر من باب حسن النية، أو بتأثير مجاراة الموضة، والموديلات المغرية والأشكال الجذابة، لكن بالمقابل فإنّ غالب هذه الموضة والموديلات تُبرز أجساد هؤلاء الطفلات البريئات الصغيرات، ويُصبحن بالتالي أهدافاً سهلةً أمام الذئاب البشرية.
أيها الفضلاء: إن البنت إذا بلغت سن التمييز وتمت سبع سنين فلا ينبغي أن تلبس القصير، خصوصاً إذا كان فيها جمال، وربما بعض أصحاب القلوب المريضة ينظر إليها نظر تمتع، وهذا موجود للأسف عند بعض الفجرة، حتى أحياناً من بعض القرابة والمحارم بكل أسف، فلا ينبغي أن يكشف فخذُها وساقُها ولو كانت في السابعة والثامنة والتاسعة من عمرها، وبعض البنات ربما يكون عمرها صغير ولكن جرمها كبير، لأنها حينئذٍ تشتهى، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: "إذا بلغت الجارية تسعًا فهي امرأة".
أيها المسلمون: لقد منّ الله -سبحانه وتعالى- علينا بمنن كثيرة، ومن هذه النعم: أن الله -سبحانه وتعالى- هدى الإنسان إلى أن يكتسي من الملابس ما يتزين به، ويستر به عورته، وجعل ذلك من آيات الله الباهرة، ونعمه الظاهرة، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ). أي يغطي عوراتكم. وسميت العورة سوأة؛ لأن الإنسان العاقل يسوؤه كشفها وإظهارها. هذه فطرة الله، وهذا خلقه، خلق الإنسان وهداه إلى ارتداء اللباس، من أجل أن يستر عورته به.
ولما سئل العلامة ابن باز، لمن يتساهل ويُلبِس بناته الملابس القصيرة ؟.. أجاب رحمه الله فقال: هذا غلط، وعكس المشروع، فالمشروع أن يلبسوا البنات اللباس الطويل حتى يعتدنه ويكون سجية لهن، ولا يجوز للمسلم ولا للمسلمة أن يربي أولاده على خلاف المشروع فالمؤمن يربى أولاده على المشروع والمؤمنة كذلك فالبنت الصغيرة تربى على الطويل حتى تعتاده وتربى على الستر، والبنت تربى على ستر العورة على حسب الطاقة بالكلام الطيب والأسلوب الحسن.
أيها المسلمون: امتدادنا في هذه الحياة وكسبنا بعد انقضاء الأعمار وحصول الوفاة، وعوننا عند الكِبَر والعجز بعد الله هم الذرية والأولاد، ومن نسلوا بعدهم من الأحفاد، وهم هم الذِّكْر والجاه.
عباد الله: أولادكم أمانة الله في أعناقكم، ووديعته بين أيديكم، وتربية الأولاد والعناية بهم والاستثمار فيهم من أعظم التجارات المربحة في الدنيا والآخرة، والتي يجب أن يقدمها العاقلُ على كل أمور الدنيا.
واسمع..اسمع إلى هذا الحديث وهو لأصحاب القلوب الحية، في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ“.
والمسلم يربِّي ولدَه قيامًا بالواجب الشرعي وأداء للأمانة التي حمله الله إياها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ).
عباد الله: أول طريق لصلاح الأولاد هو دوام اللجوء إلى الله بالدعاء لهم، الدعاء للذرية آية تتلى في القرآن وسُنَّة خليل الرحمن، ودعاء الأنبياء والمرسلين وأمنية من أماني الصالحين، وإن الركن الأساس للتربية هو القدوة الصالحة المتمثلة في الأبوين، ثم ربطهم بالقدوات الصالحة من الصحابة والصحابيات والسلف الكرام.
ولما سئل العلامة محمد ابن عثيمين عن لُبسِ القاصرات اللباس القصير، قال رحمه الله: " من المعلوم أن الإنسان يتأثر بالشيء في صغره، ويبقى متأثراً به بعد الكبر، ولهذا أمر النبي ﷺ أن نأمر الصبيان بالصلاة وهم في عمر 7 سنين ونضربهم عليها لعشر، ليتعودوا، والطفل يعيش ويكبر على مااعتاده، فإذا اعتادت الطفلة الصغيرة أن تلبس القصير الذي يصل إلى الركبة، والقصير الذي يصل إلى العَضد أو الكَتِف ذهب عنها الحياء، واستساغت هذه الملابس بعد كِبرها، لكن إذا بلغت البنت حدا تتعلق بها نفوس الرجال وشهواتهم فإنها تحتجب دفعا للفتنة والشر، وليُعلم أن الأهل مسؤولون عن هؤلاء الصبيان عن تربيتهم وتوجيههم كما قال النبي ﷺ : "الرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته".
أيها الكرام: ما أحوجنا إلى أن نزرع هذه القيم والأخلاق في هذه النفوس الصغيرة ولا نستعجل النتائج، ولا نقول هم لا يفهمون، بل هم أذكى مما نتصور، ويسجلون المواقف ويحللونها في عقولهم .
أصلح الله نساء الأمة وفتياتها، وأسبغ علينا جميعا هدايته ورحمته وعافيته.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
❉ الحمد لله وكفى ، وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.. وبعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى..
أيها المسلمون: خير البقاع المساجد وأحسن الحواضن حِلَق تعليم القرآن الكريم، عوِّدوا أولادَكم الصلاة والمحافظة عليها، طهِّروا بيوتكم من المنكرات، والفتوا نظرَ الأولاد لذلك؛ فإن التربية تعليم وتنشئة، وَمَنْ أَلِفَ المنكرَ تربَّى عليه وثقل عليه الحقُّ، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: “حافظوا على أولادكم في الصلاة، وعلموهم الخير؛ فإن الخير عادة“. صاحبوهم ومازحوهم وشجعوهم فكلمات المدح تملك القلوب وتأسر العقول، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَمَا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ” (رواه مسلم).
أيها المسلمون: إن إكرام البنات والعناية بهن، والقرب منهن، والتأديب، والرعاية، والشفقة عمل عظيم ، فأحسن الله إلى من أحسن إليهن، وأكرم الله من أكرمهن ، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
وبنات اليوم أمهات الغد فإذا أحسنّا اليوم تربيتهن وتدريبهن فإننا نكون قد أعددنا جيلاً من البنات الصالحات المهيآت لتربية أبنائهن وقيادة بيوتهن.
معاشر الآباء والأمهات يقول الله تعالى: ﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ﴾، فهناك فرق كبير بين تربية الأولاد وتربية البنات.
تربية البنات شرف للمسلم وأسوة بالرسول الكريم ﷺ إذ كان أبًا لأربع بنات، فأدَّبَهن وَأَحْسَنَ تربيتَهن، عن جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال: “مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ يُؤَدِّبُهُنَّ وَيَرْحَمُهُنَّ وَيَكْفُلُهُنَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ؟ قَالَ: وَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ، قَالَ: فَرَأَى بَعْضُ الْقَوْمِ أَنْ لَوْ قَالَ: وَاحِدَةً لَقَالَ: وَاحِدَةً” (رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح). وفي رواية البخاري لم يحدد النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عددًا من البنات، فقال: “مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ”.
إن مسئوليتكم أيها الآباء والأمهات عظيمة نحو بناتكم، فهن أمانة بين أيديكم، وكم من صالحة أنشأت جيلا عظيما كانت نتاج تربية صالحة، وكم من منحرفة أفسدت أُمَّة بِأَسْرِهَا، كانت نتاجًا لإهمال التربية والمتابَعَة؛ فَأَحْسِنُوا بغرس الفضائل في النفوس، وتعاهدوها حتى تؤتي ثمارها، عوِّدُوا بناتكم الستر والحشمة، والعفاف منذ الصغر؛ تربيةُ الفتاة على الحياء يدفع بها إلى المكرمات، والحياء لا يأتي إلا بخير.
اللهم احفظ نساءَنا من الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطنَ، اللهم اجعلهنَّ تقيِّاتٍ نَقياتٍ خَفياتٍ، وحبِّـب لهنَّ السِّترَ والحِجابَ، واغرس فيهنّ الحيــاءَ والعفـافَ، اللـهمَّ واحرسهنَّ من دعواتِ المُـفسدينَ، اللهم استرهنَّ بسترِك الجميلِ..
وصلوا وسلموا على البشير النذير؛ حيث أمركم الله في كتابه؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ). اللهم صلِّ وسلِّم على نبيك محمدٍ، وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين، والتابعين ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعزَّ الإسلام وانصر المسلمين، واخذُل الطُّغاةَ والملاحِدَة والمُفسِدين، اللهم انصُر دينَك وكتابَك، وسُنَّة نبيِّك، وعبادَك المؤمنين.
اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتِك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكَر يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولِيَّ أمرِنا خادم الحرمين الشريفين لما تُحِبُّ وترضَى، وخُذ به للبرِّ والتقوَى، اللهم وفِّقه ونائبَه وأعوانَهم لما فيه صلاحُ العبادِ والبلادِ.
اللهم احفَظ وسدِّد جنودَنا المُرابِطين على ثُغورِنا وحُدودِنا، المُجاهِدين لحفظِ أمنِ بلادِنا وأهلِنا وديارِنا المقدَّسة، اللهم كُنْ لهم مُعينًا ونصيرًا وحافِظًا.
اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا... (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). سُبحان ربّك ربِّ العزَّة..