{إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 19/ 6/ 1446هـ
د عبدالعزيز التويجري
الخطبة الأولى : {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 19/ 6/ 1446هـ
الحمد لله الذي لا يبلغُ مِدحَتَه القائلون، ولا يُحصِي نعماءَه العادُّون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عظيم في ربوبيته، عظيم في ألوهيته، عظيم في أسمائه وصفاته، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه و من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}،{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}
إنْ طالَ بالظلمِ الغَسَق ** لاُبدَّ مْن نوِر الَفلَقْ
الحـــقُّ منتصرٌ ولـــــو ** طالَ المدى فالحقُّ حَقْ
نورُ الحقيقــةِ نافـــــذٌ ** لا يحجُبُ الغيمُ الشَّفَقْ
لنْ يُهملَ الظالمَ مهما ** طـــالَ بالظلْـــمِ الرمَــقْ
لن يتركَ المؤمـــنَ في ** هــــمًّ وغـــمٍ وأرقْ
جلَّ الحكيمُ بخلقِه ** في كــــلِّ ماجلَّ ودَقْ
فاللهُ يحفــظُ دينَـــه ** ويَخيبُ كـــــافرٌ أَبَقْ
إنّ معَ العُسرِ يُسراً، وإنّ مع الفجرِ نصرا ، ومهما طال البلاء فإنّ للكربِ انجلاء ، وعند تناهي الشدة يكون الفرج ، وعند تضايق البلاء يكون الرخاء ، والظُلْمةُ تحملُ في أحشائِها الفجرَ المنتظرْ ، فكان موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ، خرجوا من ديارهم حذر الموت ، وتحقق وعدٌ الله {لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ}، {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى} فالحمد لله الذي طهر ديار الإسلام من الظلمة الأدناس ، وأفرج للمظلومين من الأحباس ، ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ..
هِيَ الأيّــــَامُ والغِيــــَرُ ... وَأَمْرُ اللَّهِ مُنْتَظَرُ
أَتَيْأَسُ أَنْ تَرَى فَرَجًا ... فَأَيْنَ اللَّهُ وَالقَدَرُ؟
{إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، سبحانك{تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
رسالةٌ للناس أجمعين ، أن دين الإسلام مهيمن على الأديان «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الدِّينُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ »
فلا خوف على الإسلام، وإنما الخوف أن لا يلحق المرء بركب الإيمان ، فدينٌ الله قويٌ متين ، وحكمه عادل ورحمة لناس أجمعين ، ومهما تآمرت قوى الكفر وأعوانهم على طمس الإسلام وإضعاف المسلمين ، فإن أمرهم في سِفال، وكيدهم في تباب، والله متم نوره ولو كره الكافرون ، وما على المسلم إلا اليقين والعمل للدين..
لا يُرجِعُ الأَمجادَ إلا رجعة ٌ للهِ في سًّر وفي إعلانِ
فهو العزيزُ أَعزّنا بكتابِه لنقيمَ شرْعَ اللهِ في الأكوانِ
ويعمَّ نورُ اللهِ في أَرجائِها ويسودَ دينُ اللهِ في الأَديانِ
قال عليه الصلاة والسلام. «إِنَّ اللهَ تَعَالَى زَوَى لِي الْأَرْضَ، حَتَّى رَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأَعْطَانِي الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ»
قَالَ تَمِيمٌ الداري: «قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي قَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْخَيْرُ، وَالشَّرَفُ، وَالْعِزُّ، وَأَصَابَ مَنْ ثَبَتَ مِنْهُمْ عَلَى الْكُفْرِ الذُّلُّ، وَالصَّغَارُ، وَالْجِزْيَةُ» وصدق الله: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ}
من شرح الله صدره للإسلام استيقن بوعد الله ونصره ولو بعد حين {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}.
من شرح الله صدره للإسلام اطمئن بأَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ.
من شرح الله صدره للإسلام علم أن ما يصيب المسلمين إنما هو ابتلاء وتمحيص {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}.
من شرح الله صدره للإسلام لم يتكل على الأماني والتوقعات ، ولم يتشائم من الأحداث والتهويلات ، بل عمل لدينه وما يفتح الله عليه ، كلٌ بتخصصه ، ولا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها .. نشراً للعلم والفضيلة ، أمراً بالمعروفِ ونهيا عن المنكر، سعيا لقضاء حوائج المسلمين ، تيسيرا على عباد الله في معاملاتهم وارزاقهم ، تربية للأسر وثباتاً على الدين إماتةً للباطل.. انفقَ رجلٌ من برهِ من صاعِ تمرهِ من علْمِه ، من تعليمه، من تربيته، من رأيهِ ، دعائه ودعوته . من تعليمه من تربيته ، المسلم مطالب بالعمل إلى آخر رمق، حتى لو قامت الساعة وفي يده فسيلة فليغرسها.
فَلينطَلِقْ كُلُّ فَردٍ حَسْبَ طَاقَتِهِ يَدعُو إلَى اللهِ إخفَاءً وَإعلاناً
ولْنَترُك الَّلومَ لا نَجعلْهُ عُدَّتَنَا وَلْنَجعَل الفِعلَ بَعدَ اليَوم مِيزَانَا
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا }
أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه إن ربي رحيم ودود
الخطبة الثانية :
الحمدلله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتننا وعلى الله وسلم على عبده ورسوله وأله وأصحابه اما بعد .
قال ربنا عز وجل: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }.. عاش محمد r ثلاثا وستين سنة فلم يتم له النصر الأكبر والأكمل إلا قبل وفاته بعامين {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}
والصبر مع الإيمان يعقبه الظفر {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}
لا تيأسنَّ إذا الكروبُ ترادفت ** فلعلَهــــا ولعلَهــــا ولعلَهــــــا
واصبر فإن الصبرَ يُبلغك المُنى ** حتى ترى قهرَ العدوِ أقلَها
والزم تُقى اللهِ العظيمِ ففي التُقى ** عزُّ النفوسِ فلا يجامع ذلَها
وإن من علامات الإيمان الفرح بما يناله المسلمون من النصر والعزة والتمكين والفتح المبين والفرج عن الأسورين ، نعس النبي صلى الله عليه وسلم يوم بد ، ثم انتبه وقال: "أبشر يا أبا بكر، أتاك النصر، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، على ثنايا النقع".
اللهم أتم على المسلمين النصر والفتح والتمكين والتأييد ، اللهم من أراد بالمسلمين سوءً أو فتنةً أو فرقة فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واكف الاسلام والمسلمين شره
اللهم اكفنا والمسليمن شر الأعداء وأعذنا وإياهم من الفتن ماظهر منها وما بطن ..
اللهم آمنا في دورنا وبلادنا واصلح ولاة أمورنا ..
اللهم انصر المرابطين في سبيلك على ثغور بلادنا وبلاد المسلمين..
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد..
المرفقات
1734606970_{إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}.docx
1734606970_{إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}.pdf