إن الله يحكم ما يريد
عبدالرحمن اللهيبي
فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
أيها المسلمون: الحلال والحرام شَرعٌ الله المُنزّل، ووحْيٌه الذي أوحاه إلى نبيِّه ﷺ؛ وما أحله الله تعالى لعبادِه فبرحمته وفضلِه، وما حرَّمَه عليهم فبِعلمه وحكمتِه، وما أراد الله بذلك لعباده مشقتا ولا عنتا ولا حرجا (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) فأحل الله لعباده الطيبات وحرم عليهم الخبائث ، فكل خير وفلاح في اجتناب ما حرم الله والقبول والرضا بما شرع الله
إخوةَ الإسلام:
مَن عرَف أنّه عبدٌ لله ، وأن الله خلقه لِعبادتِه، وأَوجده في هذه الدنيا لِطاعتِه، فإنّ عليه أنْ يعلمَ أنّ صاحبَ الحقّ في التحليلِ والتحريم هو الله وحدَه، فلا أحدَ يَشْرَعُ غيرُه، قال الله تعالى ( إن الحكم إلا لله ) وقال جل في علاه ( إنّ الله يحكم ما يريد) وذلك لأنّ الذي يخلق هو الذي يحكم قال الله تعالى:ألَا لَهُ الخَلقُ والأمرُ تبارك اللهُ ربُّ العالمَين وهو سبحانه الذي يَعلمُ الطيّبَ مِن الخبيثِ، والحسنَ مِن القبيحِ، وهو الذي يَعلم ما يُصلِحُ العبادَ وما يُفسدُهم
قال جل في علاه: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ
وقال سبحانه: قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ
فَمَن آمن بأنّ الله تعالى هو الحكيمُ في أمرِه، وأنه العليمُ في شرعِه، سَلّمَ وآمَنَ أنّ حُكمَه في الحلال والحرام أحسنُ الأحكام، ومن أحسن من الله حكمًا لقومٍ يُوقِنون.
ومَن تأمّل شريعةَ الله وما فيها مِن أحكام الحلال والحرام، وَجَدَها في غايةِ الحُسنِ والجمال ، والكمال والجلال، ليس فيها خلل أو قُصُورٌ ، كيف وشريعته قد جاءت في كتاب لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ
وقد قال الله تعالى عن رسوله : يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ.
فالطيّباتُ والمباحات كثيرة لا حصر لها، والخبائثُ والمحرمات قليلة محصورة ، فإن الله قد أطلق في ذكر المباح لكثرته، وفصل في الحرام لقلته .. قال الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ.
وفي الحلال غنية عن الحرام إلا أن بعض العباد قد ضاق به المباح رغم سعته ، وخاض في الحرام رغم ضرره وضيقه
فعلى المسلم أن يُذعن ويستسلم لحكم الله ، فيعتقدَ تحريم ما حرّم الله، وحِلّ ما أحلّه الله
إخوة الإسلام: إن المسلمَ قد يقع في المعصيةِ فيفعل الحرامَ بدافع من هواه ، ولكن ليحذر من استباحته أو تبنيه والدعوة إلى نشره.. فإنه إذا فعل الإثم وهو يعتقدُ حُرمتَه، كمن يأكلُ الرّبا مع اعتقادِ تحريمه ، فهو مرتكبٌ لكبيرةٍ ومُستحقٌّ للعذاب، إلا أنه لم يخرجْ من الإسلام
ولكنه إن استباح الربا خرج من الإسلام ، فقد أجمع العلماء قديما وحديثا على أن من استحل المحرّمات المتّفَقِ على تحريمها وهو يعلم.. فقد خرج من الإسلام؛ وخَلَعَ رِبْقَةَ العبوديةِ مِن عُنُقِه، واستنكفَ أن يكونَ عبدًا لخالقِه، وجعلَ نفسَه مشاركا لله في حكمه - قال القاضي عياض رحمه الله: «أجمع المسلمون على تكفيرِ كلِّ مَن استحلَّ القتلَ أو شُربَ الخمرِ أو الزّنا ممّا حرم الله بعد علمه بتحريمه».
فاحذروا عبادَ اللهِ مِن معارضة الله في شرعه ومخاصمته في حكمه
وقولوا في كل صبح ومساء رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا
فمن قالَ : رَضيتُ باللَّهِ ربًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبِمُحمَّدٍ رسولًا، وجَبت لَهُ الجنَّةُ رواه أبو داود وهو صحيح
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا ، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا ) رواه مسلم
فإن من رضي بالله ربا ، رضي بحكمه وشرعه ، ومن رضي بمحمد نبيا ورسولا ، رضي بأمره ونهيه
ومن عارض الله في حكمه وشرعه لم يرض بالله ربا ، ومن استنكف عما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من أمره ونهيه لم يرض به نبيا ورسولا..
أقول قولي هذا ..
عبادَ الله: إنّ استحلالَ الحرامِ أو تحريمَ الحلالِ مِن أعظمِ الظلمِ والافتراءِ على الله، فالله يقول: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ * ))
ويقول جلّ في علاه: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ))
ومن اتَّبَعَ غيرَ اللهِ في التحليلِ والتحريمِ كائنا من كان، فقد اتخذه إلهاً مشرعا مع الله، فإن اليهود والنصارى اتّبعوا أحبارَهم ورهبانَهم في تبديل دين الله، فقال الله فيهم:اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ .
وقد سمعَ عَدِيُّ بنُ حاتمٍ الطائيّ لمّا كانَ نصرانيًّا النبيَّ ﷺ يقرأُ قولَه تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فقال: إنَّا لسنا نعبدُهم! فقال النبي ﷺ: «يُحَرِّمون ما أحلَّ الله فتحرّمون، ويُحلُّون ما حرَّم اللهُ فتستحِلُّون؟» قال: بلى، قال: «فتلكَ عبادتُهم».
فَمَن أراد السلامةَ لِنَفسِه، والثباتَ على دينِه، والممات على الإسلام والنجاة يوم القيامة، فلا يتخذ مشرعا وحَكَمَا غير الله، ولا يعبدُ أحدا سواه، ولا يتخذ إلهه هواه فيحل ما حرم الله ، ويحرم ما أحل الله، بل يذعن لحكمِ الله، ويستسلم لشرع الله.
ثم صلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه: اللهم صلّ وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المرفقات
1663885529_الحلال والحرام شرع الله.docx
ابوعثمان ابوعثمان
جزاكم الله خيرا
تعديل التعليق