" إني أحبه " من مشكاة النبوة ( 10 )

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} ..

أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة .

عباد الرحمن :  إليكم موقفا نبويا يرويه من شاهده ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : خَرَجْتُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في طَائِفَةٍ مِنَ النَّهَارِ، لا يُكَلِّمُنِي وَلَا أُكَلِّمُهُ، حتَّى جَاءَ سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، ثُمَّ انْصَرَفَ، حتَّى أَتَى خِبَاءَ فَاطِمَةَ فَقالَ: أَثَمَّ لُكَعُ؟ أَثَمَّ لُكَعُ؟ يَعْنِي حَسَنًا فَظَنَنَّا أنَّهُ إنَّما تَحْبِسُهُ أُمُّهُ لأَنْ تُغَسِّلَهُ وَتُلْبِسَهُ سِخَابًا، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ يَسْعَى، حتَّى اعْتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ منهما صَاحِبَهُ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُحِبُّهُ، فأحِبَّهُ وَأَحْبِبْ مَن يُحِبُّهُ."أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له ..

وفي لفظ للبخاري : خَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في طَائِفَةِ النَّهَارِ، لا يُكَلِّمُنِي ولَا أُكَلِّمُهُ، حتَّى أتَى سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَجَلَسَ بفِنَاءِ بَيْتِ فَاطِمَةَ، فَقالَ أثَمَّ لُكَعُ، أثَمَّ لُكَعُ فَحَبَسَتْهُ شيئًا، فَظَنَنْتُ أنَّهَا تُلْبِسُهُ سِخَابًا، أوْ تُغَسِّلُهُ، فَجَاءَ يَشْتَدُّ حتَّى عَانَقَهُ، وقَبَّلَهُ وقالَ: اللَّهُمَّ أحْبِبْهُ وأَحِبَّ مَن يُحِبُّهُ "

إخوة الإيمان : وثمّة نسمات من عبير هذا الموقف :

أولا : الإعلانُ بالحبِ من خلالِ الدَفْقِ العاطفيِ الغامر الذي أغدقه النبيُ صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ابنه الحسن بن علي رضي الله عنهما في مشهدٍ رائعٍ من مشاهدِ جمالِ المشاعرِ المحمدية ، فكان الترحيبُ ببسط اليدين ، ثم العناق ، ثم التقبيل ثم سكب هذا الحب معلنًا في مسامعه " اللَّهُمَّ إنِّي أُحِبُّهُ " ، ثم الدعاء أن يرفع له الحب في الملأ الأعلى ، وأن يوضع له الحب بين الخلق " فأحِبَّهُ وَأَحْبِبْ مَن يُحِبُّهُ ".

 معشر الكرام: إن جمود الآباء في التعبير عن هذه المشاعر وتقصيرهم في إشباع هذه العواطف يُبْقِي مساحة مجدبة في نفوس الأبناء !

ثانيا : وَقَفَ النبيُ صلى الله عليه وسلم ببابِ فاطمةَ رضي الله عنها ولم يدخل ، وإنما دعا بحاجته وهو ابنه الحسن ،ولذلك وقْعه الجميل في نفْس فاطمة التي ترى من خلال هذا المشهد مكانةَ ابنها عند أبيها .

إن الحفاوة بالأبناء حفاوة بآبائهم وأمهاتهم ، وطريق مختصرة في إدخال السرور عليهم .

ثالثا : مجيء الصبي مسرعا يشتد مادّاً ذراعيه إلى جدّه صلى الله عليه وسلم يدلُ على خلفية طويلة في بناء العلاقة العاطفية ، ولك أن تتصور أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرة قَطَعَ خطبته لما رآه مع أخيه الحسين ثم أقبل عليهما وحملهما بين يديه وهو يقول  {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ }التغابن 15

رأيتهما فلم أصبر " ثم أتم خطبته ، وهو الذي في موقف آخر صلى بالناس فسجد سجودا طويلا فلما قضى صلاته سألوه فقال :" إن ابني ارتحلني –أي أن الحسن ركب ظهره وهو ساجد – فكرهت أن أُعَجِّله حتى يقضي حاجته ".

ومن الوقفات : العناية بتنظيف الصغار ولا سيما عند ملاقاة الكبار قال الرواي : (فَحَبَسَتْه شَيْئًا)، أي: إنَّ فاطمةَ رضيَ اللهُ عنْها منعَت الصَّغيرَ من المُبادَرةِ إلى الخُروجِ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قليلًا؛ وظنَّ أبو هُريرةَ أنَّ سببَ تأْخيرِهِ في الخُروجِ أنَّ فاطمةَ رضيَ اللهُ عنها تُلبِسُه سِخَابًا أو تُغَسِّلُه، و"السِّخابُ": قِلادةٌ من القَرَنْفُلِ والمِسْكِ والعُودِ ونحوِها مِن أَخلاطِ الطِّيبِ يُعمَلُ على هَيئةِ السُّبْحةِ ويُجعَلُ قِلادةً للصِّبيانِ والجَواري.

نفعني الله وإياكم بالكتاب والسنة وبما فيهما من الهدى والحكمة واستغفروا الله إنه كان غفارا

الحمد لله القائل {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107 صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أما بعد : فمن الوقفات مع الخبر النبوي السابق :

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل أبناء بنته بهذا الحنان الغامر والحب الظاهر وينادي أسباطه بالأبوة فيقول عن الحسن والحسين " هذان ابناي وابنا بنتي " و قال عن الحسن " إن ابني هذا سيد " في حين كانت أحياء من العرب تزدري البنت وتجفو بنيها ويقولون :

بنونا بنو أبنائِنا وبناتُنا  *** بنوهُنّ أبنـاءُ الرجالِ الأباعدِ

فكان عليه الصلاة والسلام يرد بهديه ذلك الناسَ إلى الفطرة السوية في التعامل وإلى العدل في العواطف والمشاعر .

ومن الوقفات : أن حبَّ النبيِ صلى الله عليه وسلم لأحفادهِ ودعاؤه لـمَن أحبهم أثره في حياة الصحابة رضي الله عنهم ، فهذا أبو هريرة رضي الله عنه يقول : " فما كان أحد أحب إلى من الحسن بن علي " ، وهذا أبو بكر رضي الله عنه يخرج من المسجد بعد أن ولي الخلافة فيرى الحسنَ يلعب مع الصبيان فيُقبِل إليه ويحتمله على عاتقه وهو ينشد : وا بأبي، شِبْهُ النبي ، ليس شبيها بعلي

وعلي يمشي إلى جانبه ويضحك مسرورا بصنيع أبي بكر رضي الله عنهما .

ومن الوقفات : أن حقوق الأسرة تأخذ حيّزها الكامل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم  .

ختاما : اللهم إنا نحب ابني نبيك صلى الله عليه وسلم حَسَنا وحسينا ونسألك أن ترزقنا بحبهما حبك يا ذا الجلال والإكرام ..

ثم صلوا وسلموا ...

المشاهدات 557 | التعليقات 0