إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ
مبارك العشوان 1
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيْهِ، وَنَعُوْذُ بِهِ تَعَالَى مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
عِبَادَ اللهِ: سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ رَبِّنَا جَلَّ وَعَلَا، وَجِيزَةٌ ألْفَاظُهَا، غَزِيرَةٌ مَعَانِيْهَا، خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً فِي أَرْبَعِ آيَاتٍ؛ تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ؛ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ } يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ، جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلمَ: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( احْشُدُوا، فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَرَأَ : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }، ثُمَّ دَخَلَ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: إِنِّي أُرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنَ السَّمَاءِ فَذَاكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، أَلَا إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ )
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: ( أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ؟ قَالُوا: وَكَيْفَ يَقْرَأْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ؟ قَالَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ) وَفِي حَـدِيثٍ آخَرَ: ( إِنَّ اللَّهَ جَزَّأَ الْقُرْآنَ ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ، فَجَعَلَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ. ) وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ.
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَن ِالرَّحِيـمِ: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }. سُورَةُ الإِخْلَاصِ؛ سُورَةٌ عَظِيمَةٌ فِي فَضَائِلِهَا عَظِيمَةٌ فِيمَا تَضَمَّنَتْ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَصِفَاتِهِ.
وَفِي البُخَارِيِّ أَنَّ أَحَدَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ كَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلاَتِهِ، فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، وَلَمَّا سَأَلُوهُ قَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسَلمَ: ( أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ ) .
وَسَمِعَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) قَالَ: فَقَالَ: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِه الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ) أَخْرَجَهُ أبَوُ دَاودَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ. يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: فَأَخْبَرَ أَنَّ هَذَا هُوَ الِاسْمَ الأَعْظَمَ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ وَالتَّوْحِيدِ، وَلِمَحَبَّةِ الرَّبِّ تَعَالَى لِذَلِكَ أَجَابَ مَنْ دَعَا بِهِ.
عِبَادَ اللهِ: تُشْرَعُ قِرَاءَةُ هَذِهِ السُّورَةَ فِي مَوَاطِنَ: فَتُقْرَأُ مَعَ المُعَوِّذَتَينِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ صَبَاحًا وَمَسَاءً، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيءٍ ) أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني.
وَتُقْرَأُ هَذِهِ السُّوَرُ الثَّلَاثُ عِنْدَ النَّوْمِ؛ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا، فَقَرَأَ فِيهِمَا: { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ }، وَ{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ }، وَ{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.
وَتُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ سُورَةِ الإِخْلَاصِ مَعَ سُورَةِ الكَافِرُونَ فِي رَاتِبَةِ الفَجْرِ، وَرَاتِبَةِ المَغْرِبِ وَرَكْعَتَيِ الطَّوَافِ؛ يَقْرَأُ الكَافِرُونَ بَعْدَ فَاتِحَةِ الأُولَى، وَالإِخْلَاصَ بَعْدَ فَاتِحَةِ الثَّانِيَةِ.
وَفِي الوِتْرِ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ؛ يَقْرَأُ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ، وَفِي الثَّالِثَةِ: ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ).
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ ...وَأقُولُ مَا تَسْمَعُونَ... وأسْتَغْفِرُ اللهَ...
الخطبة الثانية :
الْحَمْدُ للَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعْدُ:
فَأَكْثِرُوا رَحِمَكُمُ اللهُ مِنْ قِرَاءَةِ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَكْثِرُوا مِنْ قِرَاءَةِ هَذِهِ السُّورَةِ، اقْرَأُوا فِي تَفْسِيرِهَا، تَدَبَّرُوا مَعَانِيْهَا، وَتَدَارَسُوهَا، تَيَقَّنُوا وَالْزَمُوا مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ تَوحِيدِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَاحْذَرُوا أَشَدَّ الحَذَرِ مَا يُنَاقِضُ التَّوحِيدَ أَوْ يُنْقِصُهُ.
عِبَادَ اللهِ: وَهَذَا تَفْسِيرُ هَذِهِ السُّورَة مِنْ تَفْسِيرِ الإِمَامِ السَّعْدِيِّ رَحِمَهُ اللهُ: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } أَيْ { قُلْ } قَولًا جَازِمًا بِهِ، مُعْتَقِدًا لَهُ، عَارِفًا بِمَعْنَاهُ، { هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } أَيْ: قَدِ اِنْحَصَرَتْ فِيهِ الْأَحَدِيَّةُ، فَهُوَ الْأَحَدُ المُنْفَرِدُ بِالكَمَالِ، الَّذِي لَهُ الْأَسْمَاءُ الحُسْنَى، وَالصِّفَاتُ الكَامِلَةُ العُلْيَا، وَالأَفْعَالُ المُقَدَّسَةُ، الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا مَثِيل.
{ اللَّهُ الصَّمَدُ } أَيْ: المَقْصُودُ فِي جَمِيعِ الحَوَائِجِ؛ فَأَهْلُ العَالَمِ العُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ مُفْتَقِرُونَ إِلَيهِ غَايَةَ الِافْتِقَارِ، يَسْأَلُونَهُ حَوَائِجَهُمْ، وَيَرْغَبُونَ إِلَيهِ فِي مُهِمَّاتِهِمْ، لِأَنَّهُ الكَامِلُ فِي أَوْصَافِهِ، العَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عِلْمِهِ، الحَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِلْمِهِ، الرَّحِيمُ الَّذِي كَمُلَ فِي رَحْمَتِهِ الَّذِي وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيءِ، وَهَكَذَا سِائِرُ أَوْصَافِهِ، وَمِنْ كَمَالِهِ أَنَّهُ { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } لِكَمَالِ غِنَاهُ { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } لَا فِي أَسْمَائِهِ وَلَا فِي أَوْصَافِهِ، وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
فَهَذِهِ السُّورَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى تَوحِيدِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ. أ هـ .
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } الأحزاب 56 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيْكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ وَاجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُم وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.