إنها النار

ابو احمد
1434/07/13 - 2013/05/23 10:04AM
الخطبة الاولى
أما بعد : عباد الله.
ساءت أحوال كثيرٍ من الناس ، وقلَّ أدبهم مع ربِّ الناس
فكثرت المعاصي والمنكرات.. وأكل الربا وتهاون الكثير في الزنا
وكثُر المستهزئين بالدين وأهله وهُجرت المساجد،واستُهين بالصلوات..
وما ذاك إلا لأنهم غفلوا عن عذاب الجبَّار جلَّ جلاله ..
فكان لا بدّّ من التذكير بطرف من أخبار النار وأهلها ..
علها تخشع القلوب،ويرتدع العاصي ويتوب،ويقلع الناس عن المعاصي والذنوب .. عباد الله ..
النار موعد المجرمين المكذبين ، والمعاندين ، والمستهزئين ..
كما قال الله : { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ، لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ }
قال الله : { وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ }
سيشاهدها الجميع،وسيؤتى بها على مرأى ومسمع من الخلائق أجمعين..
في ذلك اليوم الذي سيجمع الله فيه الأولين والآخرين { ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ }
سيشهد الناس قدوم جهنم،وسيرونها عياناً، وسيسمعون تغيظها وزفيرها
قال الله { إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ، وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً ، لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً } .
قال رسول الله :( يؤتي بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها )
لو تركت على أهل المحشر عباد الله ..لأتت على برهم وفاجرهم ..
فإذا نظَرَت إلى أهل المعاصي ثارت ،وفارت ،وتفلتت من الملائكة الذين يسحبونها تنادي وتقول غاضبة لغضب ربها :
لأنتقمنَّ اليوم ممن خلقته وعبد سواك ..
لأنتقمنَّ اليوم ممن أكل رزقك وعصاك ..
لأنتقمنَّ اليوم ممن أسبغت عليه نعمك ونساك ..
ستزفر زفرة فتصيح الخلائق بأعلى صوتها : يالله
ثم تزفر زفرة ثانية فتجثو الأمم على ركبها ..
ثم تزفر ثالثة فتتساقط الخلائق على وجوهها ..
ثم تتابع المشاهد والأهوال في ذلك المنظر ، وفي ذلك اليوم العظيم فيفر الناس إلى آدم ، وإلى نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسىعليهم السلام ، وكلهم ينادي : نفسي نفسي لا أسألك غيرها .. نفسي نفسي لا أسألك غيرها ..
ثم يأذن الجبَّار بفصل القضاء بعد شفاعة الحبيب ، فينادي الجبَّار جلَّ جلاله : يا آدم .. يا آدم _ على مسمع من الخلق أجمعين _ يا آدم أخرج بعث النار ..
فيقول :يا ربي لبيك وسعديك ، وما بعث النار ؟!.
قال من كل ألف أراه قال تسعمئة وتِسعَةً وتسعون إلى النار فحينها{ تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ })
عندها والله ..تعظم الخطوب..
وتظهر القبائح والعيوب..ويندم أهل المعاصي والذنوب ..
عباد الله ..مهما قلنا ، ومهما وصفنا ، فلن يبلغ العقل معرفة اتساعها
إنها مَحرقة هائلة..دركات بعضها فوق بعض..
تُلقى فيها النجوم والشموس كما تلقى الأحجار الصغيرة في البئر العظيمة..وتتضخم أجساد أهلها فعند مسلم قال : ( ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد ، وغِلَظ جلده مسيرة ثلاثة أيام ). وعند الترمذي قال : (إنَّ مجلس الكافر من جهنم كما بين مكة والمدينة ) .فيها جبال من نار ، وكهوف ، وتهاويل ..فيها أنهار من قيح وصديد ..فيها حياتٌ كأمثال أعناق البخت ، وعقاربٌ كأمثال البغال يسري سمها في أجسام أهل النار يعمل عمل النار
فيا ويل من هذا حاله ..ويا خيبة من هذا مآله ..
اسمع وقل: اللهم سلم سلم.. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينما نحن جلوس عند النبي في المسجد مع أصحابه قال :( لو كان في هذا المسجد مئةَ ألفٍ أو يزيدون وفيهم رجل من أهل النار فتنفس فأصابهم نَفَسه لاحترق المسجد ومن فيه)
اسمع يا صاحب القلب ،اسمع يا صاحب الضمير الحي،اسمع يا رعاك الله ....فإذا قضى الله بين العباد ، وحكم على عبد من عباده بالنار بعد أن قرره بذنوبه ثم نادى الجبار :يا ملائكتي خذوه ، ومن عذابي أذيقوه ، فلقد اشتدَّ غضبي على من قلَّ حياؤه معي ،فيقول سبحانه { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ،ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ }
قال المفسرون : فيبتدره سبعون ألفاً منهم – أي من الزبانية – فيسوقونه سحباً ودفعاً إلى وسط الجحيم ، فيأتيه ملك من ملائكة النار فيضربه بمقمعة من حديد فتفتح دماغه ، ثم يصب الحميم على رأسه ، فينزل في بدنه فيسلت ما في بطنه من أمعائه حتى تمرق من كعبيه،ثم يقال له على وجه التهكم والتوبيخ { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ }.. قال ابن عباس : أي لست بعزيز ولا كريم .
هناك في قعر جهنم ليس لهم من طعام إلا الضريع الذي { لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ } ليس لهم إلا القيح والصديد ،وليس لهم شراب إلا من حميم..وليت الحال ينتهي عند القيح ، والصديد ، والشراب ، والطعام الذي لا يستساغ.. ليت الأمر ينتهي على طعام وشراب..
بل تعذيب جسدي أيضاً لا يستساغ ولا يطاق..فتُشوى وجوههم في النار ، كلما نضجت تلك الجلود بدلوا غيرها ، فتحرق النار صدورهم حتى تبلغ قلوبهم كما قال الله : { نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ، الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ }أي التي يدخل لهيبها إلى الفؤاد ، فتوضع أحجار نارية على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج الحجر من ظهره ، ويوضع فوق ظهره حتى يخرج من صدره .وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم كانوا يظلمون..
ضيعوا الصلوات.. وانغمسوا في المحرمات..
وتكبروا على أوامر ربّ الأرض والسماوات..
فاليوم يجزون عذاب الهون بما كانوا يفسقون ..
ليس لهم مأوىً ، ولا مآل ، ولا مصير إلا النار ..
تحيط بهم ، وتأتيهم من كل مكان ..
كيف لو سمعت صراخهم وعويلهم وهم لا يسمعون ولا يبصرون ..
يناديهم أصحاب الجنة وهم على تلك الحال من الذل ، والعذاب ، والهوان فيقولون لهم ما أخبر الله : { أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } كلما دخلت أمة إلى النار لعنت أختها ..يتسابون ، ويتلاعنون ، ويتلاومون ، وكلهم في العذاب خالدون ..
يشمت بهم الشيطان ويتبرأ منهم قائلاً لهم : { إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم }..
فلن ينفعكم حينها ندم ولا حسرات .. وحتى اذا قالوا{ربنا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ }..
لا يسمع كلامهم ، ولا يجاب دعاءهم ، ولا يرحمون ..
إنها النار.. يا عباد الله ..إنها النار .. يا عباد الله ..
دار الذل والهوان،دار العذاب والخذلان،دار الشقاء والبكاء..
تجري دموعهم في نار جهنم بحاراً وأنهاراً ولن ينفعهم البكاء { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ }
نريد أن نحافظ على الصلوات ..نريد أن نشهد الجمع والجماعات ..ولكن هيهات ..هيهات ..وبعد كل هذا تتقزم أمانيهم الى أمنية واحدة ،أمنية واحدة فقط (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) يريدون الموت والفناء لما قاسوا من حر العذاب فلاحول ولاقوة الا بالله ، من يريد هذا المصير ومن يرضى ان يكون هذا مستقبله!!!!!!!! قال ابن القيم في "الجواب الكافي"
"وكثير من الجهال اعتمدوا علىرحمة الله وعفوه وكرمه وضيعوا أمره ونهيه ونسوا أنه شديد العقاب وأنه لا يرد بأسهعن القوم المجرمين . ومن اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب فهو كالمعاند ."
وقيل للحسن : نراك طويل البكاء ! فقال : أخاف أن يطرحني في النار ولا يبالي
وكان يقول : إن قوما ألهتهم أمانيالمغفرة حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة ، يقول أحدهم : إني لأحسن الظن بربي ، وكذب، لو أحسن الظن لأحسن العمل .
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم و بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له تعظيماً لشأنه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه
اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه ..
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله : ( إذا دخل أهل الجنة الجنة ودخل أهل النار النار جيء بالموت على صورة كبش أقرن أملح بين الجنة والنار ..
ثم يُنادى : يا أهل الجنة تعرفون هذا ؟!.
فيشرئبون فينظرون يقولون : نعم نعرفه ، هذا الموت ..
ثم يُنادى بأهل النار : يا أهل النار تعرفون هذا ؟!.
فيشرئبون فينظرون ويقولون : نعم نعرفه ، إنه الموت ..
قال فيؤمر به فيذبح بين الجنة والنار..
ثم يُنادى : يا أهل الجنة خلود فلا موت..
ويا أهل النار : خلود فلا موت ..
ثم قرأ صلى الله عليه وسلم : { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ، إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ }
وقال الله واصفاً آخر أحوالهم : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ، وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } .
فيا ويل من هذه الدار داره..
ألا أنها نار { وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ }
ألا فليستحي العبد من ربه ..
أن تكون نعم الله عليه نازلة في كل الحالات ..
ومعاصيه إلى ربه صاعدة في كل الأوقات ..
عباد الله أنَّ الله يمهل ولا يهمل ، وأنه متى أخذ العصاة فإن أخذه أخذ عزيز مقتدر ..
فيا الله يا من أمات وأحيا ، وأقصى وأدنى ، وأسعد وأشقى ، وأضل وهدى ، وأفقر وأغنى ، وأبلى وعافى ، وأضحك وأبكى ، وقدّر وقضى
يا من لا يقصد إلا بابك ، ولا يتوجه إلا لجنابك..
أنت العلي العظيم الذي لا حول ولا قوة لنا إلا بك..
يا من لا ملجأ منه إلا إليه ، يا من يجير ولا يجار عليه..
أمرت ونهيت ، وحكمت وقضيت ، فلا راد لفضلك ولا معقب لحكمك..
تحيا قلوب العارفين بذكركم
وقع النداء ألست بركم ؟!


والجاهلون قلوبهم أموات
قلنا : بلى وأجابت الذرات



يا الله يا أرحم الراحمين .. يا حي يا قيوم .. ياعلي يا عظيم ..يا ذا الجلال والإكرام ..أنت الله.. أنت الرحمن الرحيم ..
خلقتنا رحمة من غير حاجة لنا ، ورزقتنا وكفيتنا وآويتنا وتكفلت بأرزاقنا وآجالنا منَّاً وكرماً منك ..اللهم فأحينا مسلمين،وتوفنا مسلمين،وألحقنا بالصالحين لا مغيرين ولامبدلين ولا خزايا ولا مفتونين
نسألك اللهم حبك ، وحب من يحبك ، وحب عملٍ يقربنا إلى حبك يا ربَّ العالمين ..
اللهم أعتق رقابنا ورقاب والدينا وأهلينا والمسلمين من النار يا عزيز يا غفار..اللهم أجرنا من النار .. اللهم أجرنا من النار .. اللهم أجرنا من النار ،ياحي يا قيوم برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ..اللهم قنا شرور أنفسنا وسيئآت أعمالنا ..
اللهم رحمتك نرجو.. اللهم رحمتك نرجو ..فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ..
المشاهدات 6246 | التعليقات 4

اللهم أجرنا من النار
خطبة قوية ومؤثرة
جزاك الله خير الجزاء


بوركت ..


الشيخ أبو أحمد بورك فيك وجزيت خيرا على خطبتك القيمة
ونود أن نقول إذا كانت الخطبة من خطبك وصياغتك فلماذا لا تعدل اسمك من صديق الخطباء إلى خطيب أو تطلب تعديل ذلك ؟؟


خطبة جيّدة و مؤثّرةٌ حقًّا ، وهي مثالٌ على حُسن توظيفِ نَفَسِ التأثير ( خط الترهيب ) .
وشكرًا على إتقان الاقتباس و توظيفه ، وحاول أستاذي ترك بصماتك أكثر في الاقتباس ، فأصل هذه الخطبة محاضرة للأستاذ خالد الراشد حفظه الله ، فلك الشكر مرّةً أخرى ولا تحرمنا من إبداعاتك .