إِنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأولَى
عايد القزلان التميمي
1445/11/25 - 2024/06/02 18:22PM
الحمد لله الصبور الشكور، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واهب النعم، احمد تعالى واشكره واثنى عليه الخير كله، واشهد ان محمدا عبده وسوله اوصاه ربه بالصبر
فقال: { واصبر وما صبرك الا بالله } . اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ))
أيها المؤمنون : فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنهقَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَال: اتَّقِي الله وَاصْبِرِي فَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنِّكَ لَمْ تُصَبْ بمُصِيبتي، وَلَمْ تعْرفْهُ، فَقيلَ لَها: إِنَّه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَأَتتْ بَابَ النَّبِّي صلى الله عليه وسلم، فلَمْ تَجِد عِنْدَهُ بَوَّابينَ، فَقالتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فقالَ: إِنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأولَى متفقٌ عَلَيهِ. وفي هذا الحديث أنَّه لَمَّا مرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على هذه المرأةِ ووجَدَها تَبْكي على القَبرِ لِفقْدِ أحدِ أحبَّائِها، وفي روايةِ مُسلِمٍ: «تبكي على صبيٍّ لها»؛ قال لها ناصحًا: «اتَّقِي اللهَ واصْبِري»، أي: لا تَجزَعِي الجَزَعَ الذى يُحبِطُ الأجرَ، واسْتشعِري الصَّبْرَ على المُصيبةِ بما وعَدَ اللهُ على ذلك؛ ليحصُلَ لك الثَّوابُ،
وأخبرها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ الصَّبرَ المحمودَ الذي يُؤجَرُ عليه الإنسانُ يكونُ عندَ صَدمةِ المُصيبةِ الأُولَى وبِدايتِها؛ لأنَّه هو الذي يَشُقُّ ويَعظُمُ تَحمُّلُه ومُجاهدةُ النَّفْسِ عليه،
وأمَّا بعْدَ الصَّدمةِ الأُولى ومُرورِ الأيامِ فكلُّ أحدٍ يَصبِرُ ويَنسَى المُصيبةَ.
عباد الله إن المصائب أمر لا بد منه، من منّا لم تنزل به مصيبة أو يتعرض لمشكلة؟! أو يفقد حبيبًا أو يخسر تجارة أو يتألم لمرض ونحوه؟!
ولذلك أمرنا الله بالصبر فقال سبحانه: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )) ثم أخبر مؤكِّدًا أنّ الحياة محل الابتلاء بالخوف والجوع ونقص الأرزاق والأموال والأنفس والثمرات، وبَشَّرَ اللهُ الصابرين، وأخبر عن حَالِهِم عِند المصائب، وأثبت جزاءهم، فقال: (( وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )).
عباد الله ومما يعين على الصبر على المصائب الإيمان بالقضاء والقدر: من آمن بالقضاء والقدر وعلم أنّ الدنيا دار ابتلاء وخطر وأنّ القدر لا يُردّ ولا يؤجَّل اطمأنت نفسه وهان أمره. ومن المشاهَد المعلوم أنّ المؤمنين هم أقلّ الناس تأثُّرًا بمصائب الدنيا، لأنهم مؤمنون بما أخبرهم به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: ((وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا
بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ) ، رواه الترمذي وصححه الألباني
وقال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم (( عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ))
وفي صحيح مسلم كذلك قال عليه الصلاة والسلام: ((ما مِن مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فيَقولُ ما أمَرَهُ اللَّهُ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} اللَّهُمَّ أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي، وأَخْلِفْ لي خَيْرًا مِنْها، إلَّا أخْلَفَ اللَّهُ له خَيْرًا مِنْها)
وتذكَّروا ما أعدّه الله للمبتلَين الصابرين من الأجر والثواب وتكفير السيئات ورفعة الدرجات وحسن الخلف والعوض، فأمّا الأجر والثواب فلا أحسن ولا أعظم من الجنة جزاءً وثوابًا،
وقد وعِد بها كثير من الصابرين، فوُعِدت بها تلك المرأة التي كانت تُصرع إذا ما صبرت، ووُعِد بها الذي فقد بصره، فقال عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ اللَّهَ قالَ: إذا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بحَبِيبَتَيْهِ، فَصَبَرَ؛ عَوَّضْتُهُ منهما الجَنَّةَ. يُرِيدُ عَيْنَيْهِ)) رواه البخاري.
ووُعِد بالجنة الذي فقد ولدًا قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات ولدٌ لعبدٍ قال اللهُ عزَّ وجلَّ لملائكتِه قبضتم ولدَ عبدي فيقولون نعم فيقولُ قبضتم ثمرةَ فؤادِه فيقولون نعم فيقولُ ماذا قال عبدي فيقولون حمَدك واسترجع فيقولُ ابنُوا لعبدي بيتًا في الجنَّةِ وسمُّوه بيتَ الحمدِ)) رواه الترمذي وصححه الألباني.
اللهم ألهمنا الصبر والشكر، واجعلنا من عبادك الصابرين. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، أمرنا بالاستعانة بالصبر والصلاة، على مشاق الحياة، وأخبر أنها كبيرة إلا على الخاشعين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله واصحابه ومن تبعهم باحسانه.
أما بعد: فيا أيها المسلمون، ومما يعين أيضًا على الصبر عند المصائب ترك الجَزع والتَشَكِّي وقد قال الله تعالى (( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ))
وقال سبحانه (( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ))
وتذكَّروا أنّ الجزع لا يردّ الفائت قال عَليُّ بنُ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه للأشعَثِ بنِ قَيسٍ: (إنَّك إن صَبَرتَ جَرى عليك القَلمُ وأنت مَأجورٌ، وإن جَزِعتَ جَرى عليك القَلمُ وأنتَ مَأزورٌ)
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ....
المرفقات
1717341773_إِنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأولَى.pdf