إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا 1443/9/7هـ

يوسف العوض
1443/09/04 - 2022/04/05 12:16PM

 :اَلْخُطْبَةُ اَلْأولَى    

 

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: حَانَتْ اَللَّحْظَةُ اَلْحَاسِمَةُ ، وَبَدَأَتْ مَلَامِحُ اَلْبَعْثَةِ تَتَّضِحُ ، وَكَانَ اَلْوَحْيُ أَوَّلَ اَلطَّرِيقِ ، فَكَيْفَ بَدَأَ اَلْأَمْرُ ، وَكَيفَ كَانَ ذَلِكَ !؟أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: لِمَا بَلَغَ عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سِنِّ اَلْكَمَالِ وَهِيَ أَرْبَعُونَ سَنَةً أَرْسَلَهُ اَللَّهُ لِلْعَالَمِينَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا لِيُخْرِجَهُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ اَلْجَهَالَةِ إِلَى نُورِ اَلْعَلَمِ … وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ في "610" مِنْ اَلْمِيلَادِ وكَانَ يُوَافِقُ "17" من رَمَضَانْ سَنَةَ "13" قَبْلَ اَلْهِجْرَةِ ، وَأَوَّلُ مَا بُِدْىِءْ بِهِ اَلْوَحْيُ اَلرُّؤْيَا اَلصَّادِقَةُ ، فَكَانَ لَا يَرَى رُّؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ اَلصُّبْحِ ، وَذَلِكَ لِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ اَللَّهِ فِي خَلْقِهِ مِنْ اَلتَّدْرِيجِ فِي اَلْأُمُورِ كُلِّهَا حَتَّى تَصِلَ إِلَى دَرَجَةِ اَلْكَمَالِ ، وَمِنْ اَلصَّعْبِ جِدًّا عَلَى اَلْبَشَرِ تَلَقِّيَ اَلْوَحْيِ مِنْ اَلْمُلْكِ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ ، ثُمَّ حُبَّبَ إِلَيْهِ عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اَلْخَلَاءُ ، لِيَبْتَعِدَ عَنْ ظُلُمَاتِ هَذَا اَلْعَالَمِ وَيَنْقَطِعَ عَنْ اَلْخَلْقِ إِلَى اَللَّهِ فَإِنَّ فِي اَلْعُزْلَةِ صَفَاءُ اَلسَّرِيرَةِ . أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءِ فَيَتَعَبَّدُ فِيهِ اَللَّيَالِي ذَوَاتِ اَلْعَدَدِ ، فَتَارَةً عَشْرًا ، وَتَارَةً أَكْثَرَ إِلَى شَهْرٍ ، وَكَانَتْ عِبَادَتُهُ عَلَى دِينِ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ وَيَأْخُذُ لِذَلِكَ زَادَهْ ، فَإِذَا فَرَغَ رَجَعَ إِلَى خَدِيجَة فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى جَاءَهُ اَلْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءِ ، فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ فِي بَعْضِ اَلْأَيَّامِ عَلَى اَلْجَبَلِ إِذْ ظَهَرَ لَهُ شَخْصٌ ، وَقَالَ : أَبْشِرْ يَا مُحَمَّدُ أَنَا جِبْرِيلُ ، وَأَنْتَ رَسُولُ اَللَّهِ إِلَى هَذِهِ اَلْأُمَّةِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : اِقْرَأْ ، قَالَ : مَا أَنَا بَقَارَئٍ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُمِّيٌّ لَمْ يَتَعَلَّمْ اَلْقِرَاءَةَ قَبْلاً فَأَخَذَهُ فَغَطَّهُ بِالنَّمَطِ اَلَّذِي كَانَ يَنَامُ عَلَيْهِ حَتَّى بَلَغَ مِنْهُ اَلْجُهْدُ ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ ، فَقَالَ : اِقْرَأْ . قَالَ : مَا أَنَا بَقَارَئٍ ، فَأَخَذَهُ فَغَطَّهُ ثَانِيَةً ثُمَّ أَرْسَلَهُ ، فَقَالَ : اِقْرَأْ . قَالَ : مَا أَنَا بَقَارَئٍ ، فَأَخَذَهُ فَغَطَّهُ اَلثَّالِثَةَ ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَقَالَ : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ( 1 ) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ( 2 ) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ( 3 ) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ( 4 ) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } [ اَلْعَلَقَ : 1 - 5 ] فَرَجَعَ بِهَا عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ ، مِمَّا أَلَمَّ بِهِ مِنْ اَلرَّوْعِ اَلَّذِي اِسْتَلْزَمَتْهُ مُقَابَلَةُ اَلْمُلْكِ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ زَوْجَه ، فَقَالَ : « زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي » ، لِتَزُولَ عَنْهُ هَذِهِ اَلْقَشَعْرِيرَةُ ، فَزْمَّلُوَهْ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ اَلرَّوْعُ ، فَقَالَ لِخَدِيجَة وَأَخْبَرَهَا اَلْخَبَرَ : « لَقَدْ خَشِيَتُ عَلَى نَفْسِي »  لِأَنَّ اَلْمَلِكَ غَطَّهُ حَتَّى كَادَ يَمُوتُ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِلْمٌ قَبْلَ ذَلِكَ بِجِبْرِيلَ وَلَا بِشَكْلِهِ ، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ : كَلَّا وَاَللَّهُ مَا يُخْزِيكَ اَللَّهُ أَبَدًا ، إِنَّكَ لِتَصِلُ اَلرَّحِمَ ، وَتَحْمِلُ اَلْكَلَّ ، وَتَكْسِبُ اَلْمَعْدُومَ ، وَتُقِرِّيْ اَلضَّيْفَ ، وَتُعَينُ عَلَى نَوَائِبِ اَلْحَقِّ فَلَا يُسَلِّطُ اَللهُ عَلَيْكَ اَلشَّيَاطِينَ وَالْأَوْهَامَ ، وَلَا مِرَاء أَنَّ اَللَّهَ اِخْتَارَكَ لِهِدَايَةِ قَوْمِكَ .  أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: وَلْتَتَأَكَّدَ خَدِيجَةُ مِمَّا ظَنَّتْهُ أَرَادَتْ أَنْ تَتَثَبَّتْ مِمَّنْ لَهُمْ عِلْمٌ بِحَالِ اَلرُّسُلِ ، مِمَّنْ اِطَّلَعُوا عَلَى كُتُبِ اَلْأَقْدَمِينَ ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ وَرَقَةَ بْنَ نُوفَلَ اِبْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ ، وَكَانَ اِمْرَأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَ يَكْتُبُ اَلْكِتَابَ اَلْعِبْرَانِيَّ ، فَيَكْتُبُ مِنْ اَلْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اَللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمْي ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ : يَا اِبْن عَمٍّ ! اِسْمَعْ مِنْ اِبْنِ أَخِيكَ ، فَقَالَ : يَا اِبْن أَخِي مَاذَا تَرَى ؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اَللَّهِ خَبَرَ مَا رَأَى فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ : هَذَا اَلنَّامُوسُ اَلَّذِي كَانَ نَزَّلَ اَللَّهُ عَلَى مُوسَى – لِأَنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ إِلَى أَنْبِيَائِهِ هُوَ جِبْرِيلُ ، ثُمَّ قَالَ : يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذْعًا – شَابًّا جَلْدًا – إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ مِنْ بِلَادِكَ اَلَّتِي نَشَأَتَ بِهَا ، لِمُعَادَاتِهِمْ إِيَّاكَ ، وَكْرَاهَيْتِهِمْ لَكَ حِينَمَا تُطَالِبُهُمْ بِتَغْيِيرِ اِعْتِقَادَاتٍ وَجَدُوا عَلَيْهَا آبَاءَهُمْ فَاسْتَغْرَبَ عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسِّلْامُ مَا نُسِبَ لِقَوْمِهِ مَعَ مَا يَعْلَمُهُ مِنْ حُبِّهِمْ لَهُ لِاتِّصَافِهِ بِمَكَارِمِ اَلْأَخْلَاقِ وَصِدْقِ اَلْقَوْلِ ، حَتَّى سَمُّوهُ اَلْأَمِينَ ، وَقَالَ : « أَوْ مُخْرِجِيَّ هُمْ » قَالَ : ماجاءَ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِي . أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: وَهَكَذَا نَطَقَ اَلْقُرْآنُ اَلْكَرِيمُ بِهَذِهِ اَلْحَقِيقَةِ ، قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمْ : { وَقَالَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنْخِرْجَنْكَمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لِتُعَوِّدْنَ فِي مِلَّتِنَا } وَلِتَمَامِ تَصْدِيقِ وَرَقَةَ بِرِسَالَةِ اَلرَّسُولِ اَلْأَكْرَمِ عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ : "وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا – مُعَضَّدًا – ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ .    

 

 : اَلْخُطْبَةُ اَلثَّانِيَةُ

 

  أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ:  كَانَ أَوَّلُ أَمْرٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اِقْرَأْ ، وَكَانَ اَلْأَمْرُ اَلثَّانِي : قُمْ فَأَنْذِرْ ، وَكَانَ اَلْأَمْرُ اَلثَّالِثُ : قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ، فاَلْأَمْرُ اَلْأَوَّلُ أَمْرُ تَدَبُّرٍٍ ، وَإِعْمَالٍ لِلْعَقْلِ ، وَالْأَمْرُ اَلثَّانِي تَبْلِيغُ اَلدَّعْوَةِ ، وَكَانَ اَلْأَمْرُ اَلثَّالِثُ اِسْتِعَانَةً عَلَى اَلْأَمْرَيْنِ بِالصَّلَاةِ وَقِيَامِ اَللَّيْلِ ، مُهِمَّتَانِ شَاقَّتَانِ : مُهِمَّةُ تَلَقِّي اَلْوَحْيِ ، وَمُهِمَّةُ اَلدَّعْوَةِ إِلَى طَرِيقِ اَلرَّشَادِ وَهُمَا تَحْتَاجَانِ إِلَى اَلْأَمْرِ اَلثَّالِثِ : قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ، دَعْ اَلتَّزْمَلَ وَالتَّلِفْفَ ، وَانْشَطَ لِصَلَاةِ اَللَّيْلِ ، وَالْقِيَامُ فِيهِ سَاعَاتٌ فِي عِبَادَةِ رَبِّكَ ، لِتَسْتَعِدّ لِلْأَمْرِ اَلْجَلِيلِ ، وَالْمُهِمَّةِ اَلشَّاقَّةِ ، مُهِمَّةِ تَبْلِيغِ دَعْوَةِ رَبِّكَ لِلنَّاسِ ، وَتَبْصِيرِهِمْ بِالدِّينِ اَلْجَدِيد ،ِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ، فَكَانَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ اَللَّيْلَ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ ، وَكَانَ يَتْلُو اَلْقُرْآنَ بِتَمَهُّلٍ ، وَيُخْرِجُ اَلْحُرُوفَ وَاضِحَةً ، لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقْفَ وَسَأَلَ ، وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابِ إِلَّا وَقْفَ وَتَعَوُّذَ ، وَبَعْدَ أَنْ أَمَرَ اَللَّهُ نَبِيَّهُ بَاطَرَّاحْ اَلنَّوْمِ ، وَقِيَامِ اَللَّيْلِ ، وَتَدَبُّرِ اَلْقُرْآنِ وَتَفَهُّمِهِ ، اِنْتَقَلَ إِلَى  بَيَانِ اَلسَّبَبِ فِي هَذِهِ اَلْأَوَامِرِ اَلثَّلَاثَةِ ، ذَاتِ اَلتَّكْلِيفِ اَلصَّعْبِ اَلشَّاقِّ فَقَالَ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا سَنُنْزِلُ عَلَيْكَ كَلَامًا عَظِيمًا جَلِيلاً ، لَهُ هَيْبَةُ وَرَوْعَةُ وَجَلَالٌ ، إِنَّهُ كَلَامُ اَلْمَلِكِ اَلْعَلَّامِ .

 

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ :  وَنَحْنُ نَعِيشُ مَوْسِمَ نُزُولِ اَلْقُرْآنِ رَمَضَانَ مَا أَحْوَجَنَا إِلَى اَلْعَيْشِ مَعَ اَلْقُرْآنِ وَالتَّأَمُّلِ وَالتَّدَبُّرِ لِمَعَانِيهِ وَالْعَمَلِ بِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ وَتَذَكَّرِ حَالِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَ عَلَيْهِ اَلْوَحْيُ وَمَا جَرَى لَهُ مِنْ اَلْمُعَانَاةِ وَالْخَوْفِ ثُمَّ اَلِانْطِلَاقِ لِبَثِّ رِسَالَةِ اَلدينِ عَبْرَ آيَاتِ اَلْكِتَابِ اَلْقُرْآنِ اَلْحَكِيمِ ، ، فاَللَّهُمَّ اِجْعَلْ اَلْقُرْآنَ اَلْعَظِيمَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا وَنُورَ صُدُورِنَا وَجَلَاءَ أَحْزَانِنَا وَهُمُومِنَا وَمَغْفِرَةً لِذُنُوبِنَا اَللَّهُمَّ آمِينَ وَصْلِ اَللَّهُمَّ عَلَيَّ سَيِّدِ اَلْخُلُقِ أَجْمَعِينَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ أَفْضَلُ اَلصَّلَاةِ وَأَتَمُّ اَلتَّسْلِيمُ

المرفقات

1649187526_بدء الوحي.pdf

المشاهدات 959 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


جزاك الله خيرا