إنا خلقنكم من ذكر وأنثى(الحجرات9)

زراك زراك
1433/08/12 - 2012/07/02 19:45PM
إنا خلقنكم من ذكر وأنثى(الحجرات9)
9 شعبان 1433 / 29 يونيو 2012
محمد زراك إمام وخطيب المسجد الكبير بأولاد برحيل المغرب
الحمد لله الذي أحصى كل شيء عدداً، خلق الخلق ورفع بعضهم فوق بعض درجات فكانوا طرائق قدداً ، أحمده سبحانه واشكره على تكاثر إنعامه وإفضاله فلا نحصي له عداً، وأشهد أن لا إله إلا الله ولا أشرك به أحداً , وأشهد أن محمداً سيدنا ونبينا عبد ُالله ورسولُه أكرم به عبداً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الاقتداء ومن تبعهم بإحسان صلاة وسلاماً دائمين أبداً.
اما بعد فيا معاشر المسلمين :
نحن اليوم مع قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
هذه الآية تقرر أصلاً عظيماً من أصول الإسلام ، وهو المساواة بين الناس ،
قبل أربعة عشر قرناً من الزمن، كان العالم يموج في الظلم ويضطرب في الفساد ، وتسوده الهمجية والعصبية الجاهلية وانتشر الفساد والتفاخر بالأنساب وعاش الناس تحت ظل نظام الطبقات .
في هذه الظلمة الداكنة ينبثق فجر الإسلام، فتنزل هذه الآية الكريمة لتقرر هذا المبدأ، وهو إعلان المساواة بين البشر – كل البشر – فلا فضل لعربي على عجمي ، ولا لأبيض على أسود ، ولا لغني على فقير ، ولا لكبير على صغير ، إلا بالتقوى والتقرب من الخالق عز وجل . فالناس كلهم متساوون ، أصلهم واحد وأبوهم واحد .
وقد روي أن رجلاً قال لنبي الله سيدنا عيسى عليه السلام : أي الناس أفضل ؟ فأخذ قبضتين من تراب وقال : " أي هاتين أفضل ؟ الناس خلقوا من تراب ، فأكرمهم أتقاهم " .
أيها المؤمنون! لقد جعلكم الله عز وجل شعوباً وقبائل لتتعارفوا وتصلوا الأرحام لا لتتفاخروا بالأنساب ، وسبب نزول هذه الآية الكريمة: هو ما رواه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : لما كان فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً حتى علا على ظهر الكعبة فأذّن ، فقال الحارث بن هشام : أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذناً ؟ وقال عتاب بن أسيد : الحمد لله الذي قبض أبي حتى لا يرى هذا اليوم .وقال سهيل بن عمرو : إن يرد الله شيئاً يغيره .وقال أبو سفيان : أنا لا أقول شيئاً ، أخاف أن يخبره به رب السموات . فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما قالوا ، فأقروا، فأنزل الله تعالى هذه الآية وزجرهم عن التفاخر بالانساب والازدراء بالفقراء.
وروى الإمام أحمد أن رجلا قام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فقال : يا رسول الله أي الناس خير ؟ فقال صلى الله عليه وسلم خير الناس أقرأهم وأتقاهم للّه عز وجل وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم .
ولما دار بين أبي ذر الغفاري (من غفار) وبلال بن رباح الأسود الحبشي شيئاً من الكلام، قال أبو ذر لبلال : اسكت يا ابن السوداء. فلما علم الرسول بذلك قال: يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية. وقال: ما لابن البيضاء على ابن السوداء فضل الا بالتقوى والعمل الصالح، فما كان من أبي ذر إلا أن وضع خدَّه على التراب وقال: يا بلال لا أرفع خدي حتى تضع رجلك السوداء عليه.
هذا هو ميزان الله جل علا، وهذا هو المقياس عند الله، أكرم الناس وأشرفهم وأعلاهم وأعظمهم هو أتقاهم لله جل علا.
وقد استفاضت الأخبار وامتلأت كتب الشريعة الإسلامية بأن الكرامة والأفضلية لا ترتبط بالنسب ولا بعظيم الرتب ولا بأم وأب ، ولكنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعمل ، والناس أبرار وفجار . والفاجر فاجر ولو كان ابن أكابر ، والبر : بر ، ولو كان ابن الأحقر . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الناس رجلان : بر تقي كريم على الله ، وفاجر شقي هيّن على الله ، الناس كلهم بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم " .وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فكان مما قال: ألا إن ربكم واحد ، لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأسود على أحمر ، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، ألا هل بلغت ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : فليبلغ الشاهد الغائب .
وإليكم مثلاً رائعاً من أمثال هذا الدين العظيم الذي ساوى بين الناس ولم يفرق بين أحد منهم : أبو لهـب أفضل رجل في مكة حسباً وشرفاً ومالاً وأنصاراً ، ولكنه لم يؤمن برسالـة الإسلام ، بل وقف حائلاً دون انتشارها، ولما جمع صلى الله عليه وسلم أقرباءه وآل بيته فدعاهم إلى الله تعالى وإلى دينه الجديد فقال له عمه أبو لهب : تبّاً لك ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله تعالى فيه : " تبت يدا أبي لهب وتب ، ما أغنى عنه ماله وما كسب ، سيصلى ناراً ذات لهب ، وامرأته حمالة الحطب ، في جيدها حبل من مسد " فلم تنفعه قرابته ولم يشفع له نسبه بعد أن ترك رسالة الإسلام .
وهذا بلال الحبشي المولى الفقير، ليس له قبيل ولا عشير، اتبع محمداً خير الأنام حتى أصبح يدعو إلى الله خمس مرات في اليوم مؤذناً ، وفي يوم أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أين بلال ؟ أين بلال ؟ فلما حضر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بلال ، سمعت خشخشة نعليك في الجنة، بم سبقتني إلى الجنة : فقال رضي الله تعالى عنه : ما توضأت وضوءاً إلا صليت ركعتين ولا أذنت أذاناً إلا صليت ركعتين، قال صلى الله عليه وسلم : بهما سبقتني .
هذه الدرجة التي نالها بلال وصلها بإيمانه وتقواه ، وتلك الدرجة التي وصل إليها أبو لهب بكفره وعناده .
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم مخبراً عن قادة الأمم وطلائعها إلى الجنة : أنا سابق العرب ، وصهيب سابق الروم ، وسلمان سابق الفرس وبلال سابق الحبشة ، هذه الدرجات السامية التي رفع الإسلام أصحابها إليها وبوأهم عرش ذلك المجد الجلل . اللهم إنا نسألك تقواه ياالله، نفعني الله...
الثانية
عباد الله :
تتحول آية خطبة اليوم إلى واقع عملي ملموس تزيل كل الفوارق وتسقط جميع الرايات المنتنة التي قال عنها نبي الإسلام : دعوها فإنها منتنة.
وأما يوم القيامة فسيظهر لواء التقوى واضحاً، فعن أبي هريرة أن الرسول قال: إذا كان يوم القيامة أمر الله منادياً يقول: إني قد جعلت لكم نسباً وجعلت أكرمكم أتقاكم فأبيتم إلا أن تقولوا : فلان بن فلان خير من فلان بن فلان , فاليوم أضع نسبكم وأرفعُ نسبي أين المتقون وهذا الحديث له شاهد من قول الرسول في الحديث الصحيح المشهور من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه لو جئت يوم القيامة بأرفع وأفخر الأنساب لكن لا عمل معك فإنك لن تمر على الصراط ولن تجتاز المواقف الرهيبة في أرض المحشر فينقطع كل نسب إلا نسب التقوى. وينقطع كل تكريم إلا تكريم التقوى وينقطع كل تنافس إلا من تنافس على التقوى.
أيها المسلمون :
عودا إلى ربكم واتقوه لعلكم تفلحون فالجنة ما أعدت إلا للمتقين والمنزلة الرفيعة عند الله ليست إلا للمتقين وجهوا تنافسكم عليها وإليها.
وصلـــــــــــوا …. وارض اللهم عن جميع صحابته.....اللهم وفق أمير المؤمنين محمدا السادس لكل خير، ونسألك اللهم أن تجري الخير على يديه، وأعنه على أداء رسالته، وتحقيق كل خير لشعبه وبلده. واحفظه في كافة أسرته الشريفة يارب العالمين، اللهم بلغنا رمضان وأنت راض عنا اللهم لا تدع لنا فى هذا اليوم العظيم ذنبا الا غفرته ولا كربا الا فرجته ولا عيبا الا سترته ولا دينا الا اديته ولا مريضا الا شفيته ولا حاجة لك فيها رضا ولنا فيها صلا الا قضيتها ويسرتها لنا يا رب العالمين
......اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا...اللهمّ اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمَّن سواك ، اللهمّ لا تؤمنَّا مكرك ، ولا تهتِك عنَّا سترَك ، ولا تنسنا ذكرك ، يا رب العالمين.
المشاهدات 7554 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا