إمام المسجد النبويّ: ما يحدث من قمعٍ وتعذيبٍ لا يجترئُ عليه إلا فاقدُ العقل

أبو عبد الرحمن
1432/06/27 - 2011/05/30 11:01AM

إمام المسجد النبويّ:

ما يحدث من قمعٍ وتعذيبٍ لا يجترئُ عليه إلا فاقدُ العقل

حزام الدوسري - سبق - المدينة المنوّرة:

وجّه إمام المسجد النبوي الشيخ صلاح البدير، في خطبة الجمعة، اليوم، نداءً إلى الأمة بوجوب نصرة المظلومين والمستضعفين، مبيناً أنّ ما نزل بالمسلمين من القتل والقمع والتعذيب والتنكيل بالضّعفة والعزّل والأبرياء والرضَّع والأطفال والشيوخ والنساء، وحشيةٌ لا يجترئُ عليها إلا عديم الرحمة وفاقد العقل. وقال إنّ هذه الأحداث ما هي إلا محنٌ يمتحن الله بها القلوب ليعلم مَن يقف مع المظلوم في وجه الظالم وينصر الحق في وجه الباطل.
وذكر الشيخ البدير في خطبة الجمعة، أن ما أصاب المسلمين في سوريا وليبيا واليمن في زمن الخطوب الكبار، والشدائد والأخطار، يُوجِبُ التذكيرَ بحقيقةٍ ساطعةٍ في الدِّين وهي وجوبُ التناصر بين المسلمين ومؤازرة المظلومين والنصفة للمستضعفين، ومتى استجار المسلم بأخيه المسلم ونزل بباحته واستنصره وُجبت نصرتهُ ولزمت إعانتهُ، حتى يقوى ظهرهُ، ويشتدّ أزرهُ، ويندحر عدوهُ، فمتى تحقّقت القوة والقدرة وجبت النصرة، مستدلا بالآية الكريمة: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
وقال البدير: ومتى تنازع المسلمون، وتخاذلوا، وتواهموا، وتفاشلوا، وصار لكلِّ واحدٍ منهم شأن يُغنيه، فرّق العدو شملَهم، وتسلط عليهم واستباح ديارَهم، والمسلم يقاسم أخوه الهموم والمكاره ويشاركه محنته، لا يخونه ولا يسلمه، ولا يتركه ولا يخذله، بل ينصره ويحوطه، ذاكراً حديثَ النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ : (مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ عِرْضُهُ إِلا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ ، وَمَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَتُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ إِلا نَصَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ).
ومضى قائلا إن الأحداث المتلاحقة والوقائع المتوالية التي نزلت بأرض الإسلام وشاهد العالم من خلالها كيف استهدفت آلةُ الحرب والقتل والقمع والتعذيب والتنكيل الضّعفة والعزّل والأبرياء والرضَّع والأطفال والشيوخ والنساء في صورٍ من الوحشية لا يجترئ عليها إلا عديمُ الرحمة وفاقدُ العقل. إن تلك الأحداث تستوجب اليقظة والاعتبار وما هي الا محنٌ تُمتَحنٌ بها القلوبُ ليعلمَ اللهُ مَن يقف مع المظلوم في وجه الظالم، وينصر الحق في وجه الباطل، ويدفع بالسُّنة في وجه البدعة.
وختم البدير خطبته قائلا:"مهما بلغت قوة الظلوم وضعف الظلوم، فإن الظالم مقهورٌ وأقرب الأشياء صرعة الظلوم، وأنفذ السهام دعوة المظلوم، يرفعها الحقُّ القيوم فوق الغيوم، الظلم لا يدوم، وللمظلوم الانتصار، وللظالم الفاجر الصغار والخسار.
المشاهدات 2528 | التعليقات 1

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله العظيم في قدره، العزيز في قهره، العليم بحال العبد في سرِّه وجهره، يسمعُ أنينَ المظلوم عند ضعف صبره، ويجُودُ عليه بإعادته ونصره، أحمدُه على القدر خيرِه وشرِّه، وأشكره على القضاء حُلوه ومُرِّه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الآيات الباهرة، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ [الروم: 25]، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله جاهدَ في الله حق جهاده طول عمره وسائر دهره، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما جادَ الصحابُ بقطره وطلَّ الربيعُ بزهره، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد، فيا أيها المسلمون:

اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ ما تُستدفَعُ به البلايا، وتُرفعُ به الرَّزايا، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل: 128].

أيها المسلمون:

في زمن الخُطوب الكِبار والشدائد والأخطار يتوجَّبُ التذكير بحقيقةٍ ناصعةٍ ساطعةٍ في الدين، وهي: وجوب التناصُر بين المسلمين، ومُؤازَرة المظلومين، والنَّصَفة للمُستضعفين، ومتى استجارَ المسلمُ بأخيه المسلم، ولاذَ بساحته، ونزل بباحته، واستنصَره واستنفَره وجبَت نُصرته، ولزِمَت إعانتُه، حتى يقوَى ظهرُه، ويشتدَّ أزرُه، ويندحِر عدوُّه، وينكفَّ ظالمُه.

ومتى تحقَّقَت القوةُ والقُدرة وجبَت المُؤازرَة والنُّصرة، قال - جلَّ في عُلاه -: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الأنفال: 72].

ومتى تنازعَ المسلمون وتخاذَلوا، وتواهَنوا وتفاشَلوا، وصار لكل واحدٍ منهم شأنٌ يُغنيه، وهمٌّ يَعنيه، فرَّق العدوُّ جمعَهم، وبدَّد شملَهم، وشذَّب شِكَّتَهم، وخفضَ شوكَتهم، وتسلَّط عليهم، واستباحَ ديارَهم، قال - جلَّ في عُلاه -: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ [الأنفال: 73] - يعني: التناصُر والتضافُر في الدين - تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ .

قال بعض أهل العلم: " تَكُنْ فِتْنَةٌ أي: محنةٌ بالحرب وما انجرَّ منها من الغارات والجلاء والأسْر، وَفَسَادٌ كَبِيرٌ يعني: ظهورَ الشرك".

أيها المسلمون:

والمسلمُ يُقاسِمُ أخاه الهُمومَ والمكارِه، ويُِشارِكه محنَته وبليَّته، ويعيشُ معه مُصابَه ورزِيَّته، لا يخونُه ولا يُسلِمه، ولا يترُكه ولا يخذُله؛ بل يحُوطه وينصُره ويعضِدُه؛ فعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم -: «ما من امرئٍ يخونُ مسلمًا في موطنٍ يُنتقَصُ فيه من عِرضه، ويُنتهَكُ فيه من حُرمته، إلا خذلَه الله في موطنٍ يُحبُّ فيه نُصرتَه، وما من امرئٍ ينصرُ مسلمًا في موطنٍ يُنتقصُ فيه من عِرضه، ويُنتهَكُ فيه من حُرمته إلا نصرَه الله في موطنٍ يحبُّ فيه نُصرتَه»؛ رواه أبو داود، والطبراني في "الأوسط"، وقال الهيثمي: "إسنادُه حسن".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمنُ مرآةُ المؤمن، والمؤمنُ أخو المؤمن، يكفُّ عليه ضيعتَه، ويحُوطُه من ورائه»؛ أخرجه أبو داود.
وعن بَهز بن حكيمٍ عن أبيه عن جدِّه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل مسلمٍ على مسلمٍ مُحرَّم أخوانَ نصيران»؛ أخرجه النسائي.
أي: هما أخوان يتناصَران ويتعاضَدان.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المسلمُ أخو المسلم، لا يخُونه ولا يكذِبُه ولا يخذُله»؛ أخرجه الترمذي.
وعن عمرو بن شُعيبٍ عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المسلمون تتكافأُ دماؤهم، ويسعى بذِمَّتهم أدناهم، ويُجيرُ عليهم أقصاهم، وهم يدجٌ على من سواهم»؛ أخرجه أبو داود.

أيها المسلمون:

إن الأحداث المُتلاحقة، والوقائع المُتوالية التي نزلت بأرض الإسلام، وشاهدَ العالمُ من خلالها كيف استهدَفت آلةُ الحرب والقتل والقمع والتعذيب والتنكيل والضعفةَ والعُزَّلَ والأبرياءَ والرُّضَّعَ والأطفالَ والشيوخَ والنساء، في صورٍ من الوحشية لا يجترئُ عليها إلا عديمُ الرحمة وفاقدُ العقل، إن تلك الأحداث تستوجِبُ اليقظَةَ والاعتبار، والتذكُّر والادِّكار، وما هي إلا محنٌ تُمتَحنُ بها القلوب، وتُبتلَى بها النفوس؛ ليعلمَ الله من يقِفُ مع المظلوم في وجه الظالم، وينصر الحقَّ في وجه الباطل، ويدفعُ بالسنة في وجه البدعة، ويصِلُ يدَه بأهل الإيمان والتوحيد في وجه أهل الشرك والخرافة والتنديد، وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحديد: 25].
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله بارئ النَّسَم، ومُحيِي الرِّمَم، ومُجزِل القِسَم، مُبدِع البدائع، وشارعِ الشرائع، دينًا رضيًّا، ونورًا مُضيًّا، أحمده وقد أسبغَ البرَّ الجزيل، وأسبلَ السترَ الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ عبدٍ آمنَ بربه، ورجا العفو والغفران لذنبه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وأتباعِه وحِزبه صلاةً وسلامًا دائمَيْن ممتدَّيْن إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا أيها المسلمون:

اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].

أيها المسلمون:

مهما بلَغت قوةُ الظَّلُوم وضعف المظلوم فإن الظالمَ مقهورٌ مخذول، مُصفَّدٌ مغلول، وأقربُ الأشياء صرعةُ الظَّلُوم، وأنفذُ السهام دعوةُ المظلوم، يرفعها الحيُّ القيوم فوق الغُيُوم.
يقول رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتُهم: الصائمُ حين يُفطِر، والإمامُ العادلُ، ودعوةُ المظلوم يرفعها الله فوق الغَمام، ويفتحُ لها أبوابَ السماء، ويقول لها الربُّ: وعِزَّتي وجلالي! لأنصُرنَّك ولو بعد حين»؛ أخرجه أحمد.
فسُبحان من سمِع أنين المُضطَهد المهموم، وسمِع نداء المكروب المغموم، فرفع للمظلوم مكانًا، ودمغَ الظالمَ فعاد بعد العِزِّ مُهانًا.

أيها المسلمون:

والظلمُ لا يدومُ ولا يطولُ، وسيضمحِلُّ ويزول، وللمظلوم المهضوم السطوةَ والانتصار، والفلَجَ والإظفار، وللظالم الجائر المُعتدي الفاجِر الذِّلَّةَ والصَّغار، والدمارَ والخَسار، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [يوسف: 21].


ثم صلُّوا وسلِّموا على خير الورى، فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآل والصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام وانصر المسلمين، ودمِّر أعداء الدين، وانصر عبادك المُوحِّدين، ودمِّر الطغاة والمُعتدين، ودمِّر الطغاة والمُعتدين، ودمِّر الطغاة والمُعتدين يا رب العالمين.
اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها، وعِزَّها واستقرارها، ووفِّق قادتَها لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين يا رب العالمين.

اللهم عُمَّ بالأمن والرخاء والاستقرار جميعَ أوطان المسلمين يا أرحم الراحمين، اللهم عُمَّ بالأمن والرخاء والاستقرار جميعَ أوطان المسلمين يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل أهلَنا في سورية وليبيا واليمن في ضمانك وأمانك وإحسانك يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين احفظهم من كل سوءٍ ومكروهٍ وفتنةٍ يا كريم، اللهم احقِن دماءهم، اللهم احقِن دماءهم، اللهم احقِن دماءهم، وصُن أعراضَهم، واحفظ أموالَهم وأمنَهم واستقرارَهم ووحدَتهم يا أرحم الراحمين.

اللهم اكشِف الغُمَّة، اللهم اكشِف الغُمَّة، اللهم اكشِف الغُمَّة، وأطفِئ جمرة الفتنة وشرارة الفوضى ونار الاصطدام يا رب العالمين.

اللهم قاتلِ الكفرة الذين يصدُّون عن سبيلك ويُعادون أولياءك، واجعل عليهم عذابَك ورِجزَك إلهَ الحق يا رب العالمين.

اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رِجس يهود، اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رِجس يهود، اللهم عليك باليهود الغاصبين، والصهاينة الغادرين، اللهم لا ترفع لهم راية، ولا تُحقِّق لهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم عبرةً وآية يا قوي يا عزيز يا رب العالمين.
اللهم لا تُشمِت بنا أحدًا، اللهم لا تُشمِت بنا أحدًا، ولا تجعل لكافرٍ علينا يدًا، اللهم اشف مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا يا رب العالمين.

عباد الله:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


المصدر