إليك النفس تشتاق

شايع بن محمد الغبيشي
1444/08/24 - 2023/03/16 15:15PM

إليك النفس تشتاق

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله. أما بعد:

 عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [آل عمران : 102].

في القلوب جوعة، وفي النفوس ظمأ ومع كر الجديدين يزداد ذلك الظمأ وتلك الجوعة، فمتى تشبع القلوب وترتع؟ ومتى تعب النفوس وترتوي؟

وكأنما أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم جوعة تلك النفوس فهتف بها مطمئناً ومبشراً:( إن في أيام الدهر نفحات فتعرضوا لها فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبداً) روى الطبراني وصححه الألباني. وكأنما يحثنا صلى الله عليه وسلم على "دوام السؤال، والإقبال على طلب عطايا الكبير المتعال، وأنه أخفى ساعات هباته كما أخفى رضاه في طاعاته.

أقيما على باب الكريم أقيما ... ولا تنيا عن بابه فتهيما

وللنفحات الطيبات تعرضا ... لعلكما تستنشقان نسيما"[1]

ما أجمل الهتاف النبوي: (إن في أيام الدهر نفحات فتعرضوا لها فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبداً) تساءلت النفوس في رغبة ولهفة، ولكن متى تَهْبُ هذه النفحات؟ وكيف يمكن التعرض لها؟

إن التعرض لنفحات الله فرصة العمر لنرتقي بعقولنا وقلوبنا وجوارحنا، لنسعد بالوصال وتَعُبُ النفس من معين الإيمان ولذة القرب ونعيم المنجاة، فتقر العين ويهنأ القلب بالقرب من ربه الذي من تقرب إليه نال السعد والهناء، بل أفاض الله عليه من النعيم والمسرات والخير والبركات ما لا يخطر له على بال، ألم يقل سبحانه: (وإن تقرب مني شبرا، تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا، تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) رواه مسلم "أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود"[2]

عباد الله وإن من أعظم مواسم نفحات الرب جل وعلا شهر رمضان، ألم يقل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَاكُمْ رَمَضَانُ ‌شَهْرٌ ‌مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ» رواه النسائي وصححه الألباني. اجزم أن في النفس اشتياق إلى بلوغ رمضان كيف لا وبيننا وبين بلوغه أسبوع واحد ولسان حال المسلم:

إليك النفس تشتاق          وفِي لقياك ترياق

فهل نحظى بصحبتكم        نحلق فيك أفاق

فتصفو النفس من كدر     ويلقى الروحَ إشراقُ

إلهي جئت مبتهلاً            يسوق النفس إشفاق

فيا من جوده نهرٌ            ونهر الجود رقراق

تفيض العفو مدراراً          ونبع العفو دفاق

أفض بالصفح عن ذنبي   فحر الذنب إحراق

وبلغني لشهر الصوم     إن القلب تواق

عباد الله كيف نستعد للقاء رمضان الذي اشتاقت إليه نفوسنا؟

ينبغي أن يستولي التفكر في بلوغ الشهر على عقولنا وقلوبنا ويزداد شوقنا ونلهج بالدعاء لله عز وجل أن يبلغنا شهر رمضان وأن نحسن الاستعداد للقياه بأمور منها:

1/ تعلم أحكام الصيام والتعرف على أحوال الصائمين بقراءة كتب أحكام الصيام وسماع بعض الدروس والمحاضرات، فمن المحزن جداً في هذا الزمن الذي تعددت فيه سبل التعلم أن يجهل الناس أحكام دينهم فيعبدون الله على جهل فيفوت عليهم الخير الكثير.

2/ الاطلاح على أحول النبي صلى الله عليه سلم وصحابته الكرام والسلف الصالح في رمضان ومن أنفع الكتب في ذلك كتاب بعنوان (هكذا صام النبي صلى الله عليه وسلم) للبعداني

3/ الحرص على الارقاء بالنفس في الإيمان والأخلاق والمثل ومن المعين على ذلك كتاب: ( رمضان يبني القيم ) للفلاحي

4/ تهيئة الاسرة وتشويقها لاستقبال شهر رمضان وتحفيزها على اغتنام هذا الشهر المبارك، وإذكاء روح المنافسة بين الأسرة في المسابقة للخيرات. اللهم بلغنا رمضان ووفقنا لصيامه وقيامه إيماناً واحتساباً

الخطبة الثانية:

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ واشهد الا إله إلا الله وحده لاشريك له واشهد ان حمد عبده ورسوله أما بعد :

عباد الله  إننا مقبلون على موسم عظيم من مواسم الخير فرمضان هو سوق أهل الإيمان والخير والبر والتقوى فيه يُنادي مُنادٍ: ‌يا ‌باغِيَ ‌الخَيْرِ ‌أَقْبلْ، وشهر الجود والإنفاق فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِى رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِى كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم  ‌أَجْوَدُ ‌بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ " رواه البخاري فعلينا عباد الله أن نكون من أهل الجود ونتفقد أحوال الفقراء والمساكين والغارمين من أصحاب الديون المتراكمة والتي ربما أودعوا السجن بسببها، ومن الفرص في ذلك الإنفاق عبر الجهات الرسمية المصرح لها كمنصة إحسان ومنصت (فرجت ) ومنصت جود للإسكان وكذلك الجمعيات الخيرية والأهلية التي تقوم على رعاية الفقراء والمساكين والأيتام وتوزيع عليهم السلال الرمضانية وتسهم في تفريج كرباتهم. اللهم بلغنا رمضان وفقنا فيه للصيام والقيام إيماناً احتسابنا يا حي يا قيوم.

عباد الله ومن فصر الخير في رمضان تفطير الصائمين عَنْ ‌زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌مَنْ ‌فَطَّرَ ‌صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا ورمضان » رواه الترمذي وصححه الألباني، فعلينا أن نعتي بتفطير الأصر الفقير، وعند إقامة الإفطار في المساجد علينا أن نحذر من التبذير وإهدار النعمة ونحرص على صيانتها من الامتهان.

اللهم بلغنا رمضان ووفقنا لصيامه وقيامه إيماناً واحتساباً واجعلنا فيه من أهل البر والإحسان يا حي يا قيوم



[1]/ التنوير شرح الجامع الصغير ( 4 / 77 )
[2] / شرح النووي على مسلم (17/ 3)

 

المشاهدات 853 | التعليقات 0