إلى من شهد الشهر الشيخ عوض بن أحمد

إلى من شهد الشهر 1 / 9 / 1435
الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمد ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد ورسوله صلى وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أَمَّا بَعدُ:فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " أَمَّن هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجُو رَحمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلبَابِ . قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُم لِلَّذِينَ أَحسَنُوا في هَذِهِ الدُّنيَا حَسَنَةٌ وَأَرضُ اللهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ)أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، عَجَلَةُ الأَيَّامِ دَائِرَةٌ ، وَفُرصَةُ العُمُرِ وَاحِدَةٌ ، وَمَا مَضَى مِنَ الحَيَاةِ فَلا يُرجَى ، وَالمُستَقبَلُ غَيبٌ لا يُدرَى ، وَإِنَّ أَسعَدَ النَّاسِ في هَذِهِ الدُّنيَا ، مَن تَحَرَّى مَا يُرضِي اللهَ في سَاعَتِهِ فَعَمِلَ بِهِ ، وَأَتَى بما يَلزَمُهُ فِيهَا مِنَ العُبُودِيَّةِ لِرَبِّهِ عَلَى الوَجهِ الَّذِي يُرضِيهِ عَنهُ ، وَالمُؤمِنُ كَيِّسٌ فَطِنٌ ، يَعلَمُ أَنَّ للهِ في اللَّيلِ عَمَلاً لا يَقبَلُهُ في النَّهَارِ ، وَعَمَلاً في النَّهَارِ لا يَقبَلُهُ في اللَّيلِ ، وَمِن ثَمَّ فَهُوَ يَغتَنِمُ الوَقتَ اغتِنَامًا ، وَيُؤَدِّي كُلَّ عَمَلٍ في حِينِهِ ، وَيَملأُ سَاعَاتِ عُمُرِهِ بما يَرجُو بِهِ عِندَ رَبِّهِ رَفِيعَ الدَّرَجَاتِ في الجَنَّاتِ ، فَهُوَ في وَقتِ الصَّلاةِ مَعَ الرَّاكِعِينَ ، وَفي الأَسحَارِ مَعَ المُستَغفِرِينَ ، وَفي رَمَضَانَ مَعَ الصَّائِمِينَ القَائِمِينَ المُنفِقِينَ .

وَلا يَزَالُ عَلَى ذَلِكَ رَاجِيًا خَائِفًا ، لا يَفرُغُ مِن طَاعَةٍ إِلاَّ وَصَلَهَا بِأُخرَى ، مُمتَثِلاً أَمرَ رَبِّهِ لإِمَامِ العَابِدِينَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ حَيثُ قَالَ : " وَاعبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقِينُ(أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد بُلِّغتُم شَهرًا كَرِيمًا ، وَأَدرَكتُم مَوسِمًا عَظِيمًا ، وَسَتَشهَدُونَ إِنْ حَيِيتُم أَيَّامًا غَالِيَةً وَلَيَاليَ ثَمِينَةً ، كُلُّهَا فُرَصٌ لِلعِبَادَةِ سَانِحَةٌ ، وَأَبوَابٌ لِلتَّقَرُّبِ مَفتُوحَةٌ ، فَمَاذَا أَنتُم فَاعِلُونَ؟وَفي أَيِّ طَرِيقٍ سَتَغدُونَ؟وَعَلَى أَيِّ حَالٍ سَتَرُوحُونَ؟إِنَّ كُلَّ عَبدٍ وَلا بُدَّ غَادٍ في شَهرِهِ وَرَائِحٌ ، فَبَائِعٌ نَفسَهُ إِمَّا لِمَولاهُ فَرَابِحٌ ، وَإِمَّا مُوبِقُهَا بِاتِّبَاعِ هَوَى النَّفسِ وَشَيَاطِينِ الجِنِّ وَالإِنسِ.

فَيَا عَبدَ اللهِ ، يَا مَن أَكرَمَكَ اللهُ وَاصطَفَاكَ ، وَجَعَلَكَ مُؤمِنًا وَقَد كَفَرَ أَكثَرُ النَّاسِ ، وَهَدَاكَ وَقَد ضَلَّ أَكثَرُ مَن في الأَرضِ ، وَعَافَاكَ وَالنَّاسُ حَولَكَ في البَلاءِ يَتَقَلَّبُونَ ، يَا مَن شَهِدتَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ محمدًا رَسُولُ اللهِ ، لَقَد عَاهَدتَ رَبَّكَ بِهَذِهِ الكَلِمَةِ العَظِيمَةِ ، أَن تَكُونَ عَبَدًا رَبَّانِيًّا ، مُخلِصًا للهِ الدِّينَ ، مُتَّبِعًا سَيِّدَ المُرسَلِينَ ، فَإِنْ أَنتَ وَفَيتَ بِالعَهدِ فَهَنِيئًا لَكَ تَحقِيقُ مَا خُلِقتَ مِن أَجلِهِ ، حَيثُ قَالَ رَبُّكَ وَخَالِقُكَ : " وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونَ " وَأَبشِرْ بِخَيرِ الجَزَاءِ وَحُسنِ العَاقِبَةِ ، فَعَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ، وَأَقَامَ الصَّلاةَ ، وَصَامَ رَمَضَانَ ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَن يُدخِلَهُ الجَنَّةَ جَاهَدَ في سَبِيلِ اللهِ أَو جَلَسَ في أَرضِهِ الَّتي وُلِدَ فِيهَا ... " الحَدِيثَ رَوَاهُ البُخَارِيُّ ، وَعَن عَمرِو بنِ مُرَّةَ الجُهَنيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَرَأَيتَ إِنْ شَهِدتُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ وَصَلَّيتُ الصَّلَوَاتِ الخَمسَ ، وَأَدَّيتُ الزَّكَاةَ ، وَصُمتُ رَمَضَانَ وَقُمتُهُ ،فَمِمَّن أَنَا؟ قَالَ(مِنَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ " رَوَاهُ البَزَّارُ وَابنُ خُزَيمَةَ وَابنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ،

إِنَّ صِيَامَ رَمَضَانَ الَّذِي هَذَا جَزَاؤُهُ وَتِلكَ عَاقِبَةُ أَهلِهِ وَمَنزِلَتُهُم عِندَ رَبِّهِم ، لا يُعقَلُ أَن يَكُونَ لِمُجَرَّدِ الإِمسَاكِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَحَسبُ ، دُونَ تَقَيُّدٍ بِبَقِيَّةِ أَوَامِرِ الدِّينِ وَنَوَاهِيهِ ، وَلَكِنَّهُ ذَلِكَ الصِّيَامُ الَّذِي يَسبِقُهُ إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ، وَتَطهِيرٌ لِلقُلُوبِ وَتَنقِيَةٌ لِلصُّدُورِ ، وَتَوبَةٌ نَصُوحٌ مِنَ الكَبَائِرِ وَالمُوبِقَاتِ ، ثم يَصحَبُهُ إِقامٌ لِلصَّلاةِ وَإِيتَاءٌ لِلزَّكَاةِ ، وَاستِكثَارٌ مِن نَوَافِلِ الطَّاعَاتِ وَعَفوِ الصَّدَقَاتِ ، وَلَهَجٌ بِذِكرِ الرَّحمَنِ وَقِرَاءَةِ القُرآنِ ، وَأَمَّا أَن يَدخُلَ رَمَضَانُ وَيَخرُجَ ، وَتَارِكُ صَلاةِ الفَجرِ مَعَ الجَمَاعَةِ مَا زَالَ مُصِرًّا عَلَى كَبِيرَتِهِ ، وَقَاطِعُ الرَّحِمِ مَاضٍ في مُصِيبَتِهِ ، وَالحَاسِدُ يَتَقَلَّبُ في مِحنَتِهِ ، وَآكِلُ الحَرَامِ غَارِقٌ في شَهوَتِهِ ، وَهَاجِرُ القُرآنِ عَلَى سَهوِهِ وَغَفلَتِهِ ، فَهَذَا عَينُ الغَبنِ وَمَحضُ الخَسَارَةِ .

وَإِنَّهُ لَمِنَ المُحزِنِ حَقًّا ، أَلاَّ يُبَاليَ أَعدَادٌ مِنَ المُسلِمِينَ وَخَاصَّةً الشَّبَابَ ، بما تَرَكُوا مِنَ الصَّلَواتِ المَكتُوبَاتِ ، أَو أَتَوهُ مِنَ المَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ ، أَو شَاهَدُوهُ مِنَ فَضَائِحِ الإِعلامِ والمُحَرَّمَاتِ ، وَأَن يَستَنكِفَ آخَرُونَ مِنَ الكِبَارِ وَيَستَكبِرُوا عَن إِصلاحِ ذَاتِ بَينِهِم ، أَو يَغفُلُوا عَن تَطهِيرِ مَآكِلِهِم وَمَشَارِبِهِم ، نَاهِيكَ عَمَّن يَهجُرُونَ سُنَّةَ السُّحُورِ ، وَمَن يَغفُلُونَ عَنِ الاستِغفَارِ بِالأَسحَارِ ، وَمَن لا يَكَادُونَ يَختِمُونَ كِتَابَ رَبِّهِم وَلَو مَرَّةً وَاحِدَةً ، وَمَن لا يُنفِقُونَ طُوَالَ شَهرِهِم قَلِيلاً وَلا كَثِيرًا ، فَإِلى اللهِ المُشتَكَى مِن نُفُوسٍ تَمُرُّ بها السَّنَوَاتُ في أَعقَابِ السَّنَوَاتِ ، وَهِيَ مَا تَزَالُ في غَيِّهَا مُستَمِرَّةً ، وَلِخَطَئِهَا مُستَمرِئَةً ، فَهَل تَرَى مِثلَ هَذِهِ النُّفُوسِ مُستَفِيدَةً شَيئًا مِن شَهرِ رَمَضَانَ ؟ لا يُظَنُّ ذَلِكَ وَالعِلمُ عِندَ اللهِ ، لأَنَّ رَمَضَانَ شَهرُ المُتَّقِينَ ، وَقَد ذَكَرَ اللهُ مِن صِفَاتِ المُتَّقِينَ أَنَّهُم " إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَو ظَلَمُوا أَنفُسَهُم ذَكَرُوا اللهَ فَاستَغفَرُوا لِذُنُوبِهِم وَمَن يَغفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلم يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُم يَعلَمُونَ " وَفي الصَّحِيحَينِ عَن أَبي هُرَيرَةَ رَضِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ص قَالَ(إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَت أَبوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَت أَبوَابُ النَّارِ ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ "
وَعِندَ ابنِ مَاجَهْ وَغَيرِهِ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : دَخَلَ رَمَضَانُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ هَذَا الشَّهرَ قَد حَضَرَكُم ، وَفِيهِ لَيلَةٌ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ مَن حُرِمَهَا فَقَد حُرِمَ الخَيرَ كُلَّهُ ، وَلا يُحرَمُ خَيرَهَا إِلاَّ مَحرُومٌ " فَإِذَا كَانَت أَبوَابُ الرَّحمَةِ في رَمَضَانَ مُفَتَّحَةً ، وَأَبوَابُ جَهنَّمَ مُغَلَّقَةً ، وَالشَّيَاطِينُ مُسَلسَلَةً ، وَلَيلَةُ القَدرِ الَّّتي هِيَ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ في رَمَضَانَ قَطعًا ، فَمَن ذَا الَّذِي بَعدُ يُصِرُّ ويُضِيعُ الفُرصَةَ ، وَيُعرِضُ عَن مَأدُبَةِ رَبِّهِ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَتُوبُوا إِلى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ ، وَاحرِصُوا عَلَى أَن تَكُونُوا عَلَى مَا كَانَ عَلَيهِ نَبِيُّكُم ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فى شَهرِ رَمَضَانَ مِنَ الإِكثَارِ مِن أَنوَاعِ العِبَادَاتِ ، فَقَد كَانَ جِبرِيلُ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ يُدَارِسُهُ القُرآنَ في رَمَضَانَ ، وَكَانَ إِذَا لَقِيَهُ جِبرِيلُ أَجوَدَ بِالخَيرِ مِنَ الرِّيحِ المُرسَلَةِ ، فَكَانَ يُكثِرُ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالإِحسَانِ ، وَالاعتِكَافِ وَالصَّلاةِ وَالذِّكرِ وَتِلاوَةِ القُرآنِ ، وَكَانَ يَخُصُّ رَمَضَانَ مِنَ العِبَادَةِ بما لا يَخُصُّ بِهِ غَيرَهُ مِنَ الشُّهُورِ ، فَاقتَدُوا بِهِ وَسِيرُوا عَلَى هَديِهِ تُفلِحُوا " لَقَد كَانَ لَكُم في رَسُولِ اللهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرجُو اللهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا " " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ . أَيَّامًا مَعدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِديَةٌ طَعَامُ مِسكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيرًا فَهُوَ خَيرٌ لَهُ وَأَن تَصُومُوا خَيرٌ لَكُم إِنْ كُنتُم تَعلَمُونَ . شَهرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسرَ وَلِتُكمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ . وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَستَجِيبُوا لي وَلْيُؤمِنُوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ "




الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه وأشكره،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلىالله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعدعباد الله: اتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذكُرُوا اللهَ ذِكرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلاً . هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيكُم وَمَلائِكَتُهُ لِيُخرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّورِ وَكَانَ بِالمُؤمِنِينَ رَحِيمًا . تَحِيَّتُهُم يَومَ يَلقَونَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُم أَجرًا كَرِيمًا "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِذَا كَانَ المُسلِمُ في رَمَضَانَ مَأمُورًا بِالصِّيَامِ عَن بَعضِ الحَلالِ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَسَائِرِ المُفَطِّرَاتِ ، فَإِنَّهُ مَأمُورٌ في سَائِرِ عُمُرِهِ وَفي كُلِّ أَوقَاتِهِ بِالصِّيَامِ عَن كُلِّ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ ، وَأَلاَّ يَستَعمِلَ جَوَارِحَهُ الَّتي أَنعَمَ اللهُ بها عَلَيهِ إِلاَّ فِيمَا أَحَلَّ اللهُ لَهُ ، وَذَلِكُم هُوَ في الحَقِيقَةِ صَومُ المُتَّقِينَ ، أَمَّا مَن يَصُومُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ سَاعَاتٍ مَعدُودَةً ، ثم هُوَ في أَثنَاءِ ذَلِكَ وَبَعدَهُ مُطلِقٌ جَوَارِحَهُ لِتَرتَعَ في مَعَاصِي اللهِ ، فَمَا وُاللهِ صَامَ وَلا عَرَفَ مَعنى الصِّيَامِ ، فَفِي البُخَارِيِّ وَغَيرِهِ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " مَن لم يَدَعْ قَولَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ فَلَيسَ للهِ حَاجَةٌ في أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"
وَرَوَى ابنُ خُزَيمَةَ وَابنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " لَيسَ الصِّيَامُ مِنَ الأَكلِ وَالشُّربِ ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغوِ وَالرَّفَثِ ، فَإِن سَابَّكَ أَحَدٌ أَو جَهِلَ عَلَيكَ فَقُلْ إِني صَائِمٌ إِني صَائِمٌ "

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ في شَهرِكُم ، وَصُومُوا عَمَّا حَرَّمَ اللهُ طُولَ دَهرِكُم ، وَإِيَّاكُم وَالنَّظَرَ أَوِ الاستِمَاعَ إِلى مَا لا يَحِلُّ ، زُمُّوا الأَلسِنَةَ عَنِ الغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَقَولِ الزُّورِ وَ" مَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيرًا أَو لِيَصمُتْ " أَطلِقُوا الأَيدِي بِالعَطَاءِ وَالإِنفَاقِ فِيمَا يُرضِي اللهَ ، بِالزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالتَّفطِيرِ ، وَدَعمِ بَرَامِجِ الدَّعوَةِ وَمَشرُوعَاتِ الخَيرِ ، قُومُوا للهِ قَانِتِينَ ، وَاركَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ، وَتَقَرَّبُوا إِلى اللهِ بِالفَرَائِضِ وَأَكثِرُوا مِنَ النَّوَافِلِ ، وَصُفُّوا الأَرجُلَ في صَلاةِ التَّرَاوِيحِ مَعَ المُسلِمِينَ وَلا تَنصَرِفُوا قَبلَ الإِمَامِ ، فَإِنَّهُ مَن قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتى يَنصِرَفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيلَةٍ ، اِقرَؤُوا القُرآنَ في بُيُوتِكُم وَمَسَاجِدِكُم ، وَتَدَبَّرُوهُ وَتَدَارَسُوهُ ، وَخُذُوا بما تَستَطِيعُونَهُ مِن أَسبَابِ المَغفِرَةِ ، وَاعبُدُوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ ، فَإِنَّمَا هِيَ أَيَّامٌ مَعدُودَاتٌ ، وَالخَاسِرُ مَنِ انسَلَخَ الشَّهرُ وَهُوَ مَرهُونٌ بِذُنُوبِهِ وَتَقصِيرِهِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " وَرَغِمَ أَنفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيهِ رَمَضَانُ ثم انسَلَخَ قَبلَ أَن يُغفَرَ لَهُ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَان
عباد الله )إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين وانصر، عبادك الموحدين، واحمِ حوزة الدين.
اللهم وآمنا في دورنا وأوطاننا وأصلح ووفق ولاة أمورنا.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم اغفر لنا، ولآبائنا وأمهاتنا، وأولادنا وأزواجنا، ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
)سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ*وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ*وَالْحَمْدُلِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
المشاهدات 2058 | التعليقات 2

نسأل الله الإخلاص في القول والعمل ونسأله ان يتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال


جزاكم الله خير الجزاء الكاتب والناقل ، خطبة جليلة مباركة ما شاء الله .