إلى متى؟!
عبدالرزاق بن محمد العنزي
الخطبة الأولى:(إلى متى؟!)12/1/1443
أيها الناس:مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وانهماك الناس بها رجالاً ونساءً صغاراً وكباراً، ومن ذلك افتتانهم بتصوير المقاطع المرئية لجذب المشاهدين بأعداد كبيرة والذي سيكون سبباً رئيساً للحصول على الأموال الطائلة ولأجل ذلك حرص كثير من الناس على أن يدخل في هذه المقاطع عنصر الإثارة والتشويق مما أوقع الكثيرين في محاذير شريعة ومخالفات قانونية وتعديات شخصية وتدخلات غير مرضية كل ذلك لكسب الأموال من وراءها!
وهذه وغيرها غير خافية على كل ذي عقل ،ولكنني سأنبه على أمر استهان به كثير من المسلمين والجرم والذنب فيه عظيم حتى وإن كان الفاعل مازحاً! فكيف إذا كان جادأ؟!
أيها المسلمون: لقد حرص الإسلام على إشاعة أجواء الطمأنينة والأمن النفسي في أنحاء المجتمع، فحث على إلقاء السلام على من تعرف وعلى من لم تعرف والذي من مقاصده المباركة وآثاره الطيبة تبادل الإيناس والطمأنينة بين المسلِّم والمسلَّم عليه قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾.
وضد الأمن والسلام الخوف والترويع وقد أكدت الشريعة على تحريم إخافة المسلم وترويعه سواءٌ كان المروِّعُ جادًّا أم هازِلًا، ولو كان أخاه أو صديقَه، وبأي طريقةٍ حدث هذا الترويعُ فهو محرَّمٌ، بل عدَّه أهلُ العلْمِ كالذَّهبيِّ وغيرِه مِن الكبائر، الَّتي لا يغفرُها اللهُ إلا بتوبةٍ، ولا تمحوها الطاعاتُ؛ ولهذا جاء في صحيح مسلِمٍ عن أبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الملاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ".
فكم سمعنا عن أشخاص يمازحون غيرهم فأشاروا عليهم بالسلاح أو أخافوهم بسياراتهم ! وما علموا أنهم داخلون في هذا الوعيد الشديد!
تأملوا هذه الحادثةَ الَّتي رواها أبُو داودَ في سننه، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي مَسِيرٍ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى نَبْلٍ مَعَهُ، فَأَخَذَهَا، فَلـمَّا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَزِعَ فَضَحِكَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: "مَا يُضْحِكُكُمْ؟"، فَقَالُوا: لَا إِلَّا أَنَّا أَخَذْنَا نَبْلَ هَذَا فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا".
وروى الطبراني عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ نَعْلَ رَجُلٍ فَغَيَّبَهَا وَهُوَ يَمْزَحُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تُرَوِّعُوا المسْلِمَ؛ فَإِنَّ رَوْعَةَ المسْلِمِ ظُلْمٌ عَظِيمٌ".
وإنَّ من أشد الترويع -عبادَ الله- ما يفعلُه بعضُ النَّاس من استخدام التصويرِ في نقل الأحداث والمآسي؛ كالحوادث وأخبار الوفاة، فليتق الله من يتعمَّدُ الحصولَ على سبق الخبَرِ والسرعةِ في نقل الحدَثِ أن يفجع أبًا أو أمًّا أو أخًا أو قريبًا أو صديقًا!.
بارك الله لي ولكم ،،،
الخطبة الثانية:
عباد الله: ومن المؤسف والمحزن أن هذا العمل الشنيع امتد حتى تضرر منه بعض الكبار والضعفاء! بل حتى الأمهات والآباء! وبحجة إضحاك الآخرين ويا للأسف!
أخيراً : هل تعلمون الخطورة الصحية المترتبة على مثل هذه المواقف المفاجئة؟
يقول الأطباء:إن التوتر المفاجئ قد يؤدي إلى اضطراب بنبضات القلب وارتفاع لضغط الدم، الذى من أعراضه الشعور بآلام فى الصدر، وصدمة عصبية بسبب المفاجئة، وقد ينتج عن ذلك اختلال بوظائف القلب وقصور فى الشريان التاجى وقد ينتهى الأمر إلى الإصابة بجلطة فى القلب، والتى من أعراضها التعرق والإغماء وخفقان القلب وقد يسبب الهلع ونوباته ارتفاع ضغط الدم المفاجىء الذي يسبب العمى، وربما كان أشد من ذلك وهو الموت !
ومن هنا ندرك حرمة المسلم وحرمة هذه المقالب وإثم أصحابها وإن كان من باب المزاح.
وهذا مصداق ما قاله النبي –صلى الله عليه وسلم- للناس في موسم الحج في عرفة وهو في أعظم محفل يجتمع فيه الناس، أعلن فيه حقوق المسلم ومبدأ كرامته وتعظيم حرمته عند الله عز وجل وتحريم أذيته، حيثُ خَطَبَ في النَّاسَ قائلاً: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا" (رواه مسلم).
ثم صلوا وسلموا،،،،،