إلى المكلُومَينِ بِفَرَطِهِمَا
راشد بن عبد الرحمن البداح
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيهِ تَسْلِيْمًا كَثِيْرًا، أَمَّا بَعْدُ:
إنَّهَا الَّتِيْ فَارَقَتِ النَّوْمَ تَأَلُّماً، وَتَرَكَتِ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ تَوَحُّماً، تَرَدَّدَتْ كَثِيْرًا عَلَى العِيَادَاتِ، وَاْلَتَهَمَتْ عِدَّةَ عِلَاجَاتٍ، وَعِنْدَ الوِلادَةِ صَحِبَتْهَا زَفَرَاتٌ، وبينما هيَ متشوقةٌ متشوفةٌ لرؤيةِ جنينِها إذ بها تُصابُبمصابٍ جَلَلٍ، فقد سبقَ قدرُ اللهِ، ونفَذَ قضاؤُهُ، بأن يسقطَ جنينُهاقبلَ أوانهِ، فيموتَ في بطنِها، أو يعيشَ برهةً ثم يقضيْ اللهُ بوفاتِه.فيالَهُ من مصابٍ مؤلمٍ محزنٍ على الأبوينِ! ولِعظيمِ هذا المصابِ، فقد تفضلَ سبحانَه، فأكرَمَ والدَي هذا الطِّفْلِ أوِ السِّقْطِ، بأن جازاهُما جزاءً جزيلاً، وعوضَهما عِوَضًا مفرحًا جدًا.
فيا مَن أصيبَ بمولودٍ كانَ يترقبُه، ولكن قضَى الحكيمُ الخبيرُبموتهِ: خذِ هذهِ القصةَ المفرحةَ:
كَانَ رَجُلٌ يَأْتِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ ابْنٌ لَهُ.. فَفَقَدَهُ،فَقَالَ: مَا فَعَلَ ابْنُ فُلَانٍ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَاتَ! فَعَزَّاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِلاً: أَمَا تُحِبُّ أَلَّا تَأْتِيَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، إِلَّا وَجَدْتَهُ يَنْتَظِرُكَ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَهُ خَاصَّةً أَمْ لِكُلِّنَا؟ قَالَ: بَلْ لِكُلِّكُمْ. صححهُ ابنُ عبدِ البرِ وابنُ حجرٍ، وحسنهُالنوويُ().
وقَالَ رَجُلٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّهُ قَدْ مَاتَ لِيَ ابْنَانِ، فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحَدِيثٍ تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا؟ قَالَ: نَعَمْ! صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ يَتَلَقَّى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ، فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ، كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنِفَةِ ثَوْبِكَ هَذَا [أي بطَرَفِه] فَلَا يَنْتَهِي حَتَّى يُدْخِلَهُ اللهُ وَأَبَاهُ الْجَنَّةَ().
الدَّعَامِيْصُ كَائِنَاتٌ صَغِيْرَةٌ لَا تُفَارِقُ المَاءَ، أَيْ أَنَّ هَذَا الصَّغِيرَ لَا يُفَارِقُ الجَنَّةَ(). بَلْ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ السِّقْطَ لَيَجُرُّ أُمَّهُ بِسَرَرِهِ إِلَى الْجَنَّةِ إِذَا احْتَسَبَتْهُ ](). والاحتسابُمعناهُ أن يَحسُبَ مصابَه من حسناتِهِ().
فيا أيُها الأبوانِ المكلومانِ بفقدِ مولودِهما: احتسِبا أن فرَطَكُماينتظرُكما عندَ بابِ الجنةِ، وأنه الآنَ في كفالةِ إبراهيمَ أبي الأنبياءِ –عليهمُ الصلاةُ والسلامُ-، ففي صحيحِ البخاريِ: أنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رؤيا عجيبةً، ورأى في الجنةِ إبراهيمَ وحولَه ولدانُ المسلمينَ،الذينَ ماتُوا قبلَ الحَنِث. قالَ: وَأَمَّا الوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ، فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الفِطْرَةِ().
أيتُها الأمُ الثكلَى بموتِ ولو ولدٍ واحدٍ: أبشري بموعودِ اللهِ، وبالعوضِ العظيمِ من اللهِ. فَفِيْ الصَّحِيْحَيْنِ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَ لَهَا ثَلاَثَةٌ مِنَ الوَلَدِ، كَانُوا حِجَابًا مِنَ النَّارِ. قَالَتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَانِ؟ قَالَ: وَاثْنَانِ. زادَ أَحْمَدُ: [قَالُوا: أَوْ وَاحِدٌ؟ قَالَ: أَوْ وَاحِدٌ ]().
أيُها المؤمنونَ: بموتِ الطفلِ ربَّما يلعبُ الشيطانُ بإيمانِ بعضِ الآباِء والأمهاتِ، فيَنزَعِجونَ، ويَجْزَعونَ، ومَن قويَ إيمانُه رأى أن للهِ في ذلك حِكَمًا. ومن الحِكَمِ: أن يكونَ الموتُ محذورًا أبدًا، فلا يأمنُه الكبيرُ.
ومنها: أن بعضَ الأولادِ لو بقيَ لأرهقَ أبويهِ طغياناً وكفراً، فيقبضُهُاللهُ حِكمةً ولُطفًا بهما. ومن الحِكَمِ: أن عملَ الوالدينِ قد يَقْصُرُ عن الدرجاتِ العُلَى في الجنةِ، فيبلغُهما اللهُ –تعالى- بموتِ طفلِهما، ويقلبُه لهما أجرًا وعوضًا. ومن أرادَ العِوضَ في مصيبتِهِ فليقلْ كما قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ:{إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} اللهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا().
الحمدُ للهِ مُعطِينا، والصلاةُ والسلامُ على هادِينا، أما بعدُ: فقد بقيَتْ مسألتانِ تتعلقانِ بموتِ السِّقطِ أو الطفلِ:
الأولى: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: الطِّفْلُ أوِ السِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ. صححهُالترمذيُ().
فليسَ هناكَ دعاءٌ خاصٌ للصلاةِ على جنازةِ الطفلِ أو السِقطِ، لكن يُؤثرُ عنِ السلفِ قولُهم: اللَّهمَّ اجعلْهُ ذُخْرًا لِوالِديهِ، وفَرَطًا، وأجرًا،وشفيعًا مُجابًا، اللَّهمَّ ثقِّلْ به مَوَازينَهما، وأعْظِمْ به أُجُورَهما، وَأَلحِقْهُبِصالحِ سلفِ المُؤمِنينَ، واجعلْهُ في كفالةِ إِبْراهِيمَ().
الأخرى: ألا نزهدَ بحضورِ جنازةِ الفرَطِ والطفلِ، فالقيراطانِ لم يفرَّقْ فيهما بينَ صغيرٍ وكبيرٍ(). فإنَّ الرَسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ. مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ [أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ ](). فلنتفكرْ في وزنِ جبلِ أحدٍ الذي قدَّروهُ بخمسةٍ وأربعينَ مليارَ طنٍ. هل تخيلتَ الرقمَ؟! هلِ استشعرتَ قدرَ الحسناتِ؟! ومع عِظَمِ هذا الأجرِ؛ فإنك تجِدُ بعضَنا زاهدًا بهِ. فاللهم ارحمْنا ولا تحرِمْنا. اللهم ارزقْنا الاستعدادَ قبلَ الموتِ.
اللهم اغفرْ لنا ولوالدِينا، ولمن سبقَنا إلى الدارِ الآخرةِ من أحبابِنا وأهلِينا. اللهم ارزقنا لُقيا من نُحبُ بالفردوسِ.
اللهم اجعل ْخير َأعمالِنا أواخرَها، وخيرَ أيامِنا يومَ نلقاكَ.
اللهم لكَ الحمدُ على الأمنِ والإيمانِ، وعلى إمدادِ الأعمالِ والأعمارِ، والإغداقِ بالأرزاقِ وبالغيثِ الدفاقِ.
اللهم احفظْ علينا دينَنا وجنودَنا وحدودَنا وثمراتِنا وثرواتنا. واحفظْ أرضَنا وسماءَنا، وادحرْ أعداءَنا، وانصر إخواننا بأكناف بيت المقدس، واخذلْ إخوانَ القردةِ والخنازيرِ.
اللهم أيدْ بالحقِ إمامَنا ووليَ عهدِه، اللهم ارزقهمْ بطانةَ الصلاحِ والفلاحِ.
اللهم صلِ وسلم على عبدِك ورسولِك محمدٍ.
المرفقات
1701349343_إلى المكلومين بفرطهما.docx
1701349344_إلى المكلومين بفرطهما.pdf